15ـ أشراط الساعة: ظاهرة الفحش

 

 أشراط الساعة

15ـ ظاهرة الفحش

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: من عَلامَاتِ قِيَامِ السَّاعَةِ التي أَخبَرَ عَنهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، والتي ظَهَرَتْ ومَا زَالَتْ في ازدِيَادٍ، وسَتَتَعَاظَمُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، ظَاهِرَةُ الفُحْشِ، الفُحْشِ في الكَلامِ، والبَذَاءَةِ في القَوْلِ، هذهِ الصِّفَةُ القَبِيحَةُ التي حَذَّرَ مِنهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كُلَّ التَّحْذِيرِ.

روى الإمام أحمد عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنهُما، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَظْهَرَ الْفُحْشُ، وَالتَّفَاحُشُ، وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ، وَسُوءُ الْمُجَاوَرَةِ».

وروى الطَّبَرَانِيُّ في الأَوسَطِ عَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ من أَشرَاطِ السَّاعَةِ أَن يَظْهَرَ الفُحْشُ، والتَّفَحُّشُ، وَسُوءُ الجِوَارِ، وَقَطْعُ الأَرحَامِ».

وروى الحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَظْهَرَ الْفُحْشُ، وَالْبُخْلُ، وَيُخَوَّنُ الأَمِينُ، وَيُؤْتَمَنُ الْخَائِنُ».

أيُّها الإخوة الكرام: الفُحْشُ هوَ كُلُّ خَصْلَةٍ قَبِيحَةٍ من الأَقوَالِ والأَفعَالِ، والتَّفَاحُشُ هوَ تَكَلُّفُ الفُحْشِ وتَعَمُّدُهُ.

بُغْضُ اللهِ عزَّ وجلَّ للفَاحِشِ:

أيُّها الإخوة الكرام: ظَاهِرَةُ الفُحْشِ في الكَلامِ تَفَشَّتْ في أَوسَاطِ النَّاسِ، فلا يَكَادُ إِنسَانٌ يَخلُو من هذهِ الظَّاهِرَةِ فِعلاً أو سَمَاعَاً من غَيرِهِ، إلا من رَحِمَ اللهُ تعالى.

لقد تَهَاوَنَ الكَثِيرُ من النَّاسِ بالفُحْشِ في القَولِ، حَتَّى اعتَادَهَا الرِّجَالُ والنِّسَاءُ، الكِبَارُ والصِّغَارُ، حَتَّى بَعْضُ طَلَبَةِ العِلْمِ ـ ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ ـ.

لقد كَثُرَ السِّبَابُ والشَّتْمُ واللَّعْنُ والبَذَاءَةُ، حَتَّى أَصبَحْنَا نَرَى الصَّالِحِينَ لا يَستَطِيعُونَ أن يُجَالِسُوا كَثِيرَاً من النَّاسِ بِسَبَبِ فُحْشِ أَقوَالِهِم، وهؤلاءِ من شِرَارِ النَّاسِ.

روى الإمام البخاري عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها، أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ.

فَقَالَ: «ائْذَنُوا لَهُ، فَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ، أَوْ بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ».

فَلَمَّا دَخَلَ أَلَانَ لَهُ الْكَلَامَ.

فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قُلْتَ مَا قُلْتَ، ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ فِي الْقَوْلِ.

فَقَالَ: «أَيْ عَائِشَةُ، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ تَرَكَهُ أَوْ وَدَعَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ».

وفي رِوَايَةِ أَبِي داود قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَائِشَةُ، إِنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ الَّذِينَ يُكْرَمُونَ اتِّقَاءَ أَلْسِنَتِهِمْ».

وروى الترمذي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ».

أيُّها الإخوة الكرام: الفُحْشُ في القَولِ، فَضْلاً عن الفُحْشِ في العَمَلِ، لَيسَ من صِفَاتِ الإِنسَانِ المُؤمِنِ بِأَيِّ حَالٍ من الأَحوَالِ.

سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قُدْوَتُنَا:

أيُّها الإخوة الكرام: لِيُفَكِّرِ الإِنسَانُ في كُلِّ كَلِمَةٍ يَقُولُهَا، ولِيُفَكِّرْ من هوَ قُدْوَتُهُ فِيمَا يَقُولُ؟

المُؤمِنُ الحَقُّ الذي آمَنَ باللهِ واليَومِ الآخِرِ، يَجْعَلُ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قُدْوَتَهُ في أَقوَالِهِ وأَفعَالِهِ، ولقد كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لا يُحِبُّ الفُحْشَ ولا التَّفَاحُشَ، ولا يُحِبُّ الفَاحِشَ ولا المُتَفَاحِشَ.

بل جَاءَ في شَمَائِلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: «لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَاحِشاً، وَلَا لَعَّاناً، وَلَا سَبَّاباً.

كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْمَعْتَبَةِ: «مَا لَهُ، تَرِبَ جَبِينُهُ» رواه الإمام البخاري.

أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُؤَدِّبُ أَهلَ بَيتِهِ على كَمَالِ الأَخلاقِ في الأَقوَالِ والأَفعَالِ.

روى الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها قَالَتْ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أُنَاسٌ مِن الْيَهُودِ فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ ـ أي: المَوتُ ـ

قَالَ: «وَعَلَيْكُمْ».

قَالَتْ عَائِشَةُ: قُلْتُ: بَلْ عَلَيْكُمُ السَّامُ وَالذَّامُ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَائِشَةُ، لَا تَكُونِي فَاحِشَةً».

فَقَالَتْ: مَا سَمِعْتَ مَا قَالُوا.

فَقَالَ: «أَوَلَيْسَ قَدْ رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ الَّذِي قَالُوا، قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ».

وفي نفسِ الرِّوَايَةِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَهْ يَا عَائِشَةُ، فَإِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَالتَّفَحُّشَ».

مَا رَضِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أن تَلعَنَهُم.

﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾:

أيُّها الإخوة الكرام: اللِّسَانُ أَعظَمُ الأَعضَاءِ ضَرَرَاً، وأَشَدُّهَا خَطَرَاً، إذا لَم يَتَعَاهَدْهُ صَاحِبُهُ أوقَعَهُ في الآفَاتِ والمَهَالِكِ، وأَفضَى بِهِ إلى خَسَارَةِ الدُّنيَا والآخِرَةِ.

يَقُولُ بَعْضُ الحُكَمَاءِ: إذا تَكَلَّمتَ كَلِمَةً فَاذْكُرْ سَمَعَ اللهِ لَكَ، وإذا سَكَتَّ فَاذْكُرْ نَظَرَهُ إِلَيكَ، قال تعالى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ﴾. وقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

أيُّها الإخوة الكرام: لقد صَرَّحَ القُرآنُ العَظِيمُ إلى هذا بِقَولِهِ تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾. وبِقَولِهِ تعالى: ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾.

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَرشَدَنَا إلى مَا فِيهِ فَلاحُنَا في دُنيَانَا ودِينِنَا، وحَذَّرَنَا من كُلِّ مَا فِيهِ ضَرَرٌ في أُولانَا وأُخرَانَا، فقد روى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ».

وروى البيهقي في الزُّهدِ الكَبِيرِ عَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِيَّاكَ وَكُلَّ مَا يُعْتَذَرُ مِنهُ».

وروى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا، يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ».

وفي رِوَايَةِ الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لَا يُرِيدُ بِهَا بَأْساً، يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفاً فِي النَّارِ».

أَجَارَنَا اللهُ وإِيَّاكُم من فُحْشِ الأَقوَالِ والأَفعَالِ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 8/ربيع الثاني/1436هـ، الموافق: 28/كانون الثاني / 2015م