8-دروس رمضانية 1437هـ: الصيام والقرآن يشفعان

.

دروس رمضانية 1437هـ

8ـ الصيام والقرآن يشفعان

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ شَهْرُ التَّرْبِيَةِ للصَّائِمِينَ القَائِمِينَ للهِ تعالى بِحَقٍّ، شَهْرٌ يُرَبِّي الصَّائِمِينَ على كَفِّ شَهَوَاتِهِمْ، وَالتَّحَكُّمِ فِيهَا، فَلَا تُجْعَلُ إلا في حَلَالٍ.

روى الحاكم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: رَبِّ إِنِّي مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ؛ فَيُشَفَّعَانِ».

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الصِّيَامُ مَنَعَ الصَّائِمِينَ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالشَّهَوَاتِ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ مَنَعَهُمْ مِنَ النَّوْمِ بِاللَّيْلِ، فَكَانُوا مِمَّنْ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ، يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفَاً وَطَمَعَاً، فَيَشْفَعُ الصَّوْمُ وَالقُرْآنُ لِمَنْ صَامَ عَنِ الحَرَامِ وَاسْتَعَانَ بِاللهِ تعالى بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِكَفِّ نَفْسِهِ عَنِ الحَرَامِ.

أَثَرُ الصِّيَامِ على اللِّسَانِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الصِّيَامُ الحَقِيقِيُّ هُوَ الذي يَصُونُ الجَوَارِحَ، وَخَاصَّةً جَارِحَةَ اللِّسَانِ وَالفَرْجِ، وَيَتَحَكَّمُ الصَّائِمُ في شَهْوَةِ الكَلَامِ وَالفَرْجِ، وَذَلِكَ طَمَعَاً بِنَيْلِ البِشَارَةِ النَّبَوِيَّةِ: «مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ» رواه الإمام البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

فَيَا أَيُّهَا الصَّائِمُ، تَفَقَّدْ لِسَانَكَ، هَذَا العُضْوُ الصَّغِيرُ، صَغِيرٌ جِرْمُهُ، عَظِيمٌ في جُرْمِهِ، كَمْ أَشْعَلَ نَارَاً؟ كَمْ فَرَّقَ بَيْنَ أَحِبَّةٍ؟ كَمْ مَزَّقَ أَشْلَاءَ؟ كَمْ غَيَّبَ أُنَاسَاً في أَمَاكِنَ لَا يَعْلَمُهَا إلا اللهُ تعالى؟ كَمْ ضَيَّعَ حُقُوقَاً؟ كَمْ خَرَّبَ بُيُوتَاً؟

يَا أَيُّهَا الصَّائِمُ، تَذَكَّرْ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرَاً أَوْ لِيَصْمُتْ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وَقَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» رواه الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

يَا أَيُّهَا الصَّائِمُ، تَذَكَّرْ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ، مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا، يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْـمَشْرِقِ وَالْـمَغْرِبِ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وفي رِوَايَةِ الترمذي: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسَاً يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفَاً فِي النَّارِ».

يَا أَيُّهَا الصَّائِمُ، لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَخَافُ عَلَيْنَا مِنْ أَلْسِنَتِنَا، روى الإمام أحمد والترمذي عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ حَدِّثْنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ.

قَالَ: «قُلْ رَبِّيَ اللهُ؛ ثُمَّ اسْتَقِمْ».

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ.

فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: «هَذَا».

يَا أَيُّهَا الصَّائِمُ، أَكْثِرْ مِنْ هَذَا الدُّعَاءِ الذي عَلَّمَنَا إِيَّاهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي، وَمِنْ شَرِّ بَـصَرِي، وَمِنْ شَرِّ لِسَانِي، وَمِنْ شَرِّ قَلْبِي، وَمِنْ شَرِّ مَنِيِّي» رواه أبو داود والترمذي عَنْ شَكَلِ بْنِ حُمَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

أَثَرُ الصِّيَامِ على الشَّهْوَةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الصِّيَامُ الحَقِيقِيُّ هُوَ الذي يُعِينُ على غَضِّ البَصَرِ، وَحِفْظِ الفَرْجِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْـبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» رواه الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

الصَّوْمُ وِقَايَةٌ مِنَ الوُقُوعِ في الفَاحِشَةِ، وَلَقَدْ رَغَّبَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِتَرْكِ الفَاحِشَةِ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ أَحَادِيثِهِ الشَّرِيفَةِ، التي تَحَدَّثَتْ عَنْ حِفْظِ الفَرْجِ.

روى الإمام البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ».

وروى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ ـ وَعَدَّ مِنْهُمْ ـ وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ».

وَكُلُّ هَذَا تَأْكِيدٌ على قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحَاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الإِسْلَامُ شَرَعَ عِبَادَةَ الصَّوْمِ مِنْ أَجْلِ إِقَامَةِ مُجْتَمَعٍ نَظِيفٍ، لَا تُهَاجُ فِيهِ الشَّهَوَاتُ في كُلِّ لَحْظَةٍ، وَأَمَرَ المُؤْمِنِينَ بِغَضِّ البَصَرِ، كَمَا أَمَرَ المُؤْمِنَاتِ بِذَلِكَ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَنْ أَرَادَ شَفَاعَةَ الصِّيَامِ وَالقُرْآنِ لَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحْفَظَ لِسَانَهُ وَفَرْجَهُ، لِأَنَّ اللِّسَانَ يَكُونُ سَبَبَاً لِدُخُولِ العَبْدِ النَّارَ، لِمَا رواه الترمذي عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ ـ وَأَشَارَ إلى لِسَانِهِ ـ: «كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا».

فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟

فَقَالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ».

كَمَا أَنَّ ارْتِكَابَ الفَاحِشَةِ يَكُونُ سَبَبَاً لِدُخُولِ العَبْدِ النَّارَ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامَاً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانَاً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلَاً صَالِحَاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورَاً رَحِيمَاً﴾.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِحِفْظِ الفَرْجِ وَاللِّسَانِ، وَلِصِيَامِ جَوَارِحِنَا عَنِ المَعَاصِي الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 4/ رمضان /1437هـ، الموافق: 9/حزيران / 2016م