61ـ كلمات في مناسبات: يا من لم يسلم المسلمون من لسانك ويدك

.

61ـ كلمات في مناسبات: يا من لم يسلم المسلمون من لسانك ويدك

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: الإِنْسَانُ المُؤْمِنُ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُؤَدِّيَ رِسَالَةَ اللهِ تَبَارَكَ وتعالى، ولا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُبَلِّغَ وَلَو آيَةً من كِتَابِ اللهِ تعالى، مَا لَمْ يَتَلَقَّ من غَيْرِهِ من النَّاسِ، ولا يَسْتَطِيعُ طَرْحَ إِسْلامِهِ إلا إِذَا أَعْطَى الآخَرِينَ الأَمْنَ والأَمَانَ، وَسَلِمُوا من يَدِهِ وَلِسَانِهِ.

أَمَّا مُجْتَمَعٌ انْتَشَرَ فِيهِ الظُّلْمُ بِكُلِّ صُوَرِهِ وَأَشْكَالِهِ من تَكْفِيرٍ للمُؤْمِنِينَ وَتَفْسِيقِهِم وَتَبْديعِهِم، مَعَ سَفْكٍ للدِّمَاءِ البَرِيئَةِ، وَسَلْبٍ للأَمْوَالِ، وَتَرْوِيعٍ للآمِنِينَ ، فَكَيْفَ تُؤَدَّى رِسَالَةُ اللهِ تَبَارَكَ وتعالى في ذَلِكَ المُجْتَمَعِ؟

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لِذَا أُذَكِّرُ كُلَّ ظَالِمٍ بِأَيِّ نَوْعٍ من أَنْوَاعِ الظُّلْمِ باللهِ تعالى وبِاليَوْمِ الآخِرِ، وَأَقُولُ لَهُ:

تَذَكَّرِ الحَسْرَةَ التي سَتَأْكُلُ قَلْبَ الظَّالِمِ:

يَا عَبْدَ اللهِ: يَا مَنْ لَمْ يَسْلَمِ المُسْلِمُونَ من لِسَانِكَ وَيَدِكَ، تَذَكَّرْ بِأَنَّ الحَسْرَةَ سَوْفَ تَأْكُلُ قَلْبَكَ وَفُؤَادَكَ عِنْدَ سَكَرَاتِ المَوْتِ، وفي عَرَصَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، إِذَا مُتَّ على ظُلْمِكَ، تَذَكَّرْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحَاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾. وقَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلَاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانَاً خَلِيلَاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولَاً﴾. وقَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكَّاً دَكَّاً * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفَّاً صَفَّاً * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ﴾.

تَذَكَّرِ الطَّرْدَ عَن حَوْضِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

يَا عَبْدَ اللهِ: يَا مَنْ لَمْ يَسْلَمِ المُسْلِمُونَ من لِسَانِكَ وَيَدِكَ، تَذَكَّرْ بِأَنَّ هُنَاكَ أَقْوَامَاً سَوْفَ يُطْرَدُونَ عَن حَوْضِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِسَبَبِ التَّغْيِيرِ والتَّبْدِيلِ والتَّلاعُبِ في دِينِ اللهِ تَبَارَكَ وتعالى، الذي أَدَّى إلى ظُلْمِ العِبَادِ، روى الإمام البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدَاً، لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ».

قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَسَمِعَنِي النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتَ مِنْ سَهْلٍ؟

فَقُلْتُ: نَعَمْ.

فَقَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لَسَمِعْتُهُ وَهُوَ يَزِيدُ فِيهَا: «فَأَقُولُ: إِنَّهُمْ مِنِّي.

فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ.

فَأَقُولُ: سُحْقَاً سُحْقَاً لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي».

تَذَكَّرِ العَرَقَ يَوْمَ القِيَامَةِ في أَرْضِ المَحْشَرِ بِسَبَبِ الظُّلْمِ:

يَا عَبْدَ اللهِ: يَا مَنْ لَمْ يَسْلَمِ المُسْلِمُونَ من لِسَانِكَ وَيَدِكَ، تَذَكَّرْ مَا يُصِيبُكَ من العَرَقِ يَوْمَ القِيَامَةِ بِسَبَبِ ظُلْمِكَ وَسُوءِ أَفْعَالِكَ، روى الإمام أحمد والترمذي عَن الْمِقْدَادِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أُدْنِيَتِ الشَّمْسُ مِنَ الْعِبَادِ، حَتَّى تَكُونَ قِيدَ مِيلٍ أَو اثْنَيْنِ ـ قَالَ سُلَيْمٌ: لَا أَدْرِي أَيَّ الْمِيلَيْنِ عَنَى، أَمَسَافَةُ الْأَرْضِ، أَمْ الْمِيلُ الَّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ الْعَيْنُ؟ـ فَتَصْهَرُهُمُ الشَّمْسُ، فَيَكُونُونَ فِي الْعَرَقِ بِقَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُهُ إِلَى عَقِبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُهُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُهُ إِلَى حَقْوَيْهِ (الْحَقْوُ: الْخَصْرُ وَمِشَدُّ الْإِزَارِ) وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ إِلْجَامَاً».

فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ (أَيْ: يُلْجِمُهُ إِلْجَامَاً).

تَذَكَّرِ الوُقُوفَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى:

يَا عَبْدَ اللهِ: يَا مَنْ لَمْ يَسْلَمِ المُسْلِمُونَ من لِسَانِكَ وَيَدِكَ، تَذَكَّرِ الوُقُوفَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى يَوْمَ القِيَامَةِ للعَرْضِ والحِسَابِ، وَحِينَهَا سَوْفَ تَقِفُ وَحِيدَاً فَرِيدَاً، روى الشيخان عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ اللهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: احْذَرُوا الظُّلْمَ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ، وَلْيَسْلَمِ المُسْلِمُونَ من أَلْسِنَتِكُم وَأَيْدِيكُم، احْذَرُوا من تَكْفِيرِ المُؤْمِنِينَ وَتَفْسِيقِهِم وَتَبْديعِهِم، وَاحْذَرُوا من سَفْكِ دِمَائِهِم، ومن الإِعَانَةِ على سَفْكِهَا، وَاحْذَرُوا أَكْلَ أَمْوَالِهِم بالبَاطِلِ، فَإِنَّ يَوْمَ القِيَامَةِ آتٍ، وَكُلُّ آتٍ قَرِيبٌ.

سَوْفَ يَأْتِي ذَلِكَ اليَوْمُ ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرَاً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيدَاً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ واللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾.

سَوْفَ يَأْتِي ذَلِكَ اليَوْمُ ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.

سَوْفَ يَأْتِي ذَلِكَ اليَوْمُ، يَوْمَ يُحْشَرُ كُلُّ ظَالِمٍ مَعَ جِنْسِهِ ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ * وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ﴾.

سَوْفَ يَأْتِي ذَلِكَ اليَوْمُ «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلَاً» رواه الإمام مسلم عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها.

اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْ للظَّالِمِينَ في أَبْدَانِنَا وَسْمَاً، ولا تَجْعَلْ لَهُم في أَمْوَالِنَا قِسْمَاً، ولا تَجْعَلْ لَنَا في دَوَاوِينِهِمُ اسْمَاً. آمين.

**      **      **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 16/ جمادى الأولى /1437هـ، الموافق: 24/ شباط / 2016م