191ـ نحو أسرة مسلمة: مشكلة أسرنا مشكلة إيمانية

 

نحو أسرة مسلمة

191ـ مشكلة أسرنا مشكلة إيمانية

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ الاهْتِمَامَ بِالبَيْتِ هُوَ الوَسِيلَةُ الكُبْرَى لِمَنْ أَرَادَ صَلَاحَ المُجْتَمَعِ، لِأَنَّ المُجْتَمَعَ يَتَكَوَّنُ مِنْ بُيُوتٍ هِيَ لَبِنَاتُهُ، فَلَو صَلَحَتِ اللَّبِنَةُ لَصَلَحَ البِنَاءُ وَكَانَ مُتَمَاسِكَاً وَقَوِيَّاً يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ كُلَّ كَيْدٍ وَكُلَّ مَكْرٍ، وَيَشِعُّ مِنْهُ الخَيْرُ وَالنُّورُ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَدْخُلَهُ ظُلْمَةٌ أَو شَرٌّ.

بُيُوتُنَا كَثُرَتْ فِيهَا المُنْكَرَاتُ، وَقَلَّتْ فِيهَا الطَّاعَاتُ، إِهْمَالٌ وَتَفْرِيطٌ، وَضَيَاعٌ لِحُقُوقِ الزَّوْجَاتِ، وَلِحُقُوقِ الأَزْوَاجِ، وَلِحُقُوقِ الأَوْلَادِ، وَضَيَاعٌ للمَسْؤُولِيَّةِ، وَضَيَاعٌ للأَهْدَافِ، وَضَياعٌ لِمَصَالِحِ الأَبْنَاءِ وَالبَنَاتِ، وَضَيَاعٌ لِحَقِّ التَّرْبِيَةِ وَالنُّصْحِ وَالإِرْشَادِ وَالتَّعْلِيمِ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّهَا أَصْبَحَتْ مَرْكَزَاً لِتَنَزُّلِ الشَّيَاطِينِ فِيهَا، بِسَبَبِ الغَفْلَةِ عَنِ اللهِ تعالى، فَكَانَتْ نَتِيجَةُ ذَلِكَ حَيَاةَ الشَّقَاءِ وَالضَّنْكِ في الأُسَرِ، إِلَّا مَا رَحِمَ اللهُ تعالى.

الزَّوْجُ لَا يَجِدُ سَعَادَةً في بَيْتِهِ، وَالزَّوْجَةُ لَا تَجِدُ سَعَادَةً في بَيْتِهَا، وَكَذَلِكَ الأَوْلَادُ، رَاحَةُ الزَّوْجِ خَارِجَ بَيْتِهِ، مَعَ أَنَّ اللهَ تعالى قَالَ: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجَاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾. وَكَذَلِكَ الزَّوْجَةُ، أَمَّا الأَوْلَادُ فَحَدِّثْ بِلَا حَرَجٍ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا وَصَلَتْ بُيُوتُنَا إلى هَذَا الحَدِّ فَلَا غَرَابَةَ في ذَلِكَ، لِأَنَّ بُيُوتَنَا مَلِيئَةٌ بِالمَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ، اخْتِلَاطٌ، تَبَرُّجٌ، لِبَاسُ نِسَاءٍ كَاسِيَاتٍ عَارِيَاتٍ، غِيبَةٌ، نَمِيمَةٌ، قِيلَ وَقَالَ، فَضْلَاً عَمَّا إِذَا كَانَ المَسْكَنُ مِنْ حَرَامٍ، وَالمَطْعَمُ مِنْ حَرَامٍ، وَالمَشْرَبُ مِنْ حَرَامٍ، وَالمَلْبَسُ مِنْ حَرَامٍ، إِضَافَةً إلى كُلِّ هَذَا شَاشَاتُ التِّلْفَازِ، وَالقَنَوَاتُ الفَضَائِيَّةُ المَفْتُوحَةُ، مَعَ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ عَنْ طَرِيقِ النِّت.

مُشْكِلَةُ أُسَرِنَا مُشْكِلَةٌ إِيمَانِيَّةٌ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِنَّ مُشْكِلَةَ أُسَرِنَا اليَوْمَ هِيَ مُشْكِلَةٌ إِيمَانِيَّةٌ، وَلَنْ تَنْصَلِحَ أَحْوَالُ أُسَرِنَا إِلَّا بِالإِيمَانِ، وَلَنْ تَعُودَ عَافِيَتُهَا إِلَّا بِالإِيمَانِ، وَلَنْ تَجْتَمِعَ الأُسَرُ إِلَّا إِذَا اسْتَبْدَلَتْ غَضَبَ اللهِ تعالى بِرِضَاهُ.

الإِيمَانُ هُوَ الوَقُودُ وَهُوَ الغِذَاءُ الذي يُوَلِّدُ الطَّاقَةَ الدَّافِعَةَ للقِيَامِ بِالتَّكَالِيفِ الـشَّرْعِيَّةِ، وَهُوَ الذي يَتَغَلَّبُ عَلَى الهَوَى وَحُبِّ الدُّنْيَا الذي تَمَكَّنَ في قُلُوبِنَا.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: أُسَرُنَا اليَوْمَ تُعَانِي مِنْ ضَعْفِ الإِيمَانِ، وَمِنْ نَقْصٍ شَدِيدٍ فِيهِ، وَإِنَّ أَعْظَمَ مَا يُقَوِّي الإِيمَانَ هُوَ القُرْآنُ العَظِيمُ، لِأَنَّهُ هُوَ المَنْبَعُ العَظِيمُ للإيمَانِ، وَلَا يُوجَدُ لَهُ مَثِيلٌ لِتَقْوِيَةِ الإِيمَانِ، وَيَكْفِي قَوْلُ اللهِ تعالى فِيهِ: ﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً﴾. وَقَوْلُهُ تعالى في حَقِّ أُولِي الأَلْبَابِ: ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيَاً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا﴾. قَالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ: المُنَادِي هُنَا هُوَ القُرْآنُ العَظِيمِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَا دَامَتْ مُشْكِلَةُ أُسَرِنَا اليَوْمَ مُشْكِلَةً إِيمَانِيَّةً، فَإِنَّ عِلَاجَ هَذِهِ المُشْكِلَةَ هُوَ القُرْآنُ العَظِيمُ، لِأَنَّ القُرْآنَ العَظِيمَ لَهُ تَأْثِيرٌ قَوِيٌّ عَلَى القُلُوبِ إِذَا خَوَتْ مِنَ الكِبْرِ وَالاسْتِعْلَاءِ، كَيْفَ لَا، وَهُوَ كَلَامُ رَبِّ العَالَمِينَ، الذي لَو أُنْزِلَ عَلَى الجِبَالِ الرَّاسِيَاتِ لَتَصَدَّعَتْ وَانْدَكَّتْ مِنْ قُوَّةِ تَأْثِيرِهِ عَلَيْهَا، قَالَ تعالى: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعَاً مُتَصَدِّعَاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ﴾؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: صَلَاحُ القُلُوبِ بِالإِيمَانِ، وَصَلَاحُ الإِيمَانِ بِالقُرْآنِ، فَالإِيمَانُ رُوحُ القُلُوبِ وَحَيَاتُهَا، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ سِرُّ زِيَادَةِ هَذَا الإِيمَانِ، وَرُوحُ أَرْوَاحِ المُؤْمِنِينَ ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحَاً مِنْ أَمْرِنَا﴾.

فَالقُرْآنُ إِذَا دَخَلَ القَلْبَ وَاسْتَقَرَّ فِيهِ، أَصْلَحَ الإِيمَانَ، وَإِذَا صَلَحَ الإِيمَانُ صَلَحَ الإِنْسَانُ، وَإِذَا صَلَحَ الإِنْسَانُ صَلَحَتِ البَشَرِيَّةُ كُلُّهَا.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

يَا أَيُّهَا الزَّوْجُ، وَيَا أَيَّتُهَا الزَّوْجَةُ، القُرْآنُ العَظِيمُ هُوَ المَخْرَجُ الوَحِيدُ لَنَا مِنْ حَيَاةِ الشَّقَاءِ وَالضَّنْكِ وَتَمَزُّقِ الأُسْرَةِ، تَعَلُّمُ كِتَابِ اللهِ تعالى، وَالعَمَلُ بِهِ هُوَ المَخْرَجُ مِنْ جَمِيعِ الفِتَنِ الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ التي حَلَّتْ في بُيُوتِنَا.

لِنَسْمَعْ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَدْنَا النَّجَاةَ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، عِنْدَمَا خَاطَبَ كُلَّ فَرْدٍ مِنَّا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا حُذَيْفَةُ، تَعَلَّمْ كِتَابَ اللهِ وَاعْمَلْ بِمَا فِيهِ ـ ثَلَاثَاً ـ» رواه النسائي.

أَيُّهَا الأَزْوَاجُ وَالزَّوْجَاتُ، أَلَمْ نَسْمَعْ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ، وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ»؟ فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللهِ وَرَغَّبَ فِيهِ. رواه الإمام مسلم عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وفي رِوَايَةٍ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كِتَابُ اللهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ، مَنِ اسْتَمْسَكَ بِهِ، وَأَخَذَ بِهِ، كَانَ عَلَى الْهُدَى، وَمَنْ أَخْطَأَهُ، ضَلَّ».

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَا ضَلَّتِ الأُسَرُ إِلَّا بِتَرْكِ القُرْآنِ العَظِيمِ تِلَاوَةً وَتَدَبُّرَاً وَعَمَلَاً، وَعِنْدَمَا تَرَكُوا القُرْآنَ ضَعُفَ الإِيمَانُ، وَعِنْدَمَا ضَعُفَ الإِيمَانُ هَانَتِ المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتُ، وَبِذَلِكَ حَلَّ الشَّقَاءُ في الأُسَرِ، التي كَانَتْ في الأَصْلِ هِيَ السَّكَنُ وَفِيهَا المَوَدَّةُ وَالرَّحْمَةُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: القُرْآنَ القُرْآنَ، تِلَاوَةً وَتَدَبُّرَاً وَعَمَلَاً.

اللَّهُمَّ يَسِّرْ عَلَى أَلْسِنَتِنَا تِلَاوَةَ كِتَابِكَ، وَعَلَى جَوَارِحِنَا الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ العَمَلَ بِهِ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 8/ ربيع الأول /1439هـ، الموافق: 26/ تشرين الثاني / 2017م