138-نحو أسرة مسلمة: الحمو الموت

نحو أسرة مسلمة

138ـ الحمو الموت

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: إِنَّ صَلَاحَ بُيُوتِنَا أَمَانَةٌ في أَعْنَاقِنَا، وَمَسْؤُولِيَّةٌ جَسِيمَةٌ سَوْفَ نُسْأَلُ عَنْهَا يَوْمَ القِيَامَةِ، لِذَا وَجَبَ على كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ أَنْ يُؤَدِّيَ الوَاجِبَ الذي عَلَيْهِ نَحْوَ صَلَاحِ بَيْتِهِ، كَمَا أَمَرَ اللهُ تعالى وَأَمَرَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

إِنَّ مَعَاوِلَ تَهْدِيمِ بُيُوتِنَا قَائِمَةٌ على قَدَمٍ وَسَاقٍ، حَيْثُ المُنْكَرَاتُ وَالمُخَالَفَاتُ الـشَّرْعِيَّةُ، وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ في غَفلَةٍ عَنْ هَذَا، وَنَسِيَ الكَثِيرُ مِنَ الأُمَّةِ مِنْ رِجَالِهَا وَنِسَائِهَا قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرَاً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

دُخُولُ الأَقَارِبِ غَيْرِ المَحَارِمِ على البُيُوتِ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: مِنْ هَذِهِ المُنكَرَاتِ التي انْتَشَرَتْ في بُيُوتِ المُسْلِمِينَ وَكَثُرَتْ، دُخُولُ الرِّجَالِ الأَقَارِبِ غَيْرِ المَحَارِمِ على البُيُوتِ وَالمَرْأَةُ لِوَحْدِهَا، دُخُولُ الأَخِ على بَيْتِ أَخِيهِ وَزَوْجَةُ الأَخِ لِوَحْدِهَا، وَدُخُولُ ابْنِ الأُخْتِ على بَيْتِ خَالِهِ وَزَوْجَةُ خَالِهِ لِوَحْدِهَا أَو بَنَاتُهَا، وَدُخُولُ ابْنِ الأَخِ على بَيْتِ عَمِّهِ وَزَوْجَةُ العَمِّ أَو بَنَاتُهَا لِوَحْدِهِنَّ، يَدْخُلُ الأَخُ، وَابْنُ الأَخِ، وَابْنُ الأُخْتِ، وَعَمُّ الزَّوْجِ، وَخَالُ الزَّوْجِ، وَصِهْرُ الزَّوْجِ، بِكُلِّ سُهُولَةٍ وَبِدُونِ إِنْكَارٍ.

هَذَا الدُّخُولُ وَلَّدَ مَفَاسِدَ في البُيُوتِ لَا يَعْلَمُ مَدَاهَا إلا اللهُ تعالى، عَرَفَ هَذَا مَنْ عَرَفَ، وَجَهِلَ هَذَا مَنْ جَهِلَ، فَكَمْ مِنِ امْرَأَةٍ طُلِّقَتْ بِسَبَبِ انْفِرَادِ الرَّجُلِ القَرِيبِ مِنْ غَيْرِ المَحَارِمِ بِالنِّسَاءِ؟

دُخُولٌ مُحَرَّمٌ، حَرَّمَهُ الذي قَالَ لَنَا فِيهِ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. حَرَّمَهُ الذي قَالَ لَنَا فِيهِ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ﴾. حَرَّمَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي قَالَ لَنَا في حَقِّهِ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْـمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾.

روى الإمام البخاري عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ».

فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟

قَالَ: «الْحَمْوُ الْـمَوْتُ».

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لَقَدْ عَمَّتْ هَذِهِ البَلْوَى في مُجْتَمَعِنَا، وَتَسَاهَلَ فِيهَا النَّاسُ اليَوْمَ مِنْ مُنْطَلَقِ حُسْنِ الظَّنِّ، وَحُسْنِ النَّوَايَا، وَسَلَامَةِ القَلْبِ، وَنَسِينَا أَنَّ لَنَا الظَّاهِرَ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلى الـسَّرَائِرِ التي لَا يَعْرِفُهَا إلا خَالِقُهَا، ثمَّ صَاحِبُهَا، فَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَثْنِ مِنْ حَدِيثِهِ: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ» سَلِيمِي النِّيَّاتِ مِنْ غيْرِهِمْ؛ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَذَّرَ مِنَ الدُّخُولِ على النِّسَاءِ مَنْ هُمْ أَبَرُّ النَّاسِ قُلُوبَاً، وَأَطْهَرُهُمْ نُفُوسَاً، حَذَّرَ أَصْحَابَهُ الكِرَامَ، فَنَحْنُ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَأَوْلَى.

«الْـحَمْوُ الْـمَوْتُ»:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: إِنِّي أَرَى مِنْ أَسْبَابِ هَذِهِ الأَزْمَةِ التي تَمُرُّ بِهَا بِلَادُنَا اليَوْمَ فَسَادَ بيُوتِنَا، وَمِنْ صُوَرِ فَسَادِهَا دُخُولُ الرِّجَالِ غَيْرِ المَحَارِمِ على البُيُوتِ، وَخَلْوَتُهُمْ مَع النِّسَاءِ، مَعَ عِلْمِنَا جَمِيعَاً قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْحَمْوُ الْـمَوْتُ».

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: إِنَّ خَلْوَةَ الرَّجُلِ القَرِيبِ مِنْ غَيْرِ المَحَارِمِ بِالمَرْأَةِ التي يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لَو لَمْ تَكُنْ مُتَزَوِّجَةً قَدْ تُؤَدِّي إلى هَلَاكِ الدِّينِ إِنْ وَقَعَتِ المَعْصِيَةُ، حَيْثُ يُفْتَنُ الرَّجُلُ في دِينِهِ بِسَبَبِ الخَلْوَةِ، وَكَمْ مِنْ رَجُلٍ فُتِنَ بِزَوْجَةِ أَخِيهِ، أَو زَوْجَةِ عَمِّهِ، أَو زَوْجَةِ خَالِهِ، أَو بِنْتِ عَمِّهِ، أَو بِنْتِ عَمَّتِهِ، إلى آخِرِهِ؟

خَلْوَةُ الرَّجُلِ مِنْ غَيْرِ المَحَارِمِ بِالمَرْأَةِ التي يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ مُتَزَوِّجَةً قَدْ يُؤَدِّي إلى المَوْتِ إِذَا وَقَعَتِ الفَاحِشَةُ وَذَلِكَ بِحَدِّ الرَّجْمِ، أَو يُؤَدِّي إلى الفَضِيحَةِ بِحَدِّ الجَلْدِ.

إِنَّ هَذِهِ الخَلْوَةَ قَدْ تُؤَدِّي إلى هَلَاكِ المَرْأَةِ بِطَلَاقِهَا مِنْ زَوْجِهَا.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: فَلْيَحْذَرِ الرَّجُلُ الخَلْوَةَ بالمَرْأَةِ التي يَحِلُّ لَهُ الزَّوَاجُ مِنْهَا كَمَا يَحْذَرُ المَوْتَ، فَإِسْلَامُنَا حَرِيصٌ كُلَّ الحِرْصِ على بُيُوتِنَا مِنْ أَنْ تُدَمَّرَ وَتَخْرَبَ، وَلْيُحَذِّرْ كُلُّ غَيُورٍ مِنَّا نِسَاءَهُ مِنَ الخَلْوَةِ بِالأَقَارِبِ مِنَ الرِّجَالِ غَيْرِ المَحَارِمِ.

إِذَا قَالَ أَحَدُهُمْ: أَنَا وَاثِقٌ مِنْ أَخِي، أَنَا وَاثِقٌ مِنْ زَوْجَتِي، أَنَا وَاثِقٌ مِنِ ابْنِ أَخِي، وَابْنِ أُخْتِي، وَابْنِ عَمِّي، وَابْنِ عَمَّتِي؛ نَقُولُ لَهُ: لَا تَرْفَعْ ثِقَتَكَ بِهِمْ، وَلَا تَرْتَابَ، وَلَا تَشُكَّ، وَلَكِنِ اعْمَلْ بِأَمْرِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ».

اعْمَلْ بِحَدِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» رواه الإمام البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا.

هَذِهِ الأَوَامِرُ تَشْمَل جَمِيعَ الرِّجَالِ، التَّقِيَّ مِنْهُمْ وَالفَاجِرَ، الكَبِيرَ وَالشَّابَّ، طَالِبَ العِلْمِ وَغَيْرَهُ، فَسَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا اسْتَثْنَى مِنْ مِثْلِ هَذِهِ الأُمُورِ أَحَدَاً، لِذَا كُونُوا على حَذَرٍ مِنَ اللِّقَاءَاتِ المُخْتَلِطَةِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ الأَقَارِبِ، لِأَنَّ مَفَاسِدَهَا عَظِيمَةٌ جِدَّاً.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: الرَّجُلُ بِطَبِيعَتِهِ فُطِرَ على المَيْلِ إلى النِّسَاءِ اللَّوَاتِي يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنْهُنَّ، كَمَا فُطِرَتِ المَرْأَةُ على المَيْلِ إلى الرِّجَالِ الذينَ يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ، لِذَا سَدَّ الإِسْلَامُ مَنَافِذَ الشَّرِّ، وَحَرَّمَ الخَلْوَةَ بِالمَرْأَةِ، لَا مِنْ بَابِ سُوءِ الظَّنِّ، بَلْ مِنْ أَجْلِ سَلَامَةِ القُلُوبِ وَطَهَارَتِهَا، قَالَ تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعَاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾.

إِنَّ دُخُولَ الرِّجَالِ الأَقَارِبِ غَيْرِ المَحَارِمِ على النِّسَاءِ سَبَبٌ لِفَسَادِ الدِّينِ وَالخُلُقِ، وَسَبَبٌ لِثَوَرَانِ المُحَرَّمِ مِنَ الشَّهَوَاتِ، وَسَبَبٌ للتَّنَازُعِ وَالتَّقَاطُعِ وَالتَّدَابُرِ إِذَا حَصَلَ المَكْرُوهُ، مِنْ مُزَاحٍ وَضَحِكٍ، وَغَمْزٍ وَهَمْزٍ وَلَمْزٍ.

كَمْ مِنْ رَجُلٍ صَفَّى الحِسَابَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ بِسُؤَالِهِ لَهَا: لِمَاذَا ضَحِكْتِ؟ لِمَاذَا تَكَلَّمْتِ؟ لِمَاذَا غَمَزْتِ؟

وَكَمْ مِنْ مُقَارَنَةٍ صَارَتْ بَيْنَ الأَزْوَاجِ؟ هَذَا يُقَارِنُ زَوْجَتَهُ بِزَوْجَةِ أَخِيهِ، وَهَذِهِ تُقَارِنُ زَوْجَهَا بِأَخِيهِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ كَانَ الطَّلَاقُ ثمَّ الزَّوَاجُ مِنَ المُطَلَّقَةِ.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَرُدَّنَا إِلَيْهِ رَدَّاً جَمِيلَاً. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 11/ ذو القعدة /1437هـ، الموافق: 14/ آب / 2016م