6ـدروس رمضانية 1438هـ:يا من ألف الذنوب وأجرم

 

دروس رمضانية 1438هـ

6ـ يا من ألف الذنوب وأجرم

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: للهِ الحَمْدُ وَالمِنَّةُ أَنْ بَلَّغَنَا شَهْرَ رَمَضَانَ، مَعَ تَمَامِ الصِّحَّةِ وَالعَافِيَةِ، للهِ الحَمْدُ وَالمِنَّةُ أَنْ بَلَّغَنَا شَهْرَ رَمَضَانَ، مَعَ نِعْمَةِ الإِيمَانِ وَالإِسْلَامِ، للهِ الحَمْدُ وَالمِنَّةُ أَنْ بَلَّغَنَا شَهْرَ رَمَضَانَ، مَعَ نِعْمَةِ التَّوْفِيقِ للطَّاعَاتِ، للهِ الحَمْدُ وَالمِنَّةُ أَنْ بَلَّغَنَا شَهْرَ رَمَضَانَ، وَقَدْ وَفَّقَنَا للصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالقِيَامِ.

كَم مِن حَبِيبٍ فَقَدنَاهُ؟

وَكَم مِن عَزِيزٍ دَفَنَّاهُ؟

وَكَم مِن رَجُلٍ وامرَأَةٍ، وصَغِيرٍ وكَبِيرٍ في اللَّحدِ أضجَعنَاهُ؟

وَكَم مِن بَيتٍ تَهَدَّمَ؟

وَكَم مِن امرَأَةٍ رُمِّلَت؟

وَكَم مِن طِفلٍ يُتِّمَ؟

وَكَم مِن طِفلٍ وامرَأَةٍ، وكَبِيرٍ وضَعِيفٍ ومَرِيضٍ رُوِّعَ؟

وَنَحْنُ بِفَضْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا لَمْ نَكُنْ سَبَبَاً في ذَلِكَ، لَا بِأَلْسِنَتِنَا، وَلَا بِأَيْدِينَا، وَلَا بِأَمْوَالِنَا، كَمْ هِيَ نِعْمَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا عَظِيمَةٌ؟

يَا مَنْ أَلِفَ الذُّنُوبَ وَأَجْرَمَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: ارْحَمُوا مَنْ أَلِفَ الذُّنُوبَ وَأَجْرَمَ في حَقِّ نَفْسِهِ، وفي حَقِّ أُمَّتِهِ، وفي حَقِّ وَطَنِهِ، وَقُولُوا لَهُ بِلِسَانٍ صَدُوقٍ، وَقَلْبٍ رَحِيمٍ:

يَا مَن أَلِفَ الذُّنُوبَ وأَجرَمَ، يَا مَن أَورَدَ نَفسَهُ المَهَالِكَ، وسَلَكَ بِها طَرِيقَ البَوَارِ والخُسرَانِ.

يَا مَن أقَامَها على شَفَا جُرُفٍ هَارٍ.

يَا مَن أغرَقَ نَفسَهُ في المَعَاصِي والأوزَارِ.

يَا مَن ضَيَّعَ الفَرَائِضَ والوَاجِبَاتِ.

يَا مَن نَقَضَ العُهُودَ والمَوَاثِيقَ بَينَهُ وبَينَ اللهِ تعالى، وبَينَهُ وبَينَ العِبَادِ.

يَا مَن اقتَرَفَ الفَوَاحِشَ والآثَامَ، وأَكَلَ أَموالَ النَّاسِ بالبَاطِلِ.

يَا مَن ضَيَّعَ عُمُرَهُ في إضَاعَةِ الصَّلاةِ واتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ.

يَا مَن بِضَاعَتُهُ التَّسوِيلُ والتَّسوِيفُ.

يَا مَن وَقَعَ في الظُّلمِ والظُّلُماتِ: بَادِرْ بالصُّلْحِ والإِصلَاحِ، بَادِرْ بالاصطِلَاحِ مَعَ اللهِ تَعالى، وحَاذِرِ الفَوتَ، ولا تُضَيِّعِ الفُرصَةَ، فَهَذا شَهرُ رَمَضَانَ قَد أَقبَلَ ،فلا تَكُنْ مِمَّن أَبَى، أمَا سَمِعتَ قَولَ سَيِّدِنا رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى».

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟

قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى»؟

يَا مَن أَلِفَ الذُّنُوبَ وأَجرَمَ، وَعَاثَ في الأَرْضِ فَسَادَاً، هَذَا شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ قَدْ أَظَلَّكَ، فَأَجِبْ دَاعِيَ اللهِ: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ.

يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، فالأعمَالُ في شَهرِ رَمَضَانَ تُضَاعَفُ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، لأنَّكَ فَقِيرٌ إلى اللهِ تعالى في سَائِرِ أحوَالِكَ، أنتَ فَقِيرٌ إلى اللهِ تعالى في غِنَاكَ، فَكَيفَ لا تَكُونُ فَقِيراً إلَيهِ في فَقرِكَ؟

أنتَ فَقِيرٌ إلى اللهِ تعالى في قُوَّتِكَ، فَكَيفَ لا تَكُونُ فَقِيراً إلَيهِ في ضَعْفِكَ؟

أنتَ فَقِيرٌ إلى اللهِ تعالى في سِيَادَتِكَ ورِيَادَتِكَ، فَكَيفَ لا تَكُونُ فَقِيراً إلَيهِ وأنتَ المَسُودُ؟

يَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، فَوَرَبِّ الكَعبَةِ سَوفَ تَرَى أعمَالَكَ يَومَ القِيَامَةِ، قال تعالى: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ واللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾.

سَوفَ تَرَى الدِّمَاءَ التي سَفَكتَها يَومَ القِيَامَةِ أمَامَكَ.

سَوفَ تَرَى البُيُوتَ التي هَدَّمتَها يَومَ القِيَامَةِ أمَامَكَ.

سَوفَ تَرَى خُصُومَكَ الذينَ سَلَبْتَ أموَالَهُم، ورَوَّعتَهُم يَومَ القِيَامَةِ في أرضِ المَـحشَرِ يَنتَظِرُونَكَ للقَصَاصِ والفَصلِ بَينَ يَدَيِ اللهِ عزَّ وجلَّ.

خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: نَحْنُ لَا نَمْلِكُ إلا أن نَدعُوَ اللهَ عزَّ وجلَّ قَائِلِينَ: اللَّهُمَّ احقِنْ دِمَاءَ المُسلِمِينَ، واستُرْ أعرَاضَهُم، وأَمِّنْ رَوعَاتِهِم، وَوَلِّ عَلَيهِم خِيَارَهُم، واحفَظْهُم من جَمِيعِ الفِتَنِ ما ظَهَرَ منها وما بَطَنَ، بِرَحمَتِكَ يا أرحَمَ الرَّاحِمِينَ.

وَلَا نَمْلِكُ إِلَّا دَعوَةَ العِبَادِ لأنْ يَصطَلِحُوا مَعَ اللهِ تعالى، ثمَّ يَصطَلِحُوا مَعَ بَعضِهِمُ بَعضَاً، وأن يَضَعُوا أسلِحَتَهُمُ التي أنهَكَتْهُم وأنهَكَتِ الأُمَّةَ، لأنَّ الرَّابِحَ في هذهِ الحَربِ هُم أعدَاءُ الأُمَّةِ مِمَّن قالَ اللهُ تعالى فِيهِم: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾. وقالَ فِيهِم: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاؤُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾.

لا نَملِكُ إلا دَعوَةَ الأُمَّةِ لِتَحكِيمِ شَرعِ اللهِ تعالى فِيما شَجَرَ بَينَهُم، وأن يَتَذَكَّرُوا قَولَ اللهِ تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾.

فهل يا تُرَى سَتَبقَى الأُمَّةُ لآيَاتِ اللهِ عَنِيدَةً؟

يا أيُّها الشَّهرُ العَظِيمُ: أُقَدِّمُ لَكَ اعتِذَارَاً أنا والمُستَضعَفُونَ من هذهِ الأُمَّةِ مِمَّا يَجرِي في بَلَدِنا هذا، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.

مَرحَباً بِكَ يا أيُّها الشَّهرُ العَظِيمُ المُبَارَكُ.

مَرحَباً بِكَ يا شَهرَ الطَّاعَةِ والغُفرَانِ.

مَرحَباً بِكَ يا شَهرَ النُّورِ والبُرهَانِ.

مَرحَباً بِكَ يا شَهرَ الهِدَايَةِ والفُرقَانِ.

مَرحَباً بِكَ يا شَهرَ السَّلامِ والإِسلامِ والقُرآنِ.

مَرحَباً بِكَ يا شَهرَ العِبَادَةِ والسَّعَادَةِ والتَّوبَةِ والإنَابَةِ.

يا أيُّها الشَّهرُ العَظِيمُ المُبَارَكُ، السَّعِيدُ من صَامَ نَهَارَكَ، وقَامَ لَيلَكَ، فَجِئتَ لَهُ شَاهِدَاً عَدْلاً عِندَ رَبِّكَ يَومَ القِيَامَةِ، فَأكرَمَهُ اللهُ تعالى بِمَا لَا عَينٌ رَأَتْ، ولَا أُذُنٌ سَمِعَت، ولَا خَطَرَ عَلى قَلبِ بَشَرٍ.

وَالشَّقِيُّ مَنْ أَضَاعَكَ، فَأَفطَرَ نَهَارَكَ، وأسَاءَ في لَيلِكَ، فَجِئتَ شَاهِدَاً عَلَيهِ عَدْلاً عِندَ رَبِّكَ فَأَذَلَّهُ اللهُ تعالى وأشقَاهُ، وجَعَلَهُ من الخَاسِرِينَ.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 3/رمضان /1438هـ ، الموافق: 29/أيار / 2017م