24-دروس رمضانية 1437هـ:كل بداية لها نهاية

.

دروس رمضانية 1437هـ

24ـ كل بداية لها نهاية

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كُلُّ بِدَايَةٍ لَهَا نِهَايَةٌ، وَكُلُّ نَعِيمٍ دُنْيَوِيٍّ زَائِلٌ، ثمَّ يَرْجِعُ العِبَادُ، ثمَّ يَرْجِعُ النَّاسُ إلى رَبِّهِمْ بَالقَهْرِ وَالاضْطِرَارِ، فَيُجَازِيهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرَاً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرَّاً يَرَهُ﴾. فَمَنْ قَدَّمَ صَالِحَاً أَفْلَحَ وَنَجَحَ، وَمَنِ اتَّبَعَ الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَى غَيَّاً، بَعْدَ نَدَمٍ وَحَـسْرَةٍ؛ فَالسَّعِيدُ مَنْ وَفَّقَهُ اللهُ تعالى لاغْتِنَامِ هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، التي لَهَا بِدَايَةٌ وَنِهَايَةٌ، وَصَدَقَ اللهُ تعالى القَائِلُ: ﴿وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾.

«مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ»:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الدُّنْيَا التي نَعِيشُهَا مَا ذَمَّهَا اللهُ تعالى مِنْ أَجْلِهَا، بَلْ ذَمَّهَا اللهُ تعالى لِسُوءِ فِعْلِ أَهْلِهَا، وَلِغَفْلَتِهِمْ عَنِ اللهِ تعالى وَعَنِ اليَوْمِ الآخِرِ، كَيْفَ تُذَمُّ الدُّنْيَا وَهِيَ طَرِيقُ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ وَالأَتْقِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ إلى الآخِرَةِ؟

كَيْفَ تُذَمُّ الدُّنْيَا وَفِيهَا نَتَزَوَّدُ للآخِرَةِ؟ وَلَقَدْ سُئِلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟

فَقَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ».

وَسُئِلَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟

قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَسَاءَ عَمَلُهُ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَا تُذَمُّ لِذَاتِهَا، بَلْ تُذَمُّ لِسُوءِ فِعْلِ أَهْلِهَا، وَغَفْلَتِهِمْ عَنْ حَقِيقَتِهَا، هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنْيَا جَدِيدُهَا يَبْلَى، وَمُلْكُهَا يَفْنَى، وَعَزِيزُهَا يُذَلُّ،  وَكَثِيرُهَا يَقِلُّ، وَحَيُّهَا يَمُوتُ، وَخَيْرُهَا يَفُوتُ، وَلَو لَمْ يَكُنْ فِيهَا عَيْبٌ إلا أَنَّ أَهْلَهَا يَمُوتُونَ لَكَفَاهَا، قَالَ تعالى في تَعْرِيفِ حَقِيقَتِهَا: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرَّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَامَاً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾. فَهِيَ سَرِيعَةُ الفَنَاءِ، قَرِيبَةُ الانْقِضَاءِ، تَعِدُ بِالبَقَاءِ، ثمَّ تُخْلِفُ عِنْدَ الوَفَاءِ.

المُسَابَقَةُ بِالصَّالِحَاتِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: خَيْرُ النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ، لِأَنَّهُ سَلَكَ في حَيَاتِهِ الدُّنْيَا طَرِيقَ النَّجَاةِ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾.

خَيْرُ النَّاسِ مَنْ تَفَكَّرَ في القُرْآنِ العَظِيمِ، وَعَرَفَ أَصْنَافَ النَّاسِ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ خِلَالِ القُرْآنِ العَظِيمِ، فَقَرَأَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾. وَقْوَلَهُ تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومَاً مَدْحُورَاً * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورَاً * كُلَّاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورَاً﴾.

خَيْرُ النَّاسِ مَنْ عَرَفَ حَالَ النَّاسِ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرَاً وَإِمَّا كَفُورَاً﴾. وَسَمِعَ مَا أَعَدَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ للفَرِيقَيْنِ، مِنْ خِلَالِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْـمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْـمَأْوَى﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: خَيْرُنَا مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ، وَذَلِكَ اسْتِعْدَادَاً للرَّحِيلِ مِنْ هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا إلى عَالَمِ البَرْزَخِ، وَمِنْ عَالَمِ البَرْزَخِ إلى عَالَمِ يَوْمِ القِيَامَةِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَا أَهْلَ هَذَا البَلَدِ الحَبِيبِ، لِمَاذَا هَذَا الاقْتِتَالُ، وَأَنْتُمْ على يَقِينٍ بِأَنَّكُمْ رَاحِلُونَ مِنْ هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا؟ أَنَسِيتُمْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ﴾؟ مَاذَا تُرِيدُونَ مِنْ هَذِهِ الحَرْبِ التي أَحْرَقَتِ الأَخْضَرَ وَاليَابِسَ؟ هَلْ تُرِيدُونَ بِذَلِكَ الآخِرَةَ؟

لَقَدِ انْطَبَقَ على النَّاسِ اليَوْمَ قَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْـمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾.

اسْمَعُوا يَا أَهْلَ هَذَا البَلَدِ قَوْلَ سَيِّدِنَا أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ لِسَيِّدِنَا خَالِدِ بْنِ الوَلِيدِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: فِرَّ مِنَ الشَّرَفِ يَتْبَعُكَ الشَّرَفُ، وَاحْرِصْ على المَوْتِ تُوهَبْ لَكَ الحَيَاةُ، لَا خَيْرَ في مَالٍ لَا يُنْفَقُ في سَبِيلِ اللهِ، وَلَا خَيْرَ في قَوْلٍ لَا يُرَادُ بِهِ وَجْهُ اللهِ، وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ يَغْلِبُ جَهْلُهُ حِلْمَهُ، وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ يَخَافُ في اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ.

يَا سَيِّدِي يَا أَبَا بَكْرٍ، لَقَدْ أَتْعَبْتَ مَنْ بَعْدَكَ، رَضِيَ اللهُ عَنكَ وَأَرْضَاكَ، وَحَشَرَنَا مَعَكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقَاً.

يَا أَهْلَ هَذَا البَلَدِ الحَبِيبِ، الدُّنْيَا ظِلٌّ زَائِلٌ، وَعَرَضٌ حَائِلٌ، فَلَا تَجْعَلُوا هَذِهِ الحَيَاةَ الدُّنْيَا سَبَبَاً للشَقَاءِ السَّرْمَدِيِّ الدَّائِمِ يَوْمَ القِيَامَةِ، لَا تَجْعَلُوهَا سَبَبَاً للطَّرْدِ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تعالى وَصَبِّ اللَّعَنَاتِ، وَخَاصَّةً في سَفْكِ الدِّمَاءِ مِنْ أَجْلِ الدُّنْيَا، تَذَكَّرُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنَاً مُتَعَمِّدَاً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدَاً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابَاً عَظِيمَاً﴾.

لِمَاذَا يُقْتَلُ الأَبْرِيَاءُ بِغَيْرِ حَقٍّ؟ أَيُقْتَلُونَ مِنْ أَجْلِ دُنْيَا لَهَا بِدَايَةٌ وَنِهَايَةٌ، وَنِهَايَتُهَا تُسْلِمُنَا إلى عَالَمِ البَرْزَخِ الذي لَهُ بِدَايَةٌ وَنِهَايَةٌ، وَنِهَايَتُهُ تُسْلِمُنَا إلى أَرْضِ المَحْشَرِ؟

اللَّهُمَّ أَخْرِجْ مِنْ قُلُوبِنَا حُبَّ الدُّنْيَا. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 12/ رمضان /1437هـ، الموافق: 17/ حزيران / 2016م