236ـ مع الحبيب المصطفى:«لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا بَيَّنْتُهُ لَكُمْ»

.

مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

236ـ «لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا بَيَّنْتُهُ لَكُمْ»

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: العِلْمُ الشَّرِيفُ هُوَ أَغْلَى مَا يُطْلَبُ في هذهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا بِلا شَكٍّ ولا رَيْبٍ، لِأَنَّهُ سَبِيلٌ إلى مَعْرِفَةِ اللهِ تعالى، ولا سَبِيلَ إلى مَعْرِفَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ولا سَبِيلَ إلى رِضْوَانِ اللهِ تعالى في الدُّنْيَا والآخِرَةِ، ولا سَبِيلَ للحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا والآخِرَةِ، إلا عَن طَرِيقِ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ.

العِلْمُ الشَّرْعِيُّ يُبْذَلُ لِأَجْلِهِ المَالُ والرُّوحُ، العِلْمُ الشَّرْعِيُّ يُبْذَلُ لِأَجْلِهِ العُمُرُ، العِلْمُ الـشَّرْعِيُّ يُبْذَلُ لِأَجْلِهِ كُلُّ نَفَسٍ من أَنْفَاسِ حَيَاتِنَا، لِأَنَّهُ أَغْلَى مَا يُضَحَّى لَهُ، وَإِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى لَمْ يَأْمُرْ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِطَلَبِ الزِّيَادَةِ من شَيْءٍ إلا من العِلْمِ، فقَالَ تعالى آمِرَاً سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمَاً﴾.

أَوْسَعُ النَّاسِ عِلْمَاً سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: لَقَد كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَوْسَعَ الخَلْقِ عِلْمَاً، وَأَعْظَمَ النَّاسِ فَهْمَاً، لِأَنَّ اللهَ تعالى أَفَاضَ عَلَيْهِ العُلُومَ النَّافِعَةَ الكَثِيرَةَ، والمَعَارِفَ العَالِيَةَ الوَفِيرَةَ، وَقَد أَعْلَنَ سُبْحَانَهُ وتعالى بِسَعَةِ عِلْمِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَعْلَمَ بِعَظِيمِ فَضْلِهِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمَاً﴾.

فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمُ خَلْقِ اللهِ تعالى، وَأَعْرَفُهُم باللهِ تعالى، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ باللهِ أَنَا».

وفي رِوَايَةِ الأَصِيلِيِّ: «أَنَا أَعْرَفُكُمْ باللهِ، وَأَشَدُّكُمْ لَهُ خَشْيَةً».

وَمَن تَدَبَّرَ في تَعَالِيمِ اللهِ تعالى لِرُسُلِهِ وَأَنْبِيَائِهِ صَلَوَاتُ اللهِ تعالى عَلَيْهِم، الوَارِدَةِ في القُرْآنِ الكَرِيمِ، يَتَّضِحُ لَهُ جَلِيَّاً أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَد عَلَّمَهُ اللهُ تعالى عُلُومَاً هِيَ أَكْثَرُ وَأَوْفَرُ وَأَجْمَعُ وَأَعَمُّ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ: ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾. فَجِيءَ بِـ ﴿مَا﴾ التي هِيَ للعُمُومِ والشُّمُولِ، لِتَعُمَّ جَمِيعَ العُلُومِ التي عَلَّمَهَا اللهُ تعالى لِرُسُلِهِ وَأَنْبِيَائِهِ، وَلِتَشْمَلَ غَيْرَهَا من العُلُومِ التي أَفَاضَهَا اللهُ سُبْحَانَهُ تعالى عَلَيْهِ.

روى الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ بْنُ عَائِذٍ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما أَنَّهُ قَالَ: لَـمَّا وُلِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ في أُذُنِهِ رَضْوَانُ خَازِنُ الجِنَانِ: أَبْشِرْ يَا مُحَمَّدُ، فَمَا بَقِيَ لِنَبِيٍّ عِلْمٌ إِلَّا وَقَد أُعْطِيتَهُ، فَأَنْتَ أَكْثَرُهُم عِلْمَاً، وَأَشْجَعُهُم قَلْبَاً.

«لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا بَيَّنْتُهُ لَكُمْ»:

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: مِمَّا يَدُلُّ على سَعَةِ عِلْمِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ما رواه الإمام البخاري عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ (أَيْ: حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ عَن مَكَانِهَا؛ والمُرَادُ بِهِ اشْتِدَادُ الحَرِّ) فَصَلَّى الظُّهْرَ، فَقَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَذَكَرَ السَّاعَةَ، فَذَكَرَ أَنَّ فِيهَا أُمُورَاً عِظَامَاً.

ثُمَّ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ فَلْيَسْأَلْ، فَلَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَخْبَرْتُكُمْ مَا دُمْتُ فِي مَقَامِي هَذَا».

فَأَكْثَرَ النَّاسُ فِي الْبُكَاءِ، وَأَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ: «سَلُونِي».

فَقَامَ عَبْدُ اللهِ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ فَقَالَ: مَنْ أَبِي؟

قَالَ: «أَبُوكَ حُذَافَةُ».

ثُمَّ أَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ: «سَلُونِي».

فَبَرَكَ عُمَرُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: رَضِينَا باللهِ رَبَّاً، وَبِالْإِسْلَامِ دِينَاً، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيَّاً.

فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفَاً فِي عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ، فَلَمْ أَرَ كَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ».

وفي رِوَايَةٍ ثَانيَةٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّاسَ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَحْفَوْهُ الْـمَسْأَلَةَ. (أَيْ: أَكْثَرُوا وَأَلَحُّوا).

فَغَضِبَ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: «لَا تَسْأَلُونِي الْيَوْمَ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا بَيَّنْتُهُ لَكُمْ».

فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ يَمِينَاً وَشِمَالَاً، فَإِذَا كُلُّ رَجُلٍ لَافٌّ رَأْسَهُ فِي ثَوْبِهِ يَبْكِي، فَإِذَا رَجُلٌ كَانَ إِذَا لَاحَى الرِّجَالَ (أَيْ: إِذَا خَاصَمَ) يُدْعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ أَبِي؟

قَالَ: «حُذَافَةُ».

ثُمَّ أَنْشَأَ عُمَرُ، فَقَالَ: رَضِينَا باللهِ رَبَّاً، وَبِالْإِسْلَامِ دِينَاً، وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولَاً، نَعُوذُ باللهِ مِن الْفِتَنِ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا رَأَيْتُ فِي الْخَيْرِ وَالـشَّرِّ كَالْيَوْمِ قَطُّ، إِنَّهُ صُوِّرَتْ لِي الْجَنَّةُ وَالنَّارُ حَتَّى رَأَيْتُهُمَا وَرَاءَ الْحَائِطِ».

وَكَانَ قَتَادَةُ يَذْكُرُ عِنْدَ هَذَا الْحَدِيثِ هَذِهِ الْآيَةَ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾.

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: وَمَعَ هذا كُلِّهِ، فَقَد أَمَرَ اللهُ تعالى حَبِيبَهُ وَمُصْطَفَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْأَلَهُ زِيَادَةً في العِلْمِ دَائِمَاً أَبَدَاً، قَالَ تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمَاً﴾.

فَلَمْ يَأْمُرْهُ اللهُ تعالى أَنْ يَسْأَلَهُ الزِّيَادَةَ من شَيْءٍ إلا الزِّيَادَةَ من العِلْمِ الشَّرِيفِ، لِأَنَّهُ سِرُّ الخَلاصِ في هذهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا.

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: لَقَد كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَدْأَبُ في دُعَائِهِ بِزِيَادَةِ العِلْمِ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ من اللَّيْلِ قَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ، اللَّهُمَّ أَسْتَغْفِرُكَ لِذَنْبِي، وَأَسْأَلُكَ رَحْمَتَكَ، اللَّهُمَّ زِدْنِي عِلْمَاً، وَلَا تُزِغْ قَلْبِي بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنِي، وَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ» رواه الحاكم وأبو داود عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.

وروى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ انْفَعْنِي بِمَا عَلَّمْتَنِي، وَعَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي، وَزِدْنِي عِلْمَاً، الْحَمْدُ للهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَأَعُوذُ باللهِ مِنْ حَالِ أَهْلِ النَّارِ».

سَلُوا اللهَ عِلْمَاً نَافِعَاً:

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: لِنَكُنْ حَرِيصِينَ كُلَّ الحِرْصِ على طَلَبِ العِلْمِ الـشَّرِيفِ، وَلْنَكُنْ حَرِيصِينَ كُلَّ الحِرْصِ على أَنْ نَسْأَلَ اللهَ تعالى العِلْمَ النَّافِعَ، وَذَلِكَ لِمَا روى الحاكم وأبو داود عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْعِلْمُ ثَلَاثَةٌ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ فَضْلٌ، آيَةٌ مُحْكَمَةٌ، أَوْ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ، أَوْ فَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ».

وَلِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَعِيذُ باللهِ تعالى من عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، روى الإمام مسلم عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا».

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: العِلْمُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ حُجَّةً للعَبْدِ أَو حُجَّةً عَلَيْهِ، يَقُولُ سَيِّدُنَا أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: إِنَّمَا أَخَافُ أَنْ يُقَالَ لِي يَوْمَ القِيَامَةِ: أَعَلِمْتَ أَو جَهِلْتَ؟

فَأَقُولُ: عَلِمْتُ؛ فَلَا تَبْقَى آيَةٌ في كِتَابِ اللهِ تَعَالَى آمِرَةٌ أَو زَاجِرَةٌ إلا جَاءَتْنِي تَسْأَلُنِي فَرِيضَتَهَا، فَتَسْأَلُنِي الآمِرَةُ هَلْ ائْتَمَرْتَ؟ والزَّاجِرَةُ هَلْ ازْدَجَرْتَ ؟ فَأَعُوذُ باللهِ من عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، ومن نَفْسٍ لا تَشْبَعُ، ومن دُعَاءٍ لا يُسْمَعُ.

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: العِلْمُ النَّافِعُ هُوَ الذي يُوَرِّثُكَ العَمَلَ، العِلْمُ النَّافِعُ هُوَ الذي يُقَرِّبُكَ من اللهِ تعالى، العِلْمُ النَّافِعُ هُوَ الذي يُوَرِّثُكَ الخَشْيَةَ من اللهِ تعالى، العِلْمُ النَّافِعُ هُوَ الذي يُوَرِّثُكَ التَّقْوَى، وَحُبَّ الاتِّبَاعِ لِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

أيُّها الإِخوِةُ الكِرَامُ: لِنَسْمَعْ إلى وَصِيَّةِ سَيِّدِنَا عَلِيٍِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ إلى حَمَلَةِ العِلْمِ الـشَّرِيفِ: يَقُولُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: يَا حَمَلَةَ العِلْمِ، اِعْمَلُوا بِهِ، فَإِنَّمَا العَالِمُ مَن عَمِلَ بِمَا عَلِمَ، وَوَافَقَ عَمَلُهُ عِلْمَهُ، وَسَيَكُونُ أَقْوَامٌ يَحْمِلُونَ العِلْمَ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُم، تُخَالِفُ سَرِيرَتُهُم عَلَانِيَتَهُم، وَيُخَالِفُ عَمَلُهُم عِلْمَهُم، يَجْلِسُونَ حِلَقَاً، فَيُبَاهِي بَعْضُهُم بَعْضَاً، حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُم لَيَغْضَبُ على جَلِيسِهِ حِينَ يَجْلِسُ على غَيْرِهِ وَيَدَعُهُ، أُولَئِكَ لا تَصْعَدُ أَعْمَالُهُم في مَجَالِسِهِم تِلْكَ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ.

وفي الخِتَامِ، أُذَكِّرُ نَفْسِي وَأُذَكِّرُ كُلَّ طَالِبِ عِلْمٍ بِحَدِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ (الْأَقْتَابُ: الْأَمْعَاءُ؛ وَالِانْدِلَاقُ: خُرُوجُ الشَّيْءِ مِنْ مَكَانِهِ) فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِالرَّحَى، فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ: يَا فُلَانُ، مَا لَكَ؟ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْـمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنْ الْـمُنْكَرِ؟

فَيَقُولُ: بَلَى، قَدْ كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَى عَنْ الْـمُنْكَرِ وَآتِيهِ» رواه الإمام مسلم عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ من عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، ومن قَلْبٍ لا يَخْشَعُ، ومن نَفْسٍ لا تَشْبَعُ، ومن دَعْوَةٍ لا يُسْتَجَابُ لَهَا. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**      **      **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 14/ ربيع الثاني /1437هـ، الموافق: 24/ كانون الثاني/ 2016م