229ـ مع الحبيب المصطفى: «أَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ»

 

 مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

229ـ «أَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ»

مقدمة الكلمة:

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد خُصَّ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِبَعْضِ الخَصَائِصِ التي تَفَرَّدَ بِهَا عَن سَائِرِ المَخْلُوقَاتِ، من هذهِ الخَصَائِصِ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْمَعُ مَا لا يَسْمَعُهُ الآخَرُونَ، كَمَا جَاءَ في الحَدِثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام الحاكم والترمذي عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ، وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ، أَطَّتِ السَّمَاءُ (اِضْطَرَبَتْ) وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدَاً للهِ، واللهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلَاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرَاً، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ (الطُّرُقِ) تَجْأَرُونَ إِلَى اللهِ (تَسْتَغِيثُونَ) واللهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ (تُقْطَعُ وَتُسْتَأْصَلُ)».

سَمَاعُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَتْحَ بَابٍ من أَبْوَابِ السَّمَاءِ:

أيُّها الإخوة الكرام: روى الطَّبَرَانِيُّ في الأَوْسَطِ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، وَجِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ على الصَّفَا.

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا جِبْرِيلُ، والذي بَعَثَكَ بالحَقِّ، مَا أَمْسَى لِآلِ مُحَمَّدٍ سَفَّةٌ من دَقِيقٍ، ولا كَفٌّ من سُوَيْقٍ (طَعَامٌ يُصْنَعُ من دَقِيقِ القَمْحِ أَو الشَّعِيرِ بِخَلْطِهِ بالسَّمْنِ والعَسَلِ)». فَلَمْ يَكُنْ كَلَامُهُ بِأَسْرَعَ من أَنْ سَمِعَ هَدَّةً من السَّمَاءِ أَفْزَعَتْهُ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَمَرَ اللهُ القِيَامَةَ أَنْ تَقُومَ؟».

قَالَ: لا، وَلَكِنْ أَمَرَ اللهُ إِسْرَافِيلَ، فَنَزَلَ إِلَيْكَ حِينَ سَمِعَ كَلَامَكَ.

فَأَتَاهُ إِسْرَافِيلُ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ سَمِعَ مَا ذَكَرْتَ، فَبَعَثَنِي إِلَيْكَ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ، وَأَمَرَنِي أَنْ يُعْرَضْنَ عَلَيْكَ، إِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ أُسَيِّرَ مَعَكَ جِبَالَ تِهَامَةَ زُمُرُّدَاً، وَيَاقُوتَاً، وَذَهَبَاً، وَفِضَّةً فَعَلْتُ، فَإِنْ شِئْتَ نَبِيَّاً مَلِكَاً، وَإِنْ شِئْتَ نَبِيَّاً عَبْدَاً؟.

فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ أَنْ تَوَاضَعْ، فَقَالَ: «بَلْ نَبِيَّاً عَبْدَاً ـ ثَلَاثَاً ـ».

أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد خَصَّ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقُوَّةِ سَمْعِهِ، وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَهْلاً لِهَذَا، وَكَيْفَ لا يَكُونُ أَهْلاً لِهَذَا، وَهُوَ الذي أَعْرَضَ عَن الدُّنْيَا بِمَا فِيهَا، اِنْشِغَالاً مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمَا كُلِّفَ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من عِبَادَةِ رَبِّهِ عزَّ وجلَّ، وَتَبْلِيغِ رِسَالَتِهِ لِلأُمَّةِ.

لَقَد كَانَ هَمُّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الآخِرَةَ، لِأَنَّ الدُّنْيَا ظِلٌّ زَائِلٌ، وَعَرَضٌ حَائِلٌ، وهَكَذَا عَلَّمَ الأُمَّةَ بِقَوْلِهِ وَسُلُوكِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، مَا كَانَ يَحْزَنُ على الدُّنْيَا إِذَا أَدْبَرَتْ، ولا يَفْرَحُ بِهَا إِذَا أَقْبَلَتْ، بَلْ إِنَّهَا عُرِضَتْ عَلَيْهِ، فَأَبَاهَا، روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «عَرَضَ عَلَيَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ لِيَجْعَلَ لِي بَطْحَاءَ مَكَّةَ ذَهَبَاً، فَقُلْتُ: لَا يَا رَبِّ، وَلَكِنْ أَشْبَعُ يَوْمَاً، وَأَجُوعُ يَوْمَاً، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَإِذَا جُعْتُ تَضَرَّعْتُ إِلَيْكَ وَذَكَرْتُكَ، وَإِذَا شَبِعْتُ حَمِدْتُكَ وَشَكَرْتُكَ».

سَمَاعُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَذَابَ المُشْرِكِينَ في قُبُورِهِم:

أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد خُصَّ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِسَمَاعِ مَا لا يَسْمَعُهُ غَيْرُهُ من البَشَرِ، روى الإمام مسلم عَن زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِطٍ لِبَنِي النَّجَّارِ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ وَنَحْنُ مَعَهُ إِذْ حَادَتْ بِهِ (أَيْ: مَالَتْ عَن الطَّرِيق وَنَفَرَتْ) فَكَادَتْ تُلْقِيهِ، وَإِذَا أَقْبُرٌ سِتَّةٌ أَوْ خَمْسَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ ـ قَالَ: كَذَا كَانَ يَقُولُ الْجُرَيْرِيُّ ـ

فَقَالَ: «مَنْ يَعْرِفُ أَصْحَابَ هَذِهِ الْأَقْبُرِ؟».

فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا.

قَالَ: «فَمَتَى مَاتَ هَؤُلَاءِ؟».

قَالَ: مَاتُوا فِي الْإِشْرَاكِ.

فَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا، فَلَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ».

ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: «تَعَوَّذُوا باللهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ».

قَالُوا: نَعُوذُ باللهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ.

فَقَالَ: «تَعَوَّذُوا باللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ».

قَالُوا: نَعُوذُ باللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ.

قَالَ: «تَعَوَّذُوا باللهِ مِن الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ».

قَالُوا: نَعُوذُ باللهِ مِن الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.

قَالَ: «تَعَوَّذُوا باللهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ».

قَالُوا: نَعُوذُ باللهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ.

أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد أَعْطَى اللهُ تعالى سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قُوَّةً في سَمْعِهِ، فَكَانَ يَسْمَعُ مَا لا يَسْمَعُهُ الآخَرُونَ، وهذا من رَحْمَةِ اللهِ تعالى بِنَا، لِأَنَّهُ لَوْ سَمِعْنَا مَا كَانَ يَسْمَعُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَمَا اسْتَقَرَّتْ لَنَا حَيَاةٌ، وَذَلِكَ لِضَعْفِنَا.

يَقُولُ سَيِّدُنَا أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: لَوْ تَعْلَمُونَ مَا رَاؤُونَ بَعْدَ المَوْتِ مَا أَكَلْتُم طَعَامَاً بِشَهْوَةٍ، ولا شَرِبْتُم شَرَابَاً على شَهْوَةٍ، ولا دَخَلْتُم بَيْتَاً تَسْتَظِلُّونَ فِيهِ، وَلَخَرَجْتُمْ على الصَّعِيدِ تَضْرِبُونَ صُدُورَكُم وَتَبْكُونَ على أَنْفُسِكُم، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي شَجَرَةً تُعْضَدُ ثمَّ تُؤْكَلُ.

أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَسْمَعُ عَذَابَ المُعَذَّبِينَ في قُبُورِهِم، وَيُبَيِّنُ للصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم أَنَّهُ لَوْلا خَشْيَةَ أَنْ لا يَدْفِنَ بَعْضُهُم بَعْضَاً إِذَا سَمِعُوا عَذَابَ القَبْرِ، لَدَعَا اللهَ تعالى أَنْ يُسْمِعَهُم ذَلِكَ، وَلَكِنْ إِذَا سَمِعُوا عَذَابَ القَبْرِ، اِعْتَرَاهُمُ الخَوْفُ والفَزَعُ، وَذَلِكَ مِمَّا يُؤَدِّي إلى تَرْكِ دَفْنِ بَعْضِهِم مَخَافَةً من سَمَاعِ ذَلِكَ.

سَمَاعُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هَدَّةَ صَخْرَةٍ هَوَتْ في جَهَنَّمَ:

أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد خُصَّ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِسَمَاعِ مَا لا يَسْمَعُهُ غَيْرُهُ من البَشَرِ، روى الطَّبَرَانِيُّ في الأَوْسَطِ عن أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَوْتَاً هَالَهُ.

فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا هَذَا الصَّوْتُ يَا جِبْرِيلُ؟».

فَقَالَ: هَذِهِ صَخْرَةٌ هَوَتْ من شَفِيرِ جَهَنَّمَ (أَيْ: جَانِبِهَا) من سَبْعِينَ عَامَاً، فَهَذَا حِينَ بَلَغَتْ قَعْرَهَا، فَأَحَبَّ اللهُ أَنْ يُسْمِعَكَ صَوْتَهَا؛ فَمَا رُئِيَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ اليَوْمِ ضَاحِكَاً مِلْءَ فِيهِ، حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ.

أيُّها الإخوة الكرام: هَلْ تَعْلَمُونَ بِأَنَّهُ قَد يَتَكَلَّمُ الرَّجُلُ كَلِمَةً يَهْوِي بِسَبَبِهَا سَبْعِينَ خَرِيفَاً في نَارِ جَهَنَّمَ؟

روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالَاً يَرْفَعُهُ اللهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالَاً يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ».

وروى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ يَنْزِلُ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ».

وروى الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ وَمَا يَرَى أَنَّهَا تَبْلُغُ حَيْثُ بَلَغَتْ يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفَاً».

سَمَاعُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَذَابَ المَقْبُورَيْنَ:

أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد خُصَّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِسَمَاعِ مَا لا يَسْمَعُهُ غَيْرُهُ من البَشَرِ، روى الإمام البخاري عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ، فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ».

ثُمَّ قَالَ: «بَلَى، كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَكَانَ الْآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ».

ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ فَكَسَرَهَا كِسْرَتَيْنِ، فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْرَةً.

فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟

قَالَ: «لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ تَيْبَسَا ـ أَوْ إِلَى أَنْ يَيْبَسَا ـ».

وروى الإمام أحمد  عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرِّ نَحْوَ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ؛ فَكَانَ النَّاسُ يَمْشُونَ خَلْفَهُ.

قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ صَوْتَ النِّعَالِ وَقَرَ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ، فَجَلَسَ حَتَّى قَدَّمَهُمْ أَمَامَهُ، لِئَلَّا يَقَعَ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ مِن الْكِبْرِ، فَلَمَّا مَرَّ بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ إِذَا بِقَبْرَيْنِ قَدْ دَفَنُوا فِيهِمَا رَجُلَيْنِ.

قَالَ: فَوَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَنْ دَفَنْتُمْ هَاهُنَا الْيَوْمَ؟».

قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ، فُلَانٌ وَفُلَانٌ.

قَالَ: «إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ الْآنَ، وَيُفْتَنَانِ فِي قَبْرَيْهِمَا».

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، فِيمَ ذَاكَ؟

قَالَ: «أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَتَنَزَّهُ مِن الْبَوْلِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ» وَأَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا ثُمَّ جَعَلَهَا عَلَى الْقَبْرَيْنِ.

قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ، وَلِمَ فَعَلْتَ

قَالَ: «لِيُخَفَّفَنَّ عَنْهُمَا».

قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ، وَحَتَّى مَتَى يُعَذِّبُهُمَا اللهُ؟

قَالَ: «غَيْبٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ».

قَالَ: «وَلَوْلَا تَمَزُّعُ قُلُوبِكُمْ (أَيْ: تَقَطُّعُهَا وَتَشَقُّقُهَا) أَوْ تَزَيُّدُكُمْ فِي الْحَدِيثِ، لَسَمِعْتُمْ مَا أَسْمَعُ».

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد أَكْرَمَنَا اللهُ تعالى بِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَكْرَمَهُ اللهُ تعالى بِقُوَّةٍ في سَمْعِهِ، حَيْثُ كَانَ يَسْمَعُ مَا لا يَسْمَعُهُ الآخَرُونَ، وَهُوَ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ، فَآمَنَّا بِمَا أَخْبَرَنَا بِهِ مِمَّا سَمِعَ من عَالَمِ الغَيْبِ، ومن عَالَمِ السَّمَاءِ، ومن عَالَمِ البَرْزَخِ، لِيَكُونَ ذَلِكَ عَوْنَاً لَنَا على الإِيمَانِ بِعَالَمِ الغَيْبِ.

أيُّها الإخوة الكرام: آمَنَّا بِمَا أَخْبَرَنَا بِهِ حَبِيبُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُوَفِّقَنَا للعَمَلِ بِمَا يُنْجِينَا يَوْمَ القِيَامَةِ من أَهْوَالِهَا. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 25/ صفر /1437هـ، الموافق: 7 / كانون الأول / 2015م