41ـ كلمات في مناسبات: غزوة بدر الكبرى (1)

 

 41ـ كلمات في مناسبات: غزوة بدر الكبرى (1)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَتْ غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى التي ابْتَدَأَتْ وانْتَهَتْ بِتَدْبِيرِ اللهِ تعالى وتَوْجِيهِهِ ومَدَدِهِ فُرْقَانَاً بَيْنَ الحَقِّ والبَاطِلِ، فُرْقَانَاً بَيْنَ الحَقِّ الذي عَلَيْهِ قَامَتِ السَّمَاوَاتُ والأَرْضُ، وقَامَتْ عَلَيْهِ فِطْرَةُ النَّاسِ المُتَمَثِّلَةِ في تَفَرُّدِ اللهِ تعالى بالأُلُوهِيَّةِ والسُّلْطَانِ والتَّدْبِيرِ والتَّقْدِيرِ، وفي عُبُودِيَّةِ الكَوْنِ كُلِّهِ سَمَائِهِ وأَرْضِهِ لهذهِ الأُلُوهِيَّةِ المُتَفَرِّدَةِ، والبَاطِلِ الزَّائِفِ الذي كَانَ يَعُمُّ وَجْهَ الأَرْضِ إِذْ ذَاكَ، حَيْثُ تُقِيمُ في الأَرْضِ الطَّوَاغِيتُ التي تُعْبَدُ من دُونِ اللهِ تعالى.

لقد كَانَتْ غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى فُرْقَانَاً بَيْنَ عَهْدَيْنِ، عَهْدِ الصَّبْرِ والمُصَابَرَةِ، وعَهْدِ القُوَّةِ والحَرَكِةِ.

قُرَيْشٌ تُهَدِّدُ المُهَاجِرِينَ، وتَتَّصِلُ بِعَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَتْ قُرَيْشٌ تُذِيقُ المُسْلِمِينَ الوَيْلاتِ في مَكَّةَ المُكَرَّمَةِ، حَتَّى اضْطُرَّ المُسْلِمُونَ للهِجْرَةِ إلى المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ، لَكِنَّ قُرَيْشَاً لَمْ تَنْتَهِ عَن غَيِّهَا، ولَمْ تَمْتَنِعْ عن عُدْوَانِهَا، بَل زَادَهَا غَيْظَاً أَنْ فَاتَهُمُ المُسْلِمُونَ، وَوَجَدُوا مَأْمَنَاً ومَقَرَّاً في المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ.

فَكَتَبَتْ قُرَيْشٌ إلى عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولَ، وكَانَ إِذْ ذَاكَ مُشْرِكَاً، كَتَبُوا إِلَيْهِ وإلى أَصْحَابِهِ المُشْرِكِينَ يَقُولُونَ لَهُم في كَلِمَاتٍ بَاتَّةٍ:

إِنَّكُمْ آوَيْتُمْ صَاحِبَنَا، وَإِنَّا نُقْسِمُ باللهِ لَتُقَاتِلُنَّهُ أَوْ لَتُخْرِجُنَّهُ، أَوْ لَنَسِيرَنَّ إِلَيْكُمْ بِأَجْمَعِنَا، حَتَّى نَقْتُلَ مُقَاتِلَتَكُمْ، وَنَسْتَبِيحَ نِسَاءَكُمْ.

وَبِمُجَرَّدِ بُلُوغِ هذا الكِتَابِ قَامَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ لِيَمْتَثِلَ أَوَامِرَ إِخْوَانِهِ المُشْرِكِينَ من أَهْلِ مَكَّةَ ـ وقد كَانَ يَحْقِدُ على النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، لِمَا يَرَاهُ أَنَّهُ اسْتَبْلَهَ مُلْكَهُ ـ.

يَقُولُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبٍ: فَلَمَّا بَلَغَ ذلكَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ وَمَن كَانَ مَعَهُ من عَبَدَةِ الأَوْثَانِ اجْتَمَعُوا لِقِتَالِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، فَلَمَّا بَلَغَ ذلكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ لَقِيَهُم، فَقَالَ: «لَقَدْ بَلَغَ وَعِيدُ قُرَيْشٍ مِنْكُمُ الْمَبَالِغَ، مَا كَانَتْ تَكِيدُكُمْ بِأَكْثَرَ مِمَّا تُرِيدُونَ أَنْ تَكِيدُوا بِهِ أَنْفُسَكُمْ، تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا أَبْنَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ».

فَلَمَّا سَمِعُوا ذلكَ من النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ تَفَرَّقُوا.

اِمْتَنَعَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولَ عن القِتَالِ إِذْ ذَلكَ، لِمَا رَأَى خَوَرَاً أو رُشْدَاً في أَصْحَابِهِ، وَلَكِنْ يَبْدُو من تَصَرُّفَاتِهِ أَنَّهُ كَانَ مُتَوَاطِئَاً مَعَ قُرَيْشٍ، فَكَانَ لا يَجِدُ فُرْصَةً إلا وَيَنْتَهِزُهَا لِإِيقَاعِ الشَّرِّ بَيْنَ المُسْلِمِينَ والمُشْرِكِينَ، وَكَانَ يَضُمُّ مَعَهُ اليَهُودَ، لِيُعِينُوهُ على ذلكَ، وَلَكِنْ تِلكَ هيَ حِكْمَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ التي كَانَتْ تُطْفِئُ نَارَ شَرِّهِم حِينَاً بَعْدَ حِينٍ.

إِعْلَانُ عَزِيمَةِ الصَّدِّ عن المَسْجِدِ الحَرَامِ:

أيُّها الإخوة الكرام: في هذهِ الآوِنَةِ انْطَلَقَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ إلى مَكَّةَ مُعْتَمِرَاً، فَنَزَلَ على أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ بِمَكَّةَ، فَقَالَ لأُمَيَّةَ: اُنْظُرْ لِي سَاعَةَ خَلْوَةٍ لَعَلِّي أَنْ أَطُوفَ البَيْتَ، فَخَرَجَ بِهِ قَرِيبَاً من نِصْفِ النَّهَارِ، فَلَقِيَهُمَا أَبُو جَهْلٍ.

فَقَالَ: يَا أَبَا صَفْوَان، من هذا مَعَكَ؟

فَقَالَ: هذا سَعْدٌ.

فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: ألا أَرَاكَ تَطُوفُ بِمَكَّةَ آمِنَاً وَقَد آوَيْتُمُ الصُّبَاةَ، وَزَعَمْتُم أَنَّكُم تَنْصُرُونَهُم وتُعِينُونَهُم، أَمَا واللهِ لولا أَنَّكَ مَعَ أَبِي صَفْوَان مَا رَجَعْتَ إلى أَهْلِكَ سَالِمَاً.

فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ ـ وَرَفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِ ـ: أَمَا واللهِ لَئِنْ مَنَعْتَنِي هذا لَأَمْنَعُكَ مَا هوَ أَشَدُّ عَلَيْكُم مِنْهُ: طَرِيقَكَ على أَهْلِ المَدِينَةِ.

أيُّها الإخوة الكرام: أَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إلى المُسْلِمِينَ تَقُولُ لَهُم: لا يَغُرَّنَّكُم أَنَّكُم أَفْلَتُّمُونَا إلى يَثْرِبَ، سَنَأْتِيكُم فَنَسْتَأْصِلُكُم وَنُبِيدُ خَضْرَاءَكُم في عُقْرِ دَارِكُم.

وَكَأَنَّ قُرَيْشَاً كَانَتْ تَعْتَزِمُ على شَرٍّ أَشَدَّ من هذا، وَتُفَكِّرُ في القِيَامِ بِنَفْسِهَا للقَضَاءِ على المُسْلِمِينَ، وَخَاصَّةً على النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.

وَلَمْ يَكُنْ هذا مُجَرَّدَ وَهْمٍ أو خَيَالٍ، فَقَد تَأَكَّدَ لَدَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ من مَكَائِدِ قُرَيْشٍ وَإِرَادَتِهَا على الشَّرِّ مَا كَانَ لِأَجْلِهِ لا يَبِيتُ إلا سَاهِرَاً، أو في حَرَسٍ من الصَّحَابَةِ.

روى الشيخان في صَحِيحَيْهِمَا عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها قَالَتْ: سَهِرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ مَقْدَمَهُ الْمَدِينَةَ لَيْلَةً، فَقَالَ: «لَيْتَ رَجُلَاً صَالِحَاً مِنْ أَصْحَابِي يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ».

قَالَتْ: فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ سَمِعْنَا خَشْخَشَةَ سِلَاحٍ.

فَقَالَ: «مَنْ هَذَا؟».

قَالَ: سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ.

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «مَا جَاءَ بِكَ؟».

قَالَ: وَقَعَ فِي نَفْسِي خَوْفٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، فَجِئْتُ أَحْرُسُهُ؛ فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، ثُمَّ نَامَ.

وَلَمْ تَكُنْ هذهِ الحِرَاسَةُ مُخْتَصَّةً بِبَعْضِ اللَّيَالِي، بَلْ كَانَ ذلكَ أَمْرَاً مُسْتَمِرَّاً، فقد روى الترمذي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يُحْرَسُ لَيْلاً، حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿واللهُ يَعْصِمُكَ مِن النَّاسِ﴾.

فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ رَأْسَهُ مِن الْقُبَّةِ، فَقَالَ لَهُمْ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، انْصَرِفُوا فَقَدْ عَصَمَنِي اللهُ».

وَلَمْ يَكُنِ الخَطَرُ مُقْتَصِرَاً على رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، بَلْ كَانَ يُحْدِقُ بالمُسْلِمِينَ كَافَّةً، فَقَد رَوَى أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ المَدِينَةَ، وَآوَتْهُمُ الأَنْصَارُ رَمَتْهُمُ العَرَبُ عَن قَوْسٍ وَاحِدَةٍ، وَكَانُوا لا يَبِيتُونَ إلا بالسِّلَاحِ، ولا يُصْبِحُونَ إلا فِيهِ.

سَبَبُ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى:

أيُّها الإخوة الكرام: تَرَامَتِ الأَنْبَاءُ إلى المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ، أَنَّ قَافِلَةً ضَخْمَةً لِقُرَيْشٍ تَهْبِطُ من مَشَارِفِ الشَّامِ عَائِدَةً إلى مَكَّةَ، تَحْمِلُ لأَهْلِهَا الثَّرْوَةَ الطَّائِلَةَ، أَلْفُ بَعِيرٍ مُوَقَّرَةً بالأَمْوَالِ يَقُودُهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ مَعَ رِجَالٍ لا يَزِيدُونَ على الثَّلاثِينَ أو الأَرْبَعِينَ.

أيُّها الإخوة الكرام: قُرَيْشٌ إذا فَقَدَتْ هذهِ الثَّرْوَةَ الضَّخْمَةَ سَوْفَ تَكُونُ قَاصِمَةً لِظَهْرِهَا، وفِيهَا عِوَضٌ كَامِلٌ لِمَا لَحِقَ المُسْلِمِينَ من خَسَائِرَ في أَثْنَاءِ هِجْرَتِهِمُ الأَخِيرَةِ.

أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَتِ العِيرُ مُرَكَّبَةً من ثَرَوَاتٍ طَائِلَةٍ من أَهْلِ مَكَّةَ، أَلْفُ بَعِيرٍ مُوَقَّرَةً بِأَمْوَالٍ لا تَقِلُّ عَن خَمْسِينَ أَلْفَ دِينَارٍ ذَهَبِيٍّ؛ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهَا من الحَرْبِ إلا نَحْوُ أَرْبَعِينَ رَجُلَاً.

إِنَّهَا فُرْصَةٌ ذَهَبِيَّةٌ للمُسْلِمِينَ لِيُصِيبُوا أَهْلَ مَكَّةَ بِضَرْبَةٍ اقْتِصَادِيَّةٍ قَاصِمَةٍ، تَتَأَلَّمُ لَهَا قُلُوبُهُم على مَرِّ العُصُورِ، لذلكَ أَعْلَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ قَائِلَاً : «هذهِ عِيرُ قُرَيْشٍ فِيهَا أَمْوَالُهُم، فَاخْرُجُوا إِلَيْهَا لَعَلَّ اللهَ يُنَفِّلُكُمُوهَا».

وَلَمْ يَعْزِمْ على أَحَدٍ بالخُرُوجِ، بَلْ تَرَكَ الأَمْرَ للرَّغْبَةِ المُطْلَقَةِ، لِمَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَتَوَقَّعُ عِنْدَ هذا الانْتِدَابِ أَنَّهُ سَيَصْطَدِمُ بِجَيْشِ مَكَّةَ ـ بَدَلَ العِيرِ ـ هذا الاصْطِدَامَ العَنِيفَ في بَدْرٍ؛ ولذلكَ تَخَلَّفَ كَثِيرٌ من الصَّحَابَةِ في المَدِينَةِ، وَهُم يَحْسَبُونَ أَنَّ مُضِيَّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ في هذا الوَجْهِ لَنْ يَعْدُوَ مَا أَلِفُوهُ في السَّرَايَا والغَزَوَاتِ المَاضِيَةِ؛ ولذلكَ لَمْ يُنْكِرْ على أَحَدٍ تَخَلُّفَهُ في هذهِ الغَزْوَةِ.

الجَيْشُ الإِسْلامِيُّ وتَوْزِيعُ القِيَادَاتِ:

أيُّها الإخوة الكرام: اِسْتَعَدَّ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ للخُرُوجِ وَمَعَهُ ثَلَاثُمَائَةٍ وَبِضْعَةُ عَشَرَ رَجُلاً ـ 313، أو 314، أو 317 رَجُلَاً ـ 82 أو 83 أو 86 من المُهَاجِرِينَ و 61 من الأَوْسِ و 170 من الخَزْرَجِ.

وَلَمْ يَحْتَفِلُوا لهذا الخُرُوجِ احْتِفَالَاً بَلِيغَاً، ولا اتَّخَذُوا أُهْبَتَهُم كَامِلَةً، فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُم إلا فَرَسٌ أو فَرَسَانِ، فَرَسٌ للزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ، وَفَرَسٌ للمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ الكِنْدِيِّ، وَكَانَ مَعَهُم سَبْعُونَ بَعِيرَاً يَعْتَقِبُ الرَّجُلانِ والثَّلَاثَةُ على بَعِيرٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ وَعَلِيٌّ وَمِرْثَدُ بْنُ أَبِي مِرْثَدَ الغنوِيُّ يَعْتَقِبُونَ بَعِيرَاً وَاحِدَاً.

وَاسْتَخْلَفَ على المَدِينَةِ وعلى الصَّلَاةِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَلَمَّا كَانَ بالرَّوْحَاءِ رَدَّ أَبَا لُبَابَةَ ابْنَ عَبْدِ المُنْذِرِ، وَاسْتَعْمَلَهُ على المَدِينَةِ.

وَدَفَعَ لِوَاءَ القِيَادَةِ العَامَّةِ إلى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ القُرَشِيِّ العَبْدَرِيِّ، وَكَانَ هذا اللِّوَاءُ أَبْيَضَ.

وَقَسَّمَ جَيْشَهُ إلى كَتِيبَتَيْنِ:

1ـ كَتِيبَةُ المُهَاجِرِينَ: وَأَعْطَى رَايَتَهَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَيُقَالُ لَهَا: العُقَابُ.

2ـ وَكَتِبيَةُ الأَنْصَارِ: وَأَعْطَى رَايَتَهَا سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ ـ وَكَانَتِ الرَّايَتَانِ سَوْدَاوَيْنِ ـ.

وَجَعَلَ على قِيَادَةِ المَيْمَنَةِ الزُّبَيْرَ بْنَ العَوَّامِ، وعلى المَيْسَرَةِ المِقْدَادَ بْنَ عَمْرٍو ـ وَكَانَا هُمَا الفَارِسَيْنِ الوَحِيدَيْنِ في الجَيْشِ ـ كَمَا سَبَقَ ـ وَجَعَلَ على السَّاقَةِ قَيْسَ بْنَ أَبِي صَعْصَعَةَ، وَظَلَّتِ القِيَادَةُ العَامَّةُ في يَدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ كَقَائِدٍ أَعْلَى للجَيْشِ.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ السَّبَبُ الأَوَّلُ لِغَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى الاسْتِيلاءَ على عِيرِ قُرَيْشٍ القَادِمَةِ من الشَّامِ تَحْتَ إِشْرَافِ أَبِي سُفْيَانَ.

غَيْرَ أَنَّ اللهَ تعالى أَرَادَ لِعِبَادِهِ غَنِيمَةً أَكْبَرَ، ونَصْراً أَعْظَمَ، وتَدْبِيرُ اللهِ تعالى هوَ خَيْرٌ من تَدْبِيرِ العَبْدِ.

اللَّهُمَّ رَضِّنَا بِقَضَائِكَ، وبَارِكْ لَنَا فِيمَا قُدِّرَ لَنَا، حَتَّى لا نُحِبَّ تَعْجِيلَ مَا أَخَّرْتَ، ولا تَأْخِيرَ مَا عَجَّلْتَ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 18/رمضان /1436هـ، الموافق: 5/تموز/ 2015م