153-نحو أسرة مسلمة: حق المرأة في الاستشارة

 

نحو أسرة مسلمة

153ـ حق المرأة في الاستشارة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ البَيْتَ المُسْلِمَ هُوَ مُؤَسَّسَةٌ مُتَكَامِلَةٌ، فِيهِ التَّعَاوُنُ على البِرِّ وَالتَّقْوَى، فِيهِ التَّعَاوُنُ على القِيَامِ بِمَصَالِحِ البَيْتِ وَالأَوْلَادِ، فَلَا يَحْتَكِرُ فِيهِ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ شَيْئَاً مِنْ طَاقَاتِهِ وَجُهُودِهِ عَنِ الطَّرَفِ الآخَرِ، وَلِهَذَا نَجِدُ البَيْتَ المُسْلِمَ الحَقِيقِيَّ بَيْتَاً فِيهِ انْسِجَامٌ كَامِلٌ، وَتَعَاوُنٌ على البِرِّ وَالتَّقْوَى، وَتَعَاوُنٌ على أُمُورِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، تَعَاوُنٌ على تَحْقِيقِ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارَاً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهُ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾.

البَيْتُ المُسْلِمُ بَيْتٌ نَمُوذَجِيٌّ لَا مَثِيلَ لَهُ في التَّعَاوُنِ، روى الحاكم وأبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «رَحِمَ اللهُ رَجُلَاً قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا المَاءَ، رَحِمَ اللهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا، فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ المَاءَ».

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: شَأْنُ المُصْلِحِينَ في هَذِهِ الأُمَّةِ الاهْتِمَامُ بِشَأْنِ المَرْأَةِ، وَيَأْتِي هَذَا الاهْتِمَامُ رَدَّاً على الحَمْلَاتِ الخَبِيثَةِ المُكَثَّفَةِ مِنْ دُعَاةِ الفَسَادِ وَالشَّرِّ وَالضَّلَالِ لِطَعْنِ الأُمَّةِ عَنْ طَرِيقِ المَرْأَةِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: المَرْأَةُ سِلَاحٌ ذُو حَدَّيْنِ، لَدَيْهَا القَابِلِيَّةُ لِأَنْ تَكُونَ أَعْظَمَ وَسِيلَةٍ للبِنَاءِ، أَو أَخْطَرَ وَسِيلَةٍ للهَدْمِ وَالتَّدْمِيرِ، لِأَنَّهَا تَمْلِكُ مَوَاهِبَ ضَخْمَةً، فَهِيَ جَدِيرَةٌ بِأَنْ تَبْنِيَ أَو أَنْ تَهْدِمَ.

قَالُوا: خَلْفَ كُلِّ رَجُلٍ عَظِيمٍ امرَأَةٌ؛ وَهَذَا كَلَامُ المُصْلِحِينَ الذينَ عَرَفُوا حَقِيقَةَ المَرْأَةِ، وَعَرَفُوا قُدْرَتَهَا، وَعَرَفُوهَا بِأَنَّهَا الأُمُّ المُرَبِّيَةُ القَانِتَةُ العَابِدَةُ الصَّائِمَةُ القَائِمَةُ الدَّاعِيَةُ، التي تَصْنَعُ الرِّجَالَ.

وَقَالَ دُعَاةُ الفَسَادِ وَالإِفْسَادِ وَالضَّلَالِ: كَأْسُ خَمْرٍ وَغَانِيَةٌ ـ امرَأَةٌ جَمِيلَةٌ مُنحَرِفَةٌ ـ تُحَطِّمَانِ الأُمَّةَ الإِسْلَامِيَّةَ أَكْثَرَ مِمَّا يَفْعَلُهُ أَلْفُ مِدْفَعٍ.

لِذَا تَرَى الصِّرَاعَ بَيْنَ دُعَاةِ الصَّلَاحِ وَالإِصْلَاحِ وَدُعَاةِ الفَسَادِ وَالإِفْسَادِ ، فتَرَى دُعَاةَ الصَّلَاحِ وَالإِصْلَاحِ حَرِيصِينَ كُلَّ الحِرْصِ على المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ حَتَّى لَا يُقْضَى عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ إِذَا قُضِيَ عَلَيْهَا فَقَدْ قُضِيَ على المُجْتَمَعِ، لِأَنَّهَا لَنْ تَلِدَ بَعْدَ القَضَاءِ عَلَيْهَا إِلَّا الفَاسِدَ وَالمُفْسِدَ، إِلَّا الكَاذِبَ وَاللَّعَّانَ وَالسَّبَّابَ، وَلَنْ تَلِدَ إِلَّا تَارِكَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، وَهَاجِرَ القُرْآنِ، وَقَاطِعَ الرَّحِمِ، وَلَنْ تَلِدَ إِلَّا السَّارِقَ وَالمُنْحَرِفَ؛ لِأَنَّ فَاقِدَ الشَّيْءِ لَا يُعْطِيهِ.

حَقُّ المَرْأَةِ في الاسْتِشَارَةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ قِوَامَةَ الرَّجُلِ في البَيْتِ لَا تَعْنِي قِوَامَةَ قَهْرٍ وَلَا اسْتِبْدَادٍ، وَلَا تَسَلُّطٍ كَمَا يَتَصَوَّرُهُ بَعْضُ النَّاسِ، وَلَا تَعْنِي أَنَّ الرَّجُلَ سَجَّانٌ، قِوَامَةُ الرَّجُلِ قِوَامَةُ إِشْرَافٍ وَرِعَايَةٍ وَحِمَايَةٍ، وَكُلُّ مُـشْرِفٍ وَرَاعٍ وَحَامٍ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَتَّخِذَ القَرَارَ أَنْ يُشَاوِرَ، وَخَاصَّةً فِيمَا يَتَعَلَّقُ في حَيَاتِهِ الزَّوْجِيَّةِ، أَلَمْ يَقُلْ مَوْلَانَا جَلَّ جَلَالُهُ: ﴿وَشَاوِرْهُمْ في الأَمْرِ﴾؟ فَإِذَا كَانَ الأَمْرُ يَتَعَلَّقُ بِالبَيْتِ وَبِمَصَالِحِهِ فَلِمَاذَا لَا يُشَاوِرُ الرَّجُلُ أَهْلَهُ؟

وَالمُشَاوَرَةُ لَيْسَتْ عَارَاً عَلَيْكَ، وَلَيْسَتْ نَقْصَاً في شَخْصِيَّتِكَ، بَلْ هِيَ عَيْنُ الكَمَالِ، أَلَمْ يَقُلْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «آمِرُوا النِّسَاءَ فِي بَنَاتِهِنَّ»؟ رواه أبو داود عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَجَاءَ في مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرْنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ المَديِنَةِ: أَنَّ نُعَيْمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ كَانَتْ لَهُ ابْنَةٌ، فَخَطَبَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، فَسَمَّى لَهَا صَدَاقَاً كَثِيرَاً، فَأَنْكَحَهَا نُعَيْمٌ يَتِيمَاً لَهُ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ لَيْسَ لَهُ مَالٌ، فَانْطَلَقَتْ أُمُّهَا فَذَكَرَتْ ذَلِكَ للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَقَالَتْ: قَدْ كَانَ عَبْدُ اللهِ ذَاكِرَاً ابْنَتَهَا، وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَالَاً كَثِيرَاً، فَأَنْكَحَهَا أَبُوهَا يَتِيمَاً لَيْسَ لَهُ مَالٌ، وَتَرَكَ عَبْدَ اللهِ، وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَالَاً كَثِيرَاً، فَدَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ لَهُ.

فَقَالَ: نَعَمْ، أَنْكَحْتُهَا يَتِيمِي فَهُوَ أَحَقُّ مَنْ رَفَعْتُ يُتْمَهُ وَوَصَلْتُهُ؛ وَقَالَ: لَهَا مِنْ مَالِي مِثْلُ الذي سَمَّى لَهَا عَبْدُ اللِه.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «آمِرُوا النِّسَاءَ في بَنَاتِهِنَّ».

اسْتِشَارَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مُشَاوَرَةُ المَرْأَةِ لَيْسَ عَيْبَاً، وَلَا عَارَاً، وَلَا نَقْصَاً في شَخْصِيَّةِ الرَّجُلِ، بَلْ هِيَ عَيْنُ الكَمَالِ، لِأَنَّ سَيِّدَ الرِّجَالِ، بَلْ سَيِّدَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَسَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ اسْتَشَارَ نِسَاءَهُ، بَلْ لَقَدِ اسْتَشَارَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أُمَّنَا أُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا في قَضِيَّةٍ مِنْ أَخْطَرِ قَضَايَا المُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ في صُلْحِ الحُدَيْبِيَةِ، لَمْ يُشَاوِرِ الصِّدِّيقَ وَلَا غَيْرَهُ، وَلَكِنَّهُ ذَهَبَ إلى زَوْجَتِهِ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَتَحَدَّثَ مَعَهَا في قَضِيَّةٍ تَهُزُّ كَيَانَ الدَّوْلَةِ الإِسْلَامِيَّةِ بِكَامِلِهَا، وَاسْتَمَعَ إلى رَأْيِهَا، وَكَانَ رَأْيُهَا حَكِيمَاً، أَخْرَجَ المُسْلِمِينَ مِنَ الأَزْمَةِ.

روى الإمام البخاري ـ في حَدِيثِ صُلْحِ الحُدَيْبِيَةِ ـ عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ قَالَا: فَلَمَّا فَرَغَ (أَيْ: النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ) مِنْ قَضِيَّةِ الكِتَابِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: «قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا».

قَالَ: فَوَاللهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ؛ فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ.

فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ، اخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدَاً مِنْهُمْ كَلِمَةً، حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ؛ فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدَاً مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ، نَحَرَ بُدْنَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا، فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضَاً حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضَاً غَمَّاً (أَي: ازْدِحَامَاً).

لَقَدْ أَنْقَذَتِ المَوْقِفَ، وَقَامَتْ بِالوَجْهِ الصَّحِيحِ الذي يَقْتَضِيهِ صَوَابُ الرَّأْيِ وَتَمَامُ الحِنْكَةِ وَالفِطْنَةِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: دِينُنَا العَظِيمُ أَعْطَى العَلَاقَةَ الزَّوْجِيَّةَ قِيمَةً خَاصَّةً، وَمَكَانَةً مُتَمَيِّزَةً، وَلَمْ يَجْعَلْهَا قَائِمَةً على التَّنَافُسِ وَالتَّضَادِّ، فَمِنْ حُسْنِ أَخْلَاقِ الرَّجُلِ أَخْذُ رَأْيِ الزَّوْجَةِ وَاسْتِشَارَتُهَا، وَخَاصَّةً فِيمَا يَتَعَلَّقُ في بَيْتِهَا وَتَرْبِيَةِ أَوْلَادِهَا، وَأَمَّا مَا دَرَجَ على الأَلْسُنِ: شَاوِرُوهُنَّ وَخَالِفُوهُنَّ؛ فَهَذَا لَيْسَ بِحَدِيثٍ عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الأَخْلَاقِ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 19/ ربيع الأول /1438هـ، الموافق: 18/ كانون الأول / 2016م