74ـ مع الصحابة وآل البيت:وَإِنِّي لَثُلُثُ الْإِسْلَامِ

.

مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

74ـ وَإِنِّي لَثُلُثُ الْإِسْلَامِ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ نِعْمَةَ الشَّبَابِ مِنْ نِعَمِ اللهِ تعالى العَظِيمَةِ، فَفِي فَتْرَةِ الشَّبَابِ عَوْنٌ مِنَ اللهِ تعالى لِلْعَبْدِ على تَحْقِيقِ آمَالِهِ بِالاسْتِعَانَةِ بِاللهِ تعالى، وَهِيَ مَرْحَلَةٌ عَظِيمَةٌ يَجِبُ أَنْ تُصَانَ مِمَّا لَا يَلِيقُ مِنَ الأَخْلَاقِ وَالأَعْمَالِ، كَمَا يَجِبُ على الشَّابِّ أَنْ يَجْتَهِدَ في الوُصُولِ إلى اللهِ تعالى، وَنَفْعِ عِبَادِ اللهِ تعالى.

مَرْحَلَةُ الشَّبَابِ مَرْحَلَةٌ عَظِيمَةٌ هِيَ مِنْ أَهَمِّ مَرَاحِلِ العُمُرِ، وَمِنْ سُنَّةِ اللهِ تعالى في خَلْقِهِ أَنَّهُ إِذَا اسْتَقَامَ العَبْدُ على أَمْرٍ وَوَاظَبَ عَلَيْهِ وَشَبَّ عَلَيْهِ، فَإِنَّ اللهَ جَلَّ جَلَالُهُ يُعِينُهُ على إِكْمَالِ ذَلِكَ حَتَّى يَمُوتَ على مَا عَاشَ عَليْهِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ أَشَادَ الإِسْلَامُ بِالشَّبَابِ وَحَثَّهُمْ على الاسْتِقَامَةِ، وَرَغَّبَهُمْ بِأَسْبَابِ النَّجَاةِ وَالسَّعَادَةِ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ ـ وَعَدَّ مِنْهُمْ ـ وَشَابٌّ نَشَأَ بِعِبَادَةِ اللهِ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

إِذَا نَشَأَ الشَّابُّ في عِبَادَةِ اللهِ تعالى كَانَ أُسْوَةً يُقْتَدَى بِهِ، وَكُلَّمَا قَوِيَ نَشَاطُ الشَّابِّ في طَاعَةِ اللهِ تعالى، وَكَثُرَ المُقْتَدُونَ بِهِ، كُلَّمَا كَثُرَ الخَيْرُ في المُجْتَمَعِ، وَقَلَّ الشَّرُّ، وَشَاعَتِ الفَضَائِلُ، وَاخْتَفَتِ الرَّذَائِلُ.

وَأَنَا ثُلُثُ الإِسْلَامِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ شَبَابَنَا اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى قُدْوَةٍ صَالِحَةٍ مِنْ شَبَابِ سَلَفِ هَذِهِ الأُمَّةِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا حُجَّةً على شَبَابِ جَمِيعِ العُصُورِ وَالدُّهُورِ.

هَذَا سَيِّدُنَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الذي بَلَغَ مِنَ العُمُرِ السَّابِعَةَ عَـشَرَ، كَانَ شَابَّاً رَيَّانَ الشَّبَابِ، رَقِيقَ العَاطِفَةِ، عَظِيمَ البِرِّ بِوَالِدَيْهِ، شَدِيدَ الحُبِّ لِأُمِّهِ خَاصَّةً، كَانَ مَعَ شَبَابِهِ يَمْتَازُ بِرَجَاحَةِ عُقُولِ الكُهُولِ، وَحِكْمَةِ الشُّيُوخِ.

مَا كَانَ مُتَعَلِّقَاً بِاللَّهْوِ وَاتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ، كَانَ يَصْرِفُ هَمَّهُ لِبَرْيِ السِّهَامِ، وَإِصْلَاحِ القِسِيِّ ـ جَمْعُ قَوْسٍ ـ ، وَالتَّمَرُّسِ بِالرِّمَايَةِ، حَتَّى لَكَأَنَّهُ يُعِدُّ نَفْسَهُ لِأَمْرٍ عَظِيمٍ، لَقَدْ كَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ يُؤْلِمُهُ مَا عَلَيْهِ حَالُ قَوْمِهِ مِنْ فَسَادِ العَقِيدَةِ وَسُوءِ الحَالِ، وَكَأَنَّهُ كَانَ يَتَطَلَّعُ وَهُوَ في رَيْعَانِ شَبَابِهِ إلى يَدٍ قَوِيَّةٍ حَازِمَةٍ حَانِيَةٍ لِتَنْتَشِلَ قَوْمَهُ مِمَّا يَتَخَبَّطُونَ فِيهِ منْ ظُلُمَاتٍ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَشَاءَ اللهُ تعالى أَنْ يُكْرِمَ الإِنْسَانِيَّةَ بِهَذِهِ اليَدِ الحَانِيَةِ الحَازِمَةِ القَوِيَّةِ، بِيَدِ سَيِّدِ الخَلْقِ وَحَبِيبِ الحَقِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِتَنْتَشِلَ هَذِهِ البَشَرِيَّةَ بِنُورِ النُّبُوَّةِ وَنُورِ الرِّسَالَةِ، وَكَانَ مِمَّنْ أَسْرَعَ للاسْتِجَابَةِ لِهَذِهِ الدَّعْوَةِ دَعْوَةِ الهُدَى وَالحَقِّ سَيِّدُنَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، حَيْثُ كَانَ ثَالِثَ ثَلَاثَةٍ أَسْلَمُوا، وَلِذَا كَانَ يَفْتَخِرُ بِنِعْمَةِ اللهِ تعالى عَلَيْهِ، وَيُحَدِّثُ بِهَا لِجَمِيعِ شَبَابِ الأُمَّةِ إلى قِيَامِ السَّاعَةِ، فَكَانَ يَقُولُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: مَا أَسْلَمَ أَحَدٌ فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَسْلَمْتُ فِيهِ، وَلَقَدْ مَكَثْتُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَإِنِّي لَثُلُثُ الْإِسْلَامِ. رواه ابن ماجه.

وَيَقُولُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: رَأَيْتُ فِيَ الْـمَنَامِ قَبْلَ أَنْ أُسْلِمَ بِثَلَاثٍ، كَأَنِّي فِي ظُلْمَةٍ لَا أُبْـصِرُ شَيْئَاً، إِذْ أَضَاءَ لِي قَمَرٌ، فَاتَّبَعْتُهُ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَنْ سَبَقَنِي إِلَى ذَلِكَ الْقَمَرَ، فَأَنْظُرُ إِلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَإِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَإِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَكَأَنِّي أَسْأَلُهُمْ مَتَى انْتَهَيْنَا إِلَى هَهُنَا، قَالُوا: السَّاعَةَ. كَذَا في المَنَامَاتِ لابْنِ أَبِي الدُّنْيَا وَتَارِيخ دمشق لابْنِ عَسَاكِرَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ.

وَيَقُولُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو إلى الإِسْلَامِ مُسْتَخْفِيَاً فَلَقِيتُهُ في شِعْبِ أَجْيَادٍ وَقَدْ صَلَّى العَصْرَ؛ فَقُلْتُ: إِلَامَ تَدْعُو؟

قَالَ: لِتَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ.

قُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللهُ، وَأَنَّكَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ؛ فَمَا تَقَدَّمَنِي أَحَدٌ إِلَّا هُمْ. رواه ابْنُ عَسَاكِرَ.

كَرِيمُ النَّسَبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: فَرِحَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَرَحَاً شَدِيدَاً بِإِسْلَامِ سَيِّدِنَا سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَخَاصَّةً أَنَّ سَيِّدَنَا سَعْدَاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَرِيمُ النَّسَبِ، فَهُوَ مِنْ بَنِي زُهرَةَ، وَبَنُو زُهرَةَ أَهْلُ السَّيِّدَةِ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ أُمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

بَلْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَعْتَزُّ وَيَفْتَخِرُ بِهَذِهِ الخُؤُولَةِ، روى الحاكم عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا جُلُوسَاً عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا خَالِي، فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَهُ».

المِحْنَةُ القَاسِيَةُ لِسَيِدِنَا سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ جَرَتْ سُنَّةُ اللهِ تعالى في خَلْقِهِ أَنْ يَخْتَبِرَ أَهْلَ الإِيمَانِ وَيَمْتَحِنَهُمْ، لِيُظْهِرَ للنَّاسِ صِدْقَ إِيمَانِهِمْ، قَالَ تعالى: ﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾.

أَسْلَمَ سَيِّدُنَا سَعْدٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ إِسْلَامُهُ سَهْلَاً هَيِّنَاً، إِنَّمَا عَرَّضَهُ لِتَجْرُبَةٍ مِنْ أَقْسَى التَّجَارُبِ وَأَعْنَفِهَا ، حَتَّى إِنَّهُ بَلَغَ مِنْ قَسْوَتِهَا وَعُنْفِهَا أَنْ أَنْزَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتعالى في شَأْنِهَا قُرْآنَاً يُتْلَى إلى قِيَامِ السَّاعَةِ.

روى الإمام مسلم عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ نَزَلَتْ فِيهِ آيَاتٌ مِنَ الْقُرْآنِ قَالَ: حَلَفَتْ أُمُّ سَعْدٍ أَنْ لَا تُكَلِّمَهُ أَبَدَاً حَتَّى يَكْفُرَ بِدِينِهِ، وَلَا تَأْكُلَ وَلَا تَشْرَبَ.

قَالَتْ: زَعَمْتَ أَنَّ اللهَ وَصَّاكَ بِوَالِدَيْكَ، وَأَنَا أُمُّكَ، وَأَنَا آمُرُكَ بِهَذَا.

قَالَ: مَكَثَتْ ثَلَاثَاً حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهَا مِنَ الْجَهْدِ، فَقَامَ ابْنٌ لَهَا يُقَالُ لَهُ عُمَارَةُ، فَسَقَاهَا، فَجَعَلَتْ تَدْعُو عَلَى سَعْدٍ.

فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُـشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفَاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.

وفي رِوَايَةٍ لابْنِ عَسَاكِرَ قَالَ سَعْدٌ: يَا أُمَّهُ، إِنِّي لَا أَدَعُ دِينِي هَذَا لِشَيْءٍ.

قَالَ: فَمَكَثَتْ يَوْمَاً لَا تَأْكُلُ وَلَا تَشْرَبُ وَلَيْلَةً؛ وَأَصْبَحَتْ قَدْ جَهِدَتْ؛ فَمَكَثَتْ يَوْمَاً آخَرَ وَلَيْلَةً لَا تَأْكُلُ فَأَصْبَحَتْ وَاشْتَدَّ جُهْدُهَا.

قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ قُلْتُ: يَا أُمَّهُ، تَعْلَمِينَ وَاللهِ يَا أُمَّهُ لَوْ كَانَتْ لَكِ مِائَةُ نَفْسٍ فَخَرَجَتْ نَفْسَاً نَفْسَاً مَا تَرَكْتُ هَذَا لِشَيْءٍ، إِنْ شِئْتَ فَكُلِي وَإِنْ شِئْتِ فَلَا تَأْكُلِي؛ فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ أَكَلَتْ؛ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: شَبَابُ الأُمَّةِ هُمْ عِمَادُهَا في المُسْتَقْبَلِ، وَلَنْ يَكُونُوا كَذَلِكَ إلا إِذَا اتَّخَذُوا مِنْ سِيرَةِ السَّلَفِ الصَّالِحِ أُسْوَةً لَهُمْ وَقُدْوَةً، كَسَيِّدِنَا سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ.

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدَّاً جَمِيلَاً. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 6/ ذو الحجة /1437هـ، الموافق: 7/أيلول / 2016م