60ـ كلمات في مناسبات: درس فجر يوم عيد الأضحى المبارك 1436 هـ أين نحن من معنى العيد الحقيقي؟

 

 60ـ كلمات في مناسبات: درس فجر يوم عيد الأضحى المبارك 1436 هـ

أين نحن من معنى العيد الحقيقي؟

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: مَا أَشَدَّ حَاجَتَنَا اليَوْمَ إلى التَّعَرُّفِ على المَغْزَى الحَقِيقِيِّ في العِيدِ، وعلى الأَثَرِ الإِيمَانِيِّ والاجْتِمَاعِيِّ مِنْهُ، فالعِيدُ الحَقِيقِيُّ لَيْسَ بِأَنْ يَتَحَلَّى أَحَدُنَا بالجَدِيدِ، إِنَّمَا يَكُونُ بالإِيمَانِ والعَمَلِ الصَّالِحِ وَتَقْوَى اللهِ تعالى فِيمَا يُبْدِئُ وَفِيمَا يُعِيدُ.

العِيدُ السَّعِيدُ يَكُونُ بِتَرْوِيضِ أَنْفُسِنَا على فِعْلِ الخَيْرِ وَإِسْدَائِهِ للآخَرِينَ، وَبِصَنَائِعِ المَعْرُوفِ التي تُضْفِي على المُجْتَمَعِ التَّرَابُطَ والتَّآلُفَ والتَّآخِي، وَتَقِيهِ مَصَارِعَ السُّوءِ، وَأَوَائِلَ الشُّرُورِ.

أيُّها الإخوة الكرام: العِيدُ الحَقِيقِيُّ عِنْدَ المُؤْمِنِينَ حَقَّاً مُنَاسَبَةٌ عَظِيمَةٌ لِنَبْذِ الشَّحْنَاءِ والبَغْضَاءِ، والانْتِصَارِ على المَشَاعِرِ والأَحَاسِيسِ التي يَنْزَغُ بِهَا الشَّيْطَانُ.

فَهَلْ جَعَلْنَا العِيدَ مُنْطَلَقَاً حَقِيقِيَّاً في عَلاقَتِنَا مَعَ بَعْضِنَا البَعْضِ من مُسْتَوَى الأُسْرَةِ خَاصَّةً إلى مُسْتَوَى الأُمَّةِ عَامَّةً؟ هَلْ نَتَجَاوَزُ المَظَاهِرَ والطُّقُوسَ لِيَكُونَ العِيدُ عِيدَاً وَفَرْحَةً للأُمَّةِ كُلِّهَا بِقُلُوبٍ صَادِقَةٍ، وَنُفُوسٍ طَاهِرَةٍ؟ قَالَ تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئَاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانَاً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالَاً فَخُورَاً﴾.

أَيْنَ نَحْنُ من مَعْنَى العِيدِ الحَقِيقِيِّ؟

أيُّها الإخوة الكرام: العِيدُ الحَقِيقِيُّ يَكُونُ بَعْدَ الطَّاعَةِ، العِيدُ الحَقِيقِيُّ يَكُونُ بِإِدْخَالِ الفَرْحَةِ إلى قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ، العِيدُ الحَقِيقِيُّ يَكُونُ بِجَمْعِ شَمْلِ الأُمَّةِ، العِيدُ الحَقِيقِيُّ عِنْدَمَا نَكُونُ كَالجَسَدِ الوَاحِدِ، العِيدُ الحَقِيقِيُّ عِنْدَمَا يَرْحَمُ بَعْضُنَا بَعْضَاً، العِيدُ الحَقِيقِيُّ عِنْدَمَا يَكُونُ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ عَنَّا رَاضِيَاً.

أيُّها الإخوة الكرام: لِنَتَسَاءَلْ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَنْفُسِنَا: أَيْنَ نَحْنُ من مَعْنَى العِيدِ الحَقِيقِيِّ؟ هَلْ مَا يَجْرِي في بَلَدِنَا هذا يَدُلُّ على أَنَّنَا نَعِيشُ عِيدَاً شَرَعَهُ لَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بَعْدَ أَدَاءِ أَعْظَمِ رُكْنَيْنِ من أَرْكَانِ الإِسْلامِ، الصِّيَامِ والحَجِّ؟ أَيْنَ أَثَرُ الصِّيَامِ وَأَثَرُ الحَجِّ فِينَا؟

أيُّها الإخوة الكرام: هَلْ فَكَّرَ أَهْلُ هذا البَلَدِ بالأَعْمَالِ التي يُقِيمُونَهَا في هذهِ الأَيَّامِ المُبَارَكَةِ التي هِيَ أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا، والتي هِيَ من الأَشْهُرِ الحُرُمِ التي قَالَ اللهُ تعالى فِيهَا: ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾؟

هَلْ مَا يَجْرِي في بَلَدِنَا على أَيْدِينَا من الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ التي تُقَرِّبُنَا من اللهِ تعالى؟ سَلُوا غَيْرَكُم وَتَسَاءَلُوا فِيمَا بَيْنَكُم وَبَيْنَ أَنْفُسِكُم الأَسْئِلَةَ التَّالِيَةَ:

أولاً: هَلْ إِرَاقَةُ الدِّمَاءِ البَرِيئَةِ من الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ التي يُتَقَرَّبُ بِهَا إلى اللهِ تعالى، واللهُ تعالى يَقُولُ: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنَاً مُتَعَمِّدَاً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدَاً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابَاً عَظِيمَاً﴾؟

ثانياً: هَل اسْتِحْلالُ أَمْوَالِ النَّاسِ ومُمْتَلَكَاتِهِم من الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ التي يُتَقَرَّبُ بِهَا إلى اللهِ تعالى، واللهُ تعالى يَقُولُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾؟

ثالثاً: هَلْ تَكْفِيرُ النَّاسِ وتَفْسِيقُهُم وتَبْدِيعُهُم بِدُونِ تَأَكُّدٍ من الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ التي يُتَقَرَّبُ بِهَا إلى اللهِ تعالى، واللهُ تعالى يَقُولُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرَاً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾؟

رابعاً: هَل الحُكْمُ على بَاطِنِ الإِنْسَانِ من الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ التي يُتَقَرَّبُ بِهَا إلى اللهِ تعالى، والعَبْدُ لَهُ الظَّاهِرُ واللهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ، وَرَبُّنَا عزَّ وجلَّ يَقُولُ: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾؟

خامساً: هَلْ تَرْوِيعُ الآمِنِينَ من الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ التي يُتَقَرَّبُ بِهَا إلى اللهِ تعالى، وسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ  يَقُولُ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمَاً» رواه الإمام أحمد وأبو داود عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

سادساً: هَل الإِشَارَةُ بالسِّلاحِ نَحْوَ المُسْلِمِ من الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ التي يُتَقَرَّبُ بِهَا إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، وسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ  يَقُولُ: «مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَدَعَهُ، وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ» رواه الإمام مسلم عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

سابعاً: هَلْ إِلْجَاءُ شَبَابِنَا إلى السَّفَرِ إلى بِلادِ الكُفْرِ من الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ التي يُتَقَرَّبُ بِهَا إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ» رواه الترمذي وأبو داود عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

ثامناً: هَل التَّهَاجُرُ والتَّقَاطُعُ والتَّدَابُرُ من الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ التي يُتَقَرَّبُ بِهَا إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، وَرَبُّنَا عزَّ وجلَّ يَقُولُ: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾. وَرَبُّنَا عزَّ وجلَّ يَقُولُ: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: العِيدُ الحَقِيقِيُّ لِمَنْ خَافَ يَوْمَ التَّنَادِ، العِيدُ الحَقِيقِيُّ لِمَنْ اتَّقَى مَظَالِمَ العِبَادِ، العِيدُ الحَقِيقِيُّ لِمَنْ وَقَفَ عِنْدَ حُدُودِ اللهِ، العِيدُ الحَقِيقِيُّ لِمَنْ نَظَرَ مَا قَدَّمَ لِغَدٍ، العِيدُ الحَقِيقِيُّ لِمَنْ كَانَ سَبَبَاً في إِطْفَاءِ نَارِ هذهِ الحَرْبِ عَن بِلادِنَا، العِيدُ الحَقِيقِيُّ لِمَنْ كَانَ سَبَبَاً في حَقْنِ دِمَاءِ المُسْلِمِينَ البَرِيئَةِ، العِيدُ الحَقِيقِيُّ لِمَنْ كَانَ سَبَبَاً في إِطْفَاءِ نَارِ هذهِ الفِتْنَةِ، العِيدُ الحَقِيقِيُّ لِمَنْ كَانَ سَبَبَاً في جَمْعِ شَمْلِ الأُمَّةِ.

العِيدُ الحَقِيقِيُّ لِمَنْ خَرَجَ من هذهِ الدُّنْيَا وَقَد سَلِمَ المُسْلِمُونَ من لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَأَمِنَ النَّاسُ شَرَّهُ، العِيدُ الحَقِيقِيُّ لِمَنْ مَاتَ فاسْتَرَاحَ، وَلَيْسَ لِمَنْ مَاتَ فَاسْتَرَاحَ النَّاسُ مِنْهُ.

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدَّاً جَمِيلاً. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 10/ذو الحجة /1436هـ، الموافق: 24/أيلول / 2015م