8ـ مع الصحابة و آل البيت: مثل لا تدانيه أمثال

 

 مع الصحابة و آل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

8ـ مثل لا تدانيه أمثال

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: مَشَاكِلُ المُسلِمِينَ مَشَاكِلُ عَوِيصَةٌ، من أَعظَمِهَا وأَخطَرِهَا أَثَرَاً في حَيَاتِهِم مُشكِلَةُ الزَّوَاجِ، ولَو بَحَثنَا بَينَ المُسلِمِينَ فَإِنَّا نَجِدُ الأُلُوفَ المُؤَلَّفَةَ من البَنَاتِ في سِنِّ الزَّوَاجِ لا يَتَقَدَّمُ خَاطِبٌ إليهِنَّ، كَمَا نَجِدُ الأُلُوفَ المُؤَلَّفَةَ من الشَّبَابِ الذينَ عَزَفُوا عن الزَّوَاجِ بِسَبَبِ المُغَالاةِ في المُهُورِ.

أيُّها الإخوة الكرام: وإذا لَم يَتَنَبَّهِ المُسلِمُونَ إلى هذهِ المُشكِلَةِ الظَّاهِرَةِ، ولَم يَمْتَثِلُوا قَولَ اللهِ تعالى: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾. فإنَّ الفَسَادَ سَيُحِيطُ بِهِم من كُلِّ جَانِبٍ، كما جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ».

إنَّ عُزُوبَةَ الرَّجُلِ، وعُنُوسَةَ المَرأَةِ، مُشكِلَةٌ عَظِيمَةٌ جِدَّاً، إذا اسْتَفْحَلَتْ نَغَّصَتِ العَيشَ، وأَوقَعَتِ الشَّبَابَ والشَّابَّاتِ في حَمَأَةِ الشَّهْوَةِ، واسْتِرْقَاقِ الجَسَدِ، من حَيثُ يَشْعُرُ المُجتَمَعُ أو لا يَشْعُرُ، ولَن يَخرُجَ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ عن مَغَبَّةِ مَا قِيلَ:

إذا كُنتَ لا تَدرِي فَتِلكَ مُصِيبَةٌ   ***   وإذا كُنتَ تَدرِي فالمُصِيبَةُ أَعظَمُ

أيُّها الإخوة الكرام: هذهِ المُشكِلَةُ هيَ من أَعظَمِ مَشَاكِلِ المُسلِمِينَ اليَومَ، حَيثُ تَجعَلُ الشَّبَابَ والشَّابَّاتِ أَمَامَ خَيَارَاتٍ ثَلاثَةٍ كُلِّهَا شَرٌّ:

الأُول: أن يَنطَوِيَ الشَّابُّ والشَّابَّةُ على نَفْسَيْهِمَا، وتَتَعَكَّرَ حَيَاتُهُمَا، فَيَمُوتَانِ كَمَدَاً وحَسْرَةً وأَلَمَاً.

الثَّانِي: أن يَلجَأَ الشَّابُّ والشَّابَّةُ إلى طُرُقٍ سِرِّيَّةٍ خَفِيَّةٍ مُحَرَّمَةٍ شَرعَاً بِنَصِّ الكِتَابِ: ﴿فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾.

الثَّالِث: أن يَلجَأَ كُلٌّ من الشَّابِّ والشَّابَّةِ إلى الوُقُوعِ في اللَّذَّةِ المُحَرَّمَةِ بلا مِكْيَالٍ، وأن يَسْلُكَا سُبُلَ الضَّلالِ ـ والعِيَاذُ باللهِ تعالى ـ.

المُغَالاةُ في المُهُورِ:

أيُّها الإخوة الكرام: من الأَسبَابِ التي ضَيَّعَتِ الشَّبَابَ والشَّابَّاتِ المُغَالاةُ في المُهُورِ، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِن الْأَنْصَارِ.

فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ نَظَرْتَ إِلَيْهَا، فَإِنَّ فِي عُيُونِ الْأَنْصَارِ شَيْئاً؟».

قَالَ: قَدْ نَظَرْتُ إِلَيْهَا.

قَالَ: «عَلَى كَمْ تَزَوَّجْتَهَا؟».

قَالَ: عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ ـ مِئَةٍ وسِتِّينَ دِرْهَمَاً ـ.

فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ؟ كَأَنَّمَا تَنْحِتُونَ الْفِضَّةَ مِن عُرْضِ هَذَا الْجَبَلِ».

المُغَالاةُ في المُهُورِ تُعِيقُ الزَّوَاجَ الذي أَمَرَ اللهُ تعالى بِهِ، يَقُولُ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: أَلَا لَا تُغْلُوا صُدُقَ النِّسَاءِ، أَلَا لَا تُغْلُوا صُدُقَ النِّسَاءِ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللهِ كَانَ أَوْلَاكُمْ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، مَا أَصْدَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ، وَلَا أُصْدِقَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ، أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُبْتَلَى بِصَدُقَةِ امْرَأَتِهِ.

وَقَالَ مَرَّةً: وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُغْلِي بِصَدُقَةِ امْرَأَتِهِ، حَتَّى تَكُونَ لَهَا عَدَاوَةٌ فِي نَفْسِهِ، وَحَتَّى يَقُولَ: كَلِفْتُ إِلَيْكِ عَلَقَ الْقِرْبَةِ. ـ أي تَحَمَّلتُ لِأجلِكَ كُلَّ شيءٍ  حتَّى حَبلَ القِربَة ـ رواه الإمام أحمد.

أيُّها الإخوة الكرام: إذا رَجَعنَا إلى هَدْيِ سَيِّدِنا رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لَسَعِدْنَا دُنيَا وأُخرَى.

أيُّها الإخوة الكرام: يَا مَن أَحبَبْتُم سَيِّدَنا رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وأَحبَبْتُم آلَ بَيتِهِ الأَطهَارَ، اِسْمَعُوا إلى قِصَّةِ زَوَاجِ السَّيِّدَةِ الجَلِيلَةِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها أُمِّ أَبِيهَا، والتي مِنهَا تَنَاسَلَ آلُ البَيتِ الكِرَامِ.

مَهْرُ السَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها:

أيُّها الإخوة الكرام: روى البيهقي عَن عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: خَطَبتُ فَاطِمَةَ إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَت لي مَولاةٌ لي: هَل عَلِمتَ أنَّ فَاطِمَةَ قَد خُطِبَت إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

قُلتُ: لا.

قَالَت: فَقَد خُطِبَت، فَمَا يَمنَعُكَ أن تَأتِيَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَيُزَوِّجَكَ؟

فَقُلتُ: وَعِندِي شَيءٌ أَتَزَوَّجُ بِهِ؟

فَقَالَت: إِنَّكَ إن جِئْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ زَوَّجَكَ، فَوَاللهِ مَا زَالَت تُرجِينِي حَتَّى دَخَلتُ على رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَلَالَةٌ وَهَيبَةٌ، فَلَمَّا قَعَدتُ بَينَ يَدَيهِ أَفحَمتُ ـ أُسكِتُ ـ فَوَاللهِ مَا استَطَعتُ أن أَتَكَلَّمَ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا جَاءَ بِكَ، أَلَكَ حَاجَةٌ؟» فَسَكَتُّ.

فَقَالَ: «مَا جَاءَ بِكَ، أَلَكَ حَاجَةٌ؟» فَسَكَتُّ.

فَقَالَ: «لَعَلَّكَ جِئْتَ تَخطُبُ فَاطِمَةَ؟».

فَقُلتُ: نَعَم.

فَقَالَ: «وَهَل عِندَكَ من شَيءٍ تَسْتَحِلُّهَا بِهِ؟».

فَقُلتُ: لا واللهِ يَا رَسُولَ اللهِ.

فَقَالَ: «مَا فَعَلَت دِرْعٌ سَلَّحتُكَهَا» ـ فوالذي نَفْسُ عَلِيٍّ بِيَدِهِ إِنَّهَا لَحُطَمِيَّةٌ ـ هِيَ التِي تَحْطِمُ السُيُوفَ، أي تَكسِرُهَا ـ مَا ثَمَنُهَا أَربَعَةُ دَرَاهِمَ ـ

فَقُلتُ: عِندِي.

فَقَالَ: «قَد زَوَّجتُكَهَا، فَابْعَثْ إِلَيهَا بِهَا فَاستَحِلَّهَا بِهَا».

فَإنَّهَا كَانَت لَصَدَاقُ فَاطِمَةَ بِنتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

أيُّها الإخوة الكرام: تَكْرِيمُ بَنَاتِنَا يَكُونُ باختِيَارِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ لَهُنَّ، ضَمَانُ حُقُوقِ بَنَاتِنَا بِاختِيَارِ صَاحِبِ الدِّينِ والخُلُقِ لَهُنَّ، لأنَّ الحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ لا تَكُونُ بِمَالٍ، ولا بِذَهَبٍ، ولا بِسَكَنٍ، ولا بِأَثَاثِ البُيُوتِ، الحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ بالإِيمَانِ والعَمَلِ الصَّالِحِ، قَالَ تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

زِفَافُ السَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها:

أيُّها الإخوة الكرام: يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ واللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾. لِنَنْظُرْ كَيفَ أَسَّسَ بَيتُ آلِ النَّبِيِّ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَيتَ السَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ وسَيِّدِنَا عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُما.

روى الحاكم والطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَسْمَاءَ بنتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ: كُنْتُ فِي زِفَافِ فَاطِمَةَ بنتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَضَرَبَ الْبَابَ، فَقَامَتْ إِلَيْهِ أُمُّ أَيْمَنَ، فَفَتَحَتْ لَهُ الْبَابَ.

فَقَالَ: «يَا أُمَّ أَيْمَنَ، ادْعِي لِي أَخِي».

فَقَالَتْ: أَخُوكَ هُوَ، وَتَنْكِحُهُ ابْنَتَكَ.

قَالَ: «يَا أُمَّ أَيْمَنَ، ادْعِي لِي».

فَسَمِعَ النِّسَاءُ صَوْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَتَحَشْحَشْنَ ـ تَحَرَّكنَ ـ فَجَلَسْنَ فِي نَاحِيَةٍ.

ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَدَعَا لَهُ، وَنَضَحَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَاءِ.

ثُمَّ قَالَ: «ادْعُو لِي فَاطِمَةَ».

فَجَاءَتْ وَهِيَ عَرِقَةٌ، أَوْ حَرِقَةٌ، مِنَ الْحَيَاءِ.

فَقَالَ لَهَا: «اسْكُنِي، فَقَدْ أَنْكَحْتُكِ أَحَبَّ أَهْلِ بَيْتِي إِلَيَّ».

وَدَعَا لَهَا، وَدَعَا بِمَاءٍ، فَنَضَحَهُ عَلَيْهَا.

ثُمَّ خَرَجَ فَرَأَى سَوَاداً، فَقَالَ: «مَنْ هَذَا؟»

قَالَتْ: أَسْمَاءُ.

قَالَ: «ابْنَةُ عُمَيْسٍ؟»

قُلْتُ: نَعَمْ.

قَالَ: «أَكُنْتِ فِي زِفَافِ بنتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تُكْرِمِينَهُ؟»

قُلْتُ: نَعَمْ، فَدَعَا لِي.

أيُّها الإخوة الكرام: لِنَتَأَسَّ بِآلِ بَيتِ سَيِّدِنا رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لأنَّ سَيِّدَنا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ لَنَا، إنْ تَمَسَّكْنَا بِسُنَّةِ آلِ البَيتِ بَعدَ كِتَابِ اللهِ تعالى، فَلَن نَضِلَّ، روى الترمذي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّتِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ يَخْطُبُ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا، كِتَابَ اللهِ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي».

وَلِيمَةُ عُرْسِ السَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها:

أيُّها الإخوة الكرام: روى الإمام أحمد عَن بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: لَمَّا خَطَبَ عَلِيٌّ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ لَا بُدَّ لِلْعُرْسِ مِنْ وَلِيمَةٍ».

قَالَ: فَقَالَ سَعْدٌ: عَلَيَّ كَبْشٌ.

وَقَالَ فُلَانٌ: عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا مِنْ ذُرَةٍ.

وروى النَّسَائِيُّ عَن بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ نَفَراً مِنَ الأَنْصَارِ قَالُوا لعَلِيٍّ: عِنْدَكَ فَاطِمَةُ؟

فَدَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ.

فَقَالَ: «مَا حَاجَةُ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ؟»

قَالَ: ذَكَرْتُ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ: «مَرْحَباً وَأَهْلاً» لَمْ يَزِدْهُ عَلَيْهَا.

فَخَرَجَ إِلَى الرَّهْطِ مِنَ الأَنْصَارِ يَنْتَظِرُونَهُ.

فَقَالُوا: مَا وَرَاءَكَ؟

قَالَ: مَا أَدْرِي، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ لِي: «مَرْحَباً وَأَهْلاً».

قَالُوا: يَكْفِيكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِحْدَاهُمَا، قَدْ أَعْطَاكَ الأَهْلَ، وَأَعْطَاكَ الرَّحْبَ.

فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، بَعْدَ مَا زَوَّجَهُ، قَالَ: «يَا عَلِيُّ، إِنَّهُ لاَ بُدَّ لِلْعُرْسِ مِنْ وَلِيمَةٍ».

قَالَ سَعْدٌ: عِنْدِي كَبْشٌ، وَجَمَعَ لَهُ رَهْطٌ مِنَ الأَنْصَارِ آصُعاً مِنْ ذُرَةٍ.

فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ الْبِنَاءِ قَالَ: «يَا عَلِيُّ، لاَ تُحْدِثْ شَيْئاً حَتَّى تَلْقَانِي».

فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمَاءٍ، فَتَوَضَّأَ مِنْهُ، ثُمَّ أَفْرَغَهُ عَلَى عَلِيٍّ.

فَقَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِمَا، وَبَارِكْ عَلَيْهِمَا، وَبَارِكْ لَهُمَا فِي شِبْلِهِمَا».

أيُّها الإخوة الكرام: هكذا تُبنَى بُيُوتُ التَّقوَى والصَّلاحِ، بِدُونِ تَكَلُّفٍ، بَل تُبنَى على أَسَاسٍ من التَّعَاوُنِ، كما قَالَ تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد حَثَّ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ العَظِيمِ على الزَّوَاجِ والإِنكَاحِ، فقالَ تعالى: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾.

ولقد كَانَ سَلَفُ هذهِ الأُمَّةِ حَرِيصِينَ على أَمْرِ الزَّوَاجِ، قَالَ طَاوُوسُ: لا يَتِمُّ نُسُكُ الشَّابِّ حَتَّى يَتَزَوَّجَ.

وقَالَ إِبرَاهِيمُ بنُ مَيسَرَةَ: قَالَ لِي طَاوُوسُ: تَزَوَّجْ، أو لأَقُولَنَّ لَكَ مَا قَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ لأبِي الزَّوَائِدِ: مَا يَمْنَعُكَ من النِّكَاحِ إلا عَجْزٌ أو فُجُورٌ. رواه البيهقي.

أيُّها الإخوة الكرام: لقد رَبَّى سَيِّدُنا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على تَيسِيرِ أُمُورِ الزَّوَاجِ، وعَلَّمَهُم بأنَّ النِّكَاحَ من أَسبَابِ الغِنَى ﴿إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ واللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: هكذا خُطِبَتِ السَّيِّدَةُ الجَلِيلَةُ الهَاشِمِيَّةُ القُرَشِيَّةُ بِنتُ سَيِّدِنا رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وكَانَ مَهْرُهَا دِرْعَاً حُطَمِيَّةً، فالرَّجُلُ يُزَوَّجُ لِدِينِهِ وخُلُقِهِ، والمَرأَةُ تُنكَحُ لِدِينِهَا، فَزَوِّجُوا وتَزَوَّجُوا على الدِّينِ الخُلُقِ، ومَا تَيَسَّرَ من المَهْرِ.

لقد ضَرَبَ لَنَا سَيِّدُنا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَروَعَ الأَمثِلَةِ، بَل ضَرَبَ لَنَا مَثَلاً لا تُدَانِيهِ أَمثَالٌ بِتَزوِيجِ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ من ابنَتِهِ السَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها، لِيَكُونَ عِبْرَةً على مَرِّ الأَيَّامِ والدُّهُورِ، مَثَلٌ يَضْرِبُهُ بِأَعَزِّ بَنَاتِهِ وأَحَبِّهِنَّ إِلَيهِ، بالسَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها، سَيِّدَةِ نِسَاءِ العَالَمِينَ.

زُفَّتِ السَّيِّدَةِ الجَلِيلَةُ لِسَيِّدٍ جَلِيلٍ، على أَسَاسٍ من التَّقوَى، فَأَخرَجَ اللهُ تعالى مِنهُمَا الذُّرِّيَّةَ الصَّالِحَةَ، والعِتْرَةَ المُبَارَكَةَ، وكَرَّمَهُمُ اللهُ تعالى وأَكرَمَهُم، وقَالَ في حَقِّهِم: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾. فَهَنِيئَاً لِمَن سَارَ على سَيْرِ آلِ البَيتِ الكِرَامِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَينِ، كِتَابَ اللهِ، وَأَهْلَ بَيْتِي، وَإِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ» رواه الحاكم عَنْ زَيْدِ بْنِ أرقَمَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

اللَّهُمَّ وَفِّقنَا لِمَا يُرضِيكَ عَنَّا. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

 

الخميس: 23/ربيع الثاني/1435هـ، الموافق: 12/شباط/ 2015م