112- نحو أسرة مسلمة : المتزوج مُعَانٌ من الله تعالى

 

نحو أسرة مسلمة 

112ـ المتزوج مُعَانٌ من الله تعالى

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: من القَضَايَا الاجْتِمَاعِيَّةِ التي رَعَاهَا دِينُنَا الحَنِيفُ رِعَايَةً بَالِغَةً وَفَائِقَةً، حَيْثُ جَاءَتْ نُصُوصٌ من القُرْآنِ العَظِيمِ، ومن السُّنَّةِ المُطَهَّرَةِ، بالحَثِّ عَلَيْهَا، والتَّرْغِيبِ فِيهَا، قَضِيَّةُ الزَّوَاجِ، وَذَلِكَ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ من مَصَالِحِ الدِّينِ والدُّنْيَا، وَلِمَا فِيهِ من الحِكَمِ السَّامِيَةِ، والمَنَافِعِ المُتَعَدِّدَةِ، والمَعَانِي الكَرِيمَةِ.

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: الزَّوَاجُ ضَرُورَةٌ اجْتِمَاعِيَّةٌ من أَجْلِ بِنَاءِ الحَيَاةِ، ومن أَجْلِ تَكْوِينِ الأُسَرِ، ومن أَجْلِ تَأْسِيسِ الفَضائِلِ، الزَّوَاجُ عَوْنٌ على غَضِّ البَصَرِ، وَتَحْصِينِ الفَرْجِ، الزَّوَاجُ أَمْرٌ مَحْبُوبٌ إلى النُّفُوسِ الزَّكِيَّةِ، الزَّوَاجُ تَقْتَضِيهِ الفِطْرَةُ السَّوِيَّةُ، وَتَحُثُّ عَلَيْهِ جَمِيعُ التَّشْرِيعَاتِ السَّمَاوِيَّةِ، الزَّوَاجُ يَتَطَلَّبُهُ العَقْلُ الصَّحِيحُ، وَيَأْلَفُهُ الطَّبْعُ السَّلِيمُ، بالزَّوَاجِ تَتَعَارَفُ القَبَائِلُ، وَبِهِ تَتَكَوَّنُ الشُّعُوبُ، وَتَكْثُرُ بِهِ الأُمَمُ، الزَّوَاجُ فِيهِ رَاحَةٌ نَفْسِيَّةٌ، وَطُمَأْنِينَةٌ قَلْبِيَّةٌ، وَيَكْفِيهِ أَنَّهُ آيَةٌ من آيَاتِ اللهِ تعالى العُظْمَى التي تَدُلُّ على وُجُودِهِ تَبَارَكَ وتعالى، وَتَدُلُّ على حِكْمَتِهِ، وَبَدِيعِ صُنْعِهِ، قَالَ تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجَاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.

المُتَزَوِّجُ مُعَانٌ:

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: المُتَزَوِّجُ بِقَصْدِ العَفَافِ مُعَانٌ من قِبَلِ رَبِّنَا عزَّ وجلَّ، يُعِينُهُ مَادِّيَّاً وَمَعْنَوِيَّاً وَنَفْسِيَّاً وَإِيمَانِيَّاً وَأَخْلاقِيَّاً.

روى الإمام الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللهِ عَوْنُهُمْ، الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ».

نَعَم، لَقَد تَعَهَّدَ اللهُ عزَّ وجلَّ للفَقِيرِ المُرِيدِ الزَّوَاجَ إِعْفَافَاً لِنَفْسِهِ بالغِنَى، قَالَ تعالى: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ واللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.

وَيَقُولُ سَيِّدُنَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: أَطِيعُوا اللَه فِيمَا أَمَرَكُمْ من النِّكَاحِ، يُنْجِزْ لَكُمْ مَا وَعَدَكُمْ من الغِنَى.

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: الآمِرُ ضَامِنٌ، ولا يَكُونُ هذا إلا للهِ تعالى، لِأَنَّ العَبْدَ قَد يَأْمُرُ وَلَكِنْ لا يَضْمَنُ النَّتَائِجَ، ولا يَضْمَنُ تَحْقِيقَ الوَعْدِ، لِأَنَّ اللهَ تعالى قَالَ: ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدَاً * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ﴾.

أَمَّا الذي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ، والذي لا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ في الأَرْضِ ولا في السَّمَاءِ، والذي أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئَاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، فَإِذَا أَمَرَ بِأَمْرٍ، وَوَعَدَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، كَانَ ضَامِنَاً لِمَا وَعَدَ بِهِ، وَحَاشَاهُ أَنْ يُخْلِفَ وَعْدَهُ ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾.

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: إِذَا كَانَ حَقَّاً على اللهِ تعالى أَنْ يُعِينَ المُتَزَوِّجَ الذي يُرِيدُ العَفَافَ، وَيُرِيدُ الاتِّبَاعَ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَمَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَن الزَّوَاجِ.

فَرَبُّنَا عزَّ وجلَّ هُوَ المُعِينُ للزَّوْجِ إِذَا كَدَّ وَاجْتَهَدَ سَعْيَاً للرِّزْقِ، من أَجْلِ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ، وَهُوَ المُعِينُ للزَّوْجَةِ على  تَحَمُّلِ جَنِينِهَا، وَهُوَ المُعِينُ لَهَا عِنْدَ وِلادَةِ الجَنِينِ، وَصَدَقَ مَن قَالَ: إِذَا كَلَّفَكَ أَعَانَكَ.

الزَّوَاجُ مَجْلَبَةٌ للمَالِ والرِّزْقِ الحَلالِ:

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: الزَّوَاجُ مَجْلَبَةٌ للمَالِ والرِّزْقِ الحَلالِ، وَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ هذا يَكُونُ، وبالزَّوَاجِ تَزْدَادُ المَصَارِيفُ والنَّفَقَاتُ؟

أَقُولُ: هذا الوَعْدُ لِمَنْ آمَنَ باللهِ تعالى واليَوْمِ الآخِرِ، هذا لِمَنْ آمَنَ بالقَضَاءِ والقَدَرِ، هذا لِمَنْ كَانَ إِيمَانُهُ قَوِيَّاً باللهِ تعالى، هذا لِمَنْ كَانَ يَعْلَمُ بِأَنَّ رِزْقَهُ وَرِزْقَ كُلِّ دَابَّةٍ في الأَرْضِ على اللهِ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقَاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾.

وقَالَ تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾.

وقَالَ تعالى: ﴿نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ﴾.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، عِنْدَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ﴾. رَغَّبَهُمُ اللهُ في التَّزْوِيجِ، وَأَمَرَ بِهِ الأَحْرَارَ والعَبِيدَ، وَوَعَدَهُم عَلَيْهِ الغِنَى، فَقَالَ: ﴿إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾.

وَيَقُولُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: الْتَمِسُوا الغِنَى في النِّكَاحِ.

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: زَوِّجُوا مَن لا زَوْجَ لَهُ، فَإِنَّ الزَّوَاجَ سُنَّةٌ نَبَوِيَّةٌ، وَبِهِ سَعَادَةُ الفَرْدِ والأُمَّةِ، ولا تَعْزُفُوا عَن تَزْوِيجِ مَن لا زَوْجَ لَهُ، لِأَنَّ اللهَ تعالى الذي خَلَقَ الإِنْسَانَ يَعْلَمُ مَا يُصْلِحُهُ وَمَا يُفْسِدُهُ ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾؟

يَقُولُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَجَلِي إلَّا عَشَرَةُ أَيَّامٍ، وَأَعْلَمُ أَنِّي أَمُوتُ فِي آخِرِهَا يَوْمَاً، وَلِي طَوْلُ (أَيْ: قُدْرَةُ) النِّكَاحِ فِيهِنَّ، لَتَزَوَّجْتُ مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ.

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: الفِتَنُ كَثِيرَةٌ وَكَثِيرَةٌ جِدَّاً، وَخَاصَّةً في هذهِ الآوِنَةِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ من دَمَارٍ وَخَرَابٍ مَا هُوَ إلا نَتِيجَةُ انْتِشَارِ الرِّبَا والفَاحِشَةِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام أحمد عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا ظَهَرَ فِي قَوْمٍ الرِّبَا وَالزِّنَا إِلَّا أَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ عِقَابَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ».

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ: قَالَ لي طَاوُوسُ: لَتَنْكِحَنَّ، أَوْ لَأَقُولَنَّ لَكَ مَا قَالَ عُمَرُ لِأَبِي الزَّوَائِدِ: مَا يَمْنَعُكَ عَن النِّكَاحِ إلَّا عَجْزٌ أَوْ فُجُورٌ.

وفي الخِتَامِ، ذُكِرَ في نَوَادِرِ الأَدَبِ، أَنَّ أُمَّاً رُزِقَتْ بِوَلِيدٍ، وَتَعَلَّقَتْ بِهِ تَعَلُّقَاً كَبِيرَاً، فَكَانَتْ إِذَا أَزَالَتْ عَنْهُ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ، أَنْشَدَتْ تَقُولُ:

يَا حَبَّذَا رِيحُ الوَلَدْ   ***   مِثْلُ الخُزَامَى للبَلَدْ

أَهَـكَـذَا كُـلُّ وَلَدْ    ***   أَمْ لَمْ يَلِدْ مِثْلِي أَحَدْ؟

وعلى الطَّرَفِ المُقَابِلِ: مَنْ تَرَكَ الزَّوَاجَ فَاتَتْهُ مَعُونَةُ اللهِ إِيَّاهُ؛ خَاطَبَتْ أُسْتَاذَةٌ جَامِعِيَّةٌ غَيْرُ مُتَزَوِّجَةٍ في كُلِّيَّةِ الطِّبِّ بِجَامِعَةٍ أَوْرُبِّيَّةٍ طَالِبَاتِهَا: أَيَّتُهَا الطَّالِبَاتُ، أَنْصَحُكُنَّ بالزَّوَاجِ الآنَ، فَإِنِّي خَسِرْتُ أَغْلَى شَيْءٍ في حَيَاتِي، خَسِرْتُ الأُمُومَةَ والزَّوَاجَ.

اللَّهُمَّ هَيِّئْ لَنَا وَلشَبَابِنَا وَلِشَابَّاتِنَا من أَمْرِنَا يُسْرَاً. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**      **      **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 30/ ربيع الأول /1437هـ، الموافق: 10/ كانون الثاني/ 2016م