82-مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم:حبر الأمة والقرآن العظيم

 

مع الصحابة وآل البيت رَضِيَ اللهُ عَنهُم

82ـ حبر الأمة والقرآن العظيم

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ أَصْدَقَ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ العَبْدِ كَلِمَةٌ تُذَكِّرُ الأُمَّةَ بِكَلَامِ اللهِ تعالى، وَإِنَّ أَحَبَّ الكَلَامِ إلى اللهِ تعالى القُرْآنُ الكَرِيمُ، الذي بِهِ خَتَمَ اللهُ تعالى الكُتُبَ السَّمَاويَّةَ وَالرِّسَالَاتِ، وَبِهِ قَطَعَ الحُجَجَ وَالبَيِّنَاتِ، فَهُوَ شَاهِدٌ على وَحْدَانِيَّةِ اللهِ تعالى، وَدَلِيلٌ على عَظَمَةِ اللهِ تعالى، وَأَكْبَرُ دَلِيلٍ على صِدْقِ نُبُوَّةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

لَقَدْ تَكَفَّلَ اللهُ تعالى بِحِفْظِ القُرْآنِ العَظِيمِ، فَقَالَ تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾. وَجَعَلَ أَهْلَ القُرْآنِ في العِزَّةِ وَالمَكَانَةِ وَالجَلَالَةِ وَالكَرَامَةِ مَا لَا يَعْلَمُ حَقيقَتَهَا إِلَّا اللهُ تعالى، وَيَكْفِيهِمْ شَرَفَاً قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَهْلُ الْقُرْآنِ هُمْ أَهْلُ اللهِ وَخَاصَّتُهُ» رواه الحاكم عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَا لَزِمَ أَحَدٌ كِتَابَ اللهِ تعالى إِلَّا قَادَهُ إلى اللهِ تعالى وَرِضَاهُ، وَجَعَلَ قَلْبَهُ مُتَعَلِّقَاً بِاللهِ تعالى، فَكَانَ مِنْ أَطْهَرِ القُلُوبِ وَأَنْقَاهَا وَأَصْفَاهَا.

أَهْلُ القُرْآنِ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ، فَهُمْ مَعَ آيَاتِ اللهِ تعالى لَيْلَاً وَنَهَارَاً، هَانَ عَلَيْهِمُ النَّوْمُ وَالكَرَى، تَرَاهُمْ يَقِفُونَ لَيْلَهُمْ يُنَاجُونَ رَبَّهُمْ، تُحَرِّكُهُمْ آيَاتُ اللهِ تعالى لِيَقِفُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى الحَنَّانِ المَنَّانِ الوَاحِدِ الدَّيَّانِ، فَيَشْتَاقُونَ إلى جَنَّةٍ فِيهَا الرَّوْحُ وَالرَّيْحَانُ، يَخَافُونَ أَنْ يُحْرَمُوا هَذَا النَّعِيمَ، وَخَاصَّةً نِعْمَةَ صُحْبَةِ الذينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ.

وَيَخَافُونَ مِنْ سُوءِ المَآلِ عِنْدَمَا يَقْرَؤُونَ آيَاتٍ فِيهَا ذِكْرُ النِّيرَانِ وَالجَحِيمِ وَسَخَطِ الدَّيَّانِ، هَكَذَا يَكُونُ لَيْلُهُمْ؛ أَمَّا نَهَارُهُمْ فَتَرَاهُمْ وَقَّافِينَ عِنْدَ حُدُودِ اللهِ تعالى لَا يَتَجَاوَزُونَهَا، بَلْ وَلَا يَقْرَبُوهَا.

إِنْ قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَكِتَابُ رَبِّي مَوْجُودٌ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ عَاشَ أَصْحَابُ وَآلُ بَيْتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ القُرْآنِ العَظِيمِ صِغَارَاً وَكِبَارَاً، رِجَالَاً وَنِسَاءً، لِأَنَّهُ غَيَّرَ مَنْهَجَ حَيَاتِهِمْ، فَقَدْ نَقَلَهُمْ مِنَ الضَّلَالِ إلى الهُدَى، وَمِنَ الشَّقَاءِ إلى السَّعَادَةِ، وَمِنَ الظُّلمَةِ إلى النُّورِ، وَجَدُوا لَذَّتَهُ في قُلُوبِهِمْ؛ وَبِبَرَكَةِ القُرْآنِ العَظِيمِ تَفَجَّرَتْ يَنَابِيعُ الحِكْمَةِ مِنْ قٌلُوبِهِمْ على أَلْسِنَتِهِمْ، وَظَهَرَتْ دَلَائِلُ الحَقِّ بِبَرَكَتِهِ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ.

وَلَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا إِمَامَ الصَّحَابَةِ وَآلِ البَيْتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ جَمِيعَاً في ذَلِكَ، فَكَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِذَا وَقَفَ يَتْلُو كِتَابَ اللهِ تعالى تَفَجَّرَتْ يَنَابِيعُ الحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ على لِسَانِهِ بِبَرَكَةِ دُعَاءِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَازَ بِدُعَاءِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ فَازَ هَذَا الصَّحَابِيُّ الجَلِيلُ الشَّابُّ الفَتَى بِدُعَاءِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: ضَمَّنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى صَدْرِهِ، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الحِكْمَةَ» وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: «عَلِّمْهُ الكِتَابَ».

وَظَهَرَتْ إِجَابَةُ دَعْوَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى كَانَ يُسَمَّى البَحْرَ، وَيُسَمَّى الحَبْرَ، فَكَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حَبْرَاً وَبَحْرَاً للأُمَّةِ في عِلْمِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَالعَمَلِ بِمَا فِيهِمَا.

وَقَدْ كَانَ يَقُولُ لَهُ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إِنَّكَ لَأَصْبَحُ فِتْيَانِنَا وَجْهَاً، وَأَحْسَنُهُمْ عَقْلَاً، وَأَفْقَهُهُمْ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. البداية والنهاية.

وَكَانَ إِذَا أَقْبَلَ يَقُولُ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ذَاكُمْ فَتَى الْكُهُولِ، إِنَّ لَهُ لِسَانَاً سَؤُولَاً، وَقَلْبَاً عَقُولَاً. رواه الحاكم.

وَقَالَ عَنْهُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: نِعْمَ تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ. رواه الحاكم.

وَهَذِهِ العِبَارَةُ قَالَهَا ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَقَدْ مَاتَ ابْنُ مَسْعُودٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ مِنَ الهِجْرَةِ، وَعَمَّرَ بَعْدَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا سِتَّاً وَثَلَاثِينَ سَنَةً، فَمَا ظَنُّكَ بِمَا حَصَّلَهُ مِنَ العُلُومِ في هَذِهِ المُدَّةِ؟

وروى الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: اسْتَخْلَفَ عَلِيٌّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَلَى المَوْسِمِ ـ مَوْسِمِ الحَجِّ ـ فَخَطَبَ النَّاسَ، فَقَرَأَ في خُطْبَتِهِ سُورَةَ البَقَرَةِ ـ وَفِي رِوَايَةٍ: سُورَةَ النُّورِ ـ فَفَسَّرَهَا تَفْسِيرَاً لَوْ سَمِعَتْهُ الرُّومُ وَالتُّرْكُ وَالدَّيْلَمُ لَأَسْلَمُوا. كُلُّ هَذَا بِبَرَكَةِ دُعَاءِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذَا الصَّحَابِيُّ الجَلِيلُ لَمَّا رَأَى عَظَمَةَ التَّنْزِيلِ وَمَآلَهُ عِنْدَ اللهِ جَلَّ جَلَالُهُ، أَحَبَّ كِتَابَ اللهِ تعالى وَتَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِهِ، فَلَمَّا قُبِضَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَعَلَّقَ بِكَلَامِ اللهِ تعالى، وَكَأَنَّ لِسَانَ حَالِهِ يَقُولُ: إِنْ قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَكِتَابُ رَبِّي مَوْجُودٌ، وَإِنْ ذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَكَلَامُ اللهِ تعالى غَيْرُ مَفْقُودٍ، وَتَذَكَّرَ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابَ اللهِ» رواه الإمام مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ لَزِمَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا بَابَ سَيِّدِنَا زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يَسْأَلُهُ عَنِ القُرْآنِ آيَةً آيَةً، لِأَنَّهُ كَانَ كَاتِبَ الوَحْيِ وَرَأْسَ أَهْلِ المَدِينَةِ في القَضَاءِ وَالفِقْهِ وَالقِرَاءَةِ وَالفَرَائِضِ.

كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يُعَظِّمُ مَنْ كَانَ يَعْرِفُ كَلَامَ اللهِ تعالى:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يُعَظِّمُ مَنْ كَانَ يَعْرِفُ كَلَامَ اللهِ تعالى، وَحَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

لَقَدْ كَانَ رَغْمَ حَدَاثَةِ سِنِّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ يَنْهَلُ مِنْ مَعِينِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قُبِضَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَلَحِقَ بِجِوَارِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، تَوَجَّهَ إلى كِبَارِ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لِيَأْخُذَ مِنْهُمْ وَيَتَلَقَّى عَنْهُمْ، وَكَانَ عُمُرُهُ حِينَئِذٍ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَبِيعَاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنُسْمِعْ أَبْنَاءَنَا سِيرَةَ هَذَا الصَّحَابِيِّ الجَلِيلِ، لَعَلَّ اللهَ تعالى أَنْ يُلْحِقَنَا بِهِ مَعَ أُصُولِنَا وَفُرُوعِنَا، لَقَدْ كَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ مَعَ حَدَاثَةِ سِنِّهِ عَاشِقَاً لِكِتَابِ اللهِ تعالى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَبَعْدَ وَفَاةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَزِمَ بَابَ سَيِّدِنَا زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَكَانَ يُبَكِّرُ قَبْلَ صَلَاةِ الفَجْرِ، وَيَذْهَبُ لِيَنَامَ على عَتَبَةِ بَابِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، حَتَّى إِذَا خَرَجَ إلى صَلَاةِ الفَجْرِ أَيْقَظَهُ؛ وَكَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَخْرُجُ في شِدَّةِ الهَاجِرَةِ لِكَيْ يَسْأَلَ صَحَابِيَّاً عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَو حَدِيثٍ مِنْ أَحَادِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

يَقُولُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كَانَ إِذَا بَلَغَنِي الْحَدِيثُ عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ صَحَابَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَتَيْتُ بَابَ بَيْتِهِ فِي وَقْتِ قَيْلُولَتِهِ، وَتَوَسَّدْتُ رِدَائِي عِنْدَ عَتَبَةِ دَارِهِ، فَتَسْفِي عَليَّ الرِّيحُ مِنَ التُّرَابِ مَا تَسْفِي، وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أَسْتَأَذِنَ عَلَيْهِ لأَذِنَ لِي.

وَإِنَّمَا كُنْتُ أَفْعَلُ ذَلِكَ لِأُطَيِّبَ نَفْسَهُ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ رَآنِي عَلَى هَذِهِ الْحَالِ وَقَالَ: يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، مَا جَاءَ بِكَ، هَلَّا أَرْسَلْتَ إِلَيَّ فَآتِيكَ؟

فَأَقُولُ: أَنَا أَحَقُّ بِالْـمَجِيءِ إِلَيْكَ، فَالْعِلْمُ يُؤْتَى وَلا يَأْتِي؛ ثُمَّ أَسْأَلُهَ عَنِ الْحَدِيثِ. كَذَا في مَوَارِدِ الظَّمْآنِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَمَّا تُوُفِّيَ سَيِّدُنَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَقَفَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَمَامَ ذَلِكَ العَالِمِ الجَلِيلِ الذي فَقِهَ القُرْآنَ العَظِيمَ، فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ، وَبَكَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، وَقَالَ: أَلَا مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ كَيْفَ يَقْبِضُ اللهُ العِلْمَ، فَلْيَنْظُرْ، هَكَذَا يَقْبِضُ اللهُ العِلْمَ بِمَوْتِ العُلَمَاءِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ طَيَّبَ الصَّحَابَةُ وَآلُ البَيْتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ مَجَالِسَهُمْ بِذِكْرِ اللهِ تعالى، وَبِتِلَاوَةِ القُرْآنِ العَظِيمِ، وَبِطَاعَةِ اللهِ تعالى، وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، طَيَّبُوا بِذَلِكَ مَجَالِسَهُمْ، وَعَمَّرُوا بِذَلِكَ أَوْقَاتَهُمْ، فَتَوَجَّهَتْ قُلُوبُهُمْ إلى اللهِ تعالى، بَعْدَ أَنْ تَنَوَّرَتْ بِنُورِ القُرْآنِ الكَرِيم، وَبِهَدْيِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَا أَطْيَبَ المَجَالِسَ إِذَا طُيِّبَتْ بِذِكْرِ اللهِ تعالى، وَتلَاوَةِ القُرْآنِ العَظِيمِ، وَمَا أَطْيَبَهَا إِذَا طُيِّبَتْ بِطَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، مَا الذي يَأْخُذُهُ المُؤْمِنُ مِنْ هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا غَيْرَ كَلِمَةٍ تَدُلُّهُ على اللهِ تعالى؟

وَاللهِ إِنَّ أَطْيَبَ طِيبٍ لِمَجَالِسِنَا، وَخَاصَّةً في هَذِهِ الآوِنَةِ، هُوَ ذِكْرُ اللهِ تعالى وَالقُرْآنُ العَظِيمُ، وَإِنَّ خَيْرَ مَا نُعَمِّرُ بِهِ أَوْقَاتَنَا كَلَامُ اللهِ تعالى، هَذَا الكَلَامُ الذي أَنْزَلَهُ اللهُ تعالى هِدَايَةً وَنُورَاً يَقُودُنَا إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى إلى دَارِ السَّلَامِ، هَذَا الكَلَامُ الذي لَا تَنْتَهِي عَجَائِبُهُ، وَلَا تَنْقَضِي غَرَائِبُهُ، هُوَ الجَدُّ لَا الهَزْلُ، هُوَ القَوْلُ الحَقُّ الفَصْلُ، هُوَ كَلَامُ رَبِّ العَالَمِينَ، هُوَ مَوْعِظَةُ اللهِ تعالى للأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ.

كَمْ مِنْ قُلُوبٍ انْقَادَتْ إلى اللهِ تعالى بِالقُرْآنِ العَظِيمِ؟ وَكَمْ مِنْ سَبِيلٍ تَنَوَّرَ بِالقُرْآنِ العَظِيمِ؟ وَكَمْ مِنْ ضَالٍّ هُدِيَ بِالقُرْآنِ العَظِيمِ؟ وَكَمْ مِنْ غَافِلٍ تَيَقَّظَ قَلْبُهُ بِالقُرْآنِ العَظِيمِ؟ وَكَمْ مِنْ حَائِرٍ هُدِيَ بِالقُرْآنِ العَظِيمِ؟

إِنَّ كَلَامَ اللهِ تعالى سَمِعَتْهُ الجِنُّ، فَآمَنَتْ وَأَقَرَّتْ وَصَدَّقَتْ بِهِ، وَقَالُوا: ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنَاً عَجَبَاً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدَاً﴾. أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَجْعَلَ القُرْآنَ العَظِيمَ رَبِيعَ قُلُوبِنَا، وَنُورَ أَبْصَارِنَا وَبَصَائِرِنَا، وَأَنْ يَكُونَ حُجَّةً لَنَا لَا عَلَيْنَا. آمين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الخميس: 24/ صفر الخير /1438هـ، الموافق: 24/تشرين الثاني / 2016م