118-نحو أسرة مسلمة: ابْحَثُوا عَن صَاحِبِ الدِّينِ والخُلُقِ

.

نحو أسرة مسلمة

118ـ ابْحَثُوا عَن صَاحِبِ الدِّينِ والخُلُقِ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: الزَّوَاجُ هُوَ أَفْضَلُ حَلٍّ لِمَشَاكِلِ الشَّبَابِ والشَّابَّاتِ، لِأَنَّهُ يَصُونُ النُفُوسَ عَن الوُقُوعِ في المُحَرَّمَاتِ، وَيَكْبَحُ الشَّهَوَاتِ المُحَرَّمَةَ، وَهُوَ سَبَبٌ للاسْتِقْرَارِ الـنَّفْسِيِّ والعَاطِفِيِّ، وَإِنِّي أَنْصَحُ كُلَّ شَابٍّ تَحَقَّقَ فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ» رواه الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ؛ أَنْ يَمْتَثِلَ أَمْرَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْ يَتَزَوَّجَ.

كَمَا أَنْصَحُ أَوْلِيَاءَ البَنَاتِ أَنْ يَتَعَجَّلُوا في تَزْوِيجِ بَنَاتِهِم إِذَا جَاءَهُمُ الكُفُؤُ، وَذَلِكَ لِمَا رواه الإمام أحمد والحاكم عَن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَلَاثٌ يَا عَلِيُّ لَا تُؤَخِّرْهُنَّ: الصَّلَاةُ إِذَا آنَتْ، وَالْجَنَازَةُ إِذَا حَضَرَتْ، وَالْأَيِّمُ إِذَا وَجَدَتْ كُفُؤَاً».

الخُلُقُ الحَسَنُ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: إِذَا تَقَدَّمَ إِنْسَانٌ صَاحِبُ دِينٍ وَخُلُقٍ من خِطْبَةِ بِنْتٍ من بَنَاتِنَا، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُوَافِقَ على زَوَاجِهَا، لهذا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ».

نَعَم أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: الخُلُقُ من الدِّينِ، وَلَكِنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَطَفَهُ على الدِّينِ، من بَابِ عَطْفِ الخَاصِّ على العَامِّ، للتَّأْكِيدِ والاهْتِمَامِ، وَذَلِكَ لِمَا لِأَخْلاقِ المَرْءِ من أَثَرٍ كَبِيرٍ في مَسِيرَةِ حَيَاتِهِ، وَتَعَامُلِهِ مَعَ زَوْجَتِهِ، وَأَوْلادِهِ، وَأَهْلِهِ، وَأَهْلِ زَوْجَتِهِ.

الزَّوْجُ إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ خُلُقٍ حَسَنٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ كَالطَّائِشِ الأَهْوَجِ الذي تَسْتَخِفُّهُ التَّوَافِهُ، فَيَسْتَحْمِقُ على عَجَلٍ، وَيَكُونُ لِسَانُهُ وَفِعْلُهُ قَبْلَ قَلْبِهِ وَعَقْلِهِ، فلا يُلْزِمُ نَفْسَهُ التَّرَيُّثَ، بَلْ يَهْذِي بِكَلامِهِ، وَيَشْتَططُّ في أَفْعَالٍ يَحْتَاجُ بَعْدَهَا إلى اعْتِذَارٍ وَتَلْفِيقٍ، فَيَقَعُ فِيمَا نَهَى عَنْهُ سَيِّدُنا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «وَلَا تَكَلَّمْ بِكَلَامٍ تَعْتَذِرُ مِنْهُ غَدَاً» رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. إِذْ لا يَنْفَعُ الاعْتِذَارُ حِينَئِذٍ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: ابْحَثُوا عَن صَاحِبِ الدِّينِ والخُلُقِ لِبَنَاتِكُم، وإلا فَالنَّدَمُ حَلِيفٌ لِكُلٍّ من الزَّوْجَيْنِ، وَلِأَهْلِ الزَّوْجَيْنِ، حَيْثُ يَنْدَمُ الكُلُّ ـ وَلاتَ سَاعَةَ مَنْدَمٍ ـ فيَخْتلِقُونَ المَعَاذِيرَ، وَيُرَاجِعُونَ العُلَمَاءَ والقُضَاةَ والمُفْتِينَ، كُلُّ ذَلِكَ لِمَحْوِ غَلْطَةٍ ارْتَكَبَهَا الزَّوْجُ ـ إِذ لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ خُلُقٍ حَسَنٍ ـ في سَاعَةِ الغَضَبِ دُونَ تَفْكِيرٍ أَو رَوِيَّةٍ، وَذَلِكَ إِمَّا بِإِطْلاقِ لِسَانِهِ بالطَّلاقِ، أَو الكُفْرِ والعِيَاذُ باللهِ تعالى، أَو بالـضَّرْبِ وَالإِهَانَةِ وَالتَّحْقِيرِ، وَبِذَلِكَ يَتَبَدَّدُ شَمْلُ الأُسْرَةِ، وَيُهْدَمُ البَيْتُ، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.

قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:«إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ»:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: ابْحَثُوا عَن صَاحِبِ الخُلُقِ الحَسَنِ بَعْدَ الدِّينِ لِبَنَاتِكُم، لِأَنَّ الأَخْلاقَ في الإِسْلامِ شَيْءٌ عَظِيمٌ، بَلْ بَلَغَ من عِظَمِ مَكَانَةِ الأَخْلاقِ في دِينِنَا أَنْ حَصَرَ سَيِّدُنا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَهَمَّةَ بِعْثَتِهِ، وَغَايَةَ دَعْوَتِهِ، بِكَلِمَةٍ عَظِيمَةٍ جَامِعَةٍ مَانِعَةٍ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ» رواه الإمام أحمد والحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: ابْحَثُوا عَن صَاحِبِ الخُلُقِ الحَسَنِ بَعْدَ الدِّينِ لِبَنَاتِكُم، ابْحَثُوا عَمَّنْ جَعَلَ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قُدْوَتَهُ في حَيَاتِهِ السُلُوكِيَّةِ، لِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ المَثَلَ الأَعْلَى، والنَّمُوذَجَ الأَسْمَى لِلْأَخْلاقِ الكَرِيمَةِ، بِشَهَادَةِ اللهِ تعالى حَيْثُ قَالَ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾.

ابْحَثُوا عَن صَاحِبِ الخُلُقِ الحَسَنِ بَعْدَ الدِّينِ لِبَنَاتِكُم، ابْحَثُوا عَمَّنْ تَخَلَّقَ بِأَخْلاقِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَد كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خَلْقَاً وَخُلُقَاً، كَمَا وَصَفَتْهُ أُمُّ المُؤْمِنِينَ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنها بِوَصْفٍ جَامِعٍ مَانِعٍ، فَقَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ. رواه الإمام أحمد عَنِ الْحَسَنِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. كَمْ تَكُونُ حيَاةُ المَرْأَةِ سَعِيدَةً في زَوَاجِهَا إِذَا اخْتَارَ لَهَا وَلِيُّ أَمْرِهَا صَاحِبَ الدِّينِ والخُلُقِ؟

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: البعْضُ مَن اخْتَارَ لِابْنَتِهِ صَاحِبَ المَالِ والجَاهِ والمَنْصِبِ، وَغَضَّ الطَّرْفَ عَن دِينِهِ وَخُلُقِهِ، فَنَدِمَ وَنَدِمَتِ ابْنَتُهُ، وَإِنْ سُئِلَتِ الزَّوْجَةُ وَوَلِيُّ أَمْرِهَا عَن أَخْلاقِهِ، فَإِنَّكَ تَسْمَعُ العَجَبَ العُجَابَ عَن سُوءِ الأَخْلاقِ، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ، كَمْ رَجُلٍ تَشْهَدُ لَهُ زَوْجَتُهُ كَمَا شَهِدَتِ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنها لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهَا: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ؟.

وَبِقَوْلِهَا: وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لا يَدْعُوهُ أَحَدٌ مِن أَصْحَابِهِ ولا مِن غَيْرِهِم إلا قَالَ: لَبَّيْكَ؟ رواه أَبُو نُعَيْمٍ في دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْألُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: من حِرْصِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على الأَزْوَاجِ، حَرَّضَ الأَزْوَاجَ على حُسْنِ الخُلُقِ مَعَ نِسَائِهِم، وهذا من رَحْمَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بالنِّسَاءِ.

روى الترمذي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي».

وروى الإمام أحمد والترمذي والحاكم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَكْمَلِ الْـمُؤْمِنِينَ إِيمَانَاً أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً، وَأَلْطَفُهُمْ بِأَهْلِهِ».

وَجَاءَ في كَنْزِ العُمَّالِ: روى ابْنُ عَسَاكِرَ عَن عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: «مَا أَكْرَمَ النِّسَاءَ إِلَّا كَرِيمٌ، وَلَا أَهَانَهُنَّ إِلَّا لَئِيمٌ».

وروى الحاكم عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ للنِّسَاءِ».

وروى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَكْمَلُ الْـمُؤْمِنِينَ إِيمَانَاً أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقَاً».

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: بَنَاتُنَا أَمَانَةٌ في أَعْنَاقِنَا، فَلْنَبْحَثْ عَن صَاحِبِ الدِّينِ والخُلُقِ لِبَنَاتِنَا، كَمَا أَمَرَ سَيِّدُنا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى نَضْمَنَ لَهُنَّ الحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ بِإِذْنِ اللهِ تعالى، وإلا سَوْفَ نَنْدَمُ دُنْيَا وَأُخْرَى لا قَدَّرَ اللهُ تعالى.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِحُسْنِ الخُلْقِ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**      **      **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 13/ جمادى الأولى /1437هـ، الموافق: 21/ شباط / 2016م