89ـ مع الصحابة وآل البيت :آلله سماني لك؟

 

مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

89ـ آلله سماني لك؟

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَصْدَقُ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِكَ كَلِمَةٌ تُذَكِّرُ بِكَلَامِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَحَبُّ الكَلَامِ إلى اللهِ تعالى القُرْآنُ العَظِيمُ؛ هَذَا القُرْآنُ العَظِيمُ الذي خَتَمَ اللهُ تعالى بِهِ جَمِيعَ الكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ، وَقَطَعَ بِهِ الحُجَجَ وَالبَيِّنَاتِ، وَجَعَلَ أَهْلَ القُرْآنِ في العِزَّةِ وَالمَكَانَةِ وَالجَلَالَةِ وَالكَرَامَةِ، فَأَهْلُ القُرْآنِ هُمْ أَهْلُ اللهِ وَخَاصَّتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، وَمَا عَاشَ أَحَدٌ مَعَ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا قَادَهُ إلى اللهِ تعالى، وَعَلَّقَ قَلْبَهُ بِاللهِ سُبْحَانَهُ وتعالى؛ فَهَنِيئَاً لِمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ القُرْآنِ حِفْظَاً وَتِلَاوَةً وَعَمَلَاً.

اجْمَعْ يَا تَالِ القُرْآنِ بَيْنَ التِّلَاوَةِ وَالعَمَلِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: القُرْآنُ العَظِيمُ يُطَهِّرُ القُلُوبَ مِنْ جَمِيعِ الأَسْقَامِ، وَيُؤَهِّلُهَا لِمَرْضَاتِهِ وَمَحَبَّتِهِ، فَإِذَا اسْتَقَرَّ القُرْآنُ في القَلْبِ تَنَوَّرَتْ بَصِيرَةُ هَذَا العَبْدِ، وَاطْمَأَنَّ لِمَوَاعِظِهِ، حَتَّى إِذَا تَغَلْغَلَ فِيهِ قَادَهُ إلى المَحَبَّةِ وَالرِّضْوَانِ وَالأُنْسِ بِهِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَهْلَاً للاصْطِفَاءِ الذي قَالَ اللهُ تعالى عَنْهُ: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾. فَحَقَّقُوا مَعَانِيَ القُرْآنِ بِالعَمَلِ وَالسُّلُوكِ وَالاقْتِدَاءِ؛ وَمَا خَرَجَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ قُرْآنَاً يَمْشِي على وَجْهِ الأَرْضِ، فَجَمَعُوا بَيْنَ العِلْمِ بِالقُرْآنِ وَالعَمَلِ بِهِ.

كَانَ الوَاحِدُ مِنْهُمْ يَعِيشُ الوَعْدَ وَالوَعِيدَ مِنْ خِلَالِ القُرْآنِ الكَرِيمِ، يَعِيشُ مَعَ القُرْآنِ على الحَقِيقَةِ، فَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِ آيَاتُهُ طَارَ قَلْبُهُ شَوْقَاً للتَّرْغِيبِ، وَوَجَفَ قَلْبُهُ للتَّرْهِيبِ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّهُمْ جَمَعُوا بَيْنَ تِلَاوَتِهِ وَعَرَضُوا أَنْفُسَهُمْ على آيَاتِهِ.

أولاً: كَثْرَةُ التِّلَاوَةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَرِيصِينَ كُلَّ الحِرْصِ على كَثْرَةِ تِلَاوَةِ القُرْآنِ الكَرِيمِ، وَقَدْ أَثْنَى اللهُ تعالى عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرَّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾.

وَلَا يَحْرِصُ على تِلَاوَةِ القُرْآنِ العَظِيمِ إِلَّا مَنْ أَحَبَّهُ اللهُ تعالى، لِأَنَّ في تِلَاوَتِهِ رَفْعٌ للدَّرَجَاتِ، وَمُضَاعَفَةٌ للحَسَنَاتِ، وَحَطٌّ للذُّنُوبِ والخَطِيئَاتِ، وَيَكُونُ القُرْآنُ شَفِيعَاً لَهُ؛ فَكَثْرَةُ تِلَاوَةِ القُرْآنِ الكَرِيمِ مِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ التي يُوَفَّقُ لَهَا العَبْدُ بَعْدَ نِعْمَةِ الإِيمَانِ.

ثانياً: عَرْضُ النَّفْسِ على الآيَاتِ الكَرِيمَةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ الصَّحْبُ الكِرَامُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ يَعْرِضُونَ أَنْفُسَهُمْ على كُلِّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ تعالى، فَلَا يَتَجَاوَزُ أَحَدُهُمُ الآيَةَ إِلَّا بَعْدَ عَرْضِ نَفْسِهِ عَلَيْهَا، وَالنَّظَرِ إلى مَوْقِفِهِ مِنْهَا.

لَقَدْ كَانُوا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ إِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ ائْتَمَرُوا بِهِ، وَإِذَا جَاءَهُمْ نَهْيٌ انْتَهَوْا عَنْهُ، وَكَانُوا حَرِيصِينَ كُلَّ الحِرْصِ على أَنْ يَكُونَ القُرْآنُ حُجَّةً لَهُمْ لَا عَلَيْهِمْ، وَكَانُوا يَقِفُونَ مِنْهُ وِقْفَةَ الخَائِفِ الوَجِلِ؛ يَقُولُ مُجَاهِدٌ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: عَرَضَتُ الْقُرْآنَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ثَلَاثَ عَرَضَاتٍ، أُوقِفُهُ عَلَى كُلِّ آيَةٍ، أَسْأَلُهُ فِيمَ نَزَلَتْ؟ وَكَيْفَ كَانَتَ؟ رواه الحاكم.

«إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ القُرْآنَ»:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ أَقْرَأَ الصَّحَابَةِ للقُرْآنِ بِشَهَادَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، روى الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالحَلَالِ وَالحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ؛ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ».

وروى الشيخان عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: ذَكَرَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ لَا أَزَالُ أُحِبُّهُ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «خُذُوا القُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ، مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَسَالِمٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ».

مَا هَذَا الشَّرَفُ العَظِيمُ لِسَيِّدِنَا أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؟ بَلِ الأَعْظَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ اللهَ تعالى أَمَرَ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَاجِعَ القُرْآنَ مَعَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، روى الإمام البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: «إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أُقْرِئَكَ القُرْآنَ».

قَالَ: آللهُ سَمَّانِي لَكَ؟

قَالَ: «نَعَمْ».

قَالَ: وَقَدْ ذُكِرْتُ عِنْدَ رَبِّ العَالَمِينَ؟

قَالَ: «نَعَمْ». فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ.

وروى الشيخان عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِأُبَيٍّ: «إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ القُرْآنَ».

قَالَ أُبَيٌّ: آللهُ سَمَّانِي لَكَ؟

قَالَ: «اللهُ سَمَّاكَ لِي».

فَجَعَلَ أُبَيٌّ يَبْكِي؛ قَالَ قَتَادَةُ: فَأُنْبِئْتُ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَيْهِ: ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ﴾.

وروى الترمذي عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ القُرْآنَ».

فَقَرَأَ عَلَيْهِ ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾. وَقَرَأَ فِيهَا: «إِنَّ ذَاتَ الدِّينِ عِنْدَ اللهِ الحَنِيفِيَّةُ المُسْلِمَةُ لَا اليَهُودِيَّةُ وَلَا النَّصْرَانِيَّةُ وَلَا المَجُوسِيَّةُ مَنْ يَعْمَلْ خَيْرَاً فَلَنْ يُكْفَرَهُ». وَقَرَأَ عَلَيْهِ: «لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَاً مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى إِلَيْهِ ثَانِيَاً، وَلَوْ كَانَ لَهُ ثَانِيَاً، لَابْتَغَى إِلَيْهِ ثَالِثَاً، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَنْ تَابَ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَؤُلَاءِ هُمُ الرِّجَالُ، هَؤُلَاءِ هُمْ أَهْلُ القُرْآنِ، هَؤُلَاءِ هُمُ السُّعَدَاءُ، هَؤُلَاءِ هُمُ الذينَ كَانُوا أَهْلَاً للاصْطِفَاءِ، هَؤُلَاءِ هُمُ الذينَ عَاشُوا مَعَ القُرْآنِ العَظِيمِ تِلَاوَةً وَتَدَبُّرَاً وَعَمَلَاً وَتَبْلِيغَاً.

هَؤُلَاءِ كَانُوا خُدَّامَاً لِكِتَابِ اللهِ تعالى الذي هُوَ سِرُّ سَعَادَتِهِمْ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؛ وَهَذَا سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُوصِي المُسْلِمِينَ بِأَنْ يَأْخُذُوا العُلُومَ الشَّرْعِيَّةَ مِنَ المُتَخَصِّصِينَ المُتَبَحِّرِينَ في أُصُولِهَا؛ يَقُولُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْقُرْآنِ فَلْيَأْتِ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فَلْيَأْتِ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ المَالِ فَلْيَأْتِنِي، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَنِي خَازِنَاً. رواه الحاكم.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يَتَأَسَّى بِهَؤُلَاءِ الرِّجَالِ الكُمَّلِ. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 21/ ربيع الثاني/1438هـ، الموافق: 19/كانون الثاني / 2017م