141:نحو أسرة مسلمة: أسس السعادة الزوجية

نحو أسرة مسلمة

141ـ أسس السعادة الزوجية

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا فُتِحَتْ أَبْوَابُ المَشَاكِلِ في البُيُوتِ بِسَبَبِ الذُّنُوبِ وَالخَطَايَا وَالمَعَاصِي الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ، إِمَّا مِنَ الزَّوْجِ أَو مِنَ الزَّوْجَةِ أَو مِنْ كِلَيْهِمَا، فَإِنَّهُ لَا رَادِعَ لَهَا، وَلَا مُوقِفَ لَهَا إلا رَحْمَةٌ مِنَ اللهِ تَبَارَكَ وَتعالى يَتَدَارَكُ بِهَا عِبَادَهُ؛ وَقَدْ فُتِحَتْ أَبْوَابُ المَشَاكِلِ، وَأَصْبَحَتْ تَعُجُّ بِهَا بُيُوتُ المُسْلِمِينَ، تِلْكَ البُيُوتُ الطَّيِّبَةُ الطَّاهِرَةُ التي كَانَتْ مَعْرُوفَةً بِالسَّعَادَةِ وَالهَنَاءَةِ وَالرَّاحَةِ، أَصْبَحَتْ تَعُجُّ بِتلْكَ المَشَاكِلِ، وَتَشْتَكِي إلى اللهِ تعالى صَبَاحَ مَسَاءَ مِنْ كَلَامٍ لَا يَطِيبُ لِسَامِعِهِ، وَ أَفْعَالٍ لَا تُرْضِي مَنْ يَرَاهَا، وَأَصْبَحَ حَالُ البُيُوتِ لَا يُرْضِي اللهَ تعالى وَلَا يُرْضِي رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يُرْضِي صَاحِبَاً وَلَا صَدِيقَاً، بَلْ يَسُرُّ شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالجِنِّ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَد كَانَتْ بُيُوتُ المُسْلِمِينَ بُيُوتَاً مَلِيئَةً بِالرَّاحَةِ وَالسُّكُونِ وَالمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ، حَتَّى إِنَّكَ قَلَّ أَنْ تَرَى قَاضِيَاً يَفْصِلُ في قَضِيَّةٍ بَيْنَ زَوْجَيْنِ، كَانَتْ بُيُوتُ المُسْلِمِينَ إِذَا وَقَعَتْ فِيهَا المَشَاكِلُ طُفِئَتْ نَارُهَا في مَهْدِهَا، وَكُنْتَ تَرَى عُقُولَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عُقُولَ أُنَاسٍ بَرَرَةٍ صَادِقِينَ أَوْفِيَاءَ، يَعْرِفُونَ كَيْفَ يَتَـصَرَّفُونَ، وَيُحْسِنُونَ التَّعَامُلَ مَعَ المَشَاكِلِ العَظِيمَةِ وَالمُؤْلِمَةِ.

وَلَكِنْ تَغَيَّرَتْ أَحْوَالُ النَّاسِ بِسَبَبِ الانْفِتَاحِ على العَالَمِ، وَبِسَبَبِ نَـشْرِ الفَسَادِ على وَسَائِلِ الإِعْلَامِ وَالاتِّصَالِ، وَتَغَيَّرَ حَالُ النَّاسِ مِنْ صَلَاحٍ إلى فَسَادٍ، وَأَصْبَحَتِ البُيُوتُ تَعُجُّ بِالمَشَاكِلِ وَالخِلَافَاتِ، وَمُلِئَتْ دُورُ القَضَاءِ مِنْ هَذِهِ المَشَاكِلِ المُؤْلِمَةِ المُحْزِنَةِ.

أَسَاسُ السَّعَادَةِ الزَّوْجِيَّةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَسَاسُ السَّعَادَةِ الزَّوْجِيَّةِ هُوَ الالْتِزَامُ بِـشَرْعِ اللهِ تعالى الذي جَاءَ مِمَّنْ يَعْلَمُ ظَاهِرَ الإِنْسَانِ وَبَاطِنَهُ، مِمَّنْ قَالَ في كِتَابِهِ العَظِيمِ: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾. جَاءَ مِمَّنْ خَلَقَ الإِنْسَانَ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ أُسُسِ التَّعَامُلِ في الحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ قَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.

فَلَوْ أَنَّ كُلَّ زَوْجٍ قَبْلَ زَوَاجِهِ عَرَفَ الوَاجِبَاتِ التي عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ الحُقُوقَ التي لَهُ، وَلَوْ أَنَّ كُلَّ زَوْجَةٍ عَرَفَتِ الوَاجِبَاتِ التي عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ تَعْرِفَ الحُقُوقَ التي لَهَا، لَتَحَقَّقَتِ السَّعَادَةُ في ذَاكَ البَيْتِ، لِأَنَّ اللهَ تعالى ضَمِنَ لِمَنِ الْتَزَمَ شَرْعَهُ أَنْ يُسْعِدَهُ في الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ، قَالَ تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحَاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. هذا أولاً:

ثانياً: المُعَاشَرَةُ بِالمَعْرُوفِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ أُسُسِ السَّعَادَةِ الزَّوْجِيَّةِ الْتِزَامُ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْـمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئَاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرَاً كَثِيرَاً﴾. وَصِيَّةٌ مِنَ اللهِ تَبَارَكَ وتعالى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ، إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تُعَاشِرَ أَهْلَكَ، فَضَعْ نُصْبَ عَيْنَيْكَ هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ، وَاحْذَرْ مِنَ الإِمْسَاكِ بِقَصْدِ الإِضْرَارِ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارَاً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهَاً وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْـمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئَاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرَاً كَثِيرَاً﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَوْ أَنَّ الأَزْوَاجَ أَمْسَكُوا بِمَعْرُوفٍ، وَقَامَتِ الـعِشْرَةُ بَيْنَهُمَا بِالمَعْرُوفِ، وَاللهِ مَا قَامَتْ مُشْكِلَةٌ تُؤَدِّي إلى خَرَابِ البُيُوتِ.

صُوَرٌ مِنَ المُعَاشَرَةِ بِالمَعْرُوفِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعِيشَ عَيْشَ السُّعَدَاءِ، وَأَنْ يُعَاشِرَ أَهْلَهُ بِالمَعْرُوفِ، عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ إلى سِيرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَوَاللهِ الذي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، لَنْ تَجِدَ الـبَشَرِيَّةُ جَمْعَاءَ زَوْجَاً أَبَرَّ وَلَا أَوْفَى وَلَا أَكْمَلَ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ مَنْ قَرَأَ سِيرَتَهُ العَطِرَةَ في حَيَاتِهِ الزَّوْجِيَّةِ وَاللهِ سَوْفَ يَسْتَوْلِي عَلَيْهِ الحُزْنُ مِنْ وَاقِعِهِ المَرِيرِ المُؤْلِمِ، لِأَنَّهُ سَيَجِدُ البَوْنَ شَاسِعَاً وَوَاسِعَاً بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَوِ اسْتَعْرَضْنَا هَدْيَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَسِيرَتَهُ العَطِرَةَ لِنَرَى مِنْ خِلَالِهَا قَوْلَهُ تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْـمَعْرُوفِ﴾. لَرَأَيْنَا العَجَبَ العُجَابَ، لَرَأَيْنَا خُلُقَ القُرْآنِ مُجَسَّدَاً في سِيرَتِهِ العَطِرَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

روى أبو داود عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَتَعَرَّقُ الْعَظْمَ (أَيْ: آخُذُ مَا عَلَى العَظْمِ مِنَ اللَّحْمِ بِأَسْنَانِي) وَأَنَا حَائِضٌ، فَأُعْطِيهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَيَضَعُ فَمَهُ فِي الْـمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ وَضَعْتُهُ، وَأَشْرَبُ الشَّرَابَ، فَأُنَاوِلُهُ، فَيَضَعُ فَمَهُ فِي الْـمَوْضِعِ الَّذِي كُنْتُ أَشْرَبُ مِنْهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِمَاذَا فَقَدْنَا خُلُقَ الرَّحْمَةِ في حَيَاتِنَا الزَوْجِيَّةِ؟ لِمَاذَا أَصْبَحَتِ الحَيَاةُ الزَّوْجِيَّةُ حَيَاةً جَافَّةً؟ لِمَاذَا لَا نَجِدُ فِيهَا الرَّحْمَةَ وَالحَنَانَ الذي يَجِبُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهَمِّ سِمَاتِ الزَّوْجِيَّةِ؟ لَقَدْ وَصَفَ اللهُ تعالى الزَّوْجَةَ بِأَنَّهَا سَكَنٌ وَرَحْمَةٌ، قَالَ تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجَاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾. وَالمَوَدَّةُ وَالرَّحْمَةُ طَبَّقَهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على أَكْمَلِ صُورَةٍ وَمَنْهَجٍ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَنْ مِنَّا فَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ يَوْمَاً وَاحِدَاً، جَبَرَ بِهِ قَلْبَ تِلْكَ الزَّوْجَةِ التي هِيَ شَرِيكَةُ حَيَاتِهِ؟ مَنْ مِنَّا طَبَّقَ هَذِهِ السُّنَّةَ العَمَلِيَّةِ؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ شَأْنِ الكِرَامِ أَصْحَابِ المَعْرُوفِ الذينَ هُمْ أَهْلُ المَعْرُوفِ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ الـعِشْرَةُ بِالمَعْرُوفِ التي أَمَرَ اللهُ تعالى بِهَا في كِتَابِهِ العَظِيمِ.

وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ سَيِّدَنَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أَنَّهُ قَالَ: الخَيْرُ الكَثِيرُ أَنْ تَكْرَهَ المَرْأَةَ فَتَصْبِرَ عَلَيْهَا، فَيَرْزُقَكَ اللهُ مِنْهَا وَلَدَاً صَالِحَاً فِيهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ.

قَالَ تعالى لِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ الكِرَامِ: ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارَاً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾. أَيْ: إِنَّهُ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَسَيَلْقَى مِنَ اللهِ تعالى مَا يَكُونُ جَزَاءً وِفَاقَاً لِعَمَلِهِ.

اللَّهُمَّ نَسْأَلُكَ حُسْنَ الأَخْلَاقِ مَعَ الإِخْلَاصِ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 2/ ذو الحجة /1437هـ، الموافق: 4/ أيلول / 2016م