14ـ أشراط الساعة: انتشار الفاحشة

 

 أشراط الساعة

14ـ انتشار الفاحشة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: من عَلامَاتِ قِيَامِ السَّاعَةِ التي حَدَّثَ عَنهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، والتي تَدُلُّ على صِدْقِ نُبُوَّتِهِ، وأَنَّهُ لا يَتَكَلَّمُ إلا بِوَحْيٍ من اللهِ تعالى وإِلْهَامٍ لَهُ عن المُغَيَّبَاتِ التي يُخبِرُ عَنهَا، والتي تَأتِي بَعدَهُ بِأَزمِنَةٍ قَصِيرَةٍ أو طَوِيلَةٍ لِيَزدَادَ المُؤمِنُونَ إِيمَانَاً، ولِيَرتَابَ الذينَ في قُلُوبِهِمُ الزَّيغُ والشَّكُّ من المُنَافِقِينَ، اِنتِشَارُ الفَاحِشَةِ، هذهِ العَلامَةُ ظَهَرَتْ ومَا زَالَتْ في ازدِيَادٍ ـ والعِيَاذُ باللهِ تعالى ـ وحَتَّى صَارَتْ مُرَخَّصَةً من قِبَلِ بَعْضِ الدُّوَلِ، واتُّخِذَ لَهَا بُيُوتٌ خَاصَّةٌ مَعْرُوفَةٌ لِمَن أَرَادَهَا.

روى الشيخان عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ، وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا».

وروى الطَّبَرَانِيُّ في الأَوسَطِ عن ابنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ من أَعْلَامِ السَّاعَةِ وَأَشْرَاطِهَا أن يَكْثُرَ أَولَادُ الزِّنَا».

وروى الشيخان عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثاً سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَا يُحَدِّثُكُمْ أَحَدٌ بَعْدِي سَمِعَهُ مِنْهُ: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ، وَيَفْشُوَ الزِّنَا، وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ، وَيَذْهَبَ الرِّجَالُ، وَتَبْقَى النِّسَاءُ، حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً قَيِّمٌ وَاحِدٌ».

وروى أبو يَعلَى عَن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا تَفْنَى هذهِ الأُمَّةُ حَتَّى يَقُومَ الرَّجُلُ إلى المَرأَةِ فَيَفْتَرِشُهَا في الطَّرِيقِ، فَيَكُونُ خِيَارُهُم يَومَئِذٍ مَن يَقُولُ لَو وَارَيتُهَا وَرَاءَ هذا الحَائِطِ».

جَرَّمَ الإِسلامُ الزُّنَاةَ تَجرِيمَاً شَدِيدَاً:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد أَكرَمَنَا اللهُ عزَّ وجلَّ بِدِينٍ عَظِيمٍ، زَكَّى بِهِ نُفُوسَنَا بالفَضَائِلِ ونَمَّاهَا، وسَيَّجَ المُجتَمَعَاتِ بِسِيَاجِ الأَخلاقِ والعِفَّةِ، وصَانَ الدِّمَاءَ والأَعرَاضَ والعُقُولَ والأَموَالَ، وشَرَّعَ لَهَا من الأَحكَامِ مَا يَحْفَظُهَا من عَبَثِ العَابِثِينَ، وتَرَبُّصِ المُجرِمِينَ.

من هذا المُنطَلَقِ حَرَّمَ الإِسلامُ الفَوَاحِشَ، مَا ظَهَرَ مِنهَا ومَا بَطَنَ، وخَاصَّةً فَاحِشَةَ الزِّنَا، فقد حَرَّمَهَا الإِسلامُ تَحرِيمَاً أَكِيدَاً، وجَرَّمَ الزُّنَاةَ تَجرِيمَاً شَدِيدَاً، لأنَّ هذهِ الفَاحِشَةَ مُنَافِيَةٌ للآدَابِ العَامَّةِ، والأَخلاقِ السَّامِيَةِ، وسَبَبٌ لِضَيَاعِ الأَنسَابِ، بل نَهَى الإِسلامُ السَّامِي عن الزِّنَا، وعن كُلِّ مَا يُقَرِّبُ إِلَيهِ، أو يَدعُو إِلَيهِ، من النَّظَرِ والخَلْوَةِ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً﴾. وأَكَّدَ حُرَمَتَهُ عِندَمَا وَصَفَ عِبَادَ الرَّحمَنِ بِقَولِهِ: ﴿وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: إِضَافَةً إلى ذلكَ شَرَعَ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ عُقُوبَةً رَادِعَةً لِمَنِ ارتَكَبَ هذهِ الكَبِيرَةَ، فَجَعَلَ عُقُوبَةَ الزَّانِي المُحْصَنِ الرَّجْمَ بالحِجَارَةِ حَتَّى المَوتِ، وغَيرَ المُحْصَنِ مِئَةَ جَلْدَةٍ وتَغرِيبَ عَامٍ، قَالَ تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ باللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

وعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ، الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ» رواه الإمام مسلم.

مَرَاتِبُ الزِّنَا:

أيُّها الإخوة الكرام: الزِّنَا ـ أًجَارَنَا اللهُ وإِيَّاكُم من جَمِيعِ الفَوَاحِشِ ـ لَيسَ على مَرتَبَةٍ وَاحِدَةٍ في الحُرْمَةِ والضَّرَرِ، بل تَتَفاوَتُ حُرْمَتُهُ، فالزِّنَا بالمَحَارِمِ أَعظَمُ حُرْمَةً من غَيرِهِ، والزِّنَا بامرَأَةِ الجَارِ أَشَدُّ قُبْحَاً من الزِّنَا بِغَيرِهَا.

روى الإمام أحمدعن الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: «مَا تَقُولُونَ فِي الزِّنَا؟»

قَالُوا: حَرَّمَهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، فَهُوَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: «لَأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرَةِ نِسْوَةٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ».

وروى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ».

أيُّها الإخوة الكرام: الزِّنَا بِكُلِّ صُوَرِهِ ومَرَاتِبِهِ حَقِيرٌ، ولكنَّ الزِّنَا بالمرَأَةِ الأَجنَبِيَّةِ المُحْصَنَةِ أَشنَعُ من الزِّنَا بِغَيرِ المُحْصَنَةِ، وزِنَا الرَّجُلِ الكَبِيرِ أَشنَعُ من زِنَا الشَّابِّ، وزِنَا المُتَعَلِّمِ أَفظَعُ وأَشنَعُ من زِنَا الجَاهِلِ، والزِّنَا في الأَشهُرِ الحُرُمِ وفي رَمَضَانَ أو في الحَرَمَينِ الشَّرِيفَينِ أعظَمُ جُرْمَاً، وأَقبَحُ أَثَرَاً.

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: الزَّانِي صَاحِبُ نَفسٍ عَلِيلَةٍ، وقَلبٍ مَرِيضٍ، يُسَيطِرُ عَلَيهِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ، وقِلَّةِ نَظَرٍ في العَوَاقِبِ والمَآلاتِ.

وأَعظَمُ الأَسبَابِ للوُقُوعِ في جَرِيمَةِ الزِّنَا ضَعْفُ الإِيمَانِ، روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ».

أيُّها الإخوة الكرام: الزِّنَا مُنذِرُ هَلاكٍ، ونَذِيرُ حُلُولِ سَخَطِ اللهِ وعِقَابِهِ على العِبَادِ، روى الحاكم عَن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا ظَهَرَ الزِّنَا والرِّبَا في قَريَةٍ، فَقَد أَحَلُّوا بِأَنفُسِهِم عَذَابَ اللهِ».

الزِّنَا عَلامَةٌ من عَلامَاتِ بِدَايَةِ نِهَايَةِ الدُّنيَا، وقُرْبِ قِيَامِ السَّاعَةِ.

نَسأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخِتَامِ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 1/ربيع الثاني/1436هـ، الموافق: 21/كانون الثاني / 2015م