61ـ مع الصحابة وآل البيت : صلاح ذات البين أفضل من نافلة الصلاة والصيام

.

مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

61ـ صلاح ذات البين أفضل من نافلة الصلاة والصيام

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الوَصِيَّةُ مِمَّا أَمَرَ اللهُ تعالى بِهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْـمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرَاً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْـمَعْرُوفِ حَقَّاً عَلَى الْـمُتَّقِينَ * فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾.

وَالإِنْسَانُ لَا يَدْرِي قَد يُصَبِّحُهُ المَوْتُ أَو يُمَسِّيهِ، وَمَا الأَمْرُ إلا نَفَسٌ يَدْخُلُ فَلَا يَخْرُجُ، أَو يَخْرُجُ فَلَا يَدْخُلُ، فَإِذَاً الحَزْمَ كُلَّ الحَزْمِ، وَالعَقْلَ كُلَّ العَقْلِ، أَنْ يَكْتُبَ الإِنْسَانُ وَصِيَّتَهُ، وَلَا يُمْهِلَ، وَلَا يُؤَجِّلَ، فَكَمْ مِنْ إِنْسَانٍ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ، لَكِنْ عَاجَلَتْهُ مَنِيَّتُهُ، فَرُبَّمَا تَحَسَّرَ وَنَدِمَ يَوْمَ لَا تَنْفَعُهُ الحَسْرَةُ وَلَا النَّدَامَةُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: تَتَبَّعُوا آيَاتِ اللهِ تعالى، وَانْظُرُوا كَيْفَ تَكُونُ الوَصِيَّةُ، وَخَاصَّةً لِمَنْ سَنُسْأَلُ عَنْهُم يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ أَهْلٍ وَوَلَدٍ؛ هَذَا سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ وَيَعْقُوبُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، يُوصِيَانِ بَنِيهِمَا، قَالَ تعالى: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾. بِهَذَا أُمِرَ سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ مِنْ قِبَلِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. فَأَوْصَى بِهَا بَنِيهِ عِنْدَ مَوْتِهِ؛ فَهَلْ عَرَفْنَا مَا هِيَ أَعْظَمُ وَصِيَّةٍ نُوصِي بِهَا لِمَنْ بَعْدَنَا؟

وَهَذَا سَيِّدُنَا نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ  يُوصِي ابْنَهُ حِينَ حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ، روى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ نَبِيَّ اللهِ نُوحَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَـمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لِابْنِهِ: إِنِّي قَاصٌّ عَلَيْكَ الْوَصِيَّةَ: آمُرُكَ بِاثْنَتَيْنِ، وَأَنْهَاكَ عَنِ اثْنَتَيْنِ، آمُرُكَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَإِنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ، وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ، لَوْ وُضِعَتْ فِي كِفَّةٍ، وَوُضِعَتْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ فِي كِفَّةٍ، رَجَحَتْ بِهِنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَلَوْ أَنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ، وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ، كُنَّ حَلْقَةً مُبْهَمَةً (يَعْنِي لَا أَقْفَالَ لَهَا) قَصَمَتْهُنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، فَإِنَّهَا صَلَاةُ كُلِّ شَيْءٍ، وَبِهَا يُرْزَقُ الْخَلْقُ؛ وَأَنْهَاكَ عَنِ الشِّرْكِ وَالْكِبْرِ».

قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا الشِّرْكُ قَدْ عَرَفْنَاهُ، فَمَا الْكِبْرُ؟ الْكِبْرُ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِنَا نَعْلَانِ حَسَنَتَانِ، لَهُمَا شِرَاكَانِ حَسَنَانِ؟

قَالَ: «لَا».

قَالَ: هُوَ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِنَا حُلَّةٌ يَلْبَسُهَا؟

قَالَ: «لَا».

قَالَ: الْكِبْرُ هُوَ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِنَا دَابَّةٌ يَرْكَبُهَا؟

قَالَ: «لَا».

قَالَ: أَفَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِنَا أَصْحَابٌ يَجْلِسُونَ إِلَيْهِ؟

قَالَ: «لَا».

قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَا الْكِبْرُ؟

قَالَ: «سَفَهُ الْحَقِّ (أَنْ يُرَى الحَقُّ سَفَهَاً وَجَهْلَاً) وَغَمْصُ النَّاسِ (اسْتِصْغَارُهُم وَاحْتِقَارُهُم)».

وَصِيَّةُ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ لِأَوْلَادِهِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى تَرْبِيَةِ أَوْلَادِنَا على دِينِ اللهِ تعالى، وَأَنْ نَخْتِمَ عُمُرَنَا بِالوَصِيَّةِ لَأَبْنَائِنَا بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الإِسْلَامُ الحَقُّ هُوَ الذي نَأْخُذُهُ عَنِ الصَّحَابَةِ وَآلِ البَيْتِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، الذينَ أَخَذُوهُ عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْـمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدَاً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.

لِنَنْظُرْ إلى المُهَاجِرِينَ مِنْ آلِ بَيْتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يُوصُونَ أَبْنَاءَهُم بِالإِسْلَامِ الحَقِّ؛ هَذَا سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يُوصِي بَنِيهِ، فَيَقُولُ للحَسَنِ وَالحُسَيْنِ ـ وَمَا أَدْرَاكَ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ ـ: أُوصِيكُمَا بِتَقْوَى اللهِ، وَلَا تَبْغِيَا الدُّنْيَا وَإِنْ بَغَتْكُمَا (أَيْ: وَلَا تَطْلُبَا الدُّنْيَا وَإِنْ هِيَ طَلَبَتْكُمَا) وَلَا تَبْكِيَا على شَيْءٍ مِنْهَا زُوِيَ عَنْكُمَا، قُوْلَا الحَقَّ، وَارْحَمَا اليَتِيمَ، وَأَعِينَا الطَّائِعِ، وَاصْنَعَا للآخِرَةِ، كُونَا للظَّالِمِ خَصْمَاً، وَلِلْمَظْلُومِ عَوْنَاً، وَاعْمَلَا بِمَا في كِتَابِ اللهِ، وَلَا يَأْخُذْكُمَا في اللِه لَوْمَةُ لَائِمٍ.

وفي رِوَايَةٍ قَالَ لَهُمَا: أَيْ بَنِيَّ، أُوصِيكُمَا بِتَقْوَى اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ لِوَقْتِهَا، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ عِنْدَ مَحِلِّهَا، وَحُسْنِ الْوُضُوءِ، فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ صَلَاةٌ إِلَّا بِطَهُورٍ، وَأُوصِيكُمْ بِغَفْرِ الذَّنْبِ، وَكَظْمِ الْغَيْظِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَالْحِلْمِ عَنِ الْجَهْلِ، وَالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ، وَالتَّثَبُّتِ فِي الْأَمْرِ، وَتَعَاهُدِ الْقُرْآنِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْأَمْرِ بِالْـمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْـمُنْكَرِ، وَاجْتِنَابِ الْفَوَاحِشِ.

ثُمَّ نَظَرَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ ـ أَخُو الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ مِنْ أَبِيهِمَا، وَاسْمُ أُمِّهِ: خَوْلَةُ بِنْتُ جَعْفَرٍ الحَنَفِيَّةُ ـ فَقَالَ: هَلْ حَفِظْتَ مَا أَوْصَيْتُ بِهِ أَخَوَيْكَ؟

قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: فَإِنِّي أُوصِيكَ بِمِثْلِهِ، وَأُوصِيكَ بِتَوقِيرِ أَخَوَيْكَ لِعِظَمِ حَقِّهِمَا عَلَيْكَ، وَتَزْيِينِ أَمْرِهِمَا، وَلَا تَقْطَعْ أَمْرَاً دُونَهُمَا.

ثُمَّ قَالَ لَهُمَا: أُوصِيكُمَا بِهِ، فَإِنَّهُ شَقِيقُكُمَا، وَابْنُ أبِيكُمَا، وَقَدْ عَلِمْتُمَا أَنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُحِبُّهُ. رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَمْ نَحْنُ بِحَاجَةٍ إلى هَذِهِ الوَصِيَّةِ لِأَبْنَائِنَا، وَخَاصَّةً في هَذِهِ الأَزْمَةِ؟

أَيْنَ مَنْ يُوصِي أَبْنَاءَهُ بِالتَّمَاسُكِ فِيمَا بَيْنَهُم؟

أَيْنَ مَنْ يُوصِي أَبْنَاءَهُ بِالْتِزَامِ الإِسْلَامِ وَأَرْكَانِهِ؟

أَيْنَ مَنْ يُوصِي أَبْنَاءَهُ بِالأَخْلَاقِ السَّامِيَةِ العَالِيَةِ مِنْ عَفْوٍ، وَكَظْمِ غَيْظٍ، وَصِلَةِ رَحِمٍ، وَحِلْمٍ على الجَاهِلِينَ، وَتَّفَقُّهٍ في الدِّينِ، وَتِلَاوَةٍ للقُرْآنِ، وَحُسْنِ جِوَارٍ، وَالأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ؟

صَلَاحُ ذَاتِ البَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ نَافِلَةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَمَّا حَضَرَتِ الوَفَاةُ سَيِّدَنَا عَلِيَّاً رَضِيَ اللهُ عَنهُ كَتَبَ وَصِيَّةً، وَيَا حَبَّذَا لَو أَنَّ عُلَمَاءَ الأُمَّةِ يُذَكِّرُونَ الأُمَّةَ بِهَذِهِ الوَصِيَّةِ، وَخَاصَّةً في هَذِهِ الأَزْمَةِ، وَخَاصَّةً لِأَهْلِ بِلَادِ الشَّامِ.

كَانَتْ وَصِيَّةُ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ كَمَا يَأْتِي: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَوْصَى أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَلَوْ كَرِهَ الْـمُشْرِكُونَ.

ثُمَّ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْـمُسْلِمِينَ.

ثُمَّ أُوصِيكُمَا يَا حَسَنُ وَيَا حُسَيْنُ، وَجَمِيعَ أَهْلِي وَوَلَدِي، وَمَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي بِتَقْوَى اللهِ رَبِّكُمْ، وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعَاً، وَلَا تَفَرَّقُوا، فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ صَلَاحَ ذَاتِ الْبَيْنِ أَعْظَمُ مِنْ عَامَّةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ».

وَانْظُرُوا إِلَى ذَوِي أَرْحَامِكُمْ فَصِلِوهُمْ يُهَوِّنُ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحِسَابَ؛ وَاللهَ اللهَ فِي الْأَيْتَامِ، لَا يَضِيعُنَّ بِحَضْرَتِكُمْ؛ وَاللهَ اللهَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّهَا عَمُودُ دِينِكُمْ؛ وَاللهَ اللهَ فِي الزَّكَاةِ، فَإِنَّهَا تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ؛ وَاللهَ اللهَ فِي الْفُقَرَاءِ وَالْـمَسَاكِينِ، فَأَشْرِكُوهُمْ فِي مَعَايِشِكُمْ؛ وَاللهَ اللهَ فِي الْقُرْآنِ، فَلَا يَسْبِقَنَّكُمْ بِالْعَمَلِ بِهِ غَيْرُكُمْ؛ وَاللهَ اللهَ فِي الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ؛ وَاللهَ اللهَ فِي بَيْتِ رَبِّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ، لَا يَخْلُوَنَّ مَا بَقِيتُمْ، فَإِنَّهُ إِنْ تُرِكَ لَمْ تَنَاظَرُوا؛ وَاللهَ اللهَ فِي أَهْلِ ذِمَّةِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَلَا يُظْلَمُنَّ بَيْنَ ظَهْرَانَيْكُمْ؛ وَاللهَ اللهَ فِي جِيرَانِكُمْ، فَإِنَّهُمْ وَصِيَّةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِهِمْ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُمْ».

وَاللهَ اللهَ فِي أَصْحَابِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ وَصِيٌّ بِهِمْ؛ وَاللهَ اللهَ فِي الضَّعِيفَيْنِ: نِسَائِكُمْ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، فَإِنَّ آخِرَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ قَالَ: «أُوصِيكُمْ بِالضَّعِيفَيْنِ: النِّسَاءِ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ».

الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ، لَا تَخَافُنَّ فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، يَكْفِكُمْ مَنْ أرَادَكُمْ وَبَغَى عَلَيْكُمْ؛ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنَاً كَمَا أَمَرَكُمُ اللهُ؛ وَلَا تَتْرُكُوا الْأَمْرَ بِالْـمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْـمُنْكَرِ، فَيُوَلَّى أَمْرَكُمْ شِرَارُكُمْ، ثُمَّ تَدْعُونَ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ؛ عَلَيْكُمْ بِالتَّوَاصُلِ، وَالتَّبَاذُلِ؛ وَإِيَّاكُمْ وَالتَّقَاطُعَ، وَالتَّدَابُرَ، وَالتَّفُرَّقَ؛ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ؛ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ؛ حَفِظَكُمُ اللهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ، وَحَفِظَ فِيكُمْ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَسْتَوْدِعُكُمُ اللهَ، وَأَقْرَأُ عَلَيْكُمُ السَّلَامَ.

ثُمَّ لَمْ يَنْطِقْ إِلَّا بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ حَتَّى قُبِضَ. رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَؤُلَاءِ هُمْ سَلَفُنَا الصَّالِحُ، هَؤُلَاءِ هُمْ قُدْوَتُنَا، هَؤُلَاءِ هُمُ العُلَمَاءُ الرَّبَّانِيُّونَ، هَؤُلَاءِ هُمُ الذينَ قَالَ تعالى فِيهِم: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾.

العُلَمَاءُ العَامِلُونَ، وَالعَارِفُونَ المُرَبُّونَ، هُمُ الذينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم عَزَّ وَجَلَّ، والذينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم هُمْ أَنْصَحُ النَّاسِ للنَّاسِ، فَأَيْنَ هَؤُلَاءِ العُلَمَاءُ الرَّبَّانِيُّونَ الذينَ يَقُولُونَ: «إِنَّ صَلَاحَ ذَاتِ الْبَيْنِ أَعْظَمُ مِنْ عَامَّةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ»؟

أَيْنَ الذينَ يَقُولُونَ للنَّاسِ: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنَاً كَمَا أَمَرَكُمُ اللهُ؟

أَيْنَ الذينَ يَقُولُونَ للنَّاسِ: عَلَيْكُمْ بِالتَّوَاصُلِ، وَالتَّبَاذُلِ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّقَاطُعَ، وَالتَّدَابُرَ، وَالتَّفُرَّقَ؟

أَيْنَ الذينَ يَقُولُونَ للنَّاسِ: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ؛ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عَلَيْنَا بِالاقْتِدَاءِ بِالسَّلَفِ الصَّالِحِ الذينَ جَمَعُوا شَمْلَ الأُمَّةِ وَلَمْ يُفَرِّقُوهَا، وَصَانُوا الدِّمَاءَ وَلَمْ يَسْفِكُوهَا، وَحَافَظُوا على الأَمْوَالِ وَلَمْ يَسْلُبُوهَا.

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدَّاً جَمِيلَاً. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 21/ رجب /1437هـ، الموافق: 28/نيسان / 2016م