67-مع الصحابة وآل البيت:كان ثم صار ببركة سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم

.

مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

67ـ كان ثم صار ببركة سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ دِرَاسَةَ حَيَاةِ الصَّحَابَةِ وَآلِ البَيْتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم ضَرُورِيَّةٌ بِالنِّسْبَةِ للإِنْسَانِ المُؤْمِنِ، لِأَنَّهُ يَتَعَلَّمُ مِنْهَا دُرُوسَاً عَمَلِيَّةً، بَلْ يَرَى فِيهِمُ الإِسْلَامَ الحَقِيقِيَّ الذي جَاءَ بِهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

لَقَدْ خَلَّدَ التَّارِيخُ ذِكْرَهُمْ وَجَعَلَهُمْ مَصَابِيحَ هُدَىً لِمَنْ أَرَادَ الهِدَايَةَ، خَلَّدَ التَّارِيخُ ذِكْرَهُمْ لِأَنَّهُمْ رَجَّحُوا الحَقَّ على البَاطِلِ، وَنَاصَرُوا الحَقَّ وَأَهْلَ الحَقِّ، بَعْدَ أَنْ شَرَحَ اللهُ تعالى صُدُورَهُمْ للإِسْلَامِ.

مِنْ هَؤُلَاءِ الذينَ خَلَّدَ التَّارِيخُ ذِكْرَهُمْ ابْنُ فِرْعَوْنَ هَذِهِ الأُمَّةِ، عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، هَذَا الصَّحَابِيُّ الجَلِيلُ الذي أَخْرَجَهُ اللهُ تعالى مِنَ المَيِّتِ، وَصَدَقَ اللهُ تعالى القَائِلُ: ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْـمَيِّتِ﴾.

هَذَا الصَّحَابِيُّ الجَلِيلُ الذي هَدَاهُ اللهُ تعالى للإِسْلَامِ، وَذَلِكَ بِبَرَكَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبِحُسْنِ خُلُقِهِ، وَبِسَلَامَةِ صَدْرِهِ الشَّرِيفِ نَحْوَ الخَلْقِ جَمِيعَاً، وَبِمَنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ.

كَانَ ثمَّ صَارَ بِبَرَكَةِ حُسْنِ أَخْلَاقِ الحَبِيبِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: المُعَوَّلُ عَلَيْهِ النِّهَايَاتُ، وَلَيْسَتِ البِدَايَةُ، لِذَا كَانَ مِنَ الوَاجِبِ على المُؤْمِنِ الأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ مَعَ سَلَامَةِ الصَّدْرِ نَحْوَ خَلْقِ اللهِ جَمِيعَاً.

لَقَدْ كَانَ عِكْرِمَةُ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ حَنَقَاً وَحِقْدَاً على سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى الصَّحَابَةِ الكِرَامِ، وَخَاصَّةً بَعْدَ أَنْ رَأَى بِعَيْنِهِ أَبَاهُ وَهُوَ طَرِيحَ الأَرْضِ يَشْخَبُ في دِمَائِهِ يَوْمَ بَدْرٍ.

عَادَ عِكْرِمَةُ إلى مَكَّةَ بَعْدَ أَنْ خَلَّفَ جُثَّةَ سَيِّدِ قُرَيْشٍ في بَدْرٍ، فَقَدْ أَعْجَزَتْهُ الهَزِيمَةُ عَنْ أَنْ يَظْفَرَ بِهَا لِيَدْفِنَهَا في مَكَّةَ، وَأَرْغَمَهُ الفِرَارُ على تَرْكِهَا للمُسْلِمِينَ، فَأَلْقَوْهَا في القَلِيبِ، مَعَ العَشَرَاتِ مِنْ قَتْلَى المُشْرِكِين، وَأَهَالُوا عَلَيْهَا الرِّمَالَ.

وَمُنْذُ ذَلِكَ اليَوْمِ أَصْبَحَ لِعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ مَعَ الإِسْلَامِ شَأْنٌ آخَرُ، فَقَدْ كَانَ يُعَادِيهِ في بَادِئِ الأَمْرِ حَمِيَّةً لِأَبِيهِ، فَأَصْبَحَ يُعَادِيهِ اليَوْمَ ثَأْرَاً لَهُ.

وَمِنْ هُنَا انْبَرَى عِكْرِمَةُ وَنَفَرٌ مِمَّنْ قُتِلَ آبَاؤُهُمْ في بَدْرٍ يُؤَرِّثُونَ (يُوقِدُونَ) نَارَ العَدَاوَةِ في صُدُورِ المُشْرِكِينَ على سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَيُضْرِمُونَ جَذْوَةَ الثَّأْرِ في قُلُوبِ المَوْتُورِينَ (مَنْ قُتِلَ لَهُمْ قَتِيلٌ وَلَمْ يَثْأَرُوا لَهُ) مِنْ قُرَيْشٍ، حَتَّى كَانَتْ وَقْعَةُ أُحُدٍ.

خَرَجَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ إلى أُحُدٍ، وَأَخْرَجَ مَعَهُ زَوْجَهُ أُمَّ حَكِيمٍ لِتَقِفَ مَعَ النِّسْوَةِ المَوْتُورَاتِ في بَدْرٍ وَرَاءَ الصُّفُوفِ، وَتَضْرِبَ مَعَهُنَّ على الدُّفُوفِ تَحْرِيضَاً لِقُرَيْشٍ على القِتَالِ، وَتَثْبِيتَاً لِفُرْسَانِهَا إِذَا حَدَّثَتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ بِالفِرَارِ.

وَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ على مَيْمَنَةِ فُرْسَانِهَا خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ، وَعَلَى مَـيْسَرَتِهِمْ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ، وَأَبْلَى الفَارِسَانِ المُشْرِكَانِ حِينَئِذٍ في ذَلِكَ اليَوْمِ بَلَاءً رَجَّحَ كَفَّةَ قُرَيْشٍ على المُسْلِمِينَ، وَحَقَّقَ لِلْمُشْرِكِينَ النَّصْرَ الكَبِيرَ؛ مِمَّا جَعَلَ أَبَا سُفْيَانَ يَقُولُ: هَذَا بِيَوْمٍ بَدْرٍ.

وفي يَوْمِ الخَنْدَقِ حَاصَرَ المُشْرِكُونَ المَدِينَةَ أَيَّامَاً طَوِيلَةً فَنَفِدَ صَبْرُ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ، وَضَاقَ ذَرْعَاً بِالحِصَارِ، فَنَظَرَ إلى مَكَانٍ ضَيِّقٍ مِنَ الخَنْدَقِ، وَأَقْحَمَ جَوَادَهُ فِيهِ فَاجْتَازَهُ، ثمَّ اجْتَازَهُ وَرَاءَهُ بِضْعَةُ نَفَرٍ في أَجْرَأِ مُغَامَرَةٍ ذَهَبَ ضَحِيَّتَهَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ العَامِرِيُّ، فَقَدْ بَارَزَهُ سَيِّدُنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَقَتَلَهُ؛ أَمَّا عِكْرِمَةُ فَلَمْ يُنَجِّهِ إلا الفِرَارُ.

هَكَذَا كَانَ عِكْرِمَةُ، ثمَّ بَعْدَ ذَلِكَ شَاءَ اللهُ تعالى أَنْ يَشْرَحَ صَدْرَهُ للإِسْلَامِ،وَأَنْ يُحَبِّبَ إلى قَلْبِهِ الإِيمَانَ، فَهَيَّأَ لِذَلِكَ الأَسْبَابَ.

أَمِّنْهُ أَمَّنَكَ اللهُ:

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: في يَوْمِ فَتْحِ مَكَّةَ رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنْ لَا قِبَلَ لَهَا بِمُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، فَأَزْمَعَتْ (قَرَّرَتْ) على أَنْ تُخَلِّيَ لَهُ السَّبِيلَ إلى مَكَّةَ، وَقَدْ أَعَانَهَا على اتِّخَاذِ قَرَارِهَا هَذَا مَا عَرَفَتْهُ مِنْ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ قُوَّادَهُ أَنْ لَا يُقَاتِلُوا إلا مَنْ قَاتَلَهُمْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ.

لَكِنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ وَنَفَرَاً مَعَهُ خَرَجُوا على إِجمَاعِ قُرَيْشٍ، وَتَصَدَّوْا للجَيْشِ الكَبِيرِ، فَهَزَمَهُمْ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ في مَعْرَكَةٍ صَغِيرَةٍ قُتِلَ فِيهَا مَنْ قتِلَ مِنْهُمْ، وَلَاذَ بِالفِرَارِ مَنْ أَمْكَنَهُ الفِرَارُ، وَكَانَ في جُمْلَةِ الفَارِّينَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ.

عِنْدَ ذَلِكَ أُسْقِطَ في يَدِ عِكْرِمَةَ (تَحَيَّرَ وَنَدِمَ) فَمَكَّةُ نَبَتْ بِهِ (لَمْ يَعُدْ فِيهَا لَهُ قَرَارٌ) بَعْدَ أَنْ خَضَعَتْ للمُسْلِمِينَ، وَالرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَفَا عَمَّا سَلَفَ مِنْ قُرَيْشٍ تِجَاهَهُ؛ لَكِنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْهُمْ نَفَرَاً سَمَّاهُمْ، وَأَمَرَ بِقَتْلِهِمْ وَإِنْ وُجِدُوا تَحْتَ أَسْتَارِ الكَعْبَةِ.

وَكَانَ في طَلِيعَةِ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، لِذَا تَسَلَّلَ مُتَخَفِّيَاً مِنْ مَكَّةَ، وَيَمَّمَ وَجْهَهُ شَطْرَ اليَمَنِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَلَاذٌ إلا هُنَاكَ.

عِنْدَ ذَلِكَ مَضَتْ أُمُّ حَكِيمٍ زَوْجُ عِكْرِمَةَ، وَهِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ زَوْجُ أَبِي سُفْيَانَ إلى مَنْزِلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَهُمَا عَشْرُ نِسْوَةٍ لِيُبَايِعْنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلْنَ عَلَيْهِ، وَعِنْدَهُ اثْنَتَانِ مِنْ أَزْوَاجِهِ وَابْنَتُهُ فَاطِمَةُ، وَنِسَاءٌ مِنْ نِسَاءِ بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَتَكَلَّمَتْ هِنْدُ وَهِيَ مُتَنَقِّبَةٌ وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، الحَمْدُ للهِ الذي أَظْهَرَ الدِّينَ الذي اخْتَارَهُ لِنَفْسِهِ، وَإِنِّي لَأَسْأَلُكَ أَنْ تَمَسَّنِي رَحِمُكَ بِخَيْرٍ، فَإِنِّي امْرَأَةٌ مُؤْمِنَةٌ مُصَدِّقَةٌ؛ ثمَّ كَشَفَتْ عَنْ وَجْهِهَا وَقَالَتْ: هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ يَا رَسُولَ اللهِ.

فَقَالَ لَهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَرْحَبَاً بِكِ».

فَقَالَتْ: وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ مَا كَانَ على وَجْهِ الأَرْضِ بَيْتٌ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَذِلَّ مِنْ بَيْتِكَ، وَلَقَدْ أَصْبَحْتُ وَمَا على وَجْهِ الأَرْضِ بَيْتٌ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَعِزَّ مِنْ بَيْتِكَ.

فَقَالَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَزِيَادَةً أَيْضَاً».

ثمَّ قَامَتْ أُمُّ حَكِيمٍ زَوْجُ عِكْرِمَةَ فَأَسْلَمَتْ وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ هَرَبَ مِنْكَ عِكْرِمَةُ إلى اليَمَنِ خَوْفَاً مِنْ أَنْ تَقْتُلَهُ، فَأَمِّنْهُ أَمَّنَكَ اللهُ.

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «هُوَ آمِنٌ».

فَخَرَجَتْ مِنْ سَاعَتِهَا في طَلَبِهِ، وَمَعَهَا غُلَامٌ لَهَا رُومِيٌّ، فَلَمَّا أَوْغَلَا في الطَّرِيقِ رَاوَدَهَا الغُلَامُ عَنْ نَفْسِهَا، فَجَعَلَتْ تُمَنِّيهِ وَتُمَاطِلُهُ حَتَّى قَدِمَتْ على حَيٍّ مِنَ العَرَبِ، فَاسْتَعَانَتْهُمْ عَلَيْهِ، فَأَوْثَقُوهُ وَتَرَكُوهُ عِنْدَهُمْ.

وَمَضَتْ هِيَ إلى سَبِيلِهَا حَتَّى أَدْرَكَتْ عِكْرِمَةَ عِنْدَ سَاحِلِ البَحْرِ في مِنْطَقَةِ تِهَامَةَ، وَهُوَ يُفَاوِضُ نُوتِيَّاً (بَحَّارَاً) مُسْلِمَاً على نَقْلِهِ، وَالنُّوتِيُّ يَقُولُ لَهُ: أَخْلِصْ حَتَّى أَنْقُلَكَ.

فَقَالَ لَهُ عِكْرِمَةُ: كَيْفَ أُخْلِصْ؟

قَالَ: تَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ اللهِ.

فَقَالَ عِكْرِمَةُ: مَا هَرَبْتُ إلا مِنْ هَذَا.

وَفِيمَا هُمَا كَذَلِكَ، إِذْ أَقْبَلَتْ أُمُّ حَكِيمٍ على عِكْرِمَةَ وَقَالَتْ: يَا ابْنَ عَمِّ، جِئْتُكَ مِنْ عِنْدِ أَوْصَلِ النَّاسِ، وَأَبَرِّ النَّاسِ، وَخَيْرِ النَّاسِ، مِنْ عِنْدِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ؛ وَقَدِ اسْتَأْمَنْتُ لَكَ مِنْهُ فَأَمَّنَكَ، فَلَا تُهْلِكْ نَفْسَكَ.

فَقَالَ: أَنْتِ كَلَّمْتِهِ؟

قَالَتْ: نَعَمْ، أَنَا كَلَّمْتُهُ فَأَمَّنَكَ؛ وَمَا زَالَتْ تُؤَمِّنُهُ وَتُطَمْئِنُهُ حَتَّى عَادَ مَعَهَا.

ثمَّ حَدَّثَتْهُ حَدِيثَ غُلَامِهَا الرُّومِيِّ، فَمَرَّ بِهِ وَقَتَلَهُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ.

وَفِيمَا هُمَا في مَنْزِلٍ نَزَلَا بِهِ في الطَّرِيقِ أَرَادَ عِكْرِمَةُ أَنْ يَخْلُوَ بِزَوْجَتِهِ، فَأَبَتْ ذَلِكَ أَشَدَّ الإِبَاءِ، وَقَالَتْ: إِنِّي مُسْلِمَةٌ وَأَنْتَ مُشْرِكٌ.

فَتَمَلَّكَهُ العَجَبُ وَقَالَ: إِنَّ أَمْرَاً يَحُولُ دُونَكِ وَدُونَ الخَلْوَةِ بِي لَأَمْرٌ كَبِيرٌ.

فَلَمَّا دَنَا عِكْرِمَةُ مِنْ مَكَّةَ، قَالَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: «سَيَأْتِيكُمْ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ مُؤْمِنَاً مُهَاجِرَاً، فَلَا تَسُبُّوا أَبَاهُ، فَإِنَّ سَبَّ المَيْتِ يُؤْذِي الحَيَّ وَلَا يَبْلُغُ المَيْتَ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَمْ نَحْنُ بِحَاجَةٍ اليَوْمَ إلى الْتِزَامِ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْـمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْـمُهْتَدِينَ﴾؟ كَمْ نَحْنُ بِحَاجَةٍ اليَوْمَ إلى هَذَا الخُلُقِ العَظِيمِ الذي تَحَلَّى بِهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي بِهِ حَوَّلَ رِجَالَاً فَجَعَلَهُمْ عُظَمَاءَ تَدِينُ لَهُمُ العُظَمَاءُ الذينَ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدِهِمْ؟

اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا الحِكْمَةَ. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 16/ شوال /1437هـ، الموافق: 21/تموز / 2016م