140-نحو أسرة مسلمة:هل من المعقول أن يكون هذا حال الأمة؟

نحو أسرة مسلمة

140ـ هل من المعقول أن يكون هذا حال الأمة؟

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الزَّوَاجُ نِعْمَةٌ مِنْ نِعَمِ اللهِ تعالى، وَمِنَّةٌ مِنْ مِنَنِهِ عَزَّ وَجَلَّ، تُغَضُّ بِهِ الأَبْصَارُ، وَتُحْصَنُ بِهِ الفُرُوجُ، وَقَدْ جَعَلَ اللهُ تعالى بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً لَا تُقَارَنُ بِنَعِيمٍ في الدُّنْيَا بَعْدَ نِعْمَةِ الإِيمَانِ وَالإِسْلَامِ.

جَعَلَ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى الزَّوَاجَ آيَةً شَاهِدَةً على وَحْدَانِيَّتِهِ، دَالَّةً على عَظَمَتِهِ وَأُلُوهِيَّتِهِ، فَفِيهِ السَّكَنُ وَالرَّحْمَةُ، وَفِيهِ العِفَّةُ للإِنْسَانِ عَنِ الحَرَامِ، وَالبُعْدُ عَنْ إِصَابَةِ الفَوَاحِشِ وَالآثَامِ، هَذِهِ النِّعْمَةُ يَجِدُ فِيهَا كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ الرَّاحَةَ وَالسَّكَنَ، وَيَجِدُهَا رَحْمَةً مِنَ اللهِ تَبَارَكَ وتعالى إِذَا الْتَزَمَ كُلٌّ مِنْهُمَا هَدْيَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَلْزَمَا نَفْسَيْهِمَا على مِنْهَاجِ الصَّوَابِ.

الزَّوَاجُ إِنَّمَا يَكُونُ نِعْمَةً حَقِيقِيَّةً يَحْفَظُ بِهَا الإِنْسَانُ دِينَهُ، وَيَعْصِمُ بِهَا نَفْسَهُ عَنِ الفِتَنِ، وَيَجِدُ الرَّاحَةَ وَالـسُّرُورَ وَالدَّعَةَ، إِذَا كَانَ الزَّوْجُ مُلْتَزِمَاً هَدْيَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَكَانَتِ الزَّوْجَةُ كَذَلِكَ، فَعَاشَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا الآخَرَ عِـشْرَةً صَالِحَةً طَيِّبَةً مُبَارَكَةً مَبْنِيَّةً على الشِّيمَةِ الحَسَنَةِ وَالوَفَاءِ، مَبْنِيَّةً على الذِّمَّةِ وَحِفْظِ العُهُودِ وَالمَوَاثِيقِ.

نِسْيَانُ الآيَاتِ سَبَبُ تَخَبُّطِ الأَزْوَاجِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ الطَّرِيقَ الحَقِيقِيَّ للسَّعَادَةِ الزَّوْجِيَّةِ تَكُونُ بِالْتِزَامِ الزَّوْجَيْنِ الوَحْيَيْنِ القُرْآنَ وَالسُّنَّةَ، فَمَا مِنْ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ المُسْلِمِينَ الْتَزَمَ فِيهِ الزَّوْجَانِ هَدْيَ الوَحْيَيْنِ إلا وَجَدْتَ السَّعَادَةَ قَدْ ضَرَبَتْ أَطْنَابَهَا في رِحَابِهِ، وَالعَكْسُ بِالعَكْسِ؛ فَمَتَى تَنَكَّبَ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ أَو أَحَدُهُمَا عَنْ هَدْيِ الوَحْيَيْنِ، وَانْحَرَفَ عَنِ الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ، وَاعْوَجَّ عَنْ هَدْيِ الدِّينِ القَوِيمِ، عِنْدَهَا تُنْتَهَكُ حُدُودُ اللهِ، وَتتَفْشَى مَحَارِمُ اللهِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا نُسِيَتِ الآيَاتُ العَظِيمَةُ، وَالعِظَاتُ البَلِيغَةُ التي وَعَظَ اللهُ تعالى بِهَا كُلَّاً مِنَ الزَّوْجَيْنِ، وَإِذَا رُمِيَتْ وَرَاءَ الظَّهْرِ، وَأَصْبَحَ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ لَا يُبَالِي بِأَوَامِرِ الـشَّرْعِ وَنَوَاهِيهِ، فَإِنَّهُمَا يَتَخَبَّطَانِ خَبْطَ عَشْوَاءٍ في حَيَاتِهِمُ الزَّوْجِيَّةِ.

إِذَا أَصْبَحَتِ الزَّوْجَةُ لَا تُبَالِي بِحُقُوقِ اللهِ تعالى في العَشِيرِ، وَلَا تُبَالِي بِأَوَامِرِ اللهِ تعالى، وَأَوَامِرِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَلِكَ الزَّوْجُ، عِنْدَهَا تُفْتَحُ أَبْوَابُ المَشَاكِلِ على ذَلِكَ البَيْتِ الذي كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْتَ سَكَنٍ وَرَاحَةٍ وَطُمَأْنِينَةٍ وَمَوَدَّةٍ وَوِئَامٍ، فَإِذَا بِهِ أَضْحَى بَيْتَ شَقَاءٍ وَضَنْكٍ وَجِحِيمٍ ـ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى ـ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَا مِنْ زَوْجٍ يَنْحَرِفُ عَنْ مَنْهَجِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ في عِشْرَتِهِ لِأَهْلِهِ، وَكَذَلِكَ الزَّوْجَةُ، إلا أَذَاقَهُمَا اللهُ تعالى نَكَدَ الحَيَاةِ، وَتَنَغُّصَ العَيْشِ، وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ المَشَاكِلِ عَلَيْهِمَا، وَوَجَدَا مَرَارَةَ الحَيَاةِ، وَعِنْدَهَا تَدْمَعُ عَيْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا حِينَ لَا تَنْفَعُ الدُّمُوعُ، وَيَنْدَمُ كُلٌّ مِنْهُمَا حِينَ لَا يَنْفَعُ النَّدَمُ.

نَعَمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ، إِذَا نَسِيَ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ كِتَابَ اللهِ تعالى، وَغَشِيَا حُدُودَ اللهِ تعالى، وَانْتَهَكَا مَحَارِمَ اللهِ تعالى، ذَاقَ كُلٌّ مِنْهُمَا سَوْطَ عَذَابٍ مِنْ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ، وَأَصْبَحَتْ هَذِهِ الحَيَاةُ الزَّوْجِيَّةُ التي كَانَ مِنَ المَفرُوضِ أَنْ تَكُونَ حَيَاةَ السَّعَادَةِ وَالرَّاحَةِ وَالدَّعَةِ، إِذَا بِهَا حَيَاةَ جَحِيمٍ لَا تُطَاقُ ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾.

أَبْوَابُ المشَاكِلِ إِذَا فُتِحَتْ تَصْطَرِعُ القُلُوبَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا فُتِحَتْ أَبْوَابُ المَشَاكِلِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَإِنَّ القُلُوبَ تَصْطَرِعُ بِفَتْحِهَا، فَإِذا بِكُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ يَحَارُ في صَلَاتِهِ، وَلَا يَسْتَطِيعُ عِبَادَةَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا يَسْتَطِيعُ تِلَاوَةَ القُرْآنِ، وَلَا يَسْتَطِيعُ ذِكْرَ اللهِ تعالى، وَتَرَى قَلْبَ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ مُكَدَّرَاً وَمُضْطَرِبَاً، وَيَكَادُ أَنْ يَخْتَنِقَ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ، وَعِنْدَهَا تَعُمُّ المَشَاكِلُ التي لَا تَرْحَمُ صَغِيرَاً وَلَا كَبِيرَاً، وَلَا تَعْرِفُ جَلِيلَاً وَلَا حَقِيرَاً، وَإِذَا بِعَنَاءِ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ يَسْرِي إلى أَبِ الزَّوْجَةِ وَأُمِّهَا، وإلى أَبِ الزَّوْجِ وَأُمِّهِ، ثمَّ إلى الإِخْوَةِ وَالأَخَوَاتِ، ثمَّ إلى الخِلَّانِ، ثمَّ تَأْتِي الضَّحِيَّةُ الكُبْرَى تِلْكَ القُلُوبُ البَرِيئَةُ قُلُوبُ الأَبْنَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الإِعْرَاضُ عَنِ اللهِ تعالى طَامَّةٌ كُبْرَى، فَإِذَا أَعْرَضَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ أَوْ كِلَاهُمَا عَنِ اللهِ تعالى حَلَّتِ الطَّامَّةُ الكُبْرَى، حَتَّى تَنْظُرَ إلى الأَبْنَاءِ الذينَ خَلَّفَهُمُ الزَّوْجَانِ الظَّالِمَانِ لِأَنْفُسِهِمَا، تَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَقَدْ دَمَعَتْ عُيُونُهُمْ، وَاحْتَرَقَتْ قُلُوبُهُمْ لِمَا يَرَوْنَ مِنْ نَكَدِ العَيْشِ بِسَبَبِ الزَّوْجَيْنِ، يَبْكُونَ وَلَكِنْ لَا رَاحِمَ لِبُكَائِهِمْ، وَيَشْكُونَ وَلَكِنْ لَا يَجِدُونَ آذَانَاً صَاغِيَةً.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَاذَا فَقَدَ الزَّوْجَانِ إِنِ الْتَزَمَا كِتَابَ اللهِ تعالى وَسُنَّةَ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ وَمَاذَا وَجَدَا إِنْ هَجَرَا كِتَابَ اللهِ تعالى وَسُنَّةَ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

لَمَّا تَنَكَّبَ العِبَادُ عَنِ صِرَاطِ اللهِ تعالى المُسْتَقِيمِ، وَحَادَ الخَلْقُ عَنْ طَرِيقِ اللهِ تعالى، جَاءَتِ المَشَاكِلُ بِخَيْلِهَا وَرَجِلِهَا، وَأَصْبَحَتِ الأُسَرُ أُسَرُ المُسْلِمِينَ تُعَانِي هُمُومَاً وَغُمُومَاً لَا يَعْلَمُهَا إلا اللهُ تَبَارَكَ وتعالى.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: حِينَ فَقَدْنَا الزَّوْجَ الذي يَحْفَظُ الذِّمَمَ، وَفَقَدْنَا الزَّوْجَةَ التي تَحْفَظُ حُقُوقَ العَشِيرِ، وَحِينَ فَقَدْنَا أُمَّاً تَحْفَظُ ابْنَتَهَا، وَأَبَاً يَرْعَى وَلَدَهُ، حِينَ فَقَدْنَا رِجَالَاً صَادِقِينَ صَالِحِينَ يُقَرِّبُونَ المُفْتَرِقِينَ، وَيَجْمَعُونَ شَمْلَ المُتَبَاعِدِينَ، حِينَمَا فَقَدْنَا قُلُوبَاً رَحِيمَةً يُؤْلِمُهَا إِذَا رَأَتْ بُيُوتَ المُسْلِمِينَ تَشَتَّتَتْ فَسَعَتْ بِخُطُوَاتٍ سَرِيعَةٍ لِإِصْلَاحِهَا، حِينَمَا فَقَدْنَا ذَلِكَ تَنَكَّدَتِ الحَيَاةُ، وَتَغَيَّرَ الحَالُ، فَأَصْبَحَ بَعْدَ الرِّجَالِ الصَّادِقِينَ الرِّجَالُ الكَذَّابُونَ، حَتَّى رَأَيْنَا الرَّجُلَ إِذَا ابْتُلِيَ بِمُشْكِلَةٍ مَعَ زَوْجَتِهِ لَا يَجِدُ صَدِيقَاً يُذَكِّرُهُ بِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيُصَبِّرُهُ على شَكْوَاهُ، بَلْ وَجَدْنَا مَنْ يُلْهِبُ ضَمِيرَهُ إلى الشَّكْوَى، وُيُلْهِبُ قَلْبَهُ إلى الأَذِيَّةِ وَالإِضْرَارِ؛ وَوَجَدَتِ الزَّوْجَةُ مَنْ يُعِينُهَا على الإِضْرَارِ وَيُعِينُهَا على الشِّقَاقِ وَالأَذِيَّةِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا ابْتَعَدَتِ الأُمَّةُ عَنْ كِتَابِ رَبِّهَا عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةِ نَبِيِّهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَعْجَبُوا إِنْ عَجَّتِ المَشَاكِلُ المُؤْلِمَةُ المُحْزِنَةُ، وَلَا تَعْجَبُوا مِنَ الصَّرِيخِ وَالعَوِيلِ.

هَلْ مِنَ المَعْقُولِ أَنْ تَرَى هَذِهِ الأُمَّةَ الطَّاهِرَةَ التي هِيَ خَيْرُ الأُمَمِ تَعِيشُ هَذِهِ الآلَامَ؟ هَلْ مِنَ المَعْقُولِ أَنْ تَرَى هَذِهِ الأُمَّةَ التي أَدَّبَهَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ بِكِتَابِهِ، وَبِسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبِـشَرْعِهِ وَدِينِهِ الذي أَتَمَّهُ وَأَكْمَلَهُ تَعِيشُ هَذِهِ الهُمُومَ وَالأَحْزَانَ؟ لَقَدْ جَنَيْنَا على أَنْفُسِنَا، وَلَكِنْ وَللهِ الحَمْدُ بَابُ التَّوْبَةِ مَفْتُوحٌ.

نَسْأَلُ اللهَ تعالى التَّوْبَةَ الصَّادِقَةَ النَّصُوحَ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 18/ ذو القعدة /1437هـ، الموافق: 21/ آب / 2016م