5ـ مع الصحابة و آل البيت: المصاهرة بين آل البيت والصحابة

 

مع الصحابة و آل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

5ـ المصاهرة بين آل البيت والصحابة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: المَنَازِلُ الشَّرِيفَةُ، والمَقَامَاتُ الرَّفِيعَةُ عِندَ اللهِ عزَّ وجلَّ ثَلاثَةٌ لا رَابِعَ لَهَا، والسَّعِيدُ مَن كَانَ من أَصحَابِ هذهِ المَنَازِلِ الثَّلاثَةِ، أمَّا المَنزِلَتَانِ الأُولَى والثَّانِيَةُ فَقَد مَضَتْ وانقَضَتْ، وأمَّا المَنزِلَةُ الثَّالِثَةُ فَهِيَ بَاقِيَةٌ إلى قِيَامِ السَّاعَةِ بِإذْنِ اللهِ تعالى، فَضْلاً مِنهُ تَكَرُّمَاً ونِعمَةً مِنهُ ورَحمَةً، فَهَل يَا تُرَى نَحنُ من أَهلِهَا؟

نَرجُو اللهَ تعالى أن نَكُونَ مِنهُم، بِجَاهِ الحَبِيبِ الأَعظَمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

روى الحاكم عَن سَعدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: النَّاسُ على ثَلاثِ مَنَازِلَ، فَمَضَتْ مِنهُمُ اثنَتَانِ، وَبَقِيَتْ وَاحِدَةٌ، فَأَحسَنُ مَا أَنتُم كَائِنُونَ عَلَيهِ أن تَكُونُوا بهذهِ المَنزِلَةِ التي بَقِيَتْ.

ثمَّ قَرَأَ: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْـمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾.

ثمَّ قَالَ: هؤلاءِ المُهَاجِرُونَ، وهذهِ مَنزِلَةٌ، وقد مَضَتْ.

ثمَّ قَرَأَ: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.

ثمَّ قَالَ: هؤلاءِ الأَنصَارُ، وهذهِ مَنزِلَةٌ، وقد مَضَتْ.

ثمَّ قَرَأَ: ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلَّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾.

قَالَ: فَقَد مَضَتْ هَاتَانِ المَنزِلَتَانِ، وَبَقِيَتْ هذهِ المَنزِلَةُ، فَأَحسَنُ مَا أَنتُم كَائِنُونَ عَلَيهِ أن تَكُونُوا بهذهِ المَنزِلَةِ التي بَقِيَتْ.

فِقْهُ زَينِ العَابِدِينَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ:

أيُّها الإخوة الكرام: لِنَنْظُرْ إلى فِقْهُ زَينِ العَابِدِينَ بنِ الحُسَينِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، حِينَ أَتَاهُ نَفَرٌ من أَهلِ العِرَاقِ، فَقَالُوا في أَبِي بَكرٍ وعُمَرَ، ثمَّ ابتَرَكُوا في عُثمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ يَعنِي طَعَنُوا وشَتَمُوا ـ لَم يَتَزَكُّوا، فَلَمَّا فَرَغُوا، قَالَ لَهُم: أَلَا تُخبِرُونِي، أَنتُمُ المُهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ الذينَ أُخرِجُوا من دِيَارِهِم وَأَموَالِهِم يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾؟

قَالُوا: لا.

قَالَ: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾؟

قَالُوا: لا.

قَالَ: أَمَّا أَنتُم فَقَد بَرِئتُم أن تَكُونُوا من أَحَدِ هذينِ الفَرِيقَينِ، وَأَنَا أَشهَدُ أَنَّكُم لَستُم من الذينَ قَالَ اللُه عزَّ وجلَّ ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلَّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ رواه الدَّارقطني في فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ.

نَسأَلُكَ اللَّهُمَّ أن تَجعَلَنَا من أَهلِ المَنزِلَةِ التي بَقِيَتْ، ولا تَحْرِمْنَا من فَضْلِكَ، ولا تَمْنَعْ عَنَّا خَيرَكَ، وجَنِّبْنَا الزَّلَلَ والخُسْرَانَ، ومَنَازِلَ الأَشقِيَاءِ، وأَهلَ النِّيرَانِ. آمين.

مَتَانَةُ الصِّلَةِ بَينَ الصَّحَابَةِ وآلِ البَيتِ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد رَبَّى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَصحَابَهُ الكِرَامَ بِمَا فِيهِم آلُ بَيتِهِ الأَطهَارُ على العَلاقَةِ الإِيمَانِيَّةِ فِيمَا بَينَهُم، فَكَانَتِ الصِّلَةُ الإِيمَانِيَّةُ والأَخَوِيَّةُ تَسُودُ بَينَ الصَّحَابَةِ الأَخيَارِ، وآلُ البَيتِ الأَطهَارُ رَضِيَ اللهُ عَنهُم جَمِيعَاً.

كَيفَ لا تَكُونُ أَخلاقُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم صَافِيَةً صَفَاءَ المَاءِ الزُّلالِ، وبَيضَاءَ نَاصِعَةً كَبَيَاضِ الثَّلجِ، وهُم يَعِيشُونَ تَحتَ ظِلالِ أَخلاقِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وهوَ الذي شَهِدَ اللهُ تعالى لَهُ بِسُمُوِّ أَخلاقِهِ، ورِفْعَةِ خِصَالِهِ بِقَولِهِ تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾؟

كَيفَ لا يَكُونُ هذا حَالَهُم واللهُ تعالى هوَ الذي تَوَلَّى التَّألِيفَ بَينَ قُلُوبِهِم، وتَهْذِيبَ نُفُوسِهِم؟ قال تعالى: ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: ولكن يَجِبُ عَلَينَا أن لا نَنسَى بأنَّ الصَّحَابَةَ الكِرَامَ رَضِيَ اللهُ عَنهُم بِمَا فِيهِم آلُ البَيتِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم لَم يَسلَمُوا من النَّزَعَاتِ الإِنسَانِيَّةِ، فَهُم لَيسُوا بأَنبِيَاءَ مَعصُومِينَ، بل هُم مُندَرِجُونَ تَحتَ قَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» رواه الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

ولكن مَعَ هذا لَو قَرَنْتَهُم مَعَ بَقِيَّةِ المُسلِمِينَ من أَوَّلِهِم إلى آخِرِهِم، بل لَو قَرَنْتَهُم مَعَ جَمِيعِ أُمَمِ الأَرضِ من لَدُنْ سَيِّدِنَا آدَمَ عَلَيهِ السَّلامُ إلى قِيَامِ السَّاعَةِ ـ مَا خَلا الأَنبِيَاءَ والمُرسَلِينَ ـ لَوَجَدْتَ قُلُوبَهُم أَطهَرَ القُلُوبِ، ونُفُوسَهُم أَزكَى النُّفُوسِ، وسَرَائِرَهُم أَصفَى السَّرَائِرِ، وأَخلاقَهُم أَحسَنَ الأَخلاقِ، وسُلُوكَهُم أَسمَى السُّلُوكِ.

روى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: إِنَّ اللهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ، فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ.

ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ، فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ، يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ، فَمَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَناً فَهُوَ عِنْدَ اللهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئاً فَهُوَ عِنْدَ اللهِ سَيِّئٌ.

أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ أَصحَابُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ آلِ البَيتِ الأَطهَارِ سَبَّاقِينَ إلى كُلِّ صِفَةٍ عُليَا، حَتَّى صَارُوا فِيهَا رُؤُوسَاً ومَنَارَاتٍ يُقتَدَى بِهِم، ومَا من صِفَةٍ دَنِيئَةٍ إلى وكَانُوا أَنْأَى النَّاسِ عَنهَا، ولَم يَشهَدِ التَّارِيخُ فِيمَا مَضَى، ولَن يَشهَدَ فِيمَا يَأتِي مِثلَ هؤلاءِ الأَخيَارِ الأَطهَارِ من صَحَابَتِهِ وآلِ بَيتِهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم.

فَهُم رَضِيَ اللهُ عَنهُم خَيرُ خَلْقِ اللهِ تعالى بَعدَ الأَنبِيَاءِ والمُرسَلِينَ، مَا كَانَ مِثلُهُم ولن يَكُونَ مِثلُهُم، لأنَّهُمُ الصَّفْوَةُ المُختَارَةُ لأنْ يَكُونُوا أصحَابَاً لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ولِيَكُونَ مِنهُم آلُ بَيتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

المُصَاهَرَةُ بَينَ آلِ البَيتِ والصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد صَهَرَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المُجتَمَعَ الذي عَاصَرَهُ، حَتَّى صَارُوا كَالجَسَدِ الوَاحِدِ، وهكذا كَانَ آلُ البَيتِ الطَّاهِرُونَ مَعَ الصَّحَابَةِ الكِرَامِ المُقَرَّبِينَ، ومن صُوَرِ هذا الانصِهَارِ مَا وَقَعَ بَينَ الآلِ والصَّحَابَةِ من المُصَاهَرَةِ.

أولاً: زَوَاجُ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ من أُمِّ كُلثُومَ بِنتِ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُما:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد زَوَّجَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ابنَتَهُ التي هيَ من السَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ بِنتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من الفَارُوقِ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

لأنَّ سَيِّدَنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ كَانَ يُكِنُّ لأَهلِ البَيتِ مَحَبَّةً خَاصَّةً لا يُكِنُّهَا لِغَيرِهِم، وذَاكَ لِقَرَابَتِهِم من سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ولِمَا أَوصَى بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من إِكْرَامِ أَهلِ البَيتِ ورِعَايَةِ حُقُوقِهِم.

من هذا البَاعِثِ خَطَبَ سَيِّدُنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أُمَّ كُلثُومَ ابنَةَ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ وفَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، وتَوَدَّدَ إِلَيهِ قَائِلاً: واللهِ مَا عَلَى ظَهْرِ الأرضِ رَجُلٌ يَرصُدُ من حُسْنِ صُحْبَتِهَا مَا أَرصُدُ.

فَفَعَلَ؛ فَجَاءَ عُمَرُ إلى مَجلِسِ المُهَاجِرِينَ فَقَالَ: زُفُّونِي.

قَالُوا: بِمَن يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ؟

قَالَ: بِأُمِّ كُلثُومَ.

وسُئِلَ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عن سَبَبِ زَوَاجِهِ مِنهَا، فَأَجَابَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: لأنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:«كُلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ يَنقَطِعُ يَومَ القِيَامَةِ إلا سَبَبِي وَنَسَبِي».

فَأَحبَبتُ أن يَكُونَ بَينِي وَبَينَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ  نَسَبَبٌ وَسَبَبٌ.

ثانياً: زَوَاجُ سَيِّدِنَا الحَسَنِ من بِنتِ ابنِ سَيِّدِنَا أَبِي بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُم:

أيُّها الإخوة الكرام: مِمَّا يَدُلُّ على مَتَانَةِ الصِّلَةِ بَينَ الآلِ والصَّحَابَةِ أنَّ سَيِّدَنَا الحَسَنَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ تَزَوَّجَ السَّيِّدَةَ حَفصَةَ بِنتَ عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ أَبِي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم.

ثالثاً: وَلَدَنِي أَبُو بَكرٍ الصِّدِّيقُ مَرَّتَينِ:

أيُّها الإخوة الكرام: سَيِّدُنَا جَعفَرُ الصَّادٍِقُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ بِجَدِّهِ الصِّدِّيقِ سَيِّدِنَا أَبِي بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، لأنَّ أُمَّ سَيِّدِنَا جَعفَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ هيَ أُمُّ فَروَةَ بِنتِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُم.

أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ الحَفِيدُ الصَّادِقُ يَفْخَرُ بالجَدِّ الصِّدِّيقِ الذي يَتَّصِلُ بِهِ من أُمِّ فَروَةَ، وكَانَ يَقُولُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: وَلَدَنِي أَبُو بَكرٍ مَرَّتَينِ.

الوِلادَةُ الأُولَى هيَ من أُمِّهِ بِنتِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكرٍ، والوِلادَةُ الثَّانِيَةُ هيَ من جَدَّتِهِ من أُمِّهِ السَّيِّدَةِ أَسمَاءَ بِنتِ عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ أَبِي بَكرِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم جَمِيعَاً.

أيُّها الإخوة الكرام: لا يُفَاخِرُ التَّقِيُّ إلا بِأَهلِ التُّقَى والصَّلاحِ، ولا يُبَاهِي الصَّالِحُ إلا بِذَوِي الفَوزِ والفَلاحِ.

ويَحِقُّ للإمَامِ جَعفَرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أن يَفتَخِرَ بِجَدِّهِ الصِّدِّيقِ ﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ﴾.

ويَحِقُّ لهذا الإمَامِ العَظِيمِ صَاحِبِ النَّسَبِ الشَّرِيفِ إلى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أن يَفتَخِرَ  بهذا العَلَمِ الشَّامِخِ والصَّحَابِيِّ الجَلِيلِ الذي قَالَ عَنهُ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذاً خَلِيلاً غَيْرَ رَبِّي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ، لَا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ إِلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: لَو سَأَلنَا آلَ البَيتِ الكِرَامَ: لماذا تَزَوَّجتُم من بَعْضِ بَنَاتِ الصَّحَابَةِ الكِرَامِ؟ ولماذا زَوَّجتُم بَعْضَ بَنَاتِكُم لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ الكِرَامِ؟

لَجَاءَ الجَوَابُ مِنهُم رَضِيَ اللهُ عَنهُم: لأنَّ جَدَّنَا المُصطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ، وَأَنْكِحُوا الْأَكْفَاءَ، وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ» رواه ابن ماجه عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها.

وقَالَ: «فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وقَالَ: «إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

فإنْ لَم نُزَوِّجْ للصَّحَابَةِ ولأبنَاءِ الصَّحَابَةِ فَلِمَن نُزَوِّجْ؟ وإذا لَم نَتَزَوَّجْ من بَنَاتِ الصَّحَابَةِ وبَنَاتِ أَبنَائِهِم، فَمَن نَتَزَوَّجْ؟

لقد كَانَ الصَّحْبُ والآلُ كَالجَسَدِ الوَاحِدِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، أَسأَلُ اللهَ تعالى أن يُلحِقَنَا بِهِم على أَحسَنِ حَالٍ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 2/ربيع الثاني/1435هـ، الموافق: 22/كانون الثاني / 2015م