77ـمع الصحابة وآل البيت: التناصح من سمات الأتقياء

 

مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

77ـ التناصح من سمات الأتقياء

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: النَّصِيحَةُ مَعْلَمٌ بَارِزٌ مِن مَعَالِمِ العَالَمِ الإِسْلَامِيِّ، وَهِيَ مِنْ أَسَاسيَّاتِ الأُخُوَّةِ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ، جَعَلَهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رُكْنَاً مِنْ أَرْكَانِ الأُخُوَّةِ في دِينِ اللهِ تعالى، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في حَقِّ المُسْلِمِ على أَخِيهِ: «وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

بَلْ جَعَلَهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رُكْنَاً مِنْ أَرْكَانِ بَيْعَتِهِ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، روى الإمام البخاري عَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: في هَذِهِ الآوِنَةِ بَعْضُ النَّاسِ يَنْظُرُونَ إلى النَّصِيحَةِ تَعَدِّيَاً على الحُرِّيَّةِ الشَّخْصِيَّةِ، وَبَعْضُهُمْ يَرَى النَّصِيحَةَ عَيْبَاً وَنَقْصَاً وَتَدَخُّلَاً في شُؤُونِ الآخَرِينَ، وَبَعْضُهُمْ يَسْتَحْيِي مِنْ تَقْدِيمِ النَّصِيحَةِ، حَتَّى صَارَ الشِّعَارُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الخَلْقِ: مَا لَنَا وَلِلآخَرِينَ، كُلُّ وَاحِدٍ مَسْؤُولٌ عَنْ نَفْسِهِ.

عِنْدَمَا كَانَ الكَثِيرُ مِنَ النَّاسِ يَنْظُرُونَ إلى النَّصِيحَةِ بِهَذَا المِنْظَارِ حَلَّتِ الخَسَارَةُ عَلَيْهِمْ مَعَ الشَّقَاءِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾.

يَقُولُ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: لَوْ تَدَبَّرَ النَّاسُ هَذِهِ السُّورَةَ لَوَسِعَتْهُمْ؛ وَيَقُولُ: لَوْ لَمْ يَنْزِلْ إِلَى النَّاسِ إِلَّا هِيَ لَكَفَتْهُمْ.

التَّنَاصُحُ مِنْ سِمَاتِ المُؤْمِنِينَ الأَتْقِيَاءِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: التَّنَاصُحُ مِنْ سِمَاتِ المُؤْمِنِينَ الأَتْقِيَاءِ، يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَالْـمُؤْمِنُونَ وَالْـمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنْكَرِ﴾.

وَالمُنَافِقُونَ على نَقِيضِ ذَلِكَ، قَالَ تعالى:  ﴿الْـمُنَافِقُونَ وَالْـمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْـمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْـمَعْرُوفِ﴾.

روى البيهقي عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْـمُؤْمِنُونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ نَصَحَةٌ مُوَادُّونَ، وَإِنِ افْتَرَقَتْ مَنَازِلُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ، والْفَجَرَةُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ غَشَشَةٌ، فَيَتَجَادَلُونَ وَإِنِ اجْتَمَعَتْ مَنَازِلُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ».

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: النَّصِيحَةُ لَا تُتْرَكُ أَبَدَاً، وَمَهْمَا عَلَتْ مَرْتَبَةُ الإِنْسَانِ فَهُوَ بِحَاجَةٍ إلى نُصْحٍ وَتَذْكِيرٍ، وَكَيْفَ لَا يَكُونُ هَذَا، وَقَدْ قَالَ اللهُ تعالى لِسَيِّدِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَلِسَيِّدِ الأَتْقِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ﴾ . فَإِذَا كَانَ هَذَا في حَقِّ المَعْصُومِ، فَغَيْرُهُ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَأَوْلَى، وَخَاصَّةً مِنْ أَصْحَابِ الشَّأْنِ، وَمِمَّنْ يُشَارُ إِلَيْهِمْ بِالبَنَانِ، وَمِمَّنْ لَهُ سِمَاتُ التَّقْوَى وَالصَّلَاحِ.

وَهَذَا مَا رَبَّى عَلَيْهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَحَابَتَهُ وَآلَ بَيْتِهِ الأَطْهَارَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ جَمِيعَاً، فَكَانُوا مُتَنَاصِحِينَ مَعَ اسْتِقَامَتِهِمْ، وَمَعَ تَقْوَاهُمْ وَمَزَايَاهُمْ وَخُصُوصِيَّاتِهِمْ بِشَهَادَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَضَائِلُ سَيِّدِنَا سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: سَيِّدُنَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ هُوَ أَحَدُ الصَّحَابَةِ العَشَرَةِ المُبَشَّرِينَ بِالجَنَّةِ، وَالمُقَرَّبِينَ عِنْدَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمِمَّنْ حَازَ على خُصُوصِيَّاتٍ وَشَهَادَاتٍ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، مِنْهَا:

مَا رواه الإمام مسلم عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ لَهُ أَبَوَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْـمُشْرِكِينَ قَدْ أَحْرَقَ الْـمُسْلِمِينَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي».

قَالَ: فَنَزَعْتُ لَهُ بِسَهْمٍ لَيْسَ فِيهِ نَصْلٌ، فَأَصَبْتُ جَنْبَهُ فَسَقَطَ، فَانْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ؛ فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى نَوَاجِذِهِ.

وَكَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَتَحَدَّثُ بِهَذِهِ المَزِيَّةِ فَيَقُولُ: لَقَدْ جَمَعَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَبَوَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ. رواه الشيخان.

وَمِنْهَا مَا رواه الإمام البخاري عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَا أَسْلَمَ أَحَدٌ إِلَّا فِي اليَوْمِ الَّذِي أَسْلَمْتُ فِيهِ، وَلَقَدْ مَكَثْتُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَإِنِّي لَثُلُثُ الإِسْلاَمِ.

وَمِنْهَا مَا رواه الشيخان عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: أَرِقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَقَالَ: «لَيْتَ رَجُلَاً صَالِحَاً مِنْ أَصْحَابِي يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ».

قَالَتْ: وَسَمِعْنَا صَوْتَ السِّلَاحِ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ هَذَا؟».

قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، جِئْتُ أَحْرُسُكَ.

قَالَتْ عَائِشَةُ: فَنَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ.

وَمِنْهَا مَا رواه الترمذي عَنْ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ لِسَعْدٍ إِذَا دَعَاكَ».

وَمِنْهَا مَا رواه الحاكم والترمذي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَقْبَلَ سَعْدٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا خَالِي، فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَهُ».

وَمِنْهَا مَا رواه ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ قَيْسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقُوا دَعَوَاتِ سَعْدٍ».

وَمِنْهَا مَا رواه الإمام أحمد في فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَأْسُ أَبِي فِي حِجْرِي وَهُوَ يَقْضِي، فَبَكَيْتُ فَدَمَعَتْ عَيْنِي عَلَيْهِ؛ فَنَظَرَ إِلَيَّ فَقَالَ: «مَا يُبْكِيكَ أَيْ بُنَيَّ؟».

قُلْتُ: لِمَكَانِكَ، وَمَا أَرَى بِكَ؟

قَالَ: فَلَا تَبْكِ عَلَيَّ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُعَذِّبُنِي أَبَدَاً، وَإِنِّي لَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُدِينُ الْـمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِحَسَنَاتِهِمْ؛ وَأَمَّا الْكَافِرُونَ، فَيُخَفِّفُ عَنْهُمْ بِحَسَنَاتِهِمْ مَا عَمِلُوا للهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِذَا نَفِدَتْ قَالَ: لِيَطْلُبْ كُلُّ عَامَلٍ ثَوَابَ عَمَلِهِ مِمَّنْ عَمِلَ لَهُ.

وَمِنْهَا مَا رواه الترمذي عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «عَشَرَةٌ فِي الجَنَّةِ: أَبُو بَكْرٍ فِي الجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ وَطَلْحَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ».

قَالَ: فَعَدَّ هَؤُلَاءِ التِّسْعَةَ وَسَكَتَ عَنِ العَاشِرِ.

فَقَالَ القَوْمُ: نَنْشُدُكَ اللهَ يَا أَبَا الأَعْوَرِ مَنِ العَاشِرُ؟

قَالَ: نَشَدْتُمُونِي بِاللهِ، أَبُو الأَعْوَرِ فِي الجَنَّةِ».

 

نَصيحَةُ سَيِّدِنَا عُمَرَ لسَيِّدِنَا سَعْدِ بْنِ أَبي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَعَ هَذِهِ الخُصُوصِيَّاتِ التي كَانَتْ لسَيِّدِنَا سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَدْ كَانَ يُنْصَحُ مِنْ قِبَلِ غَيْرِهِ، وَكَانَ يَقْبَلُ النُّصْحَ، لِأَنَّ هَذَا مِنْ شَأْنِ العُقَلَاءِ الكُمَّلِ، فَهَذَا سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَنْصَحُ سَيِدَنَا سَعْدَاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أولاً: جَاءَ في البَدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ: أَنَّ سَيِّدَنَا عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ أَرْسَلَ إِلَى سَعْدٍ فَأَمَّرَهُ عَلَى العِرَاقِ وَأَوْصَاهُ فَقَالَ: يَا سَعْدُ بْنَ وُهَيْبٍ، لَا يَغُرَّنَّكَ مِنَ اللهِ أَنْ قِيلَ: خَالُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبُهُ، فَإِنَّ اللهَ لَا يَمْحُو السَّيِّئَ بِالسَّيِّئِ، وَلَكِنْ يَمْحُو السَّيِّئَ بِالْحَسَنِ، وَإِنَّ اللهَ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدٍ نَسَبٌ إِلَّا بِطَاعَتِهِ، فَالنَّاسُ شَرِيفُهُمْ وَوَضِيعُهُمْ فِي ذَاتِ اللهِ سَوَاءٌ، اللهُ رَبُّهُمْ وَهُمْ عِبَادُهُ، يَتَفَاضَلُونَ بِالْعَافِيَةِ وَيُدْرِكُونَ مَا عِنْدَ اللهِ بِالطَّاعَةِ، فَانْظُرِ الْأَمْرَ الَّذِي رَأَيْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ بُعِثَ إلى أَنْ فَارَقَنَا عَلَيْهِ فَالْزَمْهُ، فَإِنَّهُ الْأَمْرُ؛ هَذِهِ عِظَتِي إِيَّاكَ، إِنْ تَرَكْتَهَا وَرَغِبْتَ عَنْهَا حَبِطَ عَمَلُكَ وَكُنْتَ مِنَ الْخَاسِرِينَ.

ثانياً: جَاءَ في مَوَارِدِ الظَّمْآنِ: كَتَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إلى أَمِيرِ جَيْشِهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي آمُرُكَ وَمَنْ مَعَكَ من الأَجْنَادِ بِتَقْوَى اللهِ على كُلِّ حَالٍ، فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ أَفْضَلُ العُدَّةِ على العَدُوِّ، وَأَقْوَى المَكِيدَةِ في الحَرْبِ، وَآمُرُكَ وَمَنْ مَعَكَ أَنْ تَكُونُوا أَشَدَّ احْتِرَاسَاً من المَعَاصِي مِنْكُم مِن عَدُوِّكُم، فَإِنَّ ذُنُوبَ الجَيْشِ أَخْوَفُ عَلَيْهِم من عَدُوِّهِم.

وَإِنَّمَا يُنْصَرُ المُسْلِمُونَ بِمَعْصِيَةِ عَدُوِّهِم للهِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ لَنَا بِهِم قُوَّةٌ، لِأَنَّ عَدَدَنَا لَيْسَ كَعَدَدِهِم، وَلَا عُدَّتَنَا كَعُدَّتِهِم، فَإِذَا اسْتَوَيْنَا في المَعْصِيَةِ كَانَ لَهُمُ الفَضْلُ عَلَيْنَا في القُوَّةِ، وَإِنَّا لا نُنْصَرْ عَلَيْهِم بِفَضْلِنَا، وَلَمْ نَغْلِبْهُم بِقُوَّتِنَا.

وَاعْلَمُوا أَنَّ عَلَيْكُم في سَيْرِكِم حَفَظَةً من اللهِ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ، فَاسْتَحْيُوا مِنْهُم، ولا تَعْمَلُوا بِمَعَاصِي اللهِ وَأَنْتُم في سَبِيلِ اللهِ، وَلا تَقُولُوا إِنَّ عَدُوَّنَا شَرٌّ مِنَّا، فَلَنْ يُسَلَّطَ عَلَيْنَا، فَرُبَّ قَوْمٍ سُلِّطَ عَلَيْهِم شَرٌّ مِنْهُم، كَمَا سُلِّطَ على بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا عَمِلُوا بِمَسَاخِطِ اللهِ كُفَّارُ المَجُوسِ، فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ، وَكَانَ وَعْدَاً مَفْعُولَاً، وَاسْأَلُوا اللهَ العَوْنَ على أَنْفُسِكُم، كَمَا تَسْأَلُونَهُ النَّصْرَ على عَدُوِّكُم.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنُحَاسِبْ أَنْفُسَنَا بِصِدْقٍ، وَلْنَقِفْ وِقْفَةَ صِدْقٍ مَعَ أَنْفُسِنَا، هَلْ نُحِبُّ النَّاصِحِينَ أَمِ المَادِحِينَ؟

إِنَّهَا لَقَضِيَّةٌ خَطِيرَةٌ وَخَطِيرَةٌ جِدَّاً، إِذَا كَانَ الوَاحِدُ مِنَّا يُحِبُّ المَادِحَ لَا النَّاصِحَ، وَلِهَذَا أَكْثَرُ مَا قَالَ الأَنْبِيَاءُ لِأَقْوَامِهِمْ: ﴿وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ﴾.

فَالحَذَرَ الحَذَرَ مِنْ أَنْ نَكُونَ مِمَّنْ لَا يُحِبُّ النَّاصِحِينَ، لِأَنَّ اللهَ تعالى ذَمَّ أَقْوَامَاً فَقَالَ مُخْبِرَاً سُوءَ مَقَالَتِهِمْ: ﴿قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ * إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ * وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾.

في الخِتَامِ، روى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ في تَارِيخِ المَدِينَةِ عَنِ الْحَسَنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: اتَّقِ اللهَ يَا أَمِيرَ الْـمُؤْمِنِينَ، فَوَاللهِ مَا الْأَمْرُ كَمَا قُلْتَ.

قَالَ: فَأَقْبَلُوا عَلَى الرَّجُلِ فَقَالُوا: لَا تَأْلِتْ أَمِيرَ الْـمُؤْمِنِينَ (أَيْ:لَا تَنْتَقِصْ).

فَلَمَّا رَآهُمْ أَقْبَلُوا عَلَى الرَّجُلِ قَالَ: دَعُوهُمْ، فَلَا خَيْرَ فِيهِمْ إِذَا لَمْ يَقُولُوهَا لَنَا، وَلَا خَيْرَ فِينَا إِذَا لَمْ تُقَلْ لَنَا.

اللَّهُمَّ أَلْحِقْنَا بِعِبَادِكَ الصَّالِحِينَ. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 13/ محرم /1438هـ، الموافق: 14/تشرين الأول / 2016م