189ـ نحو أسرة مسلمة: يا صاحب القيل والقال، ماذا تزرع من قولك؟

 

نحو أسرة مسلمة

189ـ يا صاحب القيل والقال، ماذا تزرع من قولك؟

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أُسَرُنَا اليَوْمَ في حَالَةٍ مِنَ التَّفَكُّكِ الذي يُدْمِي القَلْبَ وَيُدْمِعُ العَيْنَ، تَحَاسُدٌ، تَدَابُرٌ، تَقَاطُعٌ، خُصُومَاتٌ، قُلُوبٌ امْتَلَأَتْ غَيْظَاً بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ.

تَرَى هَذَا ظَاهِرَاً بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَبَيْنَ أَهْلِ الزَّوْجَيْنِ، أُمُّ الزَّوْجَةِ عَدُوُّهَا الأَوْحَدُ زَوْجَةُ الابْنِ، الزَّوْجَةُ عَدُوُّهَا الأَوْحَدُ أُمُّ زَوْجِهَا، الأُخْتُ عَدُوُّهَا الأَكْبَرُ زَوْجَةُ أَخِيهَا، زَوْجَةُ الأَخِ عَدُوُّهَا الأَكْبَرُ أُخْتُ زَوْجِهَا، وَهَكَذَا؛ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.

التَّثَبُّتُ مِنَ الأَخْبَارِ قَبْلَ تَصْدِيقِهَا:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا أَرَدْنَا الحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ في أُسَرِنَا، وَالتي تُحَقِّقُ لَنَا السَّكَنَ الـنَّفْسِيَّ وَالجَسَدِيَّ، وَتَجْعَلُ المَوَدَّةَ وَالرَّحْمَةَ بَيْنَ أَفْرَادِ الأُسْرَةِ، عَلَيْنَا بِالتَّثَبُّتِ مِنَ الأَخْبَارِ قَبْلَ تَصْدِيقِهَا، فَضْلَاً عَنْ إِذَاعَتِهَا وَتَشْيِيعِهَا، فَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ قَالَ لَنَا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمَاً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾.

هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ وَاللهِ إِنِ الْتَزَمَهَا كُلٌّ مِنَ الأَزْوَاجِ، وَأَفْرَادِ الأُسَرَ جَمِيعَاً، فَإِنَّ شَرَّ قِيلَ وَقَالَ يَنْتَهِي وَيُسْتَرَاحُ مِنْهُ، وَبِذَلِكَ تُطْفَأُ نَارُ الفِتَنِ التي تُمَزِّقُ الأُسَرَ؛ لَقَدْ حَذَّرَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِيلَ وَقَالَ، وَعَرَّفَنَا أَنَّ هَذِهِ صِفَةٌ لَا يُحِبُّهَا اللهُ تعالى لَنَا، وَيَكْرَهُهَا مِنَّا، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثَاً، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثَاً، فَيَرْضَى لَكُمْ: أَنْ تَعْبُدُوهُ، وَلَا تُـشْرِكُوا بِهِ شَيْئَاً، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعَاً وَلَا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ المَالِ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

يَا أَيُّهَا الأَزْوَاجُ، وَيَا آبَاءَ الأَزْوَاجِ وَأُمَّهَاتِهِمْ: كُونُوا عَلَى حَذَرٍ مِنَ القِيلِ وَالقَالِ، فَهِيَ وَاللهِ لُعْبَةُ شَيْطَانٍ تَدْفَعُكُمْ للاسْتِعْجَالِ بِإِصْدَارِ القَرَارَاتِ وَاتِّخَاذِ المَوَاقِفِ التي قَدْ تَنْدَمُونَ عَلَيْهَا، وَتَمْنَعُكُمْ مِنِ امْتِثَالِ أَمْرِ اللهِ تعالى، وَتَدْفَعُكُمْ إلى الصَّلَفِ وَالكِبْرِ، وَعَدَمِ مُرَاعَاةِ الآخَرِينَ.

لَا تَتَّخِذُوا المَوَاقِفَ التي تُمَزِّقُ كَيَانَ أُسَرِكُمْ بِمُجَرِّدِ قَوْلٍ قِيلَ، لَا يَدْرِي أَحَدُكُمْ مِنْ أَيِّ لِسَانٍ خَرَجَ، وَلَا عَلَى أَيِّ أَرْضٍ دَرَجَ، وَاللهِ إِنَّهَا لَجَرِيمَةٌ كُبْرَى، وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ عَنْهَا يَوْمَ القِيَامَةِ، وَقَدْ تُوصِلُكُمْ إلى النَّدَامَةِ في الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ.

أَعْظَمُ مَا يُدْفَعُ بِهِ الفِتَنُ بَيْنَ الأَزْوَاجِ التَّثَبُّتُ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ أَعْظَمَ مَا تُدْفَعُ بِهِ الفِتَنُ بَيْنَ الأَزْوَاجِ وَأَفْرَادِ الأُسْرَةِ التَّثَبُّتُ وَالتَّبَيُّنُ في الأَخْبَارِ التي تُنْقَلُ لَكُمْ، وَالنَّظَرُ في الغَايَةِ مِنْ هَذَا النَّقْلِ.

فَكِّرُوا قَبْلَ اتِّخَاذِ القَرَارِ بِقِيلَ وَقَالَ، هَلْ يُفَكِّكُ كِيَانَ الأُسْرَةِ أَمْ يَزِيدُهَا تَرَابُطَاً، فَإِذَا وَجَدْتُمْ قِيلَ وَقَالَ يُمَزِّقُ كَيَانَ الأُسْرَةِ فَاعْلَمُوا أَنَّ النَّاقِلَ لَكُمْ شَيْطَانٌ مِنْ شَيَاطِينِ الإِنْسِ لَا يَنْصَرِفُ بِالتَّعَوُّذِ، مَهْمَا تَعَوَّذْتَ مِنْهُ، وَلَكِنْ يَنْصَرِفُ بِقَوْلِكَ لَهُ: قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمَاً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾.

قُلْ لَهُ: سَوْفَ أَتَثَبَّتُ مِنْ صَاحِبِ الشَّأْنِ فِيمَا تَقُولُ عَنْهُ، وَسَوْفَ نَجْتَمِعُ سَوِيَّةً لِمُعَالَجَةِ هَذَا الأَمْرِ.

يَا أَيُّهَا الزَّوْجُ، يَا أَيَّتُهَا الزَّوْجَةُ: احْرِصُوا عَلَى حُسْنِ العَلَاقَةِ بَيْنَكُمَا، احْرِصُوا عَلَى السَّكَنِ الـنَّفْسِيِّ وَالمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ في الرَّدِّ عَلَى النَّمَّامِ الذي يَأْتِيكُمْ وَيَقُولُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَانْظُرُوا إلى سَيِّدِنَا عُمَرَ بْنِ عَبْدِالعَزِيزِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَذَكَرَ لَهُ عَنْ رَجُلٍ شَيْئَاً.

فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنْ شِئْتَ نَظَرْنَا في أَمْرِكَ، فَإِنْ كُنْتَ كَاذِبَاً فَأَنْتَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الآيَةِ: ﴿إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾. وَإِنْ كُنْتَ صَادِقَاً فَأَنْتَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الآيَةِ: ﴿هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾. وَإِنْ شِئْتَ عَفَوْنَا عَنْكَ؟.

فَقَالَ: العَفْوَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، لَا أَعُودُ إِلَيْهِ أَبَدَاً. كَذَا في كِتَابِ نَضْرَةِ النَّعِيمِ.

يَا صَاحِبَ القِيلِ وَالقَالِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أَيَّتُهَا الزَّوْجَاتُ، قُولُوا لِصَاحِبِ القِيلِ وَالقَالِ، قُولُوا لِهَذَا النَّمَّامِ، الفَاسِقِ إِنْ كَانَ كَاذِبَاً، أَو الهَمَّازِ المَشَّاءِ بِالنَّمِيمَةِ إِنْ كَانَ صَادِقَاً، قُولُوا لَهُ: يَا صَاحِبَ القِيلِ وَالقَالِ، أَنْتَ تَزْرَعُ بِقَوْلِكَ إِمَّا الحَسَنَاتِ، وَإِمَّا السَّيِّئَاتِ، وَسَوْفَ تَحْصُدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مَا تَزْرَعُ، وَاسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى، تَعْلِيقَاً عَلَى حَدِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَمَا أَخَذَ بِلِسَانِهِ وَقَالَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا».

فَقَالَ مُعَاذٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ» رواه الترمذي.

يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: وَالمُرَادُ بِحَصَائِدِ الْأَلْسِنَةِ: جَزَاءُ الْكَلَامِ المُحَرَّمِ وَعُقُوبَاتُهُ؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَزْرَعُ بِقَوْلِهِ وَعَمَلِهِ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، ثُمَّ يَحْصُدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا زَرَعَ، فَمَنْ زَرَعَ خَيْرَاً مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، حَصَدَ الْكَرَامَةَ، وَمَنْ زَرَعَ شَرَّاً مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، حَصَدَ غَدًا النَّدَامَةَ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنُحَافِظْ عَلَى أُسَرِنَا مِنْ خِلَالِ قَطْعِ القيلِ وَالقَالِ فِيهَا، وَالانْشِغَالِ بِالعَمَلِ الصَّالِحِ الذي يُرْضِي رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ، فَالعُمُرُ قَصِيرٌ، وَلَا تُنَكِّدُوهُ بِالقِيلِ وَالقَالِ، وَلَا تُمَزِّقُوا الأُسْرَةَ بِالقِيلِ وَالقَالِ، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعَاً، وَقُولُوا لِصَاحِبِ القِيلِ وَالقَالِ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبَاً في النَّقْلِ فَأَنْتَ فَاسِقٌ بِنَصِّ القُرْآنِ العَظِيمِ، وَإِنْ كُنْتَ صَادِقَاً فَأَنْتَ هَمَّازٌ مَشَّاءٌ بِنَمِيمٍ بِنَصِّ القُرْآنِ العَظِيمِ، وَفِي كِلَا الحَالَيْنِ أَنْتَ مَذْمُومٌ في دِينِنَا.

انِشَغِلُوا أَيُّهَا الأَزْوَاجُ بِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خِلَالِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارَاً﴾. وَتَذَكَّرُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرَاً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتَاً * وَإِذَاً لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرَاً عَظِيمَاً * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطَاً مُسْتَقِيمَاً * وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقَاً * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفَى بِاللهِ عَلِيمَاً﴾.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 23/ صفر الخير /1439هـ، الموافق: 12/ تشرين الثاني / 2017م