87ـ كلمات في مناسبات: درس فجر يوم عيد الأضحى المبارك 1438هـ

 

87ـ كلمات في مناسبات: درس فجر يوم عيد الأضحى المبارك 1438هـ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذَا هُوَ اليَوْمُ الأَخِيرُ مِنْ أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ التي هِيَ أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه البزار وأبو يعلى عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا أَيَّامُ الْعَشْرِ ـ يَعْنِي عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ ـ».

قِيلَ: وَلَا مِثْلُهُنَّ فِي سَبِيلِ اللهِ؟

قَالَ: «وَلَا مِثْلُهُنَّ فِي سَبِيلِ اللهِ إِلَّا رَجُلٌ عَفَّرَ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ».

هَذَا هُوَ اليَوْمُ الأَخِيرُ الذي يُحِبُّ اللهُ تعالى فِيهِ العَمَلَ الصَّالِحَ مِنْ عَبْدِهِ المُؤْمِنِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ».

فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ».

فَالعَاقِلُ فِينَا مَنِ اغْتَنَمَهُ قَبْلَ فَوَاتِهِ، لِأَنَّهُ إِذَا فَاتَ هَذَا اليَوْمُ وَلَمْ يَغْنَمْهُ المُؤْمِنُ قَدْ يَتَحَسَّرُ عَلَيْهِ حَـسْرَةً لَا تَنْفَعُهُ، وَلَا يَدْرِي أَحَدُنَا يَعِيشُ عَامَاً آخَرَ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَذِهِ الأَيَّامُ مَرَّةً أُخْرَى، فَالسَّعِيدُ مَنِ اغْتَنَمَهُ بِالعَمَلِ الصَّالِحِ، وَمَا أَكْثَرَ الأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ، وَمَا أَكْثَرَ أَنْوَاعَهَا؛ مِنَ العَمَلِ الصَّالِحِ:

أَولاً: الأُضحِيَةُ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ أَحَبِّ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ إلى اللهِ تعالى في هَذَا اليَوْمِ الأَخِيرِ مِنْ أَيَّامِ عَـشْرِ ذِي الحِجَّةِ الأُضْحِيَةُ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، إِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا، وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسَاً» رواه الترمذي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.

وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا أُنْفِقَتُ الْوَرِقُ فِي شَيْءٍ أَحَبَّ إِلَى اللهِ مِنْ نَحيرٍ يُنْحَرُ فِي يَوْمِ عِيدٍ» رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ.

وروى البيهقي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَسْتَدِينُ وَأُضَحِّي؟

قَالَ: «نَعَمْ، فَإِنَّهُ دَيْنٌ مَقْضِيٌّ».

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَعِنْدَ ذَبْحِ الأُضْحِيَةِ لِيَقُلِ المُضَحِّي: اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ، إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي، وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ المُسْلِمِينَ.

وَلَا تَذْبَحُوا الذَّبَائِحَ أَمَامَ بَعْضِهَا، وَلَا يَذْبَحْ أَحَدٌ وَهُوَ يَحُدُّ سِكِّينَهُ أَمَامَ البَهِيمَةِ، لِمَا رواه الحاكم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَجُلَاً أَضْجَعَ شَاةً يُرِيدُ أَنْ يَذْبَحُهَا وَهُوَ يَحُدُّ شَفْرَتَهُ.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَتُرِيدُ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَاتٍ، هَلَّا حَدَدْتَ شَفْرَتَكَ قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا».

وفي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ في الكَبِيرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَجُلٍ وَاضِعٍ رِجْلَهُ عَلَى صَفْحَةِ شَاةٍ، وَهُوَ يَحُدُّ شَفْرَتَهُ، وَهِيَ تَلْحَظُ إِلَيْهِ بِبَصَـرِها.

قَالَ: «أَفَلَا قَبْلَ هَذَا، أَوَ تُرِيدُ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَتَانِ».

وروى الإمام أحمد وابن ماجه عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِحَدِّ الشِّفَارِ، وَأَنْ تُوَارَى عَنِ الْبَهَائِمِ؛ وَقَالَ: «إِذَا ذَبَحَ أَحَدُكُمْ، فَلْيُجْهِزْ».

ثانياً: صِلَةُ الأَرْحَامِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ التي يُحِبُّهَا اللهُ تعالى في هَذَا اليَوْمِ صِلَةُ الأَرْحَامِ، فَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ الطَّاعَاتِ وَالقُرُبَاتِ، وَمِنْ أَحَبِّ الأَعْمَالِ إلى اللهِ تعالى، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ فِي هَذَا الْيَوْمِ، أَفْضَلَ مِنْ دَمٍ يُهَرَاقُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَحِمَاً مَقْطُوعَةً تُوصَلُ» رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كُونُوا على حَذَرٍ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، فَهِيَ مِنْ أَكْبَرِ الكَبَائِرِ، وَمِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ وَأَجَلِّهَا، لِقَولِهِ تعالى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾.

وروى البيهقي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ عَشِيَّةَ خَمِيسٍ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَقَعَدَ النَّاسُ حَوْلَهُ، قَالَ: أُحَرِّجُ (أُضَيِّقُ) عَلَى كُلِّ قَاطِعِ رَحِمٍ إِلَّا قَامَ مِنْ عِنْدِنَا.

قَالَ: فَقَامَ شَابٌّ فَأَتَى عَمَّةً لَهُ قَدْ حَرَّمَهَا مُنْذُ سِنِينَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهَا.

فَقَالَتِ: ابْنَ أَخِي، مَا جَاءَ بِكَ؟

قَالَ: لَا، إِلَّا أَنِّي قَعَدْتُ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ: أُحَرِّجُ عَلَى كُلِّ قَاطِعِ رَحِمٍ إِلَّا قَامَ مِنْ عِنْدِنَا، حَتَّى كَانَتِ الثَّالِثَةُ.

قَالَتْ: ارْجِعْ إِلَيْهِ فَاسْأَلْهُ لِمَ قَالَ ذَلِكَ؟

فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَمَا قَالَتْ لَهُ عَمَّتُهُ.

فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ تُعْرَضُ كُلَّ خَمِيسٍ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَلَا يُقْبَلُ عَمَلُ قَاطِعِ رَحِمٍ».

وفي رِوَايَةٍ أُخْرَى قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ للفَتَى: اجْلِسْ، فَقَدْ أَحْسَنْتَ، إِلَّا أَنَّهَا لَا تَنْزِلُ الرَّحْمَةُ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ قَاطِعُ رَحِمٍ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا كَانَ هَذَا فِيمَنْ جَاوَرَ قَاطِعَ الرَّحِمِ، فَكَيْفَ بِقَاطِعِ الرَّحِمِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى؟ ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾.

يُقَالُ: إِنَّ الإِنْسَانَ إِذَا قَطَعَ رَحِمَهُ يُصِيبُهُ الصَّمَمُ وَعَمَى البَصِيرَةِ، بِمَعْنَى: لَا يَنْتَفِعُ بِمَوْعِظَةٍ يَسْمَعُهَا بِأُذُنِهِ ـ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى ـ وَلَا يَعْتَبِرُ بِآيَةٍ يَرَاهَا بِعَيْنِهِ، فَيُخْتَمُ عَلَيْهِ تَمَامَاً ـ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى ـ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: احْذَرُوا قَطِيعَةَ الرَّحِمِ وَلَو أَسَاءَتْ، وَاحْذَرُوا مِنَ الأَمْرِ بِقَطِيعَةِ الرَّحِمِ بِحَالِكُمْ أَو قَالِكُمْ، لِأَنَّ الرَّحِمَ إِذَا قُطِعَتْ بِأَمْرٍ مِنْكُمْ حَالَاً أَو قَالَاً، حَمَلْتُمْ وِزْرَهَا، يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالَاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾.

ثالثاً: الجُودُ وَالكَرَمُ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ التي يُحِبُّهَا اللهُ تعالى في هَذَا اليَوْمِ الجُودُ وَالكَرَمُ، وَهُوَ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ دُخُولِ الجَنَّةِ، روى الترمذي عَنْ أَبِي كَبْشَةَ الأَنَّمَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثَاً فَاحْفَظُوهُ، مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ، وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللهُ عِزَّاً، وَلَا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا.

 وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثَاً فَاحْفَظُوهُ، إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ، عَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ مَالَاً وَعِلْمَاً فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ للهِ فِيهِ حَقَّاً، فَهَذَا بِأَفْضَلِ المَنَازِلِ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ عِلْمَاً وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالَاً فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالَاً لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ مَالَاً وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمَاً، فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَلَا يَعْلَمُ للهِ فِيهِ حَقَّاً، فَهَذَا بِأَخْبَثِ المَنَازِلِ، وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللهُ مَالَاً وَلَا عِلْمَاً فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالَاً لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ».

وروى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتَاً فِي سَحَابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ، فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ، فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ المَاءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ المَاءَ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ المَاءَ بِمِسْحَاتِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ، مَا اسْمُكَ؟

قَالَ: فُلَانٌ ـ لِلِاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ ـ.

فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ، لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي؟

فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتَاً فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ، لِاسْمِكَ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟

قَالَ: أَمَّا إِذْ قُلْتَ هَذَا، فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثَاً، وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ».

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَنْفِقُوا وَطِيبُوا بِذَلِكَ نَفْسَاً، فَالنَّفَقَةُ مَخْلُوفَةٌ عَلَيْكَ بِوَعْدِ اللهِ تعالى الذي لَا يُخْلَفُ ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾.

وروى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَالَ اللهُ تعالى: أَنْفِقْ يَا ابْنَ آدَمَ أُنْفِقْ عَلَيْكَ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَخْتِمُ حَدِيثِي بِكَلَامِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، عِنْدَمَا يُحَدِّثُنَا عَنِ اغْتِنَامِ الوَقْتِ وَالعُمُرِ، حَيْثُ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ» رواه الحاكم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَأَخْبَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الخَاسِرَ هُوَ الذي يُضَيِّعُ وَقْتَهُ بِدُونِ فَائِدَةٍ، فَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ» رواه الإمام البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

الذي يُضَيِّعُ وَقْتَهُ بِدُونِ فَائِدَةٍ هُوَ كالإِنْسَانِ الذي يَبِيعُ سِلْعَتَهُ بِأَقَلَّ مِمَّا تَسْتَحِقُّ، أَو يَشْتَرِيهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا تَسْتَحِقُّ.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ نَسْتَغِلَّ أَنْفَاسَ أَعْمَارِنَا في طَاعَةِ اللهِ تعالى، وَخَاصَّةً هَذَا اليَوْمَ الذي هُوَ تَمَامُ الأَيَّامِ العَشْرِ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الجمعة: 10/ ذو الحجة /1438هـ، الموافق: 1/ أيلول / 2017م