24ـ دروس رمضانية 1438هـ:رابطة الأخوة الإيمانية

 

دروس رمضانية 1438هـ

24ـ رابطة الأخوة الإيمانية

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ غَايتُهُ التَّقوَى، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾. فاللهَ اللهَ في تَقوَاهُ، واللهَ اللهَ في مُرَاقَبَتِهِ، واللهَ اللهَ في طَاعَتِهِ، واللهَ اللهَ في اجتِنَابِ مَعصِيَتِهِ ﴿إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾.

ما أَحوَجَنَا إلى العَودَةِ الصَّحِيحَةِ لِدِينِنَا:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَا أَحوَجَ الأُمَّةَ إلى العَودَةِ إلى دِينِهَا ومُرَاقَبَةِ اللهِ عزَّ وجلَّ في أَقوَالِهَا وأَفعَالِهَا، ما أَحوَجَ الأُمَّةَ إلى العَودَةِ إلى مَعَالِمِ هذا الدِّينِ الذي لَيسَ فِيهِ أَيُّ التِبَاسٍ، فهوَ دِينٌ كَامِلٌ، وشَرعٌ شَامِلٌ، أَتَمَّهُ اللهُ تعالى وأَكمَلَهُ، قَالَ تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾.

المُتَمَسِّكُ بِهَذَا الدِّينِ حَازَ على سَعَادَةِ الدُّنْيَا والآخِرَةِ، ومن حَادَ عَنهُ فقد خَـسِرَ الدُّنيا والآخِرَةَ، وحَصَلَ لَهُ الشَّقَاءُ والاضطِرَابُ والضِّيقُ، لأنَّهُ لَيسَ على وَجْهِ الأَرضِ دِينٌ حَقٌّ يُتَعَبَّدُ اللهُ بِهِ سِوَى دِينِ الإسلامِ، فهوَ خَاتَمُ الأَديَانِ، وكُلُّ من أَقبَلَ على اللهِ تعالى بِغَيرِهِ بَعدَ بِعثَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَسِرَ الدُّنيا والآخِرَةَ، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ».

رَابِطَةُ الإيمَانِ أَقوَى الرَّوَابِطِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إنَّ رَابِطَةَ الإيمَانِ بَينَنَا هيَ أَقوَى الرَّوَابِطِ، فَرَبُّنَا وَاحِدٌ، وقُرآنُنَا وَاحِدٌ، ونَبِيُّنَا وَاحِدٌ، وقِبلَتُنَا وَاحِدَةٌ، هذهِ الرَّابِطَةُ تَتَحَطَّمُ تَحتَهَا شوَكَةُ أَهلِ الكُفرِ والعُدوَانِ، تَدَبَّرُوا قَولَ اللهِ تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾. ويَقُولُ جَلَّ جَلالُهُ: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾.

أَينَ حُقُوقُ الإخوَةِ بَينَنَا؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: سَوفَ نُسأَلُ يَومَ القِيَامَةِ عن حُقُوقِ هذهِ الإخوَةِ بَينَنَا، ولقد بَيَّنَ لَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حُقُوقَ هذهِ الإخوَةِ بَينَنَا، من هذهِ الحُقُوقِ:

أولاً: مَا روى الحاكم والإمام أحمد عن عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ ـ شَرِيفُهُم يُقتَلُ بِوَضِيعِهِم ـ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ ـ إذَا أعطَى أحَدُهُم أمَانَاً لأحَدٍ جَازَ ـ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ» ـ يَعنِي: ـ هُم يَدٌ وَاحِدة على الكُفَّار ـ.

والالتِزَامُ بهذا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ من التَّقوَى.

ثانياً: مَا روى أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ، وَالْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ، يَكُفُّ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ ـ يَمنَعُ تَلَفَ مَعَاشِهِ ـ، وَيَحُوطُهُ مِنْ وَرَائِهِ» يَعنِي: ـ يَحفَظُهُ ويَصونُهُ ويَذُبُّ عنهُ في غَيبَتِهِ ـ.

والالتِزَامُ بهذا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ من التَّقوَى.

ثالثاً: مَا روى الإمام البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ ـ يَعنِي: أمانَتُهُ وعَهدُهُ ـ، فَلَا تُخْفِرُوا اللهَ فِي ذِمَّتِهِ» ـ يعني: لا تخُونوا الله، ولا تَنقُضُوا عَهدَهُ، وتَغدِرُوا في حَقِّ هّذا المُسلِم ـ

والالتِزَامُ بهذا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ من التَّقوَى.

رابعاً: مَا روى الترمذي عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ، فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ».

والالتِزَامُ بهذا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ من التَّقوَى.

خامساً: مَا روى الإمام أحمد وأبو داود عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِماً».

والالتِزَامُ بهذا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ من التَّقوَى.

سادساً: مَا روى أبو دَاود عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ مُسْلِمٍ أَكْفَرَ رَجُلاً مُسْلِماً ـ يَعنِي: نَسَبَهُ إلى الكُفرِ ـ، فَإِنْ كَانَ كَافِراً، وَإِلَّا كَانَ هُوَ الْكَافِرُ».

والالتِزَامُ بهذا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ من التَّقوَى.

سابعاً: مَا روى الترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْروٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ».

والالتِزَامُ بهذا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ من التَّقوَى.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يا من خَرَجتُم من شَهرِ رَمَضَانَ الذِي غَايَتُهُ التَّقوَى، لِنَتَّقِ اللهَ تعالى في أَنفُسِنَا، ولنتَّقِ اللهَ تعالى في المُؤمِنِينَ، لقد جَمَعَنَا دِينٌ وَاحِدٌ، وكِتَابٌ وَاحِدٌ، ونَبِيٌّ وَاحِدٌ، هوَ سَيِّدُ الأَنَامِ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عَدُوُّنَا وَاحِدٌ، هوَ الذي لا عَهْدَ لَهُ ولا أَمَانَةَ، لا يَرعَى فِينَا إلَّاً ولا ذِمَّةً،  فهل تَصحُو الأُمَّةُ من غَفلَتِهَا، وخَاصَّةً في بِلادِ الشَّامِ؟ وهل تَعرِفُ عَدُوَّهَا الحَقِيقِيَّ لِتَقِفَ في وَجْهِهِ كالبُنيَانِ المَرصُوصِ؟ وهل نَسِيَتِ الأُمَّةُ الصُّهيُونِيَّةَ العَالَمِيَّةَ الأُمَّةَ الخَوَّانَةَ؟

يا أَهلَ سُورِيَّا، أُنَاشِدُكُمُ اللهَ تعالى، اِصطَلِحُوا مَعَ اللهِ تعالى واصطَلِحُوا فِيمَا بَينَكُم، وحَكِّمُوا شَرعَ اللهِ فِيكُم، يا أَهلَ حَلَبَ، اِصطَلِحُوا فِيمَا بَينَكُم، وحَكِّمُوا شَرعَ اللهِ فِيكُم، ولا تَنسَوا رَابِطَةَ الإيمَانِ ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.

اللَّهُمَّ وَفِّقنَا لذلكَ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 14/رمضان /1438هـ ، الموافق: 9/حزيران/ 2017م