50ـ كلمات في مناسبات: غزوة بدر الكبرى (10)

 

 50ـ كلمات في مناسبات: غزوة بدر الكبرى (10)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: الوَفَاءُ خُلُقٌ جَمِيلٌ، وكَنْزٌ ثَمِينٌ، فالأَيَّامُ دُوَلٌ، فَكَمْ من غَنِيٍّ أَصْبَحَ فَقِيرَاً؟ وكَمْ من عَزِيزٍ أَصْبَحَ ذَلِيلاً؟ وكَمْ من قَوِيٍّ أَصْبَحَ ضَعِيفَاً؟ وكَمْ من سَلِيمٍ أَصْبَحَ مَرِيضَاً؟ لِذَا يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾. ويَقُولُ: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾.

أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ من خُلُقِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ الوَفَاءُ، ومن وَفَائِهِ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ في أَسْرَى بَدْرٍ: «لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيَّاً ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ» رواه الإمام البخاري عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. لأَنَّ المُطْعِمَ أَجَارَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ عِنْدَمَا عَادَ من الطَّائِفِ.

أيُّها الإخوة الكرام: وكَذلكَ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ بِأَنَّ الجَزَاءَ من جِنْسِ العَمَلِ، وأَنَّ مَن لا يَزْرَعُ الخَيْرَ والمَعْرُوفَ فَلَنْ يَرَ خَيْرَاً.

قَتْلُ النَّضْرِ بْنِ الحَارِثِ:

أيُّها الإخوة الكرام: من أَسْرَى بَدْرٍ النَّضْرُ بْنُ الحَارِثِ، قَتَلَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ صَبْرَاً ـ أَنْ يُمْسِكَ بِحَيٍّ ثمَّ يُرْمَى بِشَيْءٍ حَتَّى يَمُوتَ؛ وَأَصْلُ الصَّبْرِ الحَبْسُ ـ.

ومَا ذَاكَ إلا لأَنَّهُ قَدَّمَ أَلْأَمَ وَأَخَسَّ مَا عِنْدَهُ، لقد كَانَتْ عَدَاوَتُهُ للهِ تعالى ولِكِتَابِهِ ولِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ عَدَاوَةً شَدِيدَةً، وكَانَ قِمَّةَ المُسْتَهْزِئِينَ بِكِتَابِ اللهِ تعالى.

كَانَ النَّضِرُ بْنُ الحَارِثِ من شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ، وكَانَ مِمَّنْ يُؤْذِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، ويَنْصِبُ لَهُ العَدَاوَةَ، وكَانَ قَد قَدِمَ الحِيرَةَ، وتَعَلَّمَ بِهَا أَحَادِيثَ مُلُوكِ الفُرْسِ، وأَحَادِيثَ رُسْتُمَ، فَكَانَ إذا جَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ مَجْلِسَاً فَذَكَّرَ فِيهِ باللهِ تعالى، وحَذَّرَ قَوْمَهُ مَا أَصَابَ قَبْلَهُم من الأُمَمِ من نِقْمَةِ اللهِ، خَلَفَهُ فِي مَجْلِسِهِ إذَا قَامَ ثُمَّ قَالَ: أَنَا واللهِ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَحْسَنُ حَدِيثَاً مِنْهُ، فَهَلُمَّ إلَيَّ، فَأَنَا أُحَدِّثُكُمْ أَحْسَنَ مِنْ حَدِيثِهِ، ثُمَّ يُحَدِّثُهُمْ عَنْ مُلُوكِ فَارِسَ وَرُسْتُمَ واسبنديار، ثُمَّ يَقُولُ: بِمَاذَا مُحَمَّدٌ أَحْسَنُ حَدِيثَاً مِنِّي؟.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهُوَ الذِي قَالَ فِيمَا بَلَغَنِي: سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللهُ.

وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما يَقُولُ فِيمَا بَلَغَنِي: نَزَلَ فِيهِ ثَمَانِ آيَاتٍ مِن الْقُرْآنِ، قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوّلِينَ﴾. وَكُلُّ مَا ذُكِرَ فِيهِ مِن الْأَسَاطِيرِ مِن الْقُرْآنِ.

مَا نَزَلَ فِيهِ من القُرْآنِ العَظِيمِ:

أيُّها الإخوة الكرام: هذا الرَّجُلُ الخَبِيثُ نَزَلَتْ فِيهِ آيَاتٌ عِدَّةٌ، مِنْهَا قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾.

وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾.

وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ﴾.

وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللهِ ذِي الْمَعَارِجِ﴾.

وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾.

وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ﴾.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: هذا الرَّجُلُ المُتَعَالِي على اللهِ تعالى والمُتَأَلِّي عَلَيْهِ، والذي يَزْعُمُ أَنَّهُ سَيُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللهُ تعالى، والذي يَزْعُمُ أَنَّهُ أَحْسَنُ حَدِيثَاً من سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، لا بُدَّ لِمِثْلِ مَن يُمَثِّلُ هذا التَّيَّارَ، وقَد أَصْبَحَ بَيْنَ يَدَيْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، لا بُدَّ أَنْ يُثْأَرَ للهِ ولِرَسُولِهِ مِنْهُ، ومن أَجْلِ هذا لَمْ يُدْخِلْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ ضِمْنَ نِطَاقِ الاسْتِشَارَةِ، لأَنَّ اللهَ تعالى حَكَمَ فِيهِ حُكْمَاً وَاضِحَاً قَالَ فِيهِ: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبَاً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ * وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾.

رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 26/رمضان /1436هـ، الموافق: 12/تموز/ 2015م