53ـ مع الصحابة وآل البيت: كانت قلوبهم من أطهر القلوب وأنقاها

.

مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

53ـ كانت قلوبهم من أطهر القلوب وأنقاها

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ الأُخُوَّةَ في اللهِ تعالى من أَوْثَقِ عُرَى الإِيمَانِ باللهِ تعالى، وَلَقَد كَانَتِ الأُخُوَّةَ في اللهِ تعالى التي سَارَ عَلَيْهَا سَلَفُ هَذِهِ الأُمَّةِ من الصَّحَابَةِ وَآلِ البَيْتِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، ومن العُلَمَاءِ العَامِلِينَ، والأَخْيَارِ والصَّالِحِينَ، سَارُوا على نَهْجِهَا مُتَحَابِّينَ في اللهِ تعالى وَمُتَآلِفِينَ، سَارُوا على نَهْجِهَا مُتَعَاطِفينَ مُتَرَاحِمِينَ مُتَآزِرِينَ مُتَنَاصِرِينَ، يَوْمَ كَانَ المُسْلِمُونَ كَمَا وَصَفَهُم سَيِّدُنا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «مَثَلُ الْـمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» رواه الإمام مسلم عَن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وَبِقَوْلِهِ: «الْـمُسْلِمُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ، إِن اشْتَكَى عَيْنُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ، وَإِن اشْتَكَى رَأْسُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ» رواه الإمام مسلم عَن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. يَوْمَ كَانُوا على قَلْبٍ وَاحِدٍ، يَوْمَ كَانُوا أَحَقَّ بِكَلِمَةِ التَّقْوَى وَأَهْلَهَا، يَوْمَ كَانُوا أَهْلَ القُرْآنِ العَظِيمِ تِلاوَةً وَتَدَبُّرَاً وَعَمَلاً.

هَكَذَا تَرَبّى أَصْحَابُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَد غَرَسَ سَيِّدُنا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الأُخُوَّةَ الصَّادِقَةَ في قُلُوبِ المُهَاجِرِينَ والأَنْصَارِ، يَوْمَ وَقَفَ الأَنْصَارِيُّ أَمَامَ أَخِيهِ المُهَاجِرِ، وَقَالَ لَهُ: يَا أَخِي، هَذَا مَالِي، بَيْنِي وَبَيْنَكَ؛ هَذِهِ دُنْيَايَ، نِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لَكَ.

لَقَد غَرَسَ سَيِّدُنا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ في نُفُوسِ أَصْحَابِهِ، وَآلِ البَيْتِ الذينَ هُم آلُ بَيْتِهِ وَصَحَابَتُهُ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، قَوْلاً وَفْعِلاً، فَكَانُوا بِشَهَادَةِ اللهِ تعالى ﴿خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: مَا أَعْظَمَ الإِيمَانَ باللهِ تعالى واليَومِ الآخِرِ إِذَا كَانَ هُوَ السُّلْطَانَ على القُلُوبِ، وَمَا أَعْظَمَ القُرْآنَ العَظِيمَ إِذَا كَانَ هُوَ السُّلْطَانَ على القُلُوبِ، وَمَا أَعْظَمَ حُبَّ اللهِ وَرَسُولِهِ إِذَا كَانَ هُوَ السُّلْطَانَ على القُلُوبِ.

قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يُضِيفُ هَذَا اللَّيْلَةَ رَحِمَهُ اللهُ؟»:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: كَمْ هُوَ الفَارِقُ بَيْنَ قَلْبٍ امْتَلَأَ حُبَّاً للهِ وَرَسُولِهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَبَيْنَ قَلْبٍ امْتَلَأَ حُبَّاً للدُّنْيَا وَلِصُورَةٍ من صُوَرِهَا، من البَنِينَ والقَنَاطِيرِ المقَنْطَرَةِ من الذَّهَبِ والفِضَّةِ، ومن مَظَاهِرِ سِيَادَةٍ وَرِيَادَةٍ؟

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: سَيِّدُنا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَبَّى أَصْحَابَهُ وَآلَ بَيْتِهِ الأَطْهَارَ على خِلافِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ اليَوْمَ.

روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي مَجْهُودٌ.

فَأَرْسَلَ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ، فَقَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا عِنْدِي إِلَّا مَاءٌ.

ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أُخْرَى، فَقَالَتْ مِثْلَ ذَلِكَ؛ حَتَّى قُلْنَ كُلُّهُنَّ مِثْلَ ذَلِكَ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا عِنْدِي إِلَّا مَاءٌ.

فَقَالَ: «مَنْ يُضِيفُ هَذَا اللَّيْلَةَ رَحِمَهُ اللهُ؟».

فَقَامَ رَجُلٌ مِن الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ.

فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ؟

قَالَتْ: لَا، إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي.

قَالَ: فَعَلِّلِيهِمْ بِشَيْءٍ؛ فَإِذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا فَأَطْفِئِي السِّرَاجَ، وَأَرِيهِ أَنَّا نَأْكُلُ، فَإِذَا أَهْوَى لِيَأْكُلَ فَقُومِي إِلَى السِّرَاجِ حَتَّى تُطْفِئِيهِ.

قَالَ: فَقَعَدُوا وَأَكَلَ الضَّيْفُ.

فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «قَدْ عَجِبَ اللهُ مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ».

وفي رِوَايَةٍ ثَانِيَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَجُلَاً مِن الْأَنْصَارِ بَاتَ بِهِ ضَيْفٌ، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إِلَّا قُوتُهُ وَقُوتُ صِبْيَانِهِ.

فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: نَوِّمِي الصِّبْيَةَ، وَأَطْفِئِي السِّرَاجَ، وَقَرِّبِي لِلضَّيْفِ مَا عِنْدَكِ.

قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: مَلِكُ المُلُوكِ، وَمَالِكُ المُلُوكِ، وَجَبَّارُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ، يَعْجَبُ من الإِيثَارِ، يَعْجَبُ من الأُخُوَّةِ الصَّادِقَةِ، يَعْجَبُ من بُطُونٍ جَاعَتْ فَنَسِيَتْ نَفْسَهَا من أَجْلِ غَيْرِهَا، يَعْجَبُ من قُلُوبٍ امْتَلَأَتْ بِحُبِّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ، يَعْجَبُ من قُلُوبٍ تُرِيدُ أَنْ تَتَعَامَلَ مَعَ اللهِ تعالى، لا مَعَ الخَلْقِ، من قُلُوبٍ أَقْبَلَتْ على اللهِ تعالى، يَعْجَبُ من تُجَّارِ الآخِرَةِ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَد كَانَ الإِيمَانُ في قُلُوبِهِم أَرْسَى من الجِبَالِ الرَّاسِيَاتِ، وَأَسْمَى وَأَعْلَى وَأَبْهَى من الدِّينَارِ والدِّرْهَمِ، ومن الدُّنْيَا كُلِّهَا وَزَخَارِفِهَا الفَانِيَةِ.

لَقَد كَانَتِ الدُّنْيَا عِنْدَهُم وَسِيلَةً لِمَرْضَاةِ اللهِ تَبَارَكَ وتعالى، وَلَمْ تَكُنْ غَايَةً عِنْدَهُم، لِذَا رَأَيْنَاهُم بَذَلُوهَا في سَبِيلِ اللهِ تعالى، وَجَعَلُوهَا هَمْزَةَ وَصْلٍ فِيمَا بَيْنَهُم وَبَيْنَ خَالِقِهِم سُبْحَانَهُ وتعالى، وَلَمْ يَجْعَلُوهَا هَمْزَةَ قَطْعٍ، وَمَا كَانَتِ الدُّنْيَا عِنْدَهُم سَبَبَاً لِسَفْكِ الدِّمَاءِ البَرِيئَةِ.

عَلِيٌّ زَيْنُ العَابِدِينَ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: هَذِهِ المَعَانِي الكَرِيمَةُ والجَلِيلَةُ غُرِسَتْ في نُفُوسِ آلِ البَيْتِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، يَقُولُ أَحَدُ سَلَفِ هَذِهِ الأُمَّةِ: واللهِ لَو جُمِعَتْ لِيَ الدُّنْيَا في لُقْمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَجَاءَنِي أَخٌ في اللهِ لَوَضَعْتُهَا في فَمِهِ ولا أُبَالِي.

هَكَذَا كَانَ آلُ بَيْتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، هَذَا طَيِّبٌ بْنُ طَيِّبٍ بْنِ طَيِّبٍ، هَذَا زَيْنُ العَابِدِينَ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُم جَمِيعَاً؛ هَذَا السَّيِّدُ الجَلِيلُ إِذَا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ، حَمَلَ الطَّعَامَ على ظَهْرِهِ، إلى بُيُوتِ الأَرَامِلِ والأَيْتَامِ في شِدَّةِ الظَّلامِ، لِيَشْتَرِي بِهِ رَحْمَةَ اللهِ تعالى، وَكَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يَتَلَثَّمُ لِئَلَّا يَعْرِفَهُ أَحَدٌ.

لَمَّا تُوُفِّيَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ فَقَدَ أَكْثَرُ من سِتِّينَ بَيْتَاً من بُيُوتِ المُسْلِمِينَ رَجُلاً كَانَ باللَّيْلِ يَطْرُقُ عَلَيْهِم أَبْوَابَهُم بالطَّعَامِ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: كَانَتْ قُلُوبُهُم رَضِيَ اللهُ عَنهُم من أَطْهَرِ القُلُوبِ وَأَنْقَاهَا، ولا غَرَابَةَ في ذَلِكَ، لِأَنَّهُم عَشِقُوا اللهَ تعالى واليَوْمَ الآخِرَ، لَقَد كَانَ هَذَا السَّيِّدُ الجَلِيلُ إِذَا تَوَضَّأَ احْمَرَّ وَجْهُهُ وَاصْفَرَّ وَتَغَيَّرَ، فَقِيلَ لَهُ ذَاتَ مَرَّةٍ: مَا هَذَا الذي يَعْتَرِيكَ عِنْدَ الوُضُوءِ؟

فَقَالَ: أَلَا تَدْرُونَ مَن أُنَاجِي؟! أَلَا تَدْرُونَ مَن أَقِفُ بَيْنَ يَدَيْهِ؟! وَهُوَ اللهُ جَلَّ جَلَالُهُ.

وَكَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ إِذَا أَرَادَ الحَجَّ أو العُمْرَةَ، وَلَبِسَ إِحْرَامَهُ، فَقَالَ: لَبَّيْكَ؛ خَرَّ مَغْشِيَّاً عَلَيْهِ؛ وَذَاتَ مَرَّةٍ قَالَ: لَبَّيْكَ، فَخَرَّ مَغْشِيَّاً عَلَيْهِ، ثمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: لَبَّيْكَ، ثمَّ خَرَّ مَغْشِيَّاً عَلَيْهِ.

فَلَمَّا كَانَ في الثَّالِثَةِ قِيلَ لَهُ: مَا هَذَا يَا ابْنَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

فَقَالَ: أَخْشَى أَنْ يُقَالَ لِي: لا لَبَّيْكَ ولا سَعْدَيْكَ.

لَقَد كَانَتْ قُلُوبُهُم رَضِيَ اللهُ عَنهُم عَامِرَةً بِحُبِّ اللهِ تعالى، وَبِحُبِّ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَحُبِّ المُؤْمِنِينَ، كَانَتْ قُلُوبُهُم سَلِيمَةً على خَلْقِ اللهِ تعالى أَجْمَعِينَ، كَانَتْ قُلُوبُهُم مَلِيئَةً بالرَّحْمَةِ على خَلْقِ اللهِ تعالى أَجْمَعِينَ، مُتَأَسِّينَ بِقَلْبِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْألُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: سَلَفُنَا الصَّالِحُ من الصَّحَابَةِ وآلِ البَيْتِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم زَيَّنُوا سِجِلَّ التَّارِيخِ بِأَوْسِمَةِ الحُبِّ والإِيثَارِ، وَقَلَّدُوا عُنُقَهُ بِقَلائِدِ العِزِّ والافْتِخَارِ، وَصَاغُوا على جَبِينِهِ مَعَانِيَ الأُخُوَّةِ الصَّادِقَةِ، والمَحَبَّةِ الفَائِقَةِ، وَتَرْجَمُوا إِيمَانَهُم تَرْجَمَةً سُلُوكِيَّةً وَعَمَلِيَّةً، فَنَالُوا أَعْلَى مَرَاتِبِ الإِيمَانِ بالإِيثَارِ، كَمَا قَالَ سَيِّدُنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: الإِيثَارُ أَعْلَى مَرَاتِبِ الإِيمَانِ.

فَهَلْ نَحْنُ خَلَفٌ لِهَذَا السَّلَفِ؟

مَاذَا قَدَّمْنَا للهِ تعالى من عَمَلٍ في هَذِهِ الأَزْمَةِ؟

مَا هُوَ التَّارِيخُ الذي سَنَتْرُكُهُ لِخَلَفِنَا؟

بِأَيِّ شَيْءٍ سَنُذْكَرُ بَعْدَ مَوْتِنَا؟

هَذِهِ الأَزْمَةُ فَضَحَتِ الكَثِيرَ، وَأَظْهَرَتْ مَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ القُلُوبُ من الأَثَرَةِ وَحُبِّ الدُّنْيَا، وَحُبِّ الرِّيَاسَةِ والشُّهْرَةِ والسُّمْعَةِ، وَلَو كَانَ ذَلِكَ على حِسَابِ الدِّينِ والعِيَاذُ باللهِ تعالى، وعلى حِسَابِ تَشْوِيهِ صُورَةِ الإِسْلامِ، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.

هَذِهِ الأَزْمَةُ عَرَّفَتْنَا بِأَنَّ الكَثِيرَ من المُسْلِمِينَ قَد انْطَبَقَ عَلَيْهِم قَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾. وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيَّاً﴾.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: هَكَذَا كَانَ سَلَفُنَا الصَّالِحُ، من الصَّحَابَةِ وَآلِ البَيْتِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، لِذَا هُم ـ واللهُ تعالى أَعْلَمُ ـ يَبْرَؤُونَ إلى اللهِ تعالى من سُلُوكِنَا اليَوْمَ.

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدَّاً جَمِيلاً. آمين.    

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 24/ جمادى الأولى /1437هـ، الموافق: 3/آذار/ 2016م