62ـ كلمات في مناسبات: مهمة المسلم الإصلاح

.

62ـ كلمات في مناسبات: مهمة المسلم الإصلاح

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: إِنَّ مُهِمَّةَ العَبْدِ المُؤْمِنِ العِبَادَةُ، وَمِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الإِصْلَاحُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيب﴾.

سَلْ نَفْسَكَ يَا عَبْدَ اللهِ، هَلْ أَنْتَ مُصْلِحٌ؟ هَلْ يَنْطَبِقُ عَلَيْكَ اسْمُ الإِصْلَاحِ؟ هَلْ أَنْتَ مِنْ عِدَادِ المُصْلِحِينَ؟ هَلْ سَيَذْكُرُكَ التَّارِيخُ أَنَّكَ كُنْتَ مُصْلِحَاً؟ هَلْ أَنْتَ مَكْتُوبٌ عِنْدَ اللهِ تعالى مِنَ المُصْلِحِينَ؟ هَلْ أَنْتَ مُصْلِحٌ وِفْقَ المَنْهَجِ الذي جَاءَ بهِ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ كَمْ وَكَمْ مِن أُنَاسٍ يَظُنُّ الوَاحِدُ مِنْهُم أَنَّهُ مُصْلِحٌ وَهُوَ في الحَقِيقَةِ مُفْسِدٌ؟ لِأَنَّهُ ضَلَّ عَن نَهْجِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُون * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْـمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لا يَشْعُرُون﴾ .

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا أَنْ يَتَأَكَّدَ مِن أَنَّهُ في قَوْلِهِ مُصْلِحٌ، وَأَنْ يَتَأَكَّدَ مِن أَنَّهُ في فِعْلِهِ مُصْلِحٌ، وَأَنْ يَتَأَكَّدَ مِن أَنَّهُ في نِيَّتِهِ مُصْلِحٌ، وَذَلِكَ بِعَرْضِ قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ وَنِيَّتِهِ عَلَى كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعَلَى سُنَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبِاسْتِحْضَارِ وُقُوفِهِ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَبِاسْتِحْضَارِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُون * لِيَوْمٍ عَظِيم * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِين﴾.

مَحَلُّ الإِصْلَاحِ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: سَلُوا أَنْفُسَكُم مَا هُوَ مَحَلُّ الإِصْلَاحِ؟ وَأَيْنَ يَكُونُ الإِصْلَاحُ؟ وَحَتَّى لا نُتْعِبَ أَنْفُسَنَا بالبَحْثِ عَنِ الجَوَابِ، وَحَتَّى لا نَضِلَّ الطَّرِيقَ، عَلَيْنَا أَنْ نَرْجِعَ إلى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَيْثُ يُبيِّنُ لَنَا مَحَلَّ الإِصْلَاحِ، روى الإِمَامُ مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي».

أولاً: إِصْلَاحُ الدِّينِ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُصْلِحَ دِينَنَا الذي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَذَلِكَ بِأَمْرَيْنِ اثْنَيْنِ:

الأوَّلُ: التَّوْثِيقُ، لا تُطْلِقُوا أَحْكَامَ الحَلَالِ وَالحَرَامِ بِدُونِ عِلْمٍ وَبِدُونِ تَوْثِيقٍ، وَتَذَكَّرُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُون﴾. إِذَا كُنْتُم لا تَعْلَمُونَ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكرِ مِن أَهْلِ التَّوْثِيقِ، قَالَ تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لا تَعْلَمُون﴾.

وَتَذَكَّرُوا قَبْلَ إِطْلَاقِ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأ مَقْعَدَهُ مِن النَّارِ» رواه الإمام البخاري عَن الْـمُغِيرَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

الثَّاني: التَّطْبِيقُ، لِأَنَّ العِلْمَ المُوَثَّقَ بِدُونِ تَطْبِيقٍ يَكُونُ حُجَّةً على العَبْدِ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُون * كَبُرَ مَقْتَاً عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ﴾. عِلْمٌ مُوَثَّقٌ بِلَا عَمَلٍ جُنُونٌ، وَسَبَبٌ للطَّرْدِ وَاللَّعْنِ ـ وَالعِيَاذُ باللهِ تعالى ـ قَالَ تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارَاً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِين * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون﴾.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: صَلَاحُ الدِّينِ يَكُونُ بِالتَّوْثِيقِ وَالتَّطْبِيقِ، فَتَوْثِيقٌ بِلَا تَطْبِيقٍ حُجَّةٌ على العَبْدِ، وَتَطْبِيقٌ بِلَا تَوْثِيقٍ ضَيَاعٌ وَدَمَارٌ وَفَسَادٌ، وَالنِّيَّةُ الصَّالِحَةُ لِمَنْ طَبَّقَ بِدُونِ تَوْثِيقٍ لا تَشْفَعُ لَهُ عِنْدَ اللهِ تعالى، لِأَنَّ الحَقَّ لا يُنَصَّفُ، وَلا يَنْفَصِمُ، فلا بُدَّ مِن التَّوْثِيقِ وَالتَّطْبِيقِ حَتَّى يَصْلُحَ دِينُنَا.

ثانياً: إِصْلَاحُ الدُّنْيَا:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُصْلِحَ دُنْيَانَا التي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَلَنْ يَكُونُ صَلَاحُ الدُّنْيَا إلا بِزَرْعِ الأَمَانِ والسَّلامِ، وَكَيْفَ يَكُونُ صَلَاحُ الدُّنْيَا التي فِيهَا مَعَاشُنَا من دُونِ أَمْنٍ وَسَلَامٍ؟

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: روى الإمام أحمد والترمذي وأبو داود عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ؟» قَالُوا: بَلَى.

قَالَ: «إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ».

لَقَد أَرْشَدَنَا سَيِّدُنا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى صَلَاحِ دُنْيَانَا التي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَذَلِكَ بِزَرْعِ الأَمْنِ والسَّلامِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ : «وَاللهِ لا يُؤْمِنُ، واللهِ لا يُؤْمِنُ».

قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: «الَّذي لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» رواه الإمام البخاري عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وَلَيْسَ شَرْطَاً أَنْ يَكُونَ الجَارُ مُسْلِمَاً، لِأَنَّ الجَارَ المُسْلِمَ لَهُ حَقَّانِ، وَالجَارَ المُسْلِمَ القَرِيبَ لَهُ ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ، وَالجَارَ غَيْرَ المُسْلِمِ لَهُ حَقٌّ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام البَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُما، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الجِيرَانُ ثَلاَثَةٌ: جَارٌ لَهُ ثَلاثَةُ حُقُوقٍ، وَجَارٌ لَهُ حَقَّانِ، وَجَارٌ لَهُ حَقُّ وَاحِدٌ؛ فَأَمَّا الجَارُ الَّذِي لَهُ ثَلاَثَةُ حُقُوقٍ: فَالجَارُ القَرِيبُ المُسْلِمُ، فَلَهُ حَقُّ الجِوَارِ، وَحَقُّ القَرَابَةِ، وَحَقُّ الإِسْلامِ؛ وَالجَارُ الَّذِي لَهُ حَقَّانِ: وَهُوَ الجَارُ المُسْلِمُ، فَلَهُ حَقُّ الإِسْلامِ، وَحَقُّ الجِوَارِ؛ وَالجَارُ الَّذِي لَهُ حَقُّ وَاحِدٌ: هُوَ الجَارُ الكَافِرُ لَهُ حَقُّ الجِوَارِ».

كَيْفَ يَكُونُ صَلَاحُ الدُّنْيَا إِذَا كَانَ الجَارُ المُسْلِمُ لا يَأْمَنُ جَارَهُ المُسْلِمَ، وَإِذَا كَانَ المُصَلِّي لا يَأْمَنُ جَارَهُ المُصَلِّي؟

كَيْفَ يَكُونُ صَلَاحُ الدُّنْيَا التي فِيهَا مَعَاشُنَا وَالكُلُّ يُرَوِّعُ الكُلَّ ـ إلا مَن رَحِمَ اللهُ تعالى ـ والنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لا تُرَوِّعُوا المُسْلِمَ، فَإِنَّ رَوْعَةَ المُسْلِمِ ظُلْمٌ عَظِيمٌ» رواه البزار والطَّبَرَانِيُّ عَن عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وَيَقولُ أَيْضَاً: «لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمَاً» رواه الإمام أحمد وأبو داود عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ أَخَافَ مُؤْمِنَاً بِغَيْرِ حَقٍّ كَانَ عَلَى اللهِ أَنْ لا يُؤَمِّنَهُ مِنْ أَفْزَاعِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ» رواه الطبراني.

وَرُوِيَ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَن نَظَرَ إلى مُسْلِمٍ نَظْرَةً يُخِيفُهُ فِيهَا بِغَيْرِ حَقٍّ أَخَافَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ» رواه الطَّبَرَانِيُّ وأبو الشيخ كَمَا في التَّرْغِيبِ والتَّرْهِيبِ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: سَلُوا أَنْفُسَكُم، هَلْ أَنْتُم تُرِيدُونَ إِصْلَاحَ الدُّنْيَا؟ فَإِذَا كَانَ الجَوَابُ بالإِيجَابِ، فَإِنِّي أَقُولُ: لا يَكُونُ إِصْلَاحُ الدُّنْيَا إلا بالأَمْنِ والسَّلامِ، وَاعْلَمُوا بِأَنَّ الإِسْلَامَ هُوَ دِينُ الأَمَانِ والسَّلامِ.

ثالثاً: صَلاحُ الآخِرَةِ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُصْلِحَ آخِرَتَنَا التي إِلَيْهَا مَعَادُنَا، وَصَلَاحُ آخِرَتِنَا لا يَكُونُ إلا بالنَّظَرِ الجَادِّ لِأَنْ نَكُونَ من أَهْلِ الجَنَّةِ، وَإِنَّ السَّبِيلَ للوُصُولِ إِلَيْهَا هُوَ طَاعَةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القَائِلِ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى».

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟

قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى» رواه الإمام البخاري عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وَإِلَّا فَلْيَحْذَرِ المُخَالِفُ لِأَمْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم﴾.

وَمِن جُمْلَةِ أَوَامِرِهِ التَّحْذِيرُ من الحَسَدِ وَالبَغْضَاءِ، حَيْثُ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ، الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَاكُمْ لَكُمْ، أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» رواه الإمام الترمذي عن الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَد رَغَّبَنَا سَيِّدُنا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِسَلَامَةِ الصَّدْرِ من أَجْلِ صَلَاحِ آخِرَتِنَا، فَقَالَ لِسَيِّدِنَا أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: «يَا بُنَيَّ، إِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ لَيْسَ فِي قَلْبِكَ غِشٌّ لِأَحَدٍ فَافْعَلْ».

ثُمَّ قَالَ لهُ: «يَا بُنَيَّ، وَذَلِكَ مِنْ سُنَّتِي، وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَحَبَّنِي كَانَ مَعِي فِي الْجَنَّةِ» رواه الترمذي عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: مُهِمَّتُنَا هِيَ العِبَادَةُ، وَمِن العِبَادَةِ، بَلْ مِن أَجَلِّ العِبَادَاتِ وَأَقْدَسِهَا الإِصْلَاحُ، وَالإِصْلَاحُ لا يَكُونُ إلا بِعَرْضِ أَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا وَنِيَّاتِنَا على كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا وَافَقَتْ نِيَّاتُنَا وَأَقْوَالُنَا وَأَفْعَالُنَا كِتَابَ اللهِ تعالى وَسُنَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَنَحْنُ صَالِحُونَ مُصْلِحُونَ بِإِذْنِ اللهِ تعالى، وَإِلَّا فَنَحْنُ فَاسِدُونَ مُفْسِدُونَ من حَيْثُ نَشْعُرُ أَولا نَشْعُرُ.اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا صَالِحِينَ مُصْلِحِينَ كَمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأربعاء: 23/ جمادى الأولى /1437هـ، الموافق: 2/ آذار / 2016م