38ـ مع الصحابة وآل البيت رضي الله عنهم: خصائص السيدة الزهراء رَضِيَ اللهُ عَنها (5)

 

 مع الصحابة و آل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

38ـ خصائص السيدة الزهراء رَضِيَ اللهُ عَنها (5)

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: سُبْحَانَ الذي يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ، من الأَزْمِنَةِ والأَمْكِنَةِ والأَشْخَاصِ، وَلَقَد اخْتَصَّ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ آلَ بَيْتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بِبَعْضِ الخَصَائِصِ التي لَمْ تَكُنْ لِغَيْرِهِم، وعلى رَأْسِ آلِ البَيْتِ السَّيِّدَةُ الطَّاهِرَةُ فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ البَتُولُ رَضِيَ اللهُ عَنها وَأَرْضَاهَا.

من خَصَائِصِهَا رَضِيَ اللهُ عَنها أَنَّهَا ابْنَةُ صَاحِبِ المَقَامِ المَحْمُودِ، والحَوْضِ المَوْرُودِ، والشَّفَاعَةِ العُظْمَى، بِنْتُ سَيِّدِ الخَلْقِ، وَحَبِيبِ الحَقِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وَأَنَّ نَسْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ مِنْهَا، وَهِيَ أَفْضَلُ نِسَاءِ هذهِ الأُمَّةِ، وَهِيَ بَضْعَةٌ من سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وَأَنَّهُ يَحْرُمُ الزَّوَاجُ عَلَيْهَا، وَأَنَّهَا تُكْنَى بِأُمِّ أَبِيهَا، وَهِيَ أَشْبَهُ النَّاسِ سَمْتَاً وَهَدْيَاً بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وَأَنَّهَا من أَزْهَدِ النَّاسِ في الدُّنْيَا، رَضِيَ اللهُ عَنها وَأَرْضَاهَا.

تاسعاً: اُخْتُصَّتْ بِذِكْرِ اسْمِهَا على لِسَانِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ:

أيُّها الإخوة الكرام: من خَصَائِصِ هذهِ السَّيِّدَةِ الجَلِيلَةِ رَضِيَ اللهُ عَنها، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ كَانَ يَذْكُرُ اسْمَهَا الشَّرِيفَ في كَثِيرٍ من المَوَاطِنِ دُونَ أَخَوَاتِهَا، من جُمْلَةِ ذلكَ:

1ـ في حَدِيثِ شَفَاعَةِ أُسَامَةَ في المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ:

روى الإمام البخاري رَحِمَهُ اللهُ تعالى عَن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ، فَفَزِعَ قَوْمُهَا إِلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ يَسْتَشْفِعُونَهُ.

قَالَ عُرْوَةُ: فَلَمَّا كَلَّمَهُ أُسَامَةُ فِيهَا تَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.

فَقَالَ: «أَتُكَلِّمُنِي فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ؟»

قَالَ أُسَامَةُ: اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ.

فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ خَطِيبَاً، فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ النَّاسَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا».

ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ فَقُطِعَتْ يَدُهَا، فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَتَزَوَّجَتْ.

قَالَتْ عَائِشَةُ: فَكَانَتْ تَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.

أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد ذَكَرَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ السَّيِّدَةَ فَاطِمَةَ في هذا المَوْطِنِ لِبَيَانِ حِرْصِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ على حُقُوقِ اللهِ تعالى، وَإِقَامَةِ حُدُودِهِ، وَأَنَّهُ لا تَأْخُذُهُ في ذلكَ عَاطِفَةُ حُبٍّ ولا قَرَابَةٍ، حَتَّى إلى أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيْهِ، وَأَقْرَبِهِنَّ إِلَيْهِ.

وفي ذلكَ تَعْلِيمٌ للقُضَاةِ والحُكَّامِ، لأَنَّ الحَقَّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ، وَذِكْرُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ لَهَا في هذا المَوْطِنِ لَيْسَ انْتِقَاصَاً لِقَدْرِهَا، ولا يُفْهَمُ مِنْهُ احْتِمَالُ وُقُوعِهَا في حَدٍّ من حُدُودِ اللهِ تعالى، فَهِيَ الكَامِلَةُ المُكَمَّلَةُ رَضِيَ اللهُ عَنها وَأَرْضَاهَا، وَهِيَ صَاحِبَةُ الاسْتِقَامَةِ والوَرَعِ، وَكَيْفَ لا يَكُونُ هذا لَهَا، وَقَد قَالَ اللهُ تعالى: ﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمَاً﴾؟

أيُّها الإخوة الكرام: هذا الحَدِيثُ الشَّرِيفُ مَفْخَرَةٌ من مَفَاخِرِ الإِسْلامِ، وَتَاجُ عِزَّةٍ لهذهِ الأُمَّةِ على سَائِرِ الأَنَامِ، ومن حَقِّ الأُمَّةِ أَنْ تَفْخَرَ بهذا العَدْلِ والإِنْصَافِ.

وبالعَدْلِ تُحْقَنُ الدِّمَاءُ، وَيُحَافَظُ على الأَمْوَالِ، عَدْلٌ لا يُجَامَلُ فِيهِ قَوِيٌّ ولا نَسِيبٌ، ولا يُحَابَى فِيهِ بَعِيدٌ أَو قَرِيبٌ، ورَضِيَ اللهُ عَن الصِّدِيقِ عِنْدَمَا قَالَ: أَلَا وَإِنَّ أَقْوَاكُم عِنْدِي الضَّعِيفُ حَتَّى آخُذَ لَهُ بِحَقِّهِ، وَإِنَّ أَضْعَفَكُم عِنْدِي القَوِيُّ حَتَّى آخُذَ الحَقَّ مِنهُ.

2ـ «سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي»:

روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ حِينَ أَنْزَلَ اللهُ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾. قَالَ: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ـ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا ـ اِشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِن اللهِ شَيْئَاً، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِن اللهِ شَيْئَاً، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكَ مِن اللهِ شَيْئَاً، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللهِ، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِن اللهِ شَيْئَاً، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِن اللهِ شَيْئَاً».

أيُّها الإخوة الكرام: مِيزَانُ الفَلاحِ في الآخِرَةِ لا يَكُونُ على الأَحْسَابِ والأَنْسَابِ، بَلْ على الأَعْمَالِ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ» رواه الإمام مسلم عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وهذا الأَمْرُ وَاضِحٌ في كِتَابِ اللهِ عزَّ وجلَّ، قَالَ تعالى: ﴿قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾. فالأَصْلُ والنَّسَبُ لا يَنْفَعُ بِدُونِ إِيمَانٍ وَعَمَلٍ صَالِحٍ.

3ـ لا أَسْأَلُكَ فَاطِمَةَ ابْنَتِي:

جَاءَ في الأَثَرِ: بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يَسْأَلُ اللهَ تعالى في أَرْضِ المَحْشَرِ: «أُمَّتِي أُمَّتِي، لا أَسْأَلُكَ نَفْسِي، لا أَسْأَلُكَ فَاطِمَةَ ابْنَتِي».

في هذا المَوْقِفِ الرَّهِيبِ المَهِيبِ دَلِيلٌ على عَظِيمِ رَحْمَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بِأُمَّتِهِ، وَشَفَقَتِهِ عَلَيْهَا، وعلى شِدَّةِ الأَخْطَارِ في ذلكَ اليَوْمِ الذي يَفِرُّ المَرْءُ فِيهِ من أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ، الذي يَبْلُغُ فِيهِ الأَمْرُ أَنَّ أُوْلِي العَزْمِ من الرُّسُلِ يَعْتَذِرُونَ إلى الخَلائِقِ عَن عَدَمِ الشَّفَاعَةِ، وَيَخْشَوْنَ على أَنْفُسِهِم قَائِلِينَ: نَفْسِي نَفْسِي، اِذْهَبُوا إلى غَيْرِي.

عاشِرَاً: آخِرُ مَن تُوُفِّيَ من أَوْلادِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ:

أيُّها الإخوة الكرام: من خَصَائِصِ هذهِ السَّيِّدَةِ الجَلِيلَةِ رَضِيَ اللهُ عَنها أَنَّهَا آخِرُ من تُوُفِّيَ من أَوْلادِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وَأَنَّهَا أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِهِ لُحُوقَاً بِهِ، فَإِنَّهَا لَمْ تَعِشْ بَعْدَهُ إلا بِضْعَةَ أَشْهُرٍ، وَكَانَ عُمُرُهَا ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ عَامَاً، رَضِيَ اللهُ عَنها وَأَرْضَاهَا.

روى الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها قَالَتْ: اِجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ فَلَمْ يُغَادِرْ مِنْهُنَّ امْرَأَةً، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مِشْيَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.

فَقَالَ: «مَرْحَبَاً بِابْنَتِي». فَأَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثَاً فَبَكَتْ فَاطِمَةُ، ثُمَّ إِنَّهُ سَارَّهَا فَضَحِكَتْ أَيْضَاً.

فَقُلْتُ لَهَا: مَا يُبْكِيكِ؟

فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.

فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ فَرَحَاً أَقْرَبَ مِنْ حُزْنٍ.

فَقُلْتُ لَهَا حِينَ بَكَتْ: أَخَصَّكِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بِحَدِيثِهِ دُونَنَا، ثُمَّ تَبْكِينَ، وَسَأَلْتُهَا عَمَّا قَالَ؟ فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.

حَتَّى إِذَا قُبِضَ سَأَلْتُهَا فَقَالَتْ: إِنَّهُ كَانَ حَدَّثَنِي «أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَارَضَهُ بِهِ فِي الْعَامِ مَرَّتَيْنِ، وَلَا أُرَانِي إِلَّا قَدْ حَضَرَ أَجَلِي، وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِي لُحُوقَاً بِي، وَنِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ».

فَبَكَيْتُ لِذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّهُ سَارَّنِي فَقَالَ: «أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ». فَضَحِكْتُ لِذَلِكَ.

أيُّها الإخوة الكرام: لُحُوقُ السَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ دَلِيلٌ على حَقَارَةِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَأنَّ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى للمُؤْمِنِ والمُؤْمِنَةِ، وَأَنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قَد أَرَادَ لهذهِ البَضْعَةِ الكَرِيمَةِ أَنْ تَلْتَحِقَ بِأَصْلِهَا الكَرَِيمِ، وَتَلْتَقِيَ بِهِ في الرَّفِيقِ الأَعْلَى، وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسِتِّينَ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد كَانَتْ حَيَاةُ السَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها دُرُوسَاً وَعِبَرَاً وَعِظَاتٍ، فَفِي صِبَاهَا نَاصَرَتِ الدَّعْوَةَ وَدَافَعَتْ عَن أَبِيهَا وذلكَ دَرْسٌ للأَوْلادِ، وفي تَزْوِيجِهَا وَجِهَازِهَا وَصَبْرِهَا على لَأْوَاءِ العَيْشِ حَلُّ كَثِيرٍ من المُشْكِلاتِ، وفي فَضَائِلِهَا وَخَصَائِصِهَا وَمَزَايَاهَا إِصْلاحٌ وَعِلاجٌ وَقُدْوَةٌ لِكَثِيرٍ من الأَخْلاقِيَّاتِ، وفي اهْتِمَامِ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بِهَا وَتَنْوِيهِهِ بِذِكْرِهَا وَتَهْذِيبِهِ لَهَا دَرْسٌ للفَتَيَاتِ المُسْلِمَاتِ، وفي عِفَّتِهَا وَطَهَارَتِهَا وَحِدَّةِ ذَكَائِهَا وَقُوَّةِ فَهْمِهَا مِرْآةٌ لِكُلِّ فَتَاةٍ.

وَحَسْبُهَا أَنَّهَا وَمْضَةٌ من نُورِ عَيْنِ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، تَرَبَّتْ في مَدْرَسَةِ النُّبُوَّةِ، وَفُطِرَتْ على الذُّرْوَةِ العُلْيَا من الخُلُقِ الكَرِيمِ، وَحَسْبُهَا مَا لَقَّبَهَا بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «أُمُّ أَبِيهَا» رواه الطَّبَرَانِيُّ عَن مُصْعَبِ بنِ عَبْدِ اللهِ الزُّبَيْرِيِّ.

وَمَا قَالَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ لَهَا: «إنَّ اللهَ يَغْضَبُ لِغَضَبِكِ وَيَرْضَى لِرِضَاكِ» رواه الحاكم عَن عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وَمَا عَوَّذَهَا بِهِ عِنْدَ دُخُولِهَا على عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: «إِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِن الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ.

مَلَأَ اللهُ بالنُّورِ قُلُوبَنَا، وَجَعَلَ لَنَا نُورَاً عَن أَيْمَانِنَا، وشَمَائِلِنَا، ومن بَيْنِ أَيْدِينَا، ومن خَلْفِنَا، ومن فَوْقِنَا، ومن تَحْتِنَا، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبُ الدُّعَاءِ، وَأَسْأَلُهُ تعالى أَنْ يُلْهِمَنَا حُبَّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وَمَوَدَّةَ آلِهِ وَذُرِّيَتِهِ. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 9/ محرم /1437هـ، الموافق: 22/تشرين الأول / 2015م