88ـ مع الصحابة وآل البيت :أبي بن كعب سيد المسلمين

 

مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

88ـ أبي بن كعب سيد المسلمين

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنَ الصَّحَابَةِ الكِرَامِ العُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ الذينَ أَضَاؤُوا جَنَبَاتِ التَّارِيخِ، وَيَعْتَزُّ بِهِمُ المُسْلِمُونَ إلى قِيَامِ السَّاعَةِ، سَيِّدُنَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ الأَنْصَارِيُّ الخَزْرَجِيُّ النَّجَّارِيُّ، سَيِّدُ المُسْلِمِينَ كَمَا سَمَّاهُ سَيِّدُنَا عُمَرُ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

هَذَا الصَّحَابِيُّ الجَلِيلُ ظَهَرَ في مُجْتَمَعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ كَقَارِئٍ، وَمُعَلِّمٍ، وَكَاتِبٍ، وَقَاضٍ، وَمُسْتَشَارٍ، وَمُرْشِدٍ، وَمُفْتٍ، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ غَزْوَةٍ أَو مَشْهَدٍ مِنَ المَشَاهِدِ التي شَهِدَهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَكَانَ صَادِقَاً في بَيْعَتِهِ التي تَمَّتْ مَعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَالْتَزَمَ البَيْعَةَ وَشُرُوطَهَا.

بَيْعَةُ العَقَبَةِ الثَّانِيَةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَحَدَ السَّبْعِينَ الذينَ بَايَعُوا سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَيْعَةَ العَقَبَةِ الثَّانِيَةِ ـ حَيْثُ الجَمْرَةُ الأُولَى مِنْ مِنَىً ـ.

يَقُولُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مُتَحَدِّثَاً عَنْ هَذِهِ البَيْعَةِ: خَرَجْنَا إِلَى الْحَجِّ، فَوَاعَدْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْعَقَبَةَ مِنْ أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَلَمَّا فَرَغْنَا مِنَ الْحَجِّ، وَكَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي وَعَدْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ أَبُو جَابِرٍ سَيِّدٌ مِنْ سَادَتِنَا، وَكُنَّا نَكْتُمُ مَنْ مَعَنَا مِنْ قَوْمِنَا مِنَ المُشْرِكِينَ أَمْرَنَا فَكَلَّمْنَاهُ، وَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا جَابِرٍ، إِنَّكَ سَيِّدٌ مِنْ سَادَتِنَا، وَشَرِيفٌ مِنْ أَشْرَافِنَا، وَإِنَّا نَرْغَبُ بِكَ عَمَّا أَنْتَ فِيهِ أَنْ تَكُونَ حَطَبَاً لِلنَّارِ غَدَاً، ثُمَّ دَعَوْتُهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَخْبَرْتُهُ بِمِيعَادِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمَ وَشَهِدَ مَعَنَا الْعَقَبَةَ، وَكَانَ نَقِيبَاً.

قَالَ: فَنِمْنَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ مَعَ قَوْمِنَا فِي رِحَالِنَا حَتَّى إِذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ خَرَجْنَا مِنْ رِحَالِنَا لِمِيعَادِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، نَتَسَلَّلُ مُسْتَخْفِينَ تَسَلُّلَ الْقَطَا حَتَّى اجْتَمَعْنَا فِي الشِّعْبِ عِنْدَ الْعَقَبَةِ، وَنَحْنُ سَبْعُونَ رَجُلَاً، وَمَعَنَا امْرَأَتَانِ مِنْ نِسَائِهِمْ نَسِيبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ أُمُّ عُمَارَةَ إِحْدَى نِسَاءِ بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ إِحْدَى نِسَاءِ بَنِي سَلَمَةَ، وَهِيَ أُمُّ مَنِيعٍ.

قَالَ: فَاجْتَمَعْنَا بِالشِّعْبِ نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى جَاءَنَا وَمَعَهُ يَوْمَئِذٍ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ، إِلَّا أَنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يَحْضُرَ أَمْرَ ابْنِ أَخِيهِ، وَيَتَوَثَّقَ لَهُ، فَلَمَّا جَلَسْنَا كَانَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ أَوَّلَ مُتَكَلِّمٍ. رواه الإمام أحمد.

بِدَايَةُ المُحَادَثَةِ وَتَشْرِيحُ العَبَّاسِ لِخُطُورَةِ المَسْؤُولِيَّةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَانَ أَوَّلَ مُتَكَلِّمٍ سَيِّدُنَا العَبَّاسُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَمُّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَيْثُ بَيَّنَ للأَنْصَارِ خُطُورَةَ هَذِهِ البَيْعَةِ، وَالمَسْؤُولِيَّةَ التي سَتُلْقَى على كَوَاهِلِهِمْ نَتِيجَةَ هَذَا التَّحَالُفِ، فَقَالَ:

يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ ـ وَكَانَتِ الْعَرَبُ مِمَّا يُسَمُّونَ هَذَا الْحَيَّ مِنَ الْأَنْصَارِ الْخَزْرَجَ أَوْسَهَا وَخَزْرَجَهَا ـ إِنَّ مُحَمَّدَاً مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ، وَقَدْ مَنَعْنَاهُ مِنْ قَوْمِنَا مِمَّنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِنَا فِيهِ، وَهُوَ فِي عِزٍّ مِنْ قَوْمِهِ، وَمَنَعَةٍ فِي بَلَدِهِ.

وَإِنَّهُ قَدْ أَبَى إِلَّا الانْحِيَازَ إِلَيْكُمْ وَاللُّحُوقَ بِكُمْ، فَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّكُمْ وَافُونَ لَهُ بِمَا دَعَوْتُمُوهُ إِلَيْهِ، وَمَانِعُوهُ مِمَّنْ خَالَفَهُ، فَأَنْتُمْ وَمَا تَحَمَّلْتُمْ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّكُمْ مُسْلِمُوهُ وَخَاذِلُوهُ بَعْدَ الخُرُوجِ بِهِ إِلَيْكُمْ، فَمِنَ الآنَ فَدَعُوهُ، فَإِنَّهُ في عِزٍّ وَمَنَعَةٍ مِنْ قَوْمِهِ وَبَلَدِهِ.

قَالَ كَعْبٌ: فَقُلْنَا لَهُ: قَدْ سَمِعْنَا مَا قُلْتَ، فَتَكَلَّمْ يَا رَسُولَ اللهِ، فَخُذْ لِنَفْسِكَ وَلِرَبِّكَ مَا أَحْبَبْتَ.

وَهَذَا الجَوَابُ يَدُلُّ على مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ عَزْمٍ وَتَصْمِيمٍ وَشَجَاعَةٍ وَإِيمَانٍ وَإِخْلَاصٍ في تَحَمُّلِ هَذِهِ المَسْؤُولِيَّةِ العَظِيمَةِ، وَتَحَمُّلِ عَوَاقِبِهَا الخَطِيرَةِ.

وَأَلْقَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ بَيَانَهُ، ثُمَّ تَمَّتِ البَيْعَةُ. كما جاء في الرحيق المختوم.

بُنُودُ البَيْعَةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَتَعَرَّفَ على بُنُودِ هَذِهِ البَيْعَةِ، لِنَنْظُرَ مِنْ خِلَالِهَا كَيْفَ الْتَزَمَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ شُرُوطَهَا، وَكَانُوا أَهْلَاً لِأَنْ يُوصَفُوا بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ﴾.

روى الإمام أحمد عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، عَلَامَ نُبَايِعُكَ؟

قَالَ: «عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ في النَّشَاطِ وَالكَسَلِ، وَعَلَى النَّفَقَةِ في العُسْرِ وَاليُسْرِ، وَعَلَى الْأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ، وَأَنْ تَقُولُوا فِي اللهِ، لَا تَخَافُونَ فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، وَعَلَى أَنْ تَـنْصُرُونِي، فَتَمْنَعُونِي إِذَا قَدِمْتُ عَلَيْكُمْ مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ، وَأَزْوَاجَكُمْ، وَأَبْنَاءَكُمْ، وَلَكُمُ الْجَنَّةُ».

وفي رِوَايَةِ كَعْبٍ ـ التي رَوَاهَا ابْنُ إِسْحَاقَ ـ البَنْدُ الأَخِيرُ فَقَط مِنْ هَذِهِ البُنُودِ، فَفِيهِ: قَالَ كَعْبٌ: فَتَكَلَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَتَلَا القُرْآنَ، وَدَعَا إلى اللهِ، وَرَغَّبَ في الإِسْلَامِ، ثُمَّ قَالَ: «أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ».

قَالَ: فَأَخَذَ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَنَمْنَعَنَّكَ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أُزُرَنَا، فَبَايِعْنَا يَا رَسُولَ اللهِ، فَنَحْنُ أَهْلُ الْحُرُوبِ، وَأَهْلُ الْحَلْقَةِ، وَرِثْنَاهَا كَابِرَاً عَنْ كَابِرٍ.

فَاعْتَرَضَ الْقَوْلَ، وَالْبَرَاءُ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الرِّجَالِ حِبَالَاً، وَإِنَّا قَاطِعُوهَا ـ يَعْنِي الْعُهُودَ ـ فَهَلْ عَسَيْتَ إِنْ نَحْنُ فَعَلْنَا ذَلِكَ، ثُمَّ أَظْهَرَكَ اللهُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى قَوْمِكَ، وَتَدَعَنَا؟

قَالَ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «بَلِ الدَّمَ الدَّمَ، وَالْهَدْمَ الْهَدْمَ أَنَا مِنْكُمْ، وَأَنْتُمْ مِنِّي أُحَارِبُ مَنْ حَارَبْتُمْ، وَأُسَالِمُ مَنْ سَالَمْتُمْ» كما جاء في الرحيق المختوم.

التَّأْكِيدُ على خُطُورَةِ البَيْعَةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: بَعْدَ أَنْ تَمَّ الحَدِيثُ عَنْ شُرُوطِ البَيْعَةِ، وَقَفَ العَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ عَلَامَ تُبَايِعُونَ هَذَا الرَّجُلَ؟

قَالُوا: نَعَمْ.

قَالَ: إِنَّكُمْ تُبَايِعُونَهُ على حَرْبِ الأَحْمَرِ وَالأَسْوَدِ مِنَ النَّاسِ، فَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّكُمْ إِذَا نَهَكَتْ أَمْوَالَكُمْ مُصِيبَةٌ، وَأَشْرَافَكُمْ قَتْلَاً أَسْلَمْتُمُوهُ، فَمِنَ الآنَ، فَهُوَ وَاللهِ إِنْ فَعَلْتُمْ خِزْيُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّكُمْ وَافُونَ لَهُ بِمَا دَعَوْتُمُوهُ إِلَيْهِ على نَهْكَةِ الأَمْوَالِ وَقَتْلِ الأَشْرَافِ فَخُذُوهُ، فَهُوَ وَاللِه خَيْرُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.

قَالُوا: فَإِنَّا نَأْخُذُهُ على مُصِيبَةِ الأَمْوَالِ وَقَتْلِ الأَشْرَافِ، فَمَا لَنَا بِذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ نَحْنُ وَفَّيْنَا بِذَلِكَ؟

قَالَ: «الجَنَّةُ».

قَالُوا: ابْسُطْ يَدَكَ؛ فَبَسَطَ يَدَهُ؛ فَبَايَعُوهُ.

وفي رِوَايَةِ الإمام أحمد عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: فَقُمْنَا نُبَايِعُهُ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ ـ وَهُوَ أَصْغَرُ السَّبْعِينَ ـ فَقَالَ: رُوَيْدَاً يَا أَهْلَ يَثْرِبَ، إِنَّا لَمْ نَضْرِبْ إِلَيْهِ أَكْبَادَ الْمَطِيِّ إِلَّا وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ، إِنَّ إِخْرَاجَهُ الْيَوْمَ مُفَارَقَةُ الْعَرَبِ كَافَّةً، وَقَتْلُ خِيَارِكُمْ، وَأَنْ تَعَضَّكُمُ السُّيُوفُ، فَإِمَّا أَنْتُمْ قَوْمٌ تَصْبِرُونَ عَلَى السُّيُوفِ إِذَا مَسَّتْكُمْ، وَعَلَى قَتْلِ خِيَارِكُمْ، وَعَلَى مُفَارَقَةِ الْعَرَبِ كَافَّةً، فَخُذُوهُ وَأَجْرُكُمْ عَلَى اللهِ، وَإِمَّا أَنْتُمْ قَوْمٌ تَخَافُونَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خِيفَةً فَذَرُوهُ، فَهُوَ أَعْذَرُ عِنْدَ اللهِ.

قَالَوا: أَمِطْ عَنَّا يَا أَسْعَدُ، فَوَاللهِ لَا نَدَعُ هَذِهِ الْبَيْعَةَ أَبَدَاً، وَلَا نَسْلُبُهَا أَبَدَاً.

قَالَ: فَقُمْنَا إِلَيْهِ فَبَايَعْنَاهُ، فَأَخَذَ عَلَيْنَا، وَشَرَطَ، وَيُعْطِينَا عَلَى ذَلِكَ الْجَنَّةَ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِمَّنْ شَهِدَ هَذِهِ البَيْعَةَ، وَصَدَقَ في بَيْعَتِهِ، وَجَاءَتِ المَوَاقِفُ لِتُصَدِّقَ صِدْقَ هَؤُلَاءِ الرِّجَالِ ، هَؤُلَاءِ الذينَ عَلِمَ اللهُ تعالى مَا في قُلُوبِهِمْ مِنَ الصِّدْقِ صِدْقِ الاسْتِجَابَةِ للهِ تعالى وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَحَقُّوا أَنْ يَنَالُوا هَذَا المَقَامَ ﴿رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾. فَرَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لَمَّا اسْتَجَابُوا لِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ في الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ، وَفي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَمْ نَحْنُ بِحَاجَةٍ إلى الصِّدْقِ في الاسْتِجَابَةِ لِأَوَامِرِ اللهِ تعالى وَأَوَامِرِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ كَمْ نَحْنُ بِحَاجَةٍ إلى دَفْعِ ثَمَن الجَنَّةِ؟ «أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ غَالِيَةٌ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ الجَنَّةُ» رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَثَمَنُهَا قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقَاً﴾. عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ للهِ تعالى وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في المَنْشَطِ وَالمَكْرَهِ، في الرِّضَا وَالغَضَبِ، في العُسْرِ وَاليُسْرِ، حَتَّى نَفُوزَ بِمَا فَازَ بِهِ صَحَابَةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدَاً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْهُمْ. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 14/ ربيع الثاني/1438هـ، الموافق: 12/كانون الثاني / 2017م