146ـ نحو أسرة مسلمة:قيمة كل من الزوجين بأخلاقه

 

نحو أسرة مسلمة

146ـ قيمة كل من الزوجين بأخلاقه

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ أَسْبَابِ الشَّقَاءِ في الحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ سُوءُ المُعَاشَرَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، أَو أَحَدِهِمَا، فَإِذَا أَسَاءَ الزَّوْجُ عِشْرَتَهُ مَعَ زَوْجَتِهِ، وَأَصْبَحَ لَا يُبَالِي بِأَيِّ كَلِمَةٍ قَالَهَا، وَلَا بِأَيِّ فِعْلٍ فَعَلَهُ، عِنْدَهَا تَبْدَأُ المَشَاكِلُ، وَيَبْدَأُ كُلٌّ مِنْهُمَا يَتَرَبَّصُ بِالآخَرِ الدَّوَائِرَ.

يَقُولُ مَوْلَانَا جَلَّتْ عَظَمَتُهُ: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْـمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئَاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرَاً كَثِيرَاً﴾. وَهَذَا مِنْ حَقِّ المَرْأَةِ على زَوْجِهَا، وَمَا كَانَ مِنْ حَقِّهَا على زَوْجِهَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا نَحْوَ زَوْجِهَا، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْـمَعْرُوفِ﴾. فَمِنْ حَقِّ المَرْأَةِ أَنْ يُعَاشِرَهَا زَوْجُهَا بِخُلُقٍ حَسَنٍ، كَمَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا نَحْوَهُ.

قِيمَةُ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ بِأَخْلَاقِهِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: حُسْنُ المُعَاشَرَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ دَلِيلٌ على كَمَالِ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ، كَمَا أَنَّ سُوءَ المُعَاشَرَةِ بَيْنَهُمَا دَلِيلٌ على نَقْصِهِمَا، مَا قِيمَةُ الرَّجُلِ وَمَا قِيمَةُ كُلٍ مِنَ الزَّوجَيْنِ إِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَيِّئَ الأَخْلَاقِ سَيِّئَ الـعِشْرَةِ؟ مَا قِيمَةُ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ إِذَا كَانَ الوَاحِدُ مِنْهُمَا بَذِيءَ اللِّسَانِ، كَثِيرَ السَّبِّ وَاللَّعْنِ وَالطَّعْنِ، مَمْلُوءَاً بِالكِبْرِ، مُنْتَفِخَاً بِالغُرُورِ؟ مَا قِيمَةُ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ إِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَشِفُّ الكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ مِنَ الآخَرِ، وَيَتَسَوَّلُ مِنْهُ البَسْمَةَ الحَانِيَةَ؟

تَرَى الوَاحِدَ مِنْهُمَا خَارِجَ بَيْتِهِ يُدَاعِبُ النَّاسَ، وَيُلَاطِفُ الآخَرِينَ، وَيمَازِحُ القَوْمَ، وَإِذَا مَا دَخَلَ إلى بَيْتِهِ فَسَبٌّ وَشَتْمٌ وَلَعْنٌ وَطَعْنٌ وَتَأَفُّفٌ وَعُبُوسُ وَجْهٍ؛ وَهَذَا هُوَ الظُّلمُ بِعَيْنِهِ؛ أَيُّ سَعَادَةٍ يَنْشُدُهَا كُلٌّ مِنْهُمَا في حَيَاتِهِ الزَّوْجِيَّةِ مَعَ سُوءِ العِشْرَةِ الزَّوْجِيَّةِ؟

مُقَوِّمَاتُ السَّعَادَةِ الزَّوْجِيَّةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: السَّعِيدُ مَنْ أَسْعَدَهُ اللهُ تعالى، وَالشَّقِيُّ مَنْ أَشْقَاهُ اللهُ تعالى، فَمَنْ أَرَادَ السَّعَادَةَ فَلَا يَسَعُهُ إلا طَاعَةُ اللهِ تعالى وَطَاعَةُ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

مِمَّا يُعِينُ على السَّعَادَةِ الزَّوْجِيَّةِ الْتِزَامُ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْـمَعْرُوفِ﴾. وَكَمَا قُلْتُ مَا كَانَ حَقَّاً للزَّوْجَةِ هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا، وَلَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَيْرَ زَوْجٍ لِزَوْجِهِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي» رواه الترمذي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَيْنَ نَحْنُ مِنْ هَدْيِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَقَفَ على المِنْبَرِ أَخْشَعَ القُلُوبَ، وَقَادَ الأُمَّةَ إلى جَادَّةِ الصَّوَابِ، وَمَا كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَأْخُذُهُ في اللهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَرْتَعِدُ مِنْهُ الفَرَائِصُ هَيْبَةً وَإِجلَالَاً، وَمَعَ ذَلِكَ كَانَ إِذَا دَخَلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بُيُوتَهُ دَخَلَ أَكْرَمَ بَعْلٍ، وَأَكْرَمَ زَوْجٍ على أَهْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، دَخَلَ بِالأُلْفَةِ وَالمَحَبَّةِ وَالتَّوَاضُعِ، مَا كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ عَلَيْهِم ـ حَاشَاهُ مِنْ ذَلِكَ ـ وَهُوَ يُشْعِرُهُمْ أَنَّهُ عَظِيمٌ وَكَبِيرٌ.

كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَدخُلُ وَيُنَادِي زَوْجَهُ بِقَوْلِهِ: «يَا عَائِشَ» رواه الشيخان.

مَا كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَعِيبُ طَعَامَاً قَطُّ، فَإِذَا وَجَدَ خَيْرَاً حَمِدَ اللهَ تعالى، وَرَدَّ الجَمِيلَ بِأَجْمَلَ مِنْهُ، وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ شَكَرَ وَصَبَرَ وَذَكَرَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ.

روى أبو داود عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ عَلَيَّ قَالَ: «هَلْ عِنْدَكُمْ طَعَامٌ؟» فَإِذَا قُلْنَا: لَا؛ قَالَ: «إِنِّي صَائِمٌ».

لَو دَخَلَ أَحَدُنَا إلى بَيْتِهِ بَعْدَ عَمَلِهِ، وَنَادَى أَهْلَهُ هَلْ عِنْدَكُمْ طَعَامٌ؟ فَقَالَتْ لَهُ أَهْلُهُ: لَا، مَا عِنْدَنَا طَعَامٌ؛ مَا هِيَ نَتِيجَةُ هَذَا الرَّدِّ؟

نَتِيجَةُ هَذَا الرَّدِّ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ، أَنْ يُقِيمَ الدُّنْيَا وَيُقْعِدَهَا، وَيُـسِيءَ الأَقْوَالَ وَالأَفْعَالَ، وَيَجْرَحَ المَشَاعِرَ بِالإِسَاءَةِ؛ وَإِذَا جُرِحَتِ المَشَاعِرُ بِالإِسَاءَةِ فكَيْفَ يَضْمَنُ هَذَا الزَّوْجُ لِنَفْسِهِ السَّكِينَةَ وَالمَوَدَّةَ وَالرَّحْمَةَ في حَيَاتِهِ الزَّوْجِيَّةِ؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَرِيمُ الأَصْلِ هُوَ مَنْ طَابَتْ شَمَائِلُهُ وَآدَابُهُ وَأَخْلَاقُهُ، العُظَمَاءُ وَالفُضَلَاءُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لَا يَرْتَفِعُونَ إلا بِالتَّوَاضُعِ وَالأَخْلَاقِ المَرْضِيَّةِ وَالمُعَاشَرَةِ بِالمَعْرُوفِ وَالإِحْسَانِ.

لَا يَلِيقُ بِالرَّجُلِ أَنْ يَرَى نَفْسَهُ أَنَّهُ فَوْقَ زَوْجَتِهِ، وَأَنَّهُ المُهَيْمِنُ وَالمُسَيْطِرُ عَلَيْهَا، كَمَا لَا يَلِيقُ بِالمَرْأَةِ هَذَا، مَا أَجْمَلَ خَفْضَ الجَنَاحِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ؟

روى النسائي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: دَخَلَ الْحَبَشَةُ الْـمَسْجِدَ يَلْعَبُونَ فَقَالَ لِي: يَا حُمَيْرَاءُ، أَتُحِبِّينَ أَنْ تَنْظُرِي إِلَيْهِمْ.

فَقُلْتُ: نَعَمْ؛ فَقَامَ بِالْبَابِ وَجِئْتُهُ، فَوَضَعْتُ ذَقَنِي عَلَى عَاتِقَهُ، فَأَسْنَدْتُ وَجْهِي إِلَى خَدِّهِ.

قَالَتْ: وَمِنْ قَوْلِهِمْ يَوْمَئِذٍ أَبَا الْقَاسِمِ طَيِّبَاً.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «حَسْبُكِ».

فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَا تَعْجَلْ.

فَقَامَ لِي ثُمَّ قَالَ: «حَسْبُكِ».

فَقُلْتُ: لَا تَعْجَلْ يَا رَسُولَ اللهِ.

قَالَتْ: وَمَا لِي حُبُّ النَّظَرِ إِلَيْهِمْ، وَلَكِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ يَبْلُغَ النِّسَاءَ مَقَامُهُ لِي وَمَكَانِي مِنْهُ.

سُوءُ المُعَاشَرَةِ سَبَبٌ للشَّقَاءِ وَالمَشَاكِلِ في الحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ، فَخِيَارُ الأُمَّةِ هُمْ خِيَارُهُمْ لِأَهْلِهِمْ، روى الحاكم وأبو داود عَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللهِ».

فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ذَئِرْنَ النِّسَاءُ (اجْتَرَأْنَ) عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ.

فَرَخَّصَ فِي ضَرْبِهِنَّ، فَأَطَافَ بِآلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْتَكِينَ أَزْوَاجَهُنَّ.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْتَكِينَ أَزْوَاجَهُنَّ، لَيْسَ أُولَائِكَ بِخِيَارِكُمْ».

في الخِتَامِ، لَا تَطِيبُ شَمَائِلُ الزَّوْجِ إلا بِالتَّوَاضُعِ وَحُسْنِ المُعَاشَرَةِ، وَكَذَلِكَ الزَّوْجَةُ، السَّعَادَةُ تَحْتَاجُ إلى ثَمَنٍ كَبِيرٍ وَتَضْحِيَةٍ، السَّعَادَةُ تَحْتَاجُ إلى الْتِزَامِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْـمَعْرُوفِ﴾.

اللَّهُمَّ عَرِّفْنَا على هَدْيِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَوَفِّقْنَا للاتِّبَاعِ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 22/ محرم /1438هـ، الموافق: 23/ تشرين الأول / 2016م