37ـمع الصحابة وآل البيت رضي الله عنهم: خصائص السيدة الزهراء رَضِيَ اللهُ عَنها (4)

 

 مع الصحابة و آل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

37ـ خصائص السيدة الزهراء رَضِيَ اللهُ عَنها (4)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ واللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾. والذينَ اخْتَصَّهُم بِرَحْمَتِهِ هُم أَصْحَابُ الهِمَمِ العَالِيَةِ، وَأَصْحَابُ المُسَابَقَةِ بالخَيْرَاتِ، هُمُ الذينَ يُسَارِعُونَ في الخَيْرَاتِ، وَيَدْعُونَ اللهَ رَغَبَاً وَرَهَبَاً، وَهُم للهِ خَاشِعُونَ.

الذينَ اخْتَصَّهُم رَبُّنَا بِرَحْمَتِهِ هُمُ الذينَ صَبَرُوا في هذهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ لِيَسْتَرِيحُوا في الحَيَاةِ الثَّانِيَةِ البَاقِيَةِ، من هؤلاءِ الذينِ اخْتَصَّهُم بِرَحْمَتِهِ آلُ بَيْتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وعلى رَأْسِهِم صَفْوَةُ الصَّفْوَةِ من آلِ البَيْتِ السَّيِّدَةُ فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ رَضِيَ اللهُ عَنها، وَأَرْضَاهَا، وَعَطَّفَ قَلْبَهَا الشَّرِيفَ عَلَيْنَا.

سادساً: كَانَتِ الزَّهْرَاءُ تُكْنَى بِأُمِّ أَبِيهَا:

أيُّها الإخوة الكرام: من خَصَائِصِ هذهِ السَّيِّدَةِ الجَلِيلَةِ رَضِيَ اللهُ عَنها، أَنَّهَا كَانَتْ تُكَنَى بِأُمِّ أَبِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنها، لأَنَّهَا قَامَتْ بِرِعَايَةِ أَبِيهَا وَخِدْمَتِهِ بَعْدَ وَفَاةِ أُمِّهَا السَّيِّدَةِ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها.

جَاءَ في بَعْضِ الآثَارِ: أَنَّ السَّيِّدَةَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها دَخَلَتْ على أَبِيهَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ مُغْضَبَةً، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «مَا أَغْضَبَكِ يَا أُمَّ أَبِيهَا؟».

فَقَالَتْ: واللهِ إِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها قَالَتْ لِي: إِنَّ رَسُولَ اللهِ تَزَوَّجَ أُمَّكِ ثَيِّبَاً، وَلَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْرَاً غَيْرِي.

فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «إِذَا أَعَادَتْ عَلَيْكِ هذا القَوْلَ، فَقُولِي لَهَا: وَلَكِنَّ أُمِّي تَزَوَّجَتْ رَسُولَ اللهِ وَهُوَ بِكْرٌ، وَتَزَوَّجْتِهِ وَهُوَ ثَيِّبٌ».

أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد أُطْلَقَ عَلَيْهَا أُمُّ أَبِيهَا، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ وُلِدَ يَتِيمَاً، ولَمْ يَجِدْ أَبَاهُ، ثُمَّ مَاتَتْ أُمُّهُ وُ هُوَ طِفْلٌ صَغِيرٌ، وَقَد تُوُفِيَت آمِنَةُ بِنتُ وَهَبٍ وَ عَاشَ فِي بَيتِ أَبِي طَالِبٍ تَحنُو عَليهِ فَاطِمَةُ بِنتُ أَسَدٍ وَتَعَلَّقَ قَلبُهُ بِهَا آنذَاك، وَلَقَد كَانَ يُنَادِيهَا يَا أُمَّاهُ، وَ عِندَمَا تُوُفِيَت حَزِنَ عَليهَا حُزْناً شَدِيدَاً وَرَزَقَهُ اللهُ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا،وَكُلَّمَا رَآهَا ذَكَرَ فَاطِمَةَ بِنتَ أَسَدٍ، وَلِهَذَا كَنَاهَا أُمَّ أَبِيهَا.

وروى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَن مُصْعَبِ بنِ عَبْدِ اللهِ الزُّبَيْرِيِّ قَالَ: كُنْيَةُ فَاطِمَةُ أُمُّ أَبِيهَا.

أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يُحِبُّهَا حُبَّاً جَمَّاً، يُكْثِرُ من زِيَارَتِهَا، وَيَجْلِسُ عِنْدَهَا، وَيُلاعِبُ أَوْلادَهَا، وَكَانَ إِذَا أَرَادَ غَزْوَاً، لا يَخْرُجُ من المَدِينَةِ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ رُؤْيَتَهَا، فَإِذَا عَادَ من سَفَرِهِ بَدَأَ بالمَسْجِدِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ ذَهَبَ إلى بَيْتِ فَاطِمَةَ يَزُورُهَا، وَيُؤْنِسُهَا، ثمَّ يَخْرُجُ من عِنْدِهَا إلى بُيُوتِ أَزْوَاجِهِ.

روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ وَسَلَّمَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يُثَنِّي بِفَاطِمَةَ، ثُمَّ يَأْتِي أَزْوَاجَهُ، فَقَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَتَى فَاطِمَةَ، فَتَلَقَّتْهُ عَلَى بَابِ الْبَيْتِ، فَجَعَلَتْ تَلْثِمُ فَاهُ وَعَيْنَيْهِ وَتَبْكِي.

فَقَالَ: «مَا يُبْكِيكَ؟».

فَقَالَتْ: أَرَاكَ شَعِثًا نَصِبَاً قَدِ اخْلَوْلَقَتْ ثِيَابُكَ.

فَقَالَ لَهَا: «لا تَبْكِي، فَإِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ أَبَاكِ بِأَمْرٍ لا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ بَيْتٌ وَلا مَدَرٌ وَلا حَجَرٌ وَلا وَبَرٌ وَلا شَعَرٌ إِلا أَدْخَلَهُ اللهُ بِهِ عِزًّا أَو ذُلَّاً، حَتَّى يَبْلُغَ حَيْثُ بَلَغَ اللَّيْلُ».

سابعاً: كَانَتْ أَشْبَهَ النَّاسِ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ:

أيُّها الإخوة الكرام: من خَصَائِصِ هذهِ السَّيِّدَةِ الجَلِيلَةِ السَّيِّدَةِ فاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنها، أَنَّهَا كَانَتْ أَكْثَرَ النَّاسِ شَبَهَاً بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.

روى الترمذي عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنها قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَشْبَهَ سَمْتَاً ـ سَكِينَةً وَوَقَارَاً ـ وَدَلَّاً ـ الدَّلُّ: اسْتِقَامَةُ السِّيرَةِ وَحُسْنُ السُّلُوكُ ـ وَهَدْيَاً ـ السِّيرَةُ والهَيْئَةُ والطَّرِيقَةُ ـ بِرَسُولِ اللهِ فِي قِيَامِهَا وَقُعُودِهَا مِنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.

قَالَتْ: وَكَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ قَامَ إِلَيْهَا فَقَبَّلَهَا وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا فَقَبَّلَتْهُ وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهَا.

فَلَمَّا مَرِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ دَخَلَتْ فَاطِمَةُ فَأَكَبَّتْ عَلَيْهِ ـ أَيْ: مَالَتْ إِلَيْهِ ـ فَقَبَّلَتْهُ، ثُمَّ رَفَعَتْ رَأْسَهَا فَبَكَتْ، ثُمَّ أَكَبَّتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ رَفَعَتْ رَأْسَهَا فَضَحِكَتْ.

فَقُلْتُ: إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ مِنْ أَعْقَلِ نِسَائِنَا، فَإِذَا هِيَ مِن النِّسَاءِ ـ أَيْ: كَبَقِيَّةِ النِّسَاءِ ـ

فَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ قُلْتُ لَهَا: أَرَأَيْتِ حِينَ أَكْبَبْتِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ فَرَفَعْتِ رَأْسَكِ فَبَكَيْتِ، ثُمَّ أَكْبَبْتِ عَلَيْهِ فَرَفَعْتِ رَأْسَكِ فَضَحِكْتِ، مَا حَمَلَكِ عَلَى ذَلِكَ؟

قَالَتْ: إِنِّي إِذَاً لَبَذِرَةٌ ـ هُوَ الَّذِي يُفْشِي السِّرَّ وَيُظْهِرُ مَا يَسْمَعُهُ ـ أَخْبَرَنِي أَنَّهُ مَيِّتٌ مِنْ وَجَعِهِ هَذَا فَبَكَيْتُ، ثُمَّ أَخْبَرَنِي أَنِّي أَسْرَعُ أَهْلِهِ لُحُوقَاً بِهِ، فَذَاكَ حِينَ ضَحِكْتُ.

ثامناً: زُهْدُهَا في الدُّنْيَا، وَصَبْرُهَا على لَأْوَائِهَا:

أيُّها الإخوة الكرام: من خَصَائِصِ هذهِ السَّيِّدَةِ الجَلِيلَةِ السَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنها وَأَرْضَاهَا، أَنَّهَا كَانَتْ من أَزْهَدِ النَّاسِ في الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا، وَكَانَتْ تَصْبِرُ على لَأْوَائِهَا.

وَكَانَتْ رَاضِيَةً بذلكَ صَابِرَةً عَلَيْهِ، تَطْحَنُ بِيَدَيْهَا الكَرِيمَتَيْنِ، حَتَّى تَعْيَا من التَّعَبِ، وَحِينَ طَلَبَتْ من أَبِيهَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ أَنْ يُعْطِيَهَا امْرَأَةً من السَّبْيِ تُعِينُهَا، أَبَى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ أَنْ يُلَبِّيَ طَلَبَهَا، وَآثَرَ لَهَا الصَّبْرَ، وَأَوْصَاهَا وَزَوْجَهَا أَنْ يُسَبِّحَا، وَيَحْمَدَا، وَيُكَبِّرَا قَبْلَ النَّوْمِ ثَلاثَاً وَثَلاثِينَ.

روى الإمام البخاري عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهِمَا السَّلَام شَكَتْ مَا تَلْقَى فِي يَدِهَا مِنْ الرَّحَى، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ تَسْأَلُهُ خَادِمَاً، فَلَمْ تَجِدْهُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ، فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَتْهُ.

قَالَ: فَجَاءَنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْتُ أَقُومُ، فَقَالَ: «مَكَانَكِ».

فَجَلَسَ بَيْنَنَا، حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِي، فَقَالَ: «أَلَا أَدُلُّكُمَا عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ؟ إِذَا أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا أَوْ أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا فَكَبِّرَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَاحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَهَذَا خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ».

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَجْعَلَ لَنَا حَظَّاً من آلِ بَيْتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وَأَنْ يُخْرِجَ من قُلُوبِنَا حُبَّ الدُّنْيَا، وَأَنْ يَجْعَلَ هَمَّنَا الآخِرَةَ. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

 

الخميس: 2/ محرم /1437هـ، الموافق: 15/تشرين الأول / 2015م