272-مع الحبيب المصطفى: كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أمناً وأمنة

 

مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

272ـ كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أمناً وأمنة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِمَّا أَفَاءَهُ اللهُ تعالى عَلَيْنَا أَنْ جَعَلَ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَظَّنَا مِنَ النَّبِيِّينَ، قَالَ تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولَاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾.

وَمِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ تعالى عَلَيْنَا أَن جَعَلَنَا مِنْ أُمَّةِ هَذَا الحَبِيبِ الأَعْظَمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي لَا تَمُرُّ ثَانِيَةٌ مِنَ الزَّمَنِ وَلَا جُزْءٌ مِنْهَا إِلَّا وَهُنَاكَ مَنْ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ اللهِ.

هَذِهِ الكَلِمَةُ تَذْكُرُهَا الـبَشَرِيَّةُ جَمْعَاءُ بِهَذِهِ الشَّخْصِيَّةِ الفَرِيدَةِ، التي مَا خَلَقَ اللهُ تعالى في الوُجُودِ  مِثْلَهَا قَبْلَهَا، وَلَنْ يَخْلُقَ في الوُجُودِ مِثْلَهَا بَعْدَهَا، حَيْثُ جَعَلَهُ اللهُ تعالى أَمَنَةً لِأَهْلِ الأَرْضِ مِنَ العَذَابِ، قَالَ تعالى عَنْ طُغَاةِ الأَرْضِ في زَمَنِهِ، وَهُمْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾.

صَلَوَاتُ اللهِ تعالى وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، مَعَ أَنَّ تَعْذِيبَ الأُمَمِ السَّابِقَةِ التي آذَتْ أَنْبِيَاءَهَا سُنَّةٌ مَاضِيَةٌ لَمْ تَتَغَيَّرْ إِلَّا بَعْدَ بِعْثَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَمَانَاً وَأَمَنَةً لِأُمَّتِهِ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي، فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

لَقَدْ أُعْطِيَتِ الأُمَّةُ الأَمَانَ مِنَ الاسْتِئْصَالِ، بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾.

يَقُولُ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: كَانَ فِيهِمْ أَمَانَانِ؛ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَالِاسْتِغْفَارُ، فَذَهَبَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَبَقِيَ الِاسْتِغْفَارُ. رواه البيهقي.

مَا قَتَلَ إِلَّا شَخْصَاً وَاحِدَاً:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةً وَأَمَانَاً للنَّاسِ في الدُّنْيَا، فَشَمِلَتْ تِلْكَ الرَّحْمَةُ العُصَاةَ وَالجُهَّالَ، وَالنِّسَاءَ، وَالأَطْفَالَ، وَالصِّبْيَانَ، وَالأَيْتَامَ، وَالمَرْضَى، وَالضُّعَفَاءَ، وَالعَبِيدَ، وَالإِمَاءَ، وَالفُقَرَاءَ، وَالمَسَاكِينَ، وَالأَرَامِلَ، وَالأَعْدَاءَ، وَالمُعَانِدِينَ، وَلَوْ كَانُوا في سَاحَةِ القِتَالِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ عَرَفَتِ البَشَرِيَّةُ جَمْعَاءُ بِأَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا قَتَلَ أَحَدَاً بِيَدِهِ الكَرِيمَةِ إِلَّا شَخْصَاً وَاحِدَاً فَقَطْ، مَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ غَزَا سَبْعَاً وَعِشْرِينَ غَزْوَةً، وَبَاشَرَ القِتَالَ بِتِسْعٍ مِنْهَا.

مَا قَتَلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَحَدَاً إِلَّا وَاحِدَاً مِنَ المُشْرِكِينَ، وَكَانَ قَتْلُهُ لَهُ مُعْجِزَةً لِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كَانَ هَذَا الشَّقِيُّ المَقْتُولُ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ.

جَاءَ في سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ: لَمَّا أُسْنِدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي الشِّعْبِ أَدْرَكَهُ أُبَيُّ ابْن خَلَفٍ وَهُوَ يَقُولُ: أَيْ مُحَمَّدُ، لَا نَجَوْتُ إنْ نَجَوْتَ.

فَقَالَ الْقَوْمُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيَعْطِفُ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَّا؟

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «دَعُوهُ».

فَلَمَّا دَنَا، تَنَاوَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْحَرْبَةَ مِنَ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ.

يَقُولُ بَعْضُ الْقَوْمِ، فِيمَا ذُكِرَ لِي: فَلَمَّا أَخَذَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ انْتَفَضَ بِهَا انْتِفَاضَةً، تَطَايَرْنَا عَنْهُ تَطَايُرَ الشَّعْرَاءِ عَنْ ظَهْرِ الْبَعِيرِ إذَا انْتَفَضَ بِهَاـ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الشَّعْرَاءُ: ذُبَابٌ لَهُ لَدْغٌ ـ ثُمَّ اسْتَقْبَلَهُ فَطَعَنَهُ فِي عُنُقِهِ طَعْنَةً تَدَأْدَأَ مِنْهَا عَنْ فَرَسِهِ مِرَارَاً ـ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَدَأْدَأَ: تَقَلَّبَ عَنْ فَرَسِهِ فَجَعَلَ يَتَدَحْرَجُ ـ.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ، كَمَا حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، يَلْقَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ، فَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، إنَّ عِنْدِي الْعَوْذَ، فَرَسَاً أَعْلِفُهُ كُلَّ يَوْمٍ فَرَقَاً (مِكْيَالَاً) مِنْ ذُرَةٍ، أَقْتُلُكَ عَلَيْهِ.

فَيَقُولُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَنَا أَقْتُلُكَ إنْ شَاءَ اللهُ.

فَلَمَّا رَجَعَ إلَى قُرَيْشٍ وَقَدْ خَدَشَهُ فِي عُنُقِهِ خَدْشَاً غَيْرَ كَبِيرٍ، فَاحْتَقَنَ الدَّمُ، قَالَ: قَتَلَنِي وَاللهِ مُحَمَّدٌ.

قَالُوا لَهُ: ذَهَبَ وَاللهِ فُؤَادُكَ! وَاللهِ إنْ بِكَ مِنْ بَأْسٍ.

قَالَ: إنَّهُ قَدْ كَانَ قَالَ لِي بِمَكَّةَ: أَنا أَقْتلك، فَوَاللهِ لَوْ بَصَقَ عَلَيَّ لَقَتَلَنِي؛ فَمَاتَ عَدُوُّ اللهِ بِسَرَفٍ (مَوْضِعٍ عَلَى سِتَّة أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ) وَهُمْ قَافِلُونَ بِهِ إلَى مَكَّةَ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَيْفَ يَقْتُلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الرَّحْمَةُ المُهْدَاةُ؟ وَلَا يُرِيدُ أَنْ يَشْقَى أَحَدٌ، وَلَا أَنْ يَشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ تعالى على أَحَدٍ بِسَبَبِهِ، كَيْفَ يُرِيدُ هَذَا، وَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القَائِلُ: «اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى قَوْمٍ فَعَلُوا بِنَبِيِّهِ، يُشِيرُ إِلَى رَبَاعِيَتِهِ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى رَجُلٍ يَقْتُلُهُ رَسُولُ اللهِ فِي سَبِيلِ اللهِ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ فُطِرَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على الخُلُقِ القَوِيمِ، الذي هُوَ مَدْعَاةٌ لِمَحَبَّةِ النَّاسِ، لِأَنَّهُ بِالخُلُقِ القَوِيمِ يَسهُلُ على الدَّاعِي أَن يَصِلَ إلى قُلُوبِ المَدْعُوِّينَ إلى اللهِ تعالى؛ وَيَكْفِي نَعْتُ اللهِ تعالى لِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾. وَبِقَوْلِهِ تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾.

وَرَحِمَ اللهُ تعالى شَوْقِي حِينَ قَالَ:

زَانَـتْكَ فِي الخُلُقِ الـعَـظِيمِ شَـمَائِلٌ    ***   يُـغْـرَى بِـهِـنَّ وَيُولَعُ الـكُرَمَاءُ

وَإِذَا خَـطَـبْـتَ فَـلِـلمَـنَـابِرِ هِـزَّةٌ    ***   تَعْرُو النَّدِيَّ وَلِلـقُـلُـوبِ بُـكَاءُ

وَإِذَا رَحِـمْـتَ فَـأَنْــتَ أُمٌّ أَوْ أَبٌ     ***   هَـذَانِ فِي الـدُّنْـيَـا هُمَا الرُّحَمَـاءُ

وَإِذَا مَلَكْتَ النَّفْسَ قُــمْـتَ بِبِرِّهَا    ***   وَلَوَ أَنَّ مَا مَلَكَتْ يَـدَاكَ الشَّــاءُ

وَإِذَا حَمَـيْــتَ الـمَاءَ لَمْ يُـورَدْ وَلَــوْ   ***   أَنَّ القَـيَـاصِـرَ وَالمُلُـوكَ ظِـمَـاءُ

المُصْلِـحُــونَ أَصَـابِـعٌ جُمِعَتْ يَدَاً    ***   هِيَ أَنْتَ بَلْ أَنْتَ اليَدُ البَيَـضَـاءُ

صَلَّى عَلَيْكَ اللهُ مَا صَحِبَ الدُّجَى    ***   حَادٍ وَحَـنَّـتْ بِالـفَـلَا وَجْـنَـاءُ

وَاسْـتَـقْـبَـلَ الرِّضْوَانَ فِي غُرُفَاتِهِمْ   ***   بِـجِـنَـانِ عَـدْنٍ آلُكَ السُّمَحَاءُ

اللَّهُمَّ خَلِّقْنَا بِأَخْلَاقِهِ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 6/ ربيع الأول /1438هـ، الموافق: 5/ كانون الأول / 2016م