142- نحو أسرة مسلمة: من أسباب المشاكل في الحياة الزوجية

نحو أسرة مسلمة

142-من أسباب المشاكل في الحياة الزوجية

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ جَاءَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الدِّينِ العَظِيمِ الحَنِيفِ، الذي كَانَ نِظَامَاً كَامِلَاً، وَمِنْهَاجَاً شَامِلَاً، لَمْ يَتْرُكْ جَانِبَاً مِنْ جَوَانِبِ الحَيَاةِ إلا تَوَلَّاهُ بِالعِنَايَةِ وَالرِّعَايَةِ، فَنَظَّمَ عَلَاقَةَ العَبْدِ بِرَبِّهِ، وَعَلَاقَتَهُ بِنَفْسِهِ وَأُسْرَتِهِ، وَبِالآخَرِينَ مِنْ حَوْلِهِ؛ سَعَى لِتَحْقِيقِ المَوَدَّةِ وَالإِخَاءِ بَيْنَ أَبْنَاءِ المُجْتَمَعِ، وَأَزْكَى رَوَابِطَ العَطْفِ وَالتَّرَاحُمِ، وَقَوَّى أَوَاصِرَ الأُخُوَّةِ وَوَشَائِجَ المَحَبَّةِ بَيْنَ المُسْلِمِينَ، لتَتَحَقَّقَ الخَيْرِيَّةُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ، وَيَعُمَّ الخَيْرُ وَالصَّلَاحُ جَوَانِبَ الحَيَاةِ وَأَنْظِمَةَ المُجْتَمَعِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ أَهَمِّ الجَوَانِبِ التي أَوْلَاهَا الشَّرْعُ الحَنِيفُ اهْتِمَامَاً بَلِيغَاً، وَعِنَايَةً فَائِقَةً، الجَانِبُ المُتَعَلِّقُ بِالأُسْرَةِ، وَمَا ذَاكَ إلا لِأَنَّهَا نَوَاةُ المُجْتَمَعِ، وَالقَاعِدَةُ الصُّلْبَةُ، وَالأَرْضُ الخَصْبَةُ، لِتَنْشِئَةِ الأَجْيَالِ وَتَرْبِيَةِ الرِّجَالِ، هِيَ الخَلِيَّةُ التي إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَتِ الأُمَّةُ كُلُّهَا، وَإِذَا تَصَدَّعَ بُنْيَانُهَا، وَتَزَعْزَعَتْ أَرْكَانُهَا، وَسَادَ فِيهَا الشِّقَاقُ وَالنِّزَاعُ، تَحَدَّرَتِ الأُمَّةُ إلى أَوْدِيَةٍ سَحِيقَةٍ مِنَ الخَرَابِ وَالضَّيَاعِ، وَأَفْرَزَتْ أَجْيَالَاً لَا تَعْرِفُ هَدَفَاً، وَلَا تَسْمُو لِغَايَةٍ، وَلَا تُقَدِّمُ لِمُجْتَمَعِهَا نَفْعَاً وَلَا خَيْرَاً وَلَا إصْلَاحَاً.

الإِكْرَاهُ على الزَّوَاجِ بِمَنْ لَا يُرْغَب فِيهِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: بُيُوتُ المُسْلِمِينَ اليَوْمَ تَعُجُّ بِالمَشَاكِلِ وَالخِلَافَاتِ، وَقَلَّمَا أَنْ تَجِدَ بَيْتَاً لَا تُوجَدُ فِيهِ خِلَافَاتٌ تُهَدِّدُ البَيْتَ بِالخَرَابِ وَالزَّوَالِ، وَمَا ذَاكَ إلا بِسَبَبِ الإِعْرَاضِ عَنْ نَهْجِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.

وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى».

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟

قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

فَطَاعَة اللهِ تعالى، وَطَاعَةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَبَبٌ لِدُخُولِ جَنَّةِ الدُّنْيَا بِالحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ، وَلِدُخُولِ جَنَّةِ الآخِرَةِ التي فِيهَا الفَوْزُ العَظِيمُ الكَبِيرُ المُبِينُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ أَسْبَابِ المَشَاكِلِ وَالاضْطِرَابِ في الحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ، إِكْرَاهُ الزَّوْجِ على الزَّوَاجِ مِمَّنْ لَا يَرْغَبُ بِهَا، وَإِكْرَاهُ الزَّوْجَةِ على الزَّوَاجِ بِمَنْ لَا تُرِيدُهُ وَلَا تَرْغَبُ فِيهِ.

إِنَّ الإِكْرَاهَ على الزَّوَاجِ مِمَّنْ لَا يُحِبُّهُ الآخَرُ ضَرْبٌ مِنَ الخَطَأِ بَيِّنٌ، إِنَّ العَشِيرَ إِذَا عَاشَرَ مَنْ لَا يُحِبُّ عِشْرَتَهُ فَإِنَّهُ نَافِرٌ عَنْهُ مِنْ أَوَّلِ لَحْظَةٍ، وَلَا يُمْكِنُ لِبَيْتٍ أَنْ يَقُومَ وَقَدْ وُجِدَتِ النَّفْرَةُ بَيْنَ الزَّوْجِ وَزَوْجَتِهِ، لَا يُمْكِنُ أَنْ تَسْتَقِيمَ بُيُوتُ الزَّوْجِيَّةِ وَالرَّجُلُ كَارِهٌ لِزَوْجَتِهِ، أَوِ المَرْأَةُ كَارِهَةٌ لِزَوْجِهَا.

يَا وَلِيَّ الشَّابِّ وَالشَّابَّةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَجِبُ على وَلِيِّ الشَّابِّ وَالشَّابَّةِ أَنْ يَتَّقِيَا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمَا، فَلَا يُزَوَّجُ الشَّابُّ إلا بِرِضَاهُ، وَلَا تُزَوَّجُ الشَّابَّةُ إلا بِرِضَاهَا، فَإِذَ اعْتَرَضَ أَحَدُهُمَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْتَعْجِلَ الوَلِيُّ في الإِلْزَامِ وَالإِكْرَاهِ، عَلَيْهِ أَنْ يَسْمَعَ السَّبَبَ وَالعُذْرَ، فَإِنْ كَان السَّبَبُ مَقْبُولَاً شَرْعَاً فَلَا يَسَعُ الوَلِيَّ إلا الالْتِزَامُ لِرَغْبَتِهِ وَلِرَغْبَتِهَا، وَأَمَّا إِذَا كَانَ السَّبَبُ أَو العُذْرُ غَيْرَ مَقْبُولٍ شَرعَاً فَعَلَيْهِ بِالإِحْسَانِ في المُعَامَلَةِ حَتَّى يُقْنِعَهُ وَيُقْنِعَهَا.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ الإِكْرَاهَ على الزَّوَاجِ كَثِيرَاً مَا يَقَعُ على الفَتَاةِ دُونَ الشَّابِّ بِشَكْلٍ عَامٍّ، وَلِهَذَا رَأَيْنَا سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ وَلِيَّ الفَتَاةِ بِقَولِهِ: «لَا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ البِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ».

قَالُوا: كَيْفَ إِذْنُهَا؟

قَالَ: «أَنْ تَسْكُتَ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ، وَإِذْنُهَا سُكُوتُهَا» رواه الإمام مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: البُيُوتُ لَا تَسْتَقِيمُ بِالقَهْرِ، وَالمَرْأَةُ في شَرْعِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مُعَزَّزَةٌ مُكَرَّمَةٌ، وَقَدْ أَعْطَاهَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ الحَقَّ في اخْتِيَارِ الزَّوْجِ، فَلَيْسَ في الشَّرْعِ إِكْرَاهٌ وَلَا إِلْزَامٌ، لَا بُدَّ مِنْ أَخْذِ الرَّأْيِ في الزَّوَاجِ، فَإِنْ كَانَتْ بِكْرَاً فَعَلَامَةُ رِضَاهَا أَن تَسْكُتَ، أَو تَبْتَسِمَ، أَو قَدْ تَدْمَعُ عَيْنَاهَا مِنَ الفَرَحِ؛ هَذَا إِذَا كَانَتْ بِكْرَاً.

أَمَّا بِالنِّسْبَةِ للثَّيِّبِ فَلَا يَنْفَعُ في اسْتِئْذَانِهَا سُكُوتٌ، وَلَا ابْتِسَامَةٌ، وَلَا بُكَاءٌ، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ التَّصْرِيحِ، لِأَنَّ الزَّوَاجَ مِنْ أَهَمِّ وَأَدَقِّ قَضَايَا المَرْأَةِ في حَيَاتِهَا، وَأَمَسِّهَا بِمُسْتَقْبَلِهَا، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهَا رَأْيٌ فَاصِلٌ في قَضِيَّتِهَا وَحَيَاتِهَا الشَّخْصِيَّةِ، وَفِي مُسْتَقْبَلِ أَيَّامِهَا، فَلَا تُكْرَهُ على أَمْرٍ يَخُصُّهَا، وَهَذَا يَدُلُّ دِلَالَةً عَظِيمَةً على احْتِرَامِ الإِسْلَامِ لِرَأْيِ المَرْأَةِ، فَهِيَ لَيْسَتْ سِلْعَةً تُبَاعُ أَوْ تُشْتْرَى وَلَا رَأْيَ لَهَا.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا أَرَدْتُمْ تَقْلِيلَ المَشَاكِلِ في الحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ، فَعَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ بِطَاعَةِ اللهِ تعالى  وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِشَكْلٍ عَامٍّ، وَفِي الحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ بِشَكْلٍ خَاصٍّ.

فَالإِسْلَامُ أَعْطَى المَرْأَةَ حَقَّ الاخْتِيَارِ في اخْتِيَارِ شَرِيكِ حَيَاتِهَا، في زَمَنٍ كَانَ حَقُّ المَرْأَةِ تَحْتَ الأَقْدَامِ، فَالإِسْلَامُ سَبَقَ الشَّرْقَ وَالغَرْبَ، وَسَبَقَ أَدْعِيَاءَ الحَضَارَةِ وَالتَّقَدُّمِ في إِعْطَاءِ المَرْأَةِ حَقَّهَا، المَرْأَةُ المُسْلِمَةُ مُكَرَّمَةٌ، فَلَا تُقْهَرُ على مَا لَا تَرْضَى، روى النسائي والإمام أحمد وابن ماجه عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ فَتَاةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بِي خَسِيسَتَهُ وَأَنَا كَارِهَةٌ، قَالَتْ: اجْلِسِي حَتَّى يَأْتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْهُ؛ فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِيهَا فَدَعَاهُ، فَجَعَلَ الْأَمْرَ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِي، وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَعْلَمَ أَلِلنِّسَاءِ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: صَحِيحٌ أَنَّ المَرْأَةَ في شَرْعِنَا الحَنِيفِ لَا تُزَوِّجُ نَفْسَهَا فَضْلَاً عَنْ أَنْ تُزَوِّجَ غَيْرَهَا، لِمَا رواه ابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُزَوِّجُ الْـمَرْأَةُ الْـمَرْأَةَ، وَلَا تُزَوِّجُ الْـمَرْأَةُ نَفْسَهَا، فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا».

فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُوَافِقَ الوَلِيُّ على تَزْوِيجِهَا، فَإِذَا لَمْ تَتَوَافَقِ الإِرَادَتَانِ، عِنْدَ ذَلِكَ تَرْفَعُ المَرأَةُ أَمْرَهَا إلى القَاضِي لِيَنْظُرَ في شَأْنِهَا، وَهُوَ يَتَوَلَّى عَقْدَهَا إِنْ ثَبَتَ أَنَّ وَلِيَّهَا كَانَ على خَطَأٍ.

اللَّهُمَّ أَرِنَا الحَقَّ حَقَّاً وَارْزُقْنَا اتِّبَاعَهُ وَحَبِّبْنَا فِيهِ، وَأَرِنَا البَاطِلَ بَاطِلَاً وَأَلْهِمْنَا اجْتِنَابَهُ وَكَرِّهْنَا فِيهِ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 23/ ذو الحجة /1437هـ، الموافق: 25/ أيلول / 2016م