167ـنحو أسرة مسلمة : الغناء والموسيقا في الحفلات

 

نحو أسرة مسلمة

167ـ الغناء والموسيقا في الحفلات

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ أَمَرَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِبِنَاءِ الأُسْرَةِ المُؤْمِنَةِ، وَأَنْ يَكُونَ بِنَاؤُهَا عَلَى أَسَاسٍ مَتِينٍ، وَعَلَى قَوَاعِدَ رَاسِخَةٍ؛ أَمَرَنَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ نَبْنِيَ الأُسْرَةَ عَلَى أَسَاسٍ مِنَ التَّقْوَى، لِأَنَّهُ مِنَ الأُسْرَةِ تَتَكَوَّنُ المُجْتَمَعَاتُ وَالدُّوَلُ، وَمِنْهَا يَكُونُ المُجْتَمَعُ الكَبِيرُ.

وَحَتَّى تُبْنَى الأُسْرَةُ بِنَاءً صَحِيحَاً جَعَلَ اللهُ تعالى القِوَامَةَ بِيَدِ الرَّجُلِ، فَقَالَ تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾. وَإِنْ قُلْتَ لِمَ القِوَامَةُ بِيَدِ الرَّجُلِ؟

أَقُولُ: لِأَنَّ اللهَ تعالى هُوَ الذي خَلَقَ الرَّجُلَ وَالمَرْأَةَ، وَهُوَ الذي يَعْلَمُ تَكْوِينَ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَإِذَا غَيَّرَ العَبْدُ مَا جَعَلَهُ اللهُ تعالى أَسَاسَاً فَلَنْ يَرَى خَيْرَاً، وَسَوْفَ تَنْقَلِبُ الأُسْرَةُ رَأْسَاً عَلَى عَقِبٍ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عِنْدَمَا انْعَدَمَتْ قِوَامَةُ الرَّجُلِ في بَيْتِهِ انْعَدَمَ هُوَ كُلِّيَّاً، لِأَنَّ مَنِ انْهَزَمَ في بَيْتِهِ، كَانَتْ هَزِيمَتُهُ خَارِجَ البَيْتِ مُحَقَّقَةً.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: قِوَامَةُ الرَّجُلِ عَلَى المَرْأَةِ أَمَانَةٌ عَظِيمَةٌ في أَعْنَاقِ الرِّجَالِ، وَسَوْفَ يُسْأَلُونَ عَنْهَا يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلَمْ يَجْعَلِ اللهُ تعالى القِوَامَةَ بِيَدِ الرَّجُلِ إِلَّا لِعِلْمِهِ بِمَا فُطِرَ عَلَيْهِ الرَّجُلُ، وَمَا فُطِرَتْ عَلَيْهِ المَرْأَةُ، فَالمَرْأَةُ عَاطِفِيَّةٌ، وَمَنْ كَانَ عَاطِفِيَّاً وَلَمْ يَضْبِطْ عَاطِفَتَهُ بِضَوَابِطِ الشَّرِيعَةِ ضَلَّ وَأَضَلَّ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى.

النِّسَاءُ أَمَانَةٌ في أَعْنَاقِ الرِّجَالِ، وَسَوْفَ يُسْأَلُونَ عَنْ هَذِهِ الأَمَانَةِ يَوْمَ القِيَامَةِ، لِذَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ أَنْ يَرَى دَوْرَهُ في بَيْتِهِ مِنْ خِلَالِ مَا رَسَمَ اللهُ تعالى لَهُ، قَالَ تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾. وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» رواه الشيخان عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

أَيْنَ الأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ؟:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَنِ المَسْؤُولُ عَنِ الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ في بُيُوتِ المُسْلِمِينَ؟ هُوَ رَاعِي البَيْتِ، وَمَنْ هُوَ الرَّاعِي غَيْرُ الزَّوْجِ؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: تَسَاهَلُوا مَعَ نِسَائِكُمْ في حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا، فَهِيَ ظِلٌّ زَائِلٌ، وَعَرَضٌ حَائِلٌ، وَلَكِنْ كُونُوا عَلَى حَذَرٍ مِنَ التَّسَاهُلِ مَعَ نِسَائِكُمْ فِيمَا يُغْضِبُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ.

الأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ في البَيْتِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ زَوْجٍ، وَلْيَسْمَعْ كُلُّ زَوْجٍ رَاعٍ في بَيْتِهِ قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بِالمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ، وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ، وَلَيَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرَاً، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللهُ قُلُوبَ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَلَيَلْعَنَنَّكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ» رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَقَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرَاً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

الغِنَاءُ وَالمُوسِيقَا في الحَفَلَاتِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَيْنَ قِوَامَةُ الرِّجَالِ عِنْدَمَا يَرَوْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ وَبَنَاتِهِمُ المُخَالَفَاتِ الشَّرْعِيَّةَ، ثُمَّ يَسْكُتُونَ عَنْهَا؟

عِنْدَمَا تَكُونُ مُنَاسَبَةٌ مِنَ المُنَاسَبَاتِ في بُيُوتِنَا نَرَى الكَثِيرَ مِنَ المُنْكَرَاتِ فِيهَا، وَخَاصَّةً إِذَا كَانَ هُنَاكَ فَرَحٌ وَسُرُورٌ بِزَوَاجِ الابْنِ أَو البِنْتِ، مِنْ هَذِهِ المُنْكَرَاتِ، الغِنَاءُ وَالمُوسِيقَا، مَعَ أَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَذَّرَنَا مِنْ ذَلِكَ.

روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي عَامِرٍ أَوْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ».

الأُمَّةُ إِذَا ارْتَكَبَتْ أُمُورَاً ظَاهِرُهَا التَّحْرِيمُ، والتي مِنْ جُمْلَتِهَا اسْتِحْلَالُ آلَاتِ المَلَاهِي وِالغِنَاءِ ـ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى ـ فَقَدْ حَلَّ الهَلَاكُ فِيهَا لَا في البُيُوتِ فَقَطْ.

روى الترمذي عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فِي هَذِهِ الأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ».

فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَتَى ذَاكَ؟

قَالَ: «إِذَا ظَهَرَتِ القَيْنَاتُ وَالمَعَازِفُ وَشُرِبَتِ الخُمُورُ».

وَيَقُولُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: الْغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ كَمَا يُنْبِتُ المَاءُ الزَّرْعَ. رواه البيهقي.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ فَتَكَ الغِنَاءُ في المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ فَتْكَاً ذَرِيعَاً، وَضَلَّتِ الكَثِيرُ مِنَ الفَتَيَاتِ عَنْ جَادَّةِ الصَّوَابِ بِسَبَبِ الغِنَاءِ، وَخَاصَّةً الغِنَاءُ المَاجِنُ، الذي فِيهِ مَا فِيهِ مِنْ تَحْرِيكِ الغَرَائِزِ وَالمُخَالَفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كُلُّنَا مَسْؤُولٌ عَنْ أُسْرَتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، فَإِذَا لَمْ يَأْخُذِ الزَّوْجُ بِيَدِ زَوْجَتِهِ وَأَبْنَائِهِ غَرِقَ هُوَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقَاً وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعَاً، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعَاً» رواه الإمام البخاري عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الذينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ يُرِيدُونَ لِنِسَائِنَا وَبَنَاتِنَا الانْحِرَافَ ﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلَاً عَظِيمَاً﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَنْ يَحْفَظُنَا مِنْ بَأْسِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إِنْ جَاءَنَا؟

لِنَتَذَكَّرْ حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي رواه الشيخان عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَاً فَزِعَاً مُحْمَرَّاً وَجْهُهُ، يَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ» وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَامِ، وَالَّتِي تَلِيهَا.

قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟

قَالَ: «نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ».

لَا تَكُنْ أَيُّهَا الزَّوْجُ صَالِحَاً فَقَطْ، بَلْ كُنْ صَالِحَاً وَمُصْلِحَاً، وَكُنْ حَرِيصَاً عَلَى بَيْتِكَ، فَأَنْتَ مَسْؤُولٌ عَنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا صَالِحِينَ مُصْلِحِينَ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 27/ جمادى الثانية /1438هـ، الموافق: 26/ آذار / 2017م