233ـمع الحبيب المصطفى :أَرْجَحِيَّةُ عَقْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

 

مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

233ـ أَرْجَحِيَّةُ عَقْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: أَعْظَمُ نِعْمَةٍ مَنَّ اللهَ تعالى بِهَا على العَبْدِ هِيَ نِعْمَةُ العَقْلِ، الذي جَعَلَهُ اللهُ تعالى مَنَاطَ التَّكْلِيفِ، وَلِهَذَا: إِذَا أَخَذَ مَا أَوْهَبَ، أَسْقَطَ مَا أَوْجَبَ، فلا تَكْلِيفَ بِدُونِ عَقْلٍ.

العَقْلُ نُورٌ، بِهِ يُفَكِّرُ الإِنْسَانُ، وَيَخْتَرِعُ، وَيُنْتِجُ مَا لا يُنْتِجُهُ غَيْرُهُ من المَخْلُوقَاتِ، وَقَد مَدَحَ اللهُ تعالى أَصْحَابَ العُقُولِ والأَلْبَابِ في كِتَابِهِ العَظِيمِ، فَقَالَ تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامَاً وَقُعُودَاً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلَاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: العَقْلُ الرَّاجِحُ المُنَوَّرُ يُلْزِمُ صَاحِبَهُ بالتَّمَسُّكِ بهذا الدِّينِ الحَنِيفِ، لِأَنَّهُ دِينٌ كَامِلٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ غَايَةُ بُغْيَةِ العَقْلِ الرَّاجِحِ، لِذَا رَأَيْنَا أُوْلِي الأَلْبَابِ يَقُولُونَ: ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيَاً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾.

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: صَاحِبُ العَقْلِ الرَّاجِحِ هُوَ الذي يَلْتَزِمُ مَا قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: إِذَا سَمِعْتَ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ:  ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فَأَرْعِهَا سَمْعَكَ، فَإِنَّهُ خَيْرٌ يَأْمُرُ بِهِ، أَوْ شَرٌّ يَنْهَى عَنْهُ. اهـ. فَكُلُّ مَن اسْتَمَعَ إلى هذا الدِّينِ، وَعَقَلَهُ، وَوَعَاهُ، وَفَهِمَهُ، لا بُدَّ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ، وَيَسْتَسْلِمَ إِلَيْهِ.

سُئِلَ أَعْرَابِيٌ: بِمَ عَرَفْتَ مُحَمَّدَاً رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

فَقَالَ: مَا أَمَرَ بِشَيْءٍ فَقَالَ العَقْلُ: لَيْتَهُ نَهَى عَنْهُ، ولا نَهَى عَن شَيْءٍ فَقَالَ العَقْلُ: لَيْتَهُ أَمَرَ بِهِ.

بالعَقْلِ يُدْرِكُ الإِنْسَانُ الآخِرَةَ:

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: بالعَقْلِ المُنْصِفِ يُدْرِكُ الإِنْسَانُ الآخِرَةَ، وَيُدْرِكُ بِأَنَّ اللهَ تعالى سَيَنْتَقِمُ من كُلِّ ظَالِمٍ، وإلا كَانَ الخَلْقُ عَبَثَاً.

رُوِيَ عَن عَبْدِ المُطَّلِبِ جَدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَاً: مَا مِنْ ظَالِمٍ يَشْتَدُّ ظُلْمُهُ إلا انْتَقَمَ اللهُ تعالى مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ.

فَقِيلَ لَهُ: فُلانٌ جَارَ وَطَغَى!

فَقَالَ: اِنْتَقَمَ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ كَذَا.

فَقِيلَ لَهُ: فُلانٌ!

فَقَالَ: اِنْتَقَمَ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ كَذَا.

فَقِيلَ لَهُ: فُلانٌ جَارَ وَطَغَى، وَلَمْ يُصِبْهُ شَيْءٌ!

فَفَكَّرَ طَوِيلاً، ثمَّ قَالَ: إِذَاً لا بُدَّ من يَوْمٍ آَخَرَ يَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ.

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: لَقَد نَبَّهَ اللهُ تعالى العُقَلاءَ إلى ذَلِكَ، فَقَالَ: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * وَخَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾.

ومن ثَمَّ قَالَ تعالى مُخْبِرَاً عَمَّا يَقُولُ الكُفَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ: ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾. يَعْنِي: أَنَّهُم لَوْ سَمِعُوا لهذا الدِّينِ لَعَلِمُوا وعَقَلُوا أَوَامِرَهُ، وَمَعَانِيَهُ وَحِكَمَهُ وَأَحْكَامَهُ، لَكِنَّهُم عَمُوا وَصَمُّوا.

وجَاءَ في الأَثَرِ: لَمَّا خَلَقَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْعَقْلَ قَالَ لَهُ: قُمْ، فَقَامَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَدْبِرْ، فَأَدْبَرَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: اقْعُدْ، فَقَعَدَ، فَقَالَ: وَعِزَّتِي، مَا خَلَقْتُ خَيْرَاً مِنْكَ، وَلا أَكْرَمَ مِنْكَ، وَلا أَفْضَلَ مِنْكَ، وَلا أَحْسَنَ، بِكَ آخُذُ، وَبِكَ أُعْطِي، وَبِكَ أُعْرَفُ، وَبِكَ أُعَاقِبُ، وَبِكَ الثَّوَابُ، وَعَلَيْكَ الْعِقَابُ.

أَرْجَحُ العُقُولِ عَقْلُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: أَحَبُّ العُقُولِ إلى اللهِ تعالى هُوَ عَقْلُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّهُ أَكْمَلُ العُقُولِ، وَأَرْجَحُهَا، وَأَوْسَعُهَا.

وَيَتَجَلَّى كَمَالُ عَقْلِهِ، وَسَعَةُ فِكْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، في جَمِيعِ قَضَايَاهُ وَأَعْمَالِهِ وَأَقْوَالِهِ وَأَحْوَالِهِ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ أَطْرَافَاً مُوجَزَةً، هِيَ قَطْرَةٌ من بَحْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أولاً: إِنَّ مُوَاجَهَتَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ للعَالَمِ الذي انْتَشَرَتْ الجَاهِلِيَّةُ الجَهْلاءُ في جَمِيعِ طَبَقَاتِهِ وَمِلَلِهِ، عَرَبِهِم وَعَجَمِهِم، حَتَّى إِنَّهُم ضَلَّتْ عُقُولُهُم، وَجَهِلُوا دِينَهُم، وَصَارُوا يَعْبُدُونَ أَوْثَانَاً وَأَحْجَارَاً نَحَتَتْهَا أَيْدِيهِم، وَرُبَّمَا صَنَعَ أَحَدُهُم صَنَمَاً صَغِيرَاً من تَمْرٍ أَو عَجْوَةٍ، فَعَبَدَهُ مُدَّةً مَدِيدَةً، حَتَّى إِذَا جَاعَ أَكَلَهُ!.

فَمُوَاجَهَةُ هذهِ العَقْلِيَّةِ الصَّخْرَةِ المُتَحَجِّرَةِ المُنْحَرِفَةِ، وَتَحْوِيلِهَا إلى عَقْلِيَّةٍ لَطِيفَةٍ سَلِيمَةٍ صَائِبَةٍ، لَهُوَ أَمْرٌ كَبِيرٌ يَحْتَاجُ إلى عَقْلٍ رَجِيحٍ، وَفِكْرٍ صَحِيحٍ، وَقُوَّةِ بَيَانٍ، وَفَصَاحَةِ لِسَانٍ، وَبُرْهَانٍ سَاطِعٍ، وَدَلِيلٍ قَاطِعٍ، وَتَحَمُّلٍ وَأَنَاةٍ، وَحِلْمٍ وَصَفْحٍ، وَعِلْمٍ وَاسِعٍ بِمُخْتَلَفِ الحُجَجِ وَأَنْوَاعِ الأَسَالِيبِ.

ولا رَيْبَ أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ كَانَ بِتَعَالِيمِ أَحْكَمِ الحَاكِمِينَ، وَبِوَحْيِ رَبِّ العَالَمِينَ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وتعالى هُوَ الذي خَطَّ لَهُ طَرِيقَ الدَّعْوَةِ، وَبَيَّنَ لَهُ أَسَالِيبَهَا، وَأَوْضَحَ لَهُ مِنْهَاجَهَا، لِيَسِيرَ عَلَيْهَا، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وتعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾.

وَلَكِنَّ التَّعَالِيمَ الإِلَهِيَّةَ والإِيحَاءَاتِ الرَّبَّانِيَّةَ، لا بُدَّ لَهَا من عَقْلٍ كَبِيرٍ، مُشْرِقٍ مُنِيرٍ، قَد أَعَدَّهُ اللهُ تعالى لِحَمْلِهَا، ثمَّ تَطْبِيقِهَا وَتَنْزِيلِهَا في مَنَازِلِهَا اللَّائِقَةِ بِهَا، فَإِنَّ النَّاسَ تَتَفَاوَتُ مَرَاتِبُهُم.

فَمْنْهُم: مَن إِذَا عُرِضَتْ عَلَيْهِ الحِكْمَةُ سَلَّمَ لَهَا، وَاسْتَسْلَمَ لأَمْرِهَا.

وَمِنْهُم: مَن أَخَذَتْ بِنَفْسِهِ الشَّهَوَاتُ المُفْرِطَةُ مَأْخَذَهَا، فَيَحْتَاجُ إلى وَعْظٍ وَتَذْكِيرٍ بِسُوءِ مَا يَعْمَلُ، وَعَوَاقِبِ مَا يَقْتَرِفُ.

وَمِنْهُم: مَن تَسَلَّطَتْ على قَلْبِهِ الشُّبُهَاتُ الاعْتِقَادِيَّةُ الفَاسِدَةُ، فَهُوَ يَحْتَاجُ إلى مَا يُزِيلُهَا من قَلْبِهِ بالحُجَجِ القَاطِعَةِ، والجَدَلِ بالتي هِيَ أَحْسَنُ.

وَلِذَا نَوَّعَ اللهُ تعالى أَسَالِيبَ الدَّعْوَةِ، لِأَنَّ كُلَّ أُسْلُوبٍ لَهُ مَوْقِعُهُ وَأَثَرُهُ وَمَوْضِعُهُ.

ومن هُنَا يُعْلَمُ يَقِينَاً أَنَّ أَعْقَلَ العُقَلاءِ هُوَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

ثانياً: إِنَّ مَن تَأَمَّلَ في أَسَالِيبِ حُجَّتِهِ على عَبَدَةِ الأَوْثَانِ، وَمَن نَظَرَ في أَدِلَّتِهِ على اليَهُودِ والنَّصَارَى، وَإِلْزَامِهِمُ الحُجَّةَ، وَإِفْحَامِهِم، وَإِلْقَامِهِم حَجَرَ الخُذْلانِ، تَرَاءَتْ لَهُ إِشْعَاعَاتٌ من عَقْلِيَّتِهِ الكُبْرَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَيْقَنَ أَنَّ عَقْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَكْمَلُ العُقُولِ، وَأَعْلاهَا، وَأَوْسَعُهَا، وَأَفْضَلُهَا.

فهذا حُصَيْنٌ وَالِدُ عِمْرَانَ، الذي يَعْبُدُ سَبْعَةَ أَصٍنَامٍ في الأَرْضِ، وَيَرَى أَنَّهَا آلِهَةٌ، وَكَانَ مُعَظَّمَاً في قُرَيْشٍ، فَجَاؤُوا إِلَيْهِ وَقَالُوا لَهُ: كَلِّمْ لَنَا هذا الرَّجُلَ ـ أَيْ: مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ فَإِنَّهُ يَذْكُرُ آلِهَتَنَا وَيَسُبُّهُم، وَجَاؤُوا مَعَهُ حَتَّى جَلَسُوا قَرِيبَاً من بَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

كما جَاءَ في الإِصَابَةِ في مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَوْسِعُوا للشَّيْخِ». وَعِمْرَانُ وَلَدُهُ وَأَصْحَابُهُ مُتَوَافِرُونَ.

فَقَالَ حُصَيْنٌ: مَا هَذَا الذي بَلَغَنَا عَنْكَ، أَنَّكَ تَشْتُمُ آلِهَتَنَا وَتَذْكُرُهُم؟ وَقَد كَانَ أَبُوكَ حَصِينَاً خَيِّرَاً؟

فَقَالَ: «يَا حُصَيْنُ، كَمْ تَعْبُدُ من إِلَهٍ؟».

قَالَ: سَبْعَاً في الأَرْضِ، وَوَاحِدَاً في السَّمَاءِ.

قَالَ: «فَإِذَا أَصَابَكَ الضُّرُّ مَن تَدْعُو؟».

قَالَ: الذي في السَّمَاءِ.

قَالَ: «فَإِذَا هَلَكَ المَالُ مَن تَدْعُو ؟».

قَالَ: الذي في السَّمَاءِ.

قَالَ: «فَيَسْتَجِيبُ لَكَ وَحْدَهُ وَتُشْرِكُهُم مَعَهُ؟ أَرَضِيتَهُ في الشُّكْرِ أَمْ تَخَافُ أَنْ يُغْلَبَ عَلَيْكَ؟».

قَالَ: وَلا وَاحِدَةً من هَاتَيْنِ؛ قَالَ: وَعَلِمْتُ أَنِّي لَمْ أُكَلِّمْ مِثْلَهُ.

قَالَ: «يَا حُصَيْنُ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ».

قَالَ: إِنَّ لِي قَوْمَاً وَعَشِيرَةً، فَمَاذَا أَقُولُ؟

قَالَ: «قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَهْدِيكَ لِأَرْشَدِ أَمْرِي، وَزِدْنِي عِلْمَاً يَنْفَعُنِي».

فَقَالَهَا حُصَيْنٌ، فَلَمْ يَقُمْ حَتَّى أَسْلَمَ، فَقَامَ إِلَيْهِ عِمْرَانُ فَقَبَّلَ رَأْسَهُ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ.

فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَكَى وَقَالَ: «بَكَيْتُ من صَنِيعِ عِمْرَانَ، دَخَلَ حُصَيْنٌ وَهُوَ كَافِرٌ فَلَمْ يَقُمْ إِلَيْهِ عِمْرَانُ، وَلَمْ يَتَلَفَّتْ نَاحِيَتَهُ، فَلَمَّا أَسْلَمَ قَضَى حَقَّهُ، فَدَخَلَنِي من ذَلِكَ الرِّقَّةُ».

فَلَمَّا أَرَادَ حُصَيْنٌ أَنْ يَخْرُجَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: «قُومُوا فَشَيِّعُوهُ إلى مَنْزِلِهِ». (إِكْرَامَاً لَهُ).

فَلَمَّا خَرَجَ من سُدَّةِ البَابِ رَأَتْهُ قُرَيْشٌ، فَقَالُوا: صَبَأَ؛ وَتَفَرَّقُوا عَنْهُ.

وروى الترمذي عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي: «يَا حُصَيْنُ، كَمْ تَعْبُدُ الْيَوْمَ إِلَهَاً؟»

قَالَ أَبِي: سَبْعَةً، سِتَّةً فِي الْأَرْضِ، وَوَاحِدَاً فِي السَّمَاءِ.

قَالَ: «فَأَيُّهُمْ تَعُدُّ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ».

قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ.

قَالَ: «يَا حُصَيْنُ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَسْلَمْتَ عَلَّمْتُكَ كَلِمَتَيْنِ تَنْفَعَانِكَ».

قَالَ: فَلَمَّا أَسْلَمَ حُصَيْنٌ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، عَلِّمْنِيَ الْكَلِمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ وَعَدْتَنِي.

فَقَالَ: «قُلْ: اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي، وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي».

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: نَحْنُ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى إِعْمَالِ عُقُولِنَا، وإلى أَنْ نُفَكِّرَ في آخِرَتِنَا عِنْدَ كُلِّ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَأَنْ نَدْعُوَ إلى اللهِ تعالى بالقَوْلِ الحَسَنِ ﴿وَقُولُوا للنَّاسِ حُسْنَاً﴾.

يَقُولُ طَلْحَةُ بْنُ عُمَرَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: إِنَّكَ رَجُلٌ يَجْتَمِعُ عِنْدَكَ نَاسٌ ذَوُو أَهْوَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَأَنَا رَجُلٌ فِيَّ حِدَّةٌ، فَأَقُولُ لَهُم بَعْضَ القَوْلِ الغَلِيظِ.

فَقَالَ: لا تَفْعَلْ! يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَقُولُوا للنَّاسِ حُسْنَاً﴾.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَرْزُقَنَا عَقْلاً مُنَوَّرَاً. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**      **      **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 24/ ربيع الأول /1437هـ، الموافق: 4/ كانون الثاني/ 2016م