38ـدروس رمضانية 1438هـ :الفعل أهم من القول

 

دروس رمضانية 1438هـ

38ـ الفعل أهم من القول

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: النَّاسُ يَشْهَدُونَ انْفِصَالَاً بَيْنَ القَوْلِ وَالعَمَلِ، بَيْنَ الدَّعْوَى وَالحَقِيقَةِ، وَالمِثَالِ وَالوَاقِعِ، وَالمِثَالُ دَائِمَاً كَانَ فَوْقَ الوَاقِعِ، وَالدَّعْوَى أَكْبَرُ مِنَ الحَقِيقَةِ، وَالقَوْلُ أَعْظَمُ مِنَ الفِعْلِ.

وَهَذِهِ الظَّاهِرَةُ مَعْلُومَةٌ عِنْدَ النَّاسِ، غَيْرَ أَنَّهَا تَكَادُ تَكُونُ مَفْقُودَةً في أَتْبَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المُخْلِصِينَ المُخْلَصِينَ، وَهِيَ على النَّقِيضِ تَمَامَاً في حَيَاةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

حَيْثُ تَجِدُ تَمَامَاً في حَيَاةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَاقِعَهُ أَعْظَمَ مِنْ كُلِّ تَصَوُّرٍ نَظَرِيٍّ، فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سَمَا إلى أَعْظَمِ قِمَّةٍ في السُّمُوِّ، وَمَثَّلَ بِسُلُوكِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الدَّعْوَةَ التي يَدْعُو النَّاسَ إِلَيْهَا، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الأَدِلَّةِ على صِدْقِ نُبُوَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، إِذِ الالْتِزَامُ بِالسُّمُوِّ لا تُطِيقُهُ النَّفْسُ إِذَا لَمْ تَتَزَكَّ، وَالإِنْسَانُ يَعْرِفُ هَذَا مِنْ خِلَالِ الوَاقِعِ.

أَيُّهَا الإِخْوِةُ الكِرَامُ: انْظُرُوا في حَيَاةِ المُنَافِقِينَ الذينَ قَلَّدُوا المُسْلِمِينَ في ظَاهِرِهِمْ، لَا تَجِدُونَ لَهُمْ حَالَةً وَاحِدَةً بِالتَّطْبِيقِ، إِذَا كَانُوا في خَلَوَاتِهِمْ كَانُوا على حَالٍ، وَإِذَا كَانُوا في جَلَوَاتِهِمْ كَانُوا على حَالٍ آخَرَ مُنَاقِضٍ للحَالَةِ الأُولَى، ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَجِبُ عَلَيْنَا نَحْنُ أَتْبَاعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجَسِّدَ أَحَدُنَا قَوْلَهُ عَمَلَاً، وَدَعْوَاهُ حَقِيقَةً، وَمِثَالَهُ وَاقِعَاً، فَكُلُّ مُسْلِمٍ على ثَغْرٍ مِنْ ثُغُورِ الإِسْلَامِ، اللهَ اللهَ أَنْ يُؤْتَى الإِسْلَامُ مِنْ قِبَلِهِ.

يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَلْتَزِمَ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرَاً﴾.

يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَلْتَزِمَ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهُ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

الفِعَالُ أَعْظَمُ مِنَ الأَقْوَالِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: انْظُرُوا في حَيَاةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ جَعَلَ الوَاقِعَ فَوْقَ المِثَالِ، وَالفِعَالَ أَعْظَمَ مِنَ الأَقْوَالِ، وَالحَقِيقَةَ أَعْظَمَ مِنَ الدَّعْوَى.

قَالَ مَوَلَانَا جَلَّ في عُلَاهُ للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ : ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْـمُحْسِنِينَ﴾. وَقَالَ لَهُ تعالى: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾.

جَسَّدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَقِيقَةً وَعَمَلَاً وَوَاقِعَاً، فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةُ أُحُدٍ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَجُرِحَ في شَفَتِهِ السُّفْلَى، وَشُجَّ في جَبْهَتِهِ الشَّرِيفَةِ حَتَّى سَالَ مِنْهُ الدَّمُ، جَعَلَ يُنَشِّفُهُ لِئَلَّا يَنْزِلَ على الأَرْضِ، وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ وَقَعَ مِنْهُ شَيْءٌ على الأَرْضِ لَنَزَلَ عَلَيْهِمُ العَذَابُ مِنَ السَّمَاءِ».

فَشَقَّ ذَلِكَ على الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، وَقَالُوا: لَوْ دَعَوْتَ اللهَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يَبْعَثْنِي طَعَّانَاً وَلَا لَعَّانَاً، وَلَكِنْ بَعَثَنِي دَاعِيَةَ وَرَحْمَةٍ، اللهُمَّ اهْدِ قَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ» رواه البيهقي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدٍ.

فَكَانَ عَفْوُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِدَافِعٍ مِنْ خُلُقِ الرَّحْمَةِ، الذي مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَمْلِكَ القُلُوبَ، وَيَسْتَوْلِيَ عَلَيْهَا بِالمَحَبَّةِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَلَّغَنَا قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْـمُبِينُ﴾.

سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَسَّدَ هَذَا التَّشْرِيعَ بِسُلُوكِهِ، فَأَظْهَرَ الحَقِيقَةَ، فَمَلَأَ عُقُولَ النَّاسِ المُنْصِفِينَ إِقْنَاعَاً بِمَنْهَجِهِ الذي أَتَى بِهِ مِنْ رَبِّهِ جَلَّ جَلَالُهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَمْ هُمُ اليَوْمَ الذينَ يَجْمَعُونَ في ذَوَاتِهِمُ الصِّفَاتِ المُتَنَاقِضَةَ دُونَ تَأَثُّمٍ وَحَرَجٍ، سَائِرِينَ إلى رَبِّهِمْ في ضَلَعٍ وَعِوَجٍ، انْفِصَامٌ بَيْنَ العَقِيدَةِ وَالقِيَمِ، وَالعِبَادَاتِ وَالأَخْلَاقِ، وَالشَّعَائِرِ وَالمَشَاعِرِ، وَجَاءَ في الأَثَرِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: إنَّ النَّاسَ أَحْسَنُوا الْقَوْلَ كُلُّهُمْ، فَمَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ فِعْلَهُ فَذَلِكَ الَّذِي أَصَابَ حَظَّهُ، وَمَنْ خَالَفَ قَوْلُهُ فِعْلَهُ فَإِنَّمَا يُوَبِّخُ نَفْسَهُ.

لَقَدْ أَبْهَرَتْنَا الأَقْوَالُ وَسَبَتْنَا، أَقْوَالٌ مُبَهْرَجَةٌ، وَمَا هِيَ في الحَقِيقَةِ إلا الهَباءُ تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ، القَوْلُ بَلِيغٌ، وَالحَدِيثُ آسِرٌ، وَالفِعْلُ خِدَاجٌ مُشَوَّهٌ، يُظْهِرُ باللِّسَانِ الأُخُوَّةَ، وَيُبْطِنُ بِالفِعَالِ العَدَاوَةَ الصَّرِيحَةَ، وَقَدْ كَشَفَ اللهُ تعالى هَؤُلَاءِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ﴾. القَوْلُ مَا لَمْ يَكُنْ بِالفِعْلِ مُقْتَرِنَاً فَإِنَّهُ عَرَضٌ في حَيِّزِ العَدَمِ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِحُسْنِ القَوْلِ وَالعَمَلِ. آمين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 23/رمضان /1438هـ ، الموافق: 18/حزيران/ 2017م