47-دروس رمضانية 1437هـ:الاستغفار بعد الطاعات

.

دروس رمضانية 1437هـ

47ـ الاستغفار بعد الطاعات

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ، ولِكُلِّ قَوْلٍ وَفِعْلٍ وَنِيَّةٍ حِسَابٌ، وَهَذِهِ الأَيَّامُ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا إلى فَنَاءٍ وَزَوَالٍ، وَعَوَاقِبُ النَّاسِ جَمِيعَاً إلى اللهِ تعالى المُبدِئِ المُعِيدِ، الذي كَانَتْ مِنْهُ البِدَايَةُ وَإِلَيْهِ النِّهَايَةُ.

هَذَا شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ يُوَدِّعُكُم، فَاحْمَدُوا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ الذي بَلَّغَكُمْ أَوَّلَهُ، وَأَشْهَدَكُمْ آخِرَهُ، وَاحْمَدُوا اللهَ تعالى الذي شَرَحَ صُدُورَكُم لِصِيَامِهِ وَقِيَامِهِ، فَكَمْ مِمَّنِ اسْتَقْبَلَهُ وَلَمْ يُكْمِلْ عِدَّتَهُ، وَكَمْ مِنْ مُشْتَاقٍ لَهُ وَلَكِنَّهُ مَا أَدْرَكَهُ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: إِنَّ مُرُورَ الأَيَّامِ وَانْقِضَاءَهَا يُذَكِّرُنَا بِانْقِضَاءِ الآجَالِ وَالأَعْمَالِ، وَيُعْلِمُنَا بِقُربِ الوُرُودِ على اللهِ تعالى؛ فَالعَاقِلُ هُوَ مَنْ لَا يَغْتَرُّ بِسَلَامَةِ دُنْيَاهُ، وَلَا يَغْتَرُّ بِالعَافِيَةِ، وَلَا يَغْتَرُّ إِنْ أَصْبَحَ آمِنَاً، وَلَا يَغتَرُّ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ وَشَهْرِهِ وَسَنَتِهِ، وَلَا يَغْتَرُّ بِشَبَابِهِ، وَلَا يَغْتَرُّ بِالنِّعَمِ التي أَسْبَغَهَا اللهُ تعالى عَلَيْهِ، بَلِ العَاقِلُ الذي شَحَذَ هِمَّتَهُ، وَأَشْبَعَ نَهْمَتَهُ بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ، وَاسْتَغَلَّ الفُرَصَ التي وَهَبَهُ اللهُ تعالى إِيَّاهَا، وَخَاصَّةً فُرصَةَ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَبَكَى على خَطِيئَتِهِ وَتَقْصِيرِهِ في جَنْبِ اللهِ تعالى، وَنَدِمَ على التَّفْرِيطِ في حِفْظِ مَا أَوْلَاهُ اللهُ تعالى.

الاسْتِغْفَارُ بَعْدَ الطَّاعَاتِ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَخْتِمَ جَمِيعَ أَعْمَالِنَا بِالاسْتِغْفَارِ، وَالسَّعِيدُ مَنْ خُتِمَ عُمُرُهُ بِالاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ، روى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْـمُؤْمِنُ وَاهٍ رَاقِعٌ، فَسَعِيدٌ مَنْ هَلَكَ عَلَى رَقْعِهِ».

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: الاسْتِغْفَارُ يَطْرُدُ الشُّعُورَ بِالكِبْرِ وَالزُّهُوَّ وَالإِعْجَابَ بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، لِأَنَّ النُّفُوسَ الأَمَّارَةَ بِالسُّوءِ مِنْ رُعُونَاتِهَا أَنْ تَزْهُوَ وَتَتَعَالَى بِالطَّاعَاتِ وَالقُرُبَاتِ، لِذَلِكَ كَانَ أَرْبَابُ البَصَائِرِ وَالعَارِفُونَ بِاللهِ تعالى، وَأَصْحَابُ العَزَائِمِ، وَمُجَاهِدُوا النُّفُوسِ أَشَدَّ مَا يَكُونُونَ اسْتِغْفَارَاً بَعْدَ القُرُبَاتِ، وَذَاكَ لِشُهُودِ التَّقْصِيرِ في هَذِهِ العِبَادَاتِ، وَتَرْكِ القِيَامِ بِهَا كَمَا يَلِيقُ بِجَلالِ اللهِ تعالى، وَلِتَذَوُّقِهِم: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: أَكْثِرُوا مِنَ الاسْتِغْفَارِ بَعْدَ أَدَاءِ الطَّاعَاتِ، لَعَلَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُكْرِمَنَا بِمَقَامِ أَهْلِ الإِحْسَانِ، الذينَ قَالَ اللهُ تعالى فِيهِمْ: ﴿إِنَّ الْـمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: أَكْثِرُوا مِنَ الاسْتِغْفَارِ بَعْدَ أَعْمَالِكُمُ الصَّالِحَةِ، هَذَا سَيِّدُنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ يَكْتُبُ إلى الأَمْصَارِ يَأْمُرُهُمْ بِخَتْمِ رَمَضَانَ بِالاسْتِغْفَارِ.

وَيُرْوَى عَنْ سَيِّدِنَا أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ قَالَ: الْغِيبَةُ تَخْرِقُ الصَّوْمَ، وَالِاسْتِغْفَارُ يُرَقِّعُهُ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَجِيءَ غَدَاً بِصَوْمِهِ مُرَقَّعَاً فَلْيَفْعَلْ. رواه البيهقي.

أَكْثِرُوا مِنَ الاسْتِغْفَارِ، وَأَكْثِرُوا مِنَ الشُّكْرِ كَذَلِكَ في خِتَامِ أَعْمَالِكُمُ الصَّالِحَةِ، وَخَاصَّةً الصِّيَامِ، قَالَ تعالى في خِتَامِ آيَةِ الصِّيَامِ: ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾. وَقَالَ: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾. وَقَالَ: ﴿وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: لِنَشْكُرِ اللهَ تعالى على إِتْمَامِ رَمَضَانَ، وعلى حُسْنِ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ، وعلى الصِّحَّةِ وَالعَافِيَةِ في الأَبْدَانِ، وعلى النِّعْمَةِ التي يُغْدِقُهَا عَلَيْنَا في سَائِرِ الأَحْيَانِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ أَمَرَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَخْتِمَ حَيَاتَهُ بِالاسْتِغْفَارِ، فَقَالَ تعالى: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجَاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابَاً﴾.

وَأَمَرَ الحُجَّاجَ أَنْ يَخْتِمُوا أَعْمَالَ حَجِّهِمْ بِالاسْتِغْفَارِ، فَقَالَ تعالى: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

وَأَمَرَ العِبَادَ بِخَتْمِ جَمِيعِ أَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ التي قَدَّمُوهَا بِالاسْتِغْفَارِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرَاً وَأَعْظَمَ أَجْرَاً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

فَالسَّعِيدُ مَنْ خُتِمَ عُمُرُهُ بِالاسْتِغْفَارِ، وَالشَّقِيُّ مَنْ حُرِمَ الاسْتِغْفَارَ وَالتَّوْبَةَ وَالإِنَابَةَ.

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا تَوْبَةً صَادِقَةً نَصُوحَاً، وَارْزُقْنَا الاسْتِغْفَارَ الحَقَّ. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

                      الأربعاء: 24/ رمضان /1437هـ، الموافق: 29/ حزيران / 2016م