35ـ دروس رمضانية 1438هـ : ربنا عز وجل لن يتخلى عن أمة ملتزمة

 

دروس رمضانية 1438هـ

35ـ ربنا عز وجل لن يتخلى عن أمة ملتزمة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إنَّ الثِّقَةَ بِاللهِ تعالى هيَ خُلاصَةُ التَّوَكُّلِ عَلَيهِ، وهيَ قِمَّةُ التَّفويضِ لله تعالى.

إنَّ الثِّقَةَ بالله تعالى تَعني اطْمِئْنَانَ القَلبِ الذي لا يُخالِطُهُ الشَّكُّ بأنَّ اللهَ تعالى لا يُريدُ لِعَبدٍ مُؤمِنٍ إلا الخَيرَ.

إنَّ الثِّقَةَ بالله تعالى تَعني التَّسليمَ المُطلَقَ لله عزَّ وجلَّ، لأنَّ اللهَ تعالى هوَ الأعلَمُ بما يُصلِحُنا وبما يَنفَعُنا وبما يَضُرُّنا، قال تعالى: ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير﴾. وقال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ واللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُون﴾.

ثِقَةُ أُمِّ سيِّدِنا موسى عَلَيهِ السَّلامُ بالله تعالى:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إنَّ الثِّقَةَ بالله تعالى هيَ التي دَفَعَتْ أُمَّ سيِّدِنا موسى عَلَيهِ السَّلامُ لأنْ تُلقِيَ وَلَدَها وفَلْذَةَ كَبِدِها في البَحرِ، لأنَّها على يَقينٍ بأنَّ الآمِرَ ضامِنٌ للنَّتائِجِ.

قَالَ تعالى: ﴿وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى * إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى * أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾.

نَعَم، أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ، ما من شَيءٍ في الوُجودِ إلا وهوَ جُندِيٌّ من جُنودِ الله تعالى القائِلِ: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ﴾. فالبَحرُ جُندِيٌّ من جُنودِ الله تعالى، لذلكَ تَوَجَّهَ إلَيهِ أمرُ الله تعالى: ﴿فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ﴾. وحتَّى فِرعَونُ سَوفَ يَأخُذُ سيِّدَنا موسى عَلَيهِ السَّلامُ رَغمَ أَنفِهِ بأمرٍ من الله تعالى من حَيثُ لا يَشعُرُ، قال تعالى: ﴿يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ﴾. يَأخُذُهُ رَغْمَاً عن أَنفِهِ بدونِ اختِيارٍ منهُ.

نَعَم، أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ، إنَّ الثِّقَةَ بالله تعالى هيَ التي دَفَعَتْ أُمَّ سيِّدِنا موسى عَلَيهِ السَّلامُ لإلقاءِ وَلَدِها في البَحرِ عِندَما خافَتْ عَلَيهِ، قال تعالى آمِراً لها: ﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِين﴾.

عِندَما ألقَتْ وَلَدَها في اليَمِّ ثِقَةً منها بِوَعْدِ ربِّها عزَّ وجلَّ كانَ الجَزاءُ أنْ رَدَّهُ اللهُ تعالى إلَيها، قَالَ تعالى: ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُون﴾.

ثِقَةُ سيِّدِنا موسى عَلَيهِ السَّلامُ بالله تعالى:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لقد رُبِّيَ سيِّدُنا موسى عَلَيهِ السَّلامُ بهذهِ الثِّقَةِ بالله تعالى، حَيثُ تَجَلَّتْ هذهِ التَّربِيَةُ واضِحَةً عِندَما انطَلَقَ سيِّدُنا موسى عَلَيهِ السَّلامُ معَ قَومِهِ فارَّاً من فِرعَونَ وقَومِهِ حتَّى وَصَلوا البَحرَ، فقالَ أصحابُ سيِّدِنا موسى عَلَيهِ السَّلامُ لِنَبِيِّهِم: ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُون﴾. فأجابَهُم إجابَةَ الواثِقِ بِرَبِّهِ: ﴿كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِين﴾.

فماذا كانَت نَتيجَةُ هذهِ الثِّقَةِ بالله الآمِرِ الضَّامِنِ؟ لقد كانَتِ النَّتيجَةُ كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخَافُ دَرَكاً وَلا تَخْشَى * فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُم * وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: نَحنُ بأمَسِّ الحاجَةِ في هذهِ الأزمَةِ إلى هذهِ الثِّقَةِ بالله تعالى، وأن نَكونَ على يَقينٍ بأنَّ الأمرَ بِيَدِ الله تعالى، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الترمذي عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَو اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِـشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَو اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَت الْأَقْلَامُ وَجَفَّت الصُّحُفُ».

لماذا اليَأسُ والقُنوطُ والإحباطُ؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يا أهلَ هذا البَلَدِ الحَبيبِ، لماذا اليَأسُ والقُنوطُ والإحباطُ؟ لماذا فِقدانُ الأمَلِ والثِّقَةِ باللهِ تعالى؟

ألَيسَ اللهُ تعالى هوَ القائِلَ: ﴿لله الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ﴾؟

ألَيسَ اللهُ تعالى هوَ القائِلَ: ﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾؟

ألَيسَ اللهُ تعالى هوَ القائِلَ: ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم﴾؟

ألَيسَ اللهُ تعالى هوَ القائِلَ: ﴿إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُور﴾؟

ألَيسَ اللهُ تعالى هوَ القائِلَ: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً﴾؟

ألَيسَ اللهُ تعالى هوَ القائِلَ: ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا﴾؟ أمَا كانَ خَرْقُ السَّفينَةِ لِصَالِحِ أهلِها؟ أمَا كانَ قَتْلُ الغُلامِ لِصَالِحِ أبَوَيهِ؟ أمَا كانَ بِناءُ الجِدارِ لِصَالِحِ اليَتيمَينِ؟

ألَيسَ اللهُ تعالى هوَ القائِلَ: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً﴾؟

ألَيسَ اللهُ تعالى هوَ القائِلَ: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُون * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِين﴾؟

ألَيسَ اللهُ تعالى هوَ القائِلَ: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيد * كَلا إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيداً * سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً﴾؟

يا أهلَ هذا البَلَدِ الحَبيبِ، لماذا اليَأسُ والقُنوطُ والإحباطُ وفِقدانُ الأمَلِ والثِّقَةِ بالله تعالى، واللهُ تعالى يَقولُ: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُم﴾. ويَقولُ: ﴿اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: ربُّنا عزَّ وجلَّ لن يَتَخَلَّى عن أُمَّةٍ التَزَمَت قَولَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ» رواه الترمذي عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنُفَتِّشْ قُلوبَنا أيَّامَ الأزمَةِ والشِّدَّةِ هل فيها الثِّقَةُ بالله تعالى أم لا؟ هل نَقولُ في الشِّدَّةِ والضِّيقِ لِبَعضِنا البَعضِ: ﴿لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا﴾. هل يُذَكِّرُ بَعضُنا بَعضاً بالله تعالى؟

يا صَاحِبَ الهَمِّ إنَّ الهَمَّ مُنفَرِجٌ   ***   أبـشِـرْ بِـخَـيرٍ فـإنَّ الـفـارِجَ اللهُ

إذا بُـليتَ فَـثِقْ بالله وارضَ به   ***   إنَّ الذي يَكشِفُ البَلوى هوَ اللهُ

نَسألُ اللهَ تعالى أن يَرزُقَنا حُسنَ الظَّنِّ به تعالى، وأن يَجعَلَ ثِقَتَنا به وتَوَكُّلَنا عَلَيهِ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 21/رمضان /1438هـ ، الموافق: 16/حزيران/ 2017م