5ـ أسماء الله تعالى الحسنى: اسم الله تعالى المؤمن

 

 أسماء الله تعالى الحسنى وأثرها في المؤمن

5ـ اسم الله تعالى المؤمن

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: من أَسْمَاءِ اللهِ تعالى الحُسْنَى المُؤْمِنُ، وهذا الاسْمُ المُبَارَكُ لَمْ يَرِدْ في القُرْآنِ العَظِيمِ إلا مَرَّةً وَاحِدَةً، قَالَ تعالى: ﴿هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ﴾.

هذا الاسْمُ المُبَارَكُ سَمَّى اللهُ تَبَارَكَ وتعالى بِهِ نَفْسَهُ في القُرْآنِ العَظِيمِ على سَبِيلِ الإِطْلاقِ، مُرَادَاً بِهِ العِلْمِيَّةُ.

أَقْوَالُ العُلَمَاءِ في اسْمِ اللهِ تعالى المُؤْمِنِ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد ذَكَرَ العُلَمَاءُ في اسْمِ اللهِ تعالى المُؤْمِنِ عِدَّةَ أَقْوَالٍ، كُلُّهَا يَدُلُّ عَلَيهَا الاسْمُ ويَشْمَلُهَا، لأَنَّهَا من مَعَانِي الكَمَالِ التي اتَّصَفَ بِهَا رَبُّ العَزَّةِ ذو الجَلالِ والإِكْرَامِ، من هذهِ الأَقْوَالِ:

أولاً: المُؤْمِنُ هوَ الذي أَمَّنَ النَّاسَ:

أيُّها الإخوة الكرام: اِسْمُ اللهِ تعالى المُؤْمِنُ يَعْنِي: هوَ الذي أَمَّنَ النَّاسَ، فلا يَظْلِمُ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ أَحَدَاً من خَلْقِهِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ من خَلْقِهِ سَوفَ يَنَالُ مَا يَسْتَحِقُّ، ولا يَبْخَسُ اللهُ تعالى أَحَدَاً حَقَّهُ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرَاً عَظِيمَاً﴾. وقَالَ تعالى: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرَاً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدَاً﴾. وقَالَ تعالى: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾.

اِسْمُ اللهِ تعالى المُؤْمِنُ يَعْنِي: هوَ الذي أَمَّنَ مَن آمَنَ بِهِ من عَذَابِهِ في الحَيَاةِ الدُّنيَا والآخِرَةِ، قَالَ تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحَاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحَاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.

ثانياً: المُؤْمِنُ هوَ الذي يُجِيرُ المَظْلُومَ:

أيُّها الإخوة الكرام: اِسْمُ اللهِ تعالى المُؤْمِنُ يَعْنِي: هوَ المُجِيرُ الذي يُجِيرُ المَظْلُومَ من الظَّالِمِ، ويُؤَمِّنُهُ ويَنْصُرُهُ، قَالَ تعالى: ﴿قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ للهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدَاً﴾. وقَالَ تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ    أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾.

وروى الشيخان عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ، حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ».

قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾.

ثالثاً: المُؤْمِنُ هوَ الذي يُصَدِّقُ المُؤْمِنِينَ إذا وَحَّدُوهُ:

أيُّها الإخوة الكرام: اِسْمُ اللهِ تعالى المُؤْمِنُ يَعْنِي: هوَ الذي يُصَدِّقُ المُؤْمِنِينَ إذا وَحَّدُوهُ، لأَنَّهُ الوَاحِدُ الذي وَحَّدَ نَفْسَهُ، وشَهِدَ لِذَاتِهِ العَلِيَّةِ بالوَحْدَانِيَّةِ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمَاً بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: أَصْلُ دَعْوَةِ الرُّسُلِ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ جَمِيعَاً هيَ شَهَادَةُ التَّوْحِيدِ المَبْنِيَّةُ على تَوْحِيدِ العِبَادَةِ للهِ تعالى، ونَفْيِ الأُلُوهِيَّةِ عَمَّا سِوَاهُ.

وهذهِ القَضِيَّةُ هيَ مَثَارُ إِنْكَارِ المُشْرِكِينَ وخِلافِهِم مَعَ الرُّسُلِ، ومن المَعْلُومِ أَنَّهُ إذا حَصَلَ خِلافٌ فلا بُدَّ من وُجُوبِ الفَصْلِ في هذهِ القَضِيَّةِ بِحُكْمٍ عَدْلٍ يُصَدِّقُ أَهْلَ الحَقِّ، ويُكَذِّبُ أَهْلَ البَاطِلِ.

أيُّها الإخوة الكرام: من هذا المُنْطَلَقِ فاللهُ تعالى المُؤْمِنُ هوَ الذي يُصَدِّقُ المُؤْمِنِينَ في شَهَادَاتِهِم بالوَحْدَانِيَّةِ لَهُ، ويُكَذِّبُ المُخَالِفِينَ الذينَ جَعَلُوا مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرَى.

رابعاً: المُؤْمِنُ هوَ الذي يَصْدُقُ مَعَ المُؤْمِنِينَ في وَعْدِهِ:

أيُّها الإخوة الكرام: اِسْمُ اللهِ تعالى المُؤْمِنُ يَعْنِي: هوَ الذي يَصْدُقُ مَعَ المُؤْمِنِينَ في وَعْدِهِ، ويُصَدِّقُ ظُنُونَ عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ، ولا يُخَيِّبُ آمَالَهُم، قَالَ تعالى: ﴿قُلْ صَدَقَ اللهُ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾.

وروى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعَاً، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعَاً تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعَاً، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً».

وروى الإمام أحمد والنسائي عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَهُوَ عَلَى دَرَجِ الْكَعْبَةِ: «الْحَمْدُ للهِ الَّذِي صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ».

الدُّعَاءُ بِاسْمِ اللهِ تعالى المُؤْمِنِ:

أيُّها الإخوة الكرام: مَن عَرَفَ اسْمَ اللهِ تعالى المُؤْمِنَ أَنَّهُ هوَ الذي يُجِيرُ ولا يُجَارُ عَلَيهِ، وهوَ الذي يَصْدُقُ مَعَ المُؤْمِنِينَ وَعْدُهُ، ويُصَدِّقُ ظُنُونَ عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ، ومَا دَامَ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ هوَ القَائِلُ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾. فالمُؤْمِنُ لا يَشْكُو بَثَّهُ وحُزْنَهُ إلا إلى اللهِ تعالى المُؤْمِنِ الذي صَدَقَ وَعْدَهُ.

هذا سَيِّدُنَا يَعْقُوبُ عَلَيهِ السَّلامُ يَقُولُ: ﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾.

وهذهِ أُمُّنَا السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنها، عِنْدَمَا رَمَاهَا مَن رَمَاهَا بالإِفْكِ فَبَرَّأَهَا اللهُ تعالى، روى الإمام البخاري عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ قَالَ لَهَا: «أَمَّا بَعْدُ، يَا عَائِشَةُ، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ إِلَى اللهِ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ».

قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي ـ اِسْتَمْسَكَ نُزُولَهُ فَانْقَطَعَ ـ حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً، فَقُلْتُ لِأَبِي: أَجِبْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ فِيمَا قَالَ.

قَالَ: واللهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.

فَقُلْتُ لِأُمِّي: أَجِيبِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.

قَالَتْ: مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.

قَالَتْ: فَقُلْتُ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لَا أَقْرَأُ كَثِيرَاً مِن الْقُرْآنِ: إِنِّي واللهِ لَقَدْ عَلِمْتُ، لَقَدْ سَمِعْتُمْ هَذَا الْحَدِيثَ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، فَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي بَرِيئَةٌ واللهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لَا تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ، وَلَئِن اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ واللهُ يَعْلَمُ أَنِّي مِنْهُ بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي، واللهِ مَا أَجِدُ لَكُمْ مَثَلَاً إِلَّا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ، قَالَ: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ واللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾.

قَالَتْ: ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي، وَأَنَا حِينَئِذٍ أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ، وَأَنَّ اللهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي، وَلَكِنْ واللهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللهَ مُنْزِلٌ فِي شَأْنِي وَحْيَاً يُتْلَى، وَلَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللهُ فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى، وَلَكِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللهُ بِهَا.

قَالَتْ: فَوَاللهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ وَلَا خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِن الْبُرَحَاءِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ مِن الْعَرَقِ، وَهُوَ فِي يَوْمٍ شَاتٍ مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الَّذِي يُنْزَلُ عَلَيْهِ.

قَالَتْ: فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ سُرِّيَ عَنْهُ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَكَانَتْ أَوَّلُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا: «يَا عَائِشَةُ، أَمَّا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ بَرَّأَكِ».

فَقَالَتْ أُمِّي: قُومِي إِلَيْهِ.

قَالَتْ: فَقُلْتُ: لَا واللهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ، وَلَا أَحْمَدُ إِلَّا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ.

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: مَن عَرَفَ اسْمَ اللهِ تعالى المُؤْمِنَ، وكَانَ هوَ مُؤْمِنٌ باللهِ تعالى حَقَّ الإِيمَانِ، فَيَجِبُ عَلَيهِ أَنْ تَكُونَ أَفْعَالُهُ مُطَابِقَةً لأَقْوَالِهِ، ولا يَكُونَ في شَخْصِيَّتِهِ مُزْدَوَجَاً، ولا يَكُونَ دَاخِلُهُ مُخَالِفَاً لِظَاهِرِهِ، ولا يَكُونَ ظَاهِرُهُ مُرْضِيَاً عِنْدَ النَّاسِ، وبَاطِنُهُ مُغْضِبَاً لِرَبِّ الأَرْبَابِ.

مَن عَرَفَ هذا الاسْمَ المُبَارَكَ، وكَانَ مُؤْمِنَاً بِهِ حَقَّ الإِيمَانِ، أَعْطَى للنَّاسِ الأَمْنَ والأَمَانَ، روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «واللهِ لَا يُؤْمِنُ، واللهِ لَا يُؤْمِنُ، واللهِ لَا يُؤْمِنُ».

قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: «الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ».

وروى الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ».

فالمُؤْمِنُ هوَ مَأْمُونُ الجَانِبِ، فلا مُفَاجَآتٍ، ولا غَدْرَ، ولا خِيَانَةَ، وأَقْوَالُهُ مُطَابِقَةٌ لأَفْعَالِهِ.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ لا يَحْرِمَنَا بَرَكَةَ الإِيمَانِ باللهِ تعالى حَقَّاً. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 5/رمضان /1435هـ، الموافق: 22/حزيران / 2015م