4ـ دروس رمضانية 1438هـ:احفظوا صيامكم من النواقض

 

دروس رمضانية 1438هـ

4ـ احفظوا صيامكم من النواقض

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: شَهْرُ رَمَضَانَ مَحَطَّةٌ لِتَجْدِيدِ الإِيمَانِ، وتَغْذِيَةِ الرُّوحِ، والتَّزَوُّدِ لِيَوْمِ القِيَامَةِ، فَهُوَ شَهْرُ الخَيْرَاتِ، وهوَ شَهْرٌ يَغْفِرُ اللهُ فِيهِ الذُّنُوبَ، ويُكَفِّرُ السَّيِّئَاتِ، ويُضَاعِفُ فِيهِ الثَّوَابَ، ويَرْفَعُ فِيهِ الدَّرَجَاتِ.

شَهْرٌ أَوَّلُهُ رَحْمَةٌ، وأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ، وآخِرُهُ عِتْقٌ من النَّارِ، أُعْطِيَتْ فِيهِ الأُمَّةُ خَمْسَ خِصَالٍ، لَمْ تُعْطَهُنَّ أُمَّةٌ من الأُمَمِ قَبْلَهَا.

روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «أُعْطِيَتْ أُمَّتِي خَمْسَ خِصَالٍ فِي رَمَضَانَ، لَمْ تُعْطَهَا أُمَّةٌ قَبْلَهُمْ، خُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَتَسْتَغْفِرُ لَهُم الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يُفْطِرُوا، وَيُزَيِّنُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ كُلَّ يَوْمٍ جَنَّتَهُ، ثُمَّ يَقُولُ: يُوشِكُ عِبَادِي الصَّالِحُونَ أَنْ يُلْقُوا عَنْهُمُ الْمَؤُونَةَ وَالْأَذَى، وَيَصِيرُوا إِلَيْكِ وَيُصَفَّدُ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، فَلَا يَخْلُصُوا إِلَى مَا كَانُوا يَخْلُصُونَ إِلَيْهِ فِي غَيْرِهِ، وَيُغْفَرُ لَهُمْ فِي آخِرِ لَيْلَةٍ».

قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَهِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ؟

قَالَ: «لَا، وَلَكِنَّ الْعَامِلَ إِنَّمَا يُوَفَّى أَجْرَهُ إِذَا قَضَى عَمَلَهُ».

احْفَظُوا صِيَامَكُم من النَّوَاقِضِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: اِحْفَظُوا صِيَامَكُم من النَّوَاقِضِ والنَّوَاقِصِ، فمن النَّاسِ مَن يَـقْصُرُ صَوْمَهُ على الإِمْسَاكِ عن الطَّعَامِ والشَّرَابِ فَحَسْبُ، ويُطْلِقُ لِجَوَارِحِهِ العِنَانَ تَصُولُ وتَجُولُ في المُحَرَّمَاتِ قَوْلاً وفِعْلاً، ونَظَرَاً واسْتِمَاعَاً، وهؤلاءِ قد فَرَّطُوا وضَيَّعُوا حَقِيقَةَ الصَّوْمِ.

روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ».

وروى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «قَالَ اللهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا، إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ».

ويَقُولُ جَابِرُ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُما: إذَا صُمْت فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ، وَبَصَرُكَ، وَلِسَانُكَ عَن الْكَذِبِ وَالْمَأْثَمِ، وَدَعْ أَذَى الْخَادِمِ وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ، وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ، وَلَا تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَيَوْمَ صَوْمِكَ سَوَاءً.

وروى الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ، وَكَمْ مِنْ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ».

وروى الإمام مسلم عن جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ».

تَمَامُ الصَّوْمِ وكَمَالُهُ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ تَمَامَ الصَّوْمِ وكَمَالَهُ لا يَتِمُّ إلا بِسِتَّةِ أُمُورٍ:

الأَوَّلُ: غَضُّ البَصَرِ، وكَفُّهُ عن الاتِّبَاعِ في النَّظَرِ إلى كُلِّ مَا يَحْرُمُ، قَالَ تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾.

وروى الإمام أحمد عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ عَنْ نَظْرَةِ الْفَجْأَةِ، فَأَمَرَنِي فَقَالَ: «اصْرِفْ بَصَرَكَ».

الحِذَارِ الحِذَارِ من النَّظَرِ إلى مَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إِلَيهِ، فلا تَجْرَحْ أَيُّهَا الصَّائِمُ صِيَامَكَ بالنَّظَرِ إلى النِّسَاءِ والمُحَرَّمَاتِ.

الثَّانِي: حِفْظُ اللِّسَانِ عَن كُلِّ مَا حُرِّمَ عَلَيكَ، فَمَن أَطْلَقَ لِسَانَهُ سَلَكَ بِهِ الشَّيْطَانُ في كُلِّ مَيْدَانٍ، وسَاقَهُ إلى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ، إلى أَنْ يُضْطَّرَّهُ إلى البَوَارِ، روى الترمذي عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ:  «أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ كُلِّهِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟»

قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ.

قَالَ: «رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ».

ثُمَّ قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟»

قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللهِ.

فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، قَالَ: «كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا».

فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟

فَقَالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ».

الثَّالِثُ: كَفُّ السَّمْعِ عن الإِصْغَاءِ إلى كُلِّ مُحَرَّمٍ، ولقد سَوَّى اللهُ عزَّ وجلَّ بَيْنَ المُسْتَمِعِ إلى الحَرَامِ مَعَ آكِلِ السُّحْتِ، فَقَالَ تعالى: ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾.

إذا لَمْ يَـكـُنْ في الـسَّمْعِ مِنِّي تَـصَاوُنٌ   ***   و في بَصَرِي غَضٌّ وفي مَنْطِقِي صَـمْتُ

فَحَظَّيَّ من صَوْمِيَ هُوَ الجُوعُ والظَّمَا   ***   وَإِنْ قُلْتُ إِنِّي صُمْتُ يَوْمِي فَمَا صُمْتُ

الرَّابِعُ: كَفُّ جَمِيعِ الجَوَارِحِ عن الآثَامِ والمُخَالَفَاتِ، ولِيَذْكُرْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا قَوْلَهُ تعالى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولَاً﴾.

الخَامِسُ: أَنْ لا يَسْتَكْثِرَ الصَّائِمُ من طَعَامِ الحَلالِ وَقْتَ الإِفْطَارِ، أَمَّا الحَرَامُ فَسُمٌّ مُهْلِكٌ للدِّينِ، والحَلالُ دَوَاءٌ يَنْفَعُ قَلِيلُهُ، ويَضُرُّ كَثِيرُهُ.

السَّادِسُ: أَنْ يَكُونَ قَلْبُ الصَّائِمِ بَعْدَ الإِفْطَارِ مُعَلَّقَاً بَيْنَ الخَوْفِ الرَّجَاءِ، إذْ لَيْسَ يَدْرِي أَيُقْبَلُ صَوْمُهُ فَيَكُونُ من المُقَرَّبِينَ، أو يُرَدُّ فَيَكُونُ من المَمْقُوتِينَ؟

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنُحَافِظْ على صِيَامِنَا من الضَّيَاعِ لَعَلَّ اللهَ تعالى يُكْرِمُنَا بِدُخُولِ الجَنَّةِ من بَابِ الرَّيَّانِ، روى الإمام البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ».

وفي رواية الترمذي: «وَمَنْ دَخَلَهُ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدَاً».

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنهُم. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 2/رمضان /1438هـ ، الموافق: 28/أيار / 2017م