38ـ أشراط الساعة: تكليم السباع والجماد الإنس

 

أشراط الساعة

38ـ تكليم السباع والجماد الإنس

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: من أَشْرَاطِ السَّاعَةِ التي حَدَّثَ عَنْهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، التي لَمْ تَظْهَرْ بَعْدُ، تَكْلِيمُ السِّبَاعِ والجَمَادِ الإِنْسَ.

روى الترمذي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُكَلِّمَ السِّبَاعُ الْإِنْسَ، وَحَتَّى تُكَلِّمَ الرَّجُلَ عَذَبَةُ سَوْطِهِ ـ طَرَفُهُ ـ وَشِرَاكُ نَعْلِهِ، وَتُخْبِرَهُ فَخِذُهُ بِمَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ مِنْ بَعْدِهِ».

أَلَا أُحَدِّثُكَ بِأَعْجَبَ مِن هَذَا؟

أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد حَصَلَ في زَمَنِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ أَنَّ بَعْضَ الحَيَوَانَاتِ تَكَلَّمَتْ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، بِلُغَتِهَا وَفَهِمَ عَلَيْهَا، كَمَا تَكَلَّمَ بَعْضُهَا الآخَرُ مَعَ بَعْضِ النَّاسِ، بِلُغَةٍ عَرَبِيَّةٍ فَصِيحَةٍ، لِتَدُلَّ على النَّبِيِّ الكَرِيمِ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وقَد اسْتَغْرَبَ النَّاسُ نُطْقَهَا.

روى ابنُ حِبَّانَ عَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: بَيْنَا رَاعٍ يَرْعَى بالحَرَّةِ إِذْ عَرَضَ ذِئْبٌ لِشَاةٍ من شَائِهِ، فَجَاءَ الرَّاعِي يَسْعَى فَانْتَزَعَهَا مِنْهُ.

فَقَالَ للرَّاعِي: أَلَا تَتَّقِي اللهَ، تَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ رِزْقٍ سَاقَهُ اللهُ إِلَيَّ؟

قَالَ الرَّاعِي: العَجَبُ للذِّئْبِ ـ والذِّئْبٌ مُقْعٍ على ذَنَبِهِ ـ يُكَلِّمُنِي بِكَلَامِ الإِنْسِ.

قَالَ الذِّئْبُ للرَّاعِي: أَلَا أُحَدِّثُكَ بِأَعْجَبَ مِن هَذَا، هَذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بَيْنَ الحَرَّتَيْنِ، يُحَدِّثُ النَّاسَ بْأَنْبَاءِ مَا قَد سَبَقَ.

فَسَاقَ الرَّاعِي شَاءَهُ إلى المَدِينَةِ، فَزَوَاهَا في زَاوِيَةٍ من زَوَايَاهَا، ثمَّ دَخَلَ على رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ مَا قَالَ الذِّئْبُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ وَقَالَ للرَّاعِي: «قُمْ فَأَخْبِرْ».

فَأَخْبَرَ النَّاسَ بِمَا قَالَ الذِّئْبُ، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «صَدَقَ الرَّاعِي، أَلَا من أَشْرَاطِ السَّاعَةِ كَلَامُ السِّبَاعِ الإِنْسَ، والذي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُكَلِّمَ السِّبَاعُ الإِنْسَ، وَيُكَلِّمَ الرَّجُلَ نَعْلَهُ، وَعَذَبَةَ سَوْطِهِ، وَيُخْبِرَهُ فَخِذُهُ بِحَدِيثِ أَهْلِهِ بَعْدَهُ».

وفي رِوَايَةِ الإمام أحمد قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «إِنَّهَا أَمَارَةٌ مِنْ أَمَارَاتٍ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ، قَدْ أَوْشَكَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْرُجَ فَلَا يَرْجِعَ حَتَّى تُحَدِّثَهُ نَعْلَاهُ وَسَوْطُهُ مَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ بَعْدَهُ».

تَكَلُّمُ الجَمَادَاتِ الحَيَوَانَاتِ مَعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ:

أيُّها الإخوة الكرام: هذا الحَدِيثُ الذي ذَكَرْنَاهُ ـ حَدِيثُ الرَّاعِي ـ هُوَ في الحَقِيقَةِ كَانَ مُعْجِزَةً لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، كَمَا حَصَلَتْ بَعْضُ المُعْجِزَاتِ الأُخْرَى، لِتَدُلَّ على صِدْقِ نُبُوَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ في حَيَاتِهِ الشَّرِيفَةِ، من هذهِ المُعْجِزَاتِ:

سَلامُ الحَجَرِ:

أيُّها الإخوة الكرام: روى الإمام مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرَاً بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ، إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ».

شَكْوَى الجَمَلِ:

أيُّها الإخوة الكرام: من هذهِ المُعْجِزَاتِ التي وَقَعَتْ في زَمَنِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، ما رواه الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ خَلْفَهُ، فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثَاً لَا أُخْبِرُ بِهِ أَحَدَاً أَبَدَاً، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ أَحَبُّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ فِي حَاجَتِهِ هَدَفٌ أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ، فَدَخَلَ يَوْمَاً حَائِطَاً مِنْ حِيطَانِ الْأَنْصَارِ، فَإِذَا جَمَلٌ قَدْ أَتَاهُ فَجَرْجَرَ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ.

قَالَ بَهْزٌ وَعَفَّانُ: فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَمَسَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ سَرَاتَهُ ـ أَعْلَى ظَهْرِهِ ـ وَذِفْرَاهُ ـ مُؤَخِّرَ رَأْسِهِ ـ فَسَكَنَ.

فَقَالَ: «مَنْ صَاحِبُ الْجَمَلِ؟».

فَجَاءَ فَتَىً مِن الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: هُوَ لِي يَا رَسُولَ اللهِ.

فَقَالَ: «أَمَا تَتَّقِي اللهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَهَا اللهُ، إِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ ـ تُكْرِهُهُ وَتُتْعِبُهُ ـ».

ذِرَاعُ الشَّاةِ:

أيُّها الإخوة الكرام: من هذهِ المُعْجِزَاتِ التي وَقَعَتْ في زَمَنِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، ما رواه أبو داود عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، فَأَهْدَتْ لَهُ يَهُودِيَّةٌ بِخَيْبَرَ شَاةً مَصْلِيَّةً سَمَّتْهَا.

فَأَكَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ مِنْهَا، وَأَكَلَ الْقَوْمُ.

فَقَالَ: «ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ، فَإِنَّهَا أَخْبَرَتْنِي أَنَّهَا مَسْمُومَةٌ».

فَمَاتَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ الْأَنْصَارِيُّ، فَأَرْسَلَ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ: «مَا حَمَلَكِ عَلَى الَّذِي صَنَعْتِ؟».

قَالَتْ: إِنْ كُنْتَ نَبِيَّاً لَمْ يَضُرَّكَ الَّذِي صَنَعْتُ، وَإِنْ كُنْتَ مَلِكَاً أَرَحْتُ النَّاسَ مِنْكَ.

فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ فَقُتِلَتْ، ثُمَّ قَالَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: «مَازِلْتُ أَجِدُ مِنْ الْأَكْلَةِ الَّتِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ فَهَذَا أَوَانُ قَطَعَتْ أَبْهَرِي».

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: هذهِ المُعْجِزَاتُ التي وَقَعَتْ في زَمَنِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ كَانَتْ تَدُلُّ على صِدْقِ نُبُوَّتِهِ، أَمَّا حَدِيثُ تَكْلِيمِ السَّبَاعِ والجَمَادَاتِ عَالَمَ الإِنْسِ هذا سَيَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ، وهذا الأَمْرُ لَمْ يَقَعْ بَعْدُ.

والمُهِمُّ أَنْ يُفَكِّرَ الإِنْسَانُ في قِيَامِ سَاعَتِهِ، لا في قِيَامِ السَّاعَةِ الكُبْرَى.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُحْسِنَ خِتَامَنَا. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 11/ذو القعدة /1436هـ، الموافق: 26/آب / 2015م