46ـ أشراط الساعة: نُزُولُ الخِلَافَةِ فِي أَرْضِ الشَّامِ

 

 أشراط الساعة

46ـ  نُزُولُ الخِلَافَةِ فِي أَرْضِ الشَّامِ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: مِن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الَّتِي أَخْبَرَ عَنْهَا سَيُّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نُزُولُ الخِلَافَةِ فِي أَرْضِ الشَّامِ.

رَوَى الإِمَامُ أحمَد والحَاكِمُ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ ابْنَ زُغْبٍ الْإِيَادِيَّ حَدَّثَهُ قَالَ: نَزَلَ عَلَيَّ عَبْدُ اللهِ بْنُ حَوَالَةَ الْأَزْدِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ فَقَالَ لِي وَإِنَّهُ لَنَازِلٌ عَلَيَّ فِي بَيْتِي: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ عَلَى أَقْدَامِنَا لِنَغْنَمَ، فَرَجَعْنَا وَلَمْ نَغْنَمْ شَيْئَاً، وَعَرَفَ الْجَهْدَ فِي وُجُوهِنَا، فَقَامَ فِينَا فَقَالَ: «اللَّهُمَّ لَا تَكِلْهُمْ إِلَيَّ فَأَضْعُفَ، وَلَا تَكِلْهُمْ إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَيَعْجِزُوا عَنْهَا، وَلَا تَكِلْهُمْ إِلَى النَّاسِ فَيَسْتَأْثِرُوا عَلَيْهِمْ».

ثُمَّ قَالَ: «لَيُفْتَحَنَّ لَكُمْ الشَّامُ، وَالرُّومُ وَفَارِسُ، أَو الرُّومُ وَفَارِسُ، حَتَّى يَكُونَ لِأَحَدِكُمْ مِن الْإِبِلِ كَذَا وَكَذَا، وَمِن الْبَقَرِ كَذَا وَكَذَا، وَمِن الْغَنَمِ، حَتَّى يُعْطَى أَحَدُهُمْ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَسْخَطَهَا».

ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِي، أَوْ هَامَتِي، فَقَالَ: «يَا ابْنَ حَوَالَةَ، إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ قَدْ نَزَلَتْ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ، فَقَدْ دَنَت الزَّلَازِلُ وَالْبَلَايَا وَالْأُمُورُ الْعِظَامُ، وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ إِلَى النَّاسِ مِنْ يَدَيَّ هَذِهِ مِنْ رَأْسِكَ». وَلَيْسَ المَقْصُودَ بِهَا خِلَافَةَ بَنِي أُمَيَّةَ.

الأَدِلَّةُ عَلى عَودَةِ الخِلَافَةِ بِاَرضِ الشَّامِ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ:

أيُّها الإخوة الكرام: ومِمَّا يُؤَكِّدُ عَلَى أنَّ هَذِهِ الخِلَافَةَ سَتَكُونُ أيَّامَ المَهْدِيِّ الَّذِي سَيَسْتَقِرُّ فِي بِلَادِ الشَّامِ بَعدَ خُرُجِهِ مِن بِلَادِ الحِجَازِ لِقِتَالِ الرُّومِ، نُصْرَةً لِلمُسْلِمِينَ هُنَاكَ، وبَعدَ نُزُولِ سَيِّدِنَا عِيسَى عَليهِ السَّلامُ، الأَحَادِيثُ التَّالِيَة:

أولاً: عَمُودُ الإسْلَامِ فِي بِلَادِ الشَّامِ أَيَّامَ الفِتَنِ:

أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد حُمِلَ عَمُودُ الإِسْلَامِ مِن تَحتِ وِسَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَوُضِعَ فِي الشَّامِ.

رَوَى الإِمَامُ الحَاكِمُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي رَأَيْتُ أَنَّ عَمُودَ الْكِتَابِ انْتُزِعَ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي، فَنَظَرْتُ، فَإِذَا هُوَ نُورٌ سَاطِعٌ عُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ، أَلا وَإِنَّ الإِيمَانَ إِذَا وَقَعَتِ الْفِتَنُ بِالشَّامِ».

 ورَوَى الطَّبرَانيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ انْتُزِعَ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي، فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي، فَإِذَا هُوَ نُورٌ سَاطِعٌ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ هَوَى بِهِ، فَعُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ، وَإِنِّي أَوَّلْتُ أَنَّ الْفِتَنَ إِذَا وَقَعَتْ أَنَّ الإِيمَانَ بِالشَّامِ».

 وَرَوَى الإمَامَ أحمَد عَن عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «بَيْنَا أَنَا فِي مَنَامِي، أَتَتْنِي الْمَلَائِكَةُ، فَحَمَلَتْ عَمُودَ الْكِتَابِ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي، فَعَمَدَتْ بِهِ إِلَى الشَّامِ، أَلَا فَالْإِيمَانُ حَيْثُ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ».

ثَانِياً: وُجُودُ الطَّائِفَةِ المَنصُورَةِ فِي بِلَادِ الشَّامِ:

أيُّها الإخوة الكرام: مِمَّا يُؤَكِّدُ أنَّ هَذِهِ الخِلَافَةُ سَتَقُومُ قَبلَ قِيامِ السَّاعَةِ فِي بِلَادِ الشَّامِ، وُجُودُ الطَّائِفَةِ المَنصُورَةِ ـ والَّتِي أَمِيرُهَا المَهدِيُّ ـ فِي بِلَادِ الشَّامِ، خَاصَّةً بَعدَ نُزُولِ سَيِّدِنَا عِيسى عَليهِ السَّلامُ، مَا رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِم عَن جَابِر بْنَ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا.

فَيَقُولُ: لَا إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ، تَكْرِمَةَ اللهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ».

فَسَيِّدُنَا المَهْدِيُّ عَليْهِ السَّلامُ هُوَ الخَلِيفَةُ عَلى المُسْلِمِينَ يَومَئذٍ، فِي بِلَادِ الشَّامِ.

ثَالثاً: تُملأُ الأَرضُ قِسْطَاً وعَدْلاً بِبَرَكَةِ هَذِهِ الخِلَافَةِ:

أيُّها الإخوة الكرام: بِخِلَافَةِ المَهْدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ فِي بِلَادِ الشَّامِ تُملأُ الأَرضُ عَدْلاً وقِسْطاً، وتُخرِجُ الأَرضُ خَيْراتِهَا وبَرَكَاتِهَا، ويَمْلاُ اللهُ قُلُوبَ هَذِهِ الأمَّةِ غِنَىً.

رَوَى الإِمَامُ الحَاكِمُ عَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَخْرُجُ فِي آخِرِ أُمَّتِي المَهْدِيُّ يَسْقِيهِ اللهُ الغَيْثَ، وَتُخْرِجُ الأَرْضُ نَبَاتَهَا، وَيُعْطَى المَالُ صِحَاحَاً، وَتَكْثُرُ المَاشِيَةُ وَتَعظُمُ الأُمَّةُ، يَعِيشُ سَبعَاً أَو ثَمَانِيَاً» (يَعنِي حِجَجاً).

ورَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ خَلِيفَةٌ يَقْسِمُ الْمَالَ وَلَا يَعُدُّهُ».

وفي رِوَايَةٍ ثَانِيَة للإمَامِ مُسلِم عَن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: يُوشِكُ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنْ لَا يُجْبَى إِلَيْهِمْ قَفِيزٌ وَلَا دِرْهَمٌ.

قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ ذَاكَ؟

قَالَ: مِنْ قِبَلِ الْعَجَمِ، يَمْنَعُونَ ذَاكَ.

ثُمَّ قَالَ: يُوشِكُ أَهْلُ الشَّأْمِ أَنْ لَا يُجْبَى إِلَيْهِمْ دِينَارٌ وَلَا مُدْيٌ.

قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ ذَاكَ؟

قَالَ: مِنْ قِبَلِ الرُّومِ.

ثُمَّ سَكَتَ هُنَيَّةً ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي خَلِيفَةٌ يَحْثِي الْمَالَ حَثْيَاً، لَا يَعُدُّهُ عَدَدَاً».

رَابِعاً: الهِجرَةُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ إلى بِلَادِ الشَّامِ:

أيُّها الإخوة الكرام: مِمَّا يُؤكِّدُ أنَّ الخِلافَةَ سَتَكُونُ فِي بِلَادِ الشَّامِ آخِرَ الزَّمَانِ، وُجُودَ الهِجرَةِ إلى بِلَادِ الشَّامِ، لِأنَّ الإِيمَانَ يَكُونُ فِيهَا عِندَ حُدُوثِ الفِتَنِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، إمَّا لِمَجيءِ خِيَارِ أَهْلِ الأَرضِ إِليهَا، أو لِوُجُودِ الصَّلَاحِ فِيهَا.

روَى الإِمَامُ أحمَد عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «سَتَخْرُجُ نَارٌ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْ حَضْرَمَوْتَ تَحْشُرُ النَّاسَ».

قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ».

وروَى أبو داوُد عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمرُو رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا، قال: سَمِعتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يقُولُ: «سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ، فَخِيَارُ أَهْلِ الأَرْضِ أَلْزَمُهُمْ مُهَاجَرَ إِبْرَاهِيمَ، وَيَبْقَى فِي الأَرْضِ شِرَارُ أَهْلِهَا، تَلْفِظُهُمْ أَرْضُوهُمْ، تَقْذَرُهُمْ نَفْسُ اللهِ، وَتَحْشُرُهُمُ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ».

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: وفِي هَذِهِ الآوِنَةِ التِي تَعِيشُهَا الأُمَّةُ اليَومَ، يُفَكِّرُ البَعضُ بالسَّفَرِ إلى بِلادٍ غَيرِ إِسْلَامِيَّةٍ، فَارَّاً من بِلَادِ الشَّامِ المُبَارَكَةِ إلى بِلَادٍ سَخِطَ اللهُ عَلَيهَا، وهِيَ وإِنْ كَانَتْ في ظَاهِرِهَا جَنَّةً، إلا أَنَّهَا انْطَبَقَ عَلَيْهَا قَوْلُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

أيُّها الإخوة الكرام: الوَاجِبُ على أَهْلِ بِلادِ الشَّامِ أَنْ يَصْبِرُوا ويُصَابِرُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ، وأُذَكِّرُ نَفْسِي وإِيَّاكُم بِقَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾. وبِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى تَفْرِيجَ الكَرْبِ عَاجِلاً غَيْرَ آجِلٍ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

 

الأربعاء: 29/محرم /1437هـ، الموافق: 11/تشرين الثاني / 2015م