17ـ أشراط الساعة: انتشار المعازف واستحلالها

 

 أشراط الساعة

17ـ انتشار المعازف واستحلالها

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: من عَلامَاتِ قِيَامِ السَّاعَةِ التي أَخبَرَ عَنهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، والتي ظَهَرَتْ، ومَا زَالَتْ في ازدِيَادٍ، وهيَ ظَاهِرَةٌ وَوَاقِعَةٌ، اِنتِشَارُ المَعَازِفِ والآلاتِ المُوسِيقِيَّةِ، واستِحْلَالُهَا من قِبَلِ من يَضْرِبُونَ بِهَا، وقد دَخَلَتْ هذهِ المَعَازِفُ بُيُوتَ المُسلِمِينَ ومَحَلَّاتِهِم، وأَفسَدَتْ على المُسلِمِينَ مَجَالِسَهُم، ولَم يَسْلَمْ مِن هذهِ المَعَازِفِ والآلاتِ المُوسِيقِيَّةِ إلا مَا نَدَرَ ورَحِمَ اللهُ تعالى.

لقد ظَهَرَتْ هذهِ العَلامَةُ في أَعرَاسِ المُسلِمِينَ، وفي أَفرَاحِهِم، وفي وَسَائِلِ إِعلامِهِم، وفي بُيُوتِهِم، وفي سَيَّارَاتِهِم، حَتَّى دَخَلَتْ هذهِ المَعَازِفُ والآلاتُ المُوسِيقِيَّةُ على مَدِيحِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ وإلى اللهِ المُشتَكَى.

روى الإمام البخاري عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ، واللهِ مَا كَذَبَنِي، سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ، وَالْحَرِيرَ، وَالْخَمْرَ، وَالْمَعَازِفَ».

وقَولُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَسْتَحِلُّونَ» دِلالَةٌ وَاضِحَةٌ أنَّ الأَصْلَ في هذهِ المَذْكُورَاتِ حَرَامٌ، ولكنَّ النَّاسَ يَسْتَحِلُّونَهَا من عِندِ أَنفُسِهِم.

المَعَازِفُ سَبَبٌ للخَسْفِ:

أيُّها الإخوة الكرام: لا تَظُنُّوا أنَّ الفِتَنَ والزَّلازِلَ والبَلابِلَ والقَلاقِلَ تَقَعُ سُدَىً، ولا تَظُنُّوا أَنَّهَا ظَوَاهِرُ طَبِيعِيَّةٌ عَادِيَّةٌ، كَمَا يَقُولُ المُغَفَّلُونَ المَغرُورُونَ المَخْدُوعُونَ، الذينَ أَمِنُوا مَكْرَ اللهِ تعالى، قال تعالى: ﴿أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾.

إنَّ المَعَازِفَ والآلاتِ المُوسِيقِيَّةَ سَبَبٌ للخَسْفِ والمَسْخِ، وسَبَبٌ للزَّلازِلِ، روى ابنُ ماجه عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ، يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا، يُعْزَفُ عَلَى رُؤُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالْمُغَنِّيَاتِ، يَخْسِفُ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ، وَيَجْعَلُ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ».

وروى الترمذي عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فِي هَذِهِ الأُمَّةِ خَسْفٌ، وَمَسْخٌ، وَقَذْفٌ».

فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَتَى ذَاكَ؟

قَالَ: «إِذَا ظَهَرَتِ الْقَيْنَاتُ ـ المُغَنِّيَاتُ ـ وَالْمَعَازِفُ، وَشُرِبَتِ الْخُمُورُ».

السَّمْعُ نِعمَةٌ من نِعَمِ اللهِ تعالى:

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ نِعمَةَ السَّمْعِ من نِعَمِ اللهِ تعالى العُظْمَى، والتي مَا عَرَفَ قَدْرَهَا كَثِيرٌ من النَّاسِ، فإذا بِهِم يَسْتَخْدِمُونَ هذهِ النِّعمَةَ في مَعصِيَةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، واللهُ عزَّ وجلَّ بَيَّنَ في كِتَابِهِ العَظِيمِ بأنَّ هذهِ النِّعمَةَ سَوفَ نُسأَلُ عَنهَا يَومَ القِيَامَةِ، قال تعالى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً﴾. وقال تعالى: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾.

هذهِ الأُذُنُ مَسؤُولٌ عَنهَا العَبدُ يَومَ القِيَامَةِ، وهيَ مَصَبٌّ وقَنَاةٌ للقَلبِ تَحمِلُ إِلَيهِ الظُّلمَةَ أو النُّورَ، الشَّرَّ أو الخَيرَ، وهيَ سَبَبٌ كذلكَ لإحْيَاءِ القَلبِ أو إِمَاتَتِهِ والعِيَاذُ باللهِ تعالى.

أيُّها الإخوة الكرام: لِيَسأَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا نَفْسَهُ: هَل نَسْمَعُ بهذهِ الجَارِحَةِ إلى مَا يُرضِي اللهَ عزَّ وجلَّ، أم إلى مَا يُسْخِطُ اللهَ تعالى؟

روى الإمام أحمد عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سَمِعَ صَوْتَ زَمَّارَةِ رَاعٍ، فَوَضَعَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، وَعَدَلَ رَاحِلَتَهُ عَن الطَّرِيقِ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا نَافِعُ، أَتَسْمَعُ؟

فَأَقُولُ: نَعَمْ.

فَيَمْضِي حَتَّى قُلْتُ: لَا.

فَوَضَعَ يَدَيْهِ، وَأَعَادَ رَاحِلَتَهُ إِلَى الطَّرِيقِ، وَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَسَمِعَ صَوْتَ زَمَّارَةِ رَاعٍ، فَصَنَعَ مِثْلَ هَذَا.

وَتَعْزِفَ عَلَينَا القِيَانُ:

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ الاستِمَاعَ إلى الآلاتِ المُوسِيقِيَّةِ والغِنَاءِ لَيسَ من شَأنِ الصَّالِحِينَ، بَل هوَ من شَأنِ المُشرِكِينَ.

في غَزوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى، عِندَمَا سَارَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى بَدْرٍ، ونَجَا أَبُو سُفيَانَ ورَاحِلَتُهُ، كَتَبَ إلى قُرَيشٍ أن ارجِعُوا، فَإِنَّكُم إِنَّمَا خَرَجتُم لِتُحرِزُوا عِيرَكُم.

فَأَتَاهُمُ الخَبَرُ، فَهَمُّوا بالرُّجُوعِ.

فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: واللهِ لا نَرْجِعُ حَتَّى نَأتِيَ بَدْرَاً ـ وَكَانَت بَدْرٌ سُوقَاً من أَسوَاقِ العَرَبِ ـ فَنُقِيمَ بِهَا ثَلاثَاً، فَنُطعِمَ بِهَا الطَّعَامَ، ونَنحَرَ بِهَا الجُزورَ، ونَسقِيَ بِهَا الخَمْرَ، وَتَعْزِفَ عَلَينَا القِيَانُ ـ المُغَنِّيَاتُ ـ وتَسمَعَ بِنَا العَرَبُ وبِمَسِيرِنَا، فَلا يَزَالُونَ يَهَابُونَنَا بَعدَهَا أَبَدَاً وَتَخَافُنَا. رواه البيهقي.

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ مُشكِلَةَ الإِصْرَارِ على اللَّهْوِ من الاستِمَاعِ إلى آلاتِ الطَّرَبِ والغِنَاءِ المُحَرَّمِ التي أَصبَحَ كَثِيرٌ من النَّاسِ عَاكِفَاً عَلَيهَا، حَتَّى أَشغَلَتْهُ عن كَثِيرٍ من أُمُورِهِ الدِّينِيَّةِ والدُّنيَوِيَّةِ، ورَبُّنَا عزَّ وجلَّ يَقُولُ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾.

وقد ذَهَبَ أَكثَرُ المُفَسِّرِينَ إلى أنَّ المُرَادَ بذلكَ اللَّهْوِ الغِنَاءُ، قَالَ ابنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: واللهِ الذي لا إلهَ غَيرُهُ، إنَّ ذلكَ هوَ الغِنَاءُ. وكَرَّرَهَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ. رواه الحاكم.

جَاءَ رَجُلٌ إلى ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما فَقَالَ لَهُ: مَا تَقُولُ في الغِنَاءِ، أَحَلالٌ هوَ أَم حَرَامٌ؟

فَقَالَ: لَا أَقُولُ حَرَاماً إلا مَا في كِتَابِ اللهِ.

فَقَالَ: أَفَحَلَالٌ هوَ؟

فَقَالَ: ولا أَقُولُ ذلكَ.

ثمَّ قَالَ لَهُ: أَرَأَيتَ الحَقَّ والبَاطِلَ، إذا جَاءَا يَومَ القِيَامَةِ، فَأَينَ يَكُونُ الغِنَاءُ؟

فَقَالَ الرَّجُلُ: يَكُونُ مَعَ البَاطِلِ.

فَقَالَ لَهُ ابنُ عَبَّاسٍ: اِذهَبْ، فَقَد أَفتَيتَ نَفْسَكَ.

اللَّهُمَّ وَفِّقنَا لِحِفْظِ جَوَارِحِنَا. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 22/ربيع الثاني/1436هـ، الموافق: 11/شباط / 2015م