176ـنحو أسرة مسلمة : بيت المسلم كالمسجد

 

نحو أسرة مسلمة

176ـ بيت المسلم كالمسجد

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ عَرَفْنَا بِأَنَّ البَيْتَ هُوَ المَحْضِنُ لِتَرْبِيَةِ أَفْرَادِ الأُسْرَةِ صِغَارَاً وَكِبَارَاً، في البَيْتِ تُزْرَعُ الأَخْلَاقُ وَالقِيَمُ، وَيَتَطَبَّعُ الأَبْنَاءُ بِطِبَاعِ الآبَاءِ.

مِنْ هَذَا المُنْطَلَقِ كَانَ الوَاجِبُ عَلَى كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ أَنْ يُحِيِيَا بَيْتَهُمَا بِالطَّاعَاتِ وَالعِبَادَاتِ المُتَنَوِّعَةِ، حَتَّى تَحُلَّ فِيهِ السَّكِينَةُ وَالطُّمَأْنِينَةُ، وَتُطْرَدَ مِنْهُ الشَّيَاطِينُ، وَيَنْشَأَ الأَبْنَاءُ عَلَى الطَّاعَةِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَيَنْدَرِجُوا تَحْتَ قَوْلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

فَإِذَا كَانَتِ المَسَاجِدُ عَامِرَةً بِرِجَالٍ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ تعالى عَلَيْهِ، يَذْكُرُونَ اللهَ تعالى فِيهَا، وَيَتْلُونَ كِتَابَهُ فِيهَا، فَعَلَى هَؤُلَاءِ الرِّجَالِ أَنْ يَجْعَلُوا بُيُوتَهُمْ عَامِرَةً أيضاً بِذِكْرِ اللهِ تعالى، وَتِلَاوَةِ كِتَابِهِ العَظِيمِ.

كَمْ هُوَ شَرَفٌ عَظِيمٌ أَن يَكُونَ بَيْتُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا كَالمَسْجِدِ، لَا يُعْصَى اللهُ تعالى فِيهِ؟ كَمْ هُوَ شَرَفٌ عَظِيمٌ أَن يَكُونَ بَيْتُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا كَالمَسْجِدِ، يُتْلَى فِيهِ القُرْآنُ، وَيُصَلَّى فِيهِ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَيُتَدَارَسُ فِيهِ العِلْمُ، وَلَا تُرَى فِيهِ مَعْصِيَةٌ للهِ تعالى؟ كَمْ هُوَ شَرَفٌ عَظِيمٌ أَن يَكُونَ بَيْتُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا طَاهِرَاً مِنَ المُخَالَفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ كَطَهَارَةِ بُيُوتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟

قِرَاءَةُ القُرْآنِ في البُيُوتِ مَطْلُوبَةٌ شَرْعَاً:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنُنَوِّرْ بُيُوتَنَا بِتِلَاوَةِ القُرْآنِ العَظِيمِ، وَلْنَجْعَلْ لِأَنْفُسِنَا حَظَّاً مِنْ كِتَابِ اللهِ تعالى في بُيُوتِنَا مَعَ نِسَائِنَا وَأَبْنَائِنَا عِوَضَاً مِن الوَقْتِ الذي يُضَيِّعُهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالأَوْلَادُ عَلَى أَجْهِزَةِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ التي خَرَّبَتِ البُيُوتَ، وَأَفْسَدَتِ العَلَاقَاتِ الزَّوْجِيَّةَ، وَأَفْسَدَتِ الأَبْنَاءَ وَالبَنَاتِ.

لَقَدْ أَمَرَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِتِلَاوَةِ القُرْآنِ الكَرِيمِ في بُيُوتِنَا، لِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ لِطَرْدِ الشَّيَاطِينِ مِنْ بُيُوتِنَا.

روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ».

لِنَجْعَلْ لِأَنْفُسِنَا حَظَّاً مِنْ كِتَابِ اللهِ تعالى، وَخَاصَّةً بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ المُبَارَكِ، وَلْيَكُنْ حَالُنَا كَحَالِ السَّمَكَةِ التي لَا يُمْكِنُ أَن تَعِيشَ خَارِجَ المَاءِ.

وَاللهِ إِنَّهُ لَعَارٌ عَلَيْنَا عِنْدَمَا تَرَى الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَالأَبْنَاءَ حَالَهُمْ مَعَ أَجْهِزَةِ الاتِّصَالِ وَالتَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ كَحَالِ السَّمَكِ الذي لَا يَعِيشُ إِلَّا في المَاءِ، مَعَ اليَقِينِ بِأَنَّ هَذِهِ الأَجْهِزَةَ أَفْسَدَتْ عَلَيْنَا دِينَنَا وَأَخْلَاقَنَا، وَضَيَّعَتْ مُسْتَقْبَلَ الأَبْنَاءِ بَعْدَ ضَيَاعِ دِينِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ.

أَمِنَ المَعْقُولِ أَنْ يَكُونَ التَّعَلُّقُ بِهَذِهِ الأَجْهِزَةِ أَكْثَرَ مِنْ تَعَلُّقِنَا بِالقُرْآنِ العَظِيمِ؟ دَقِّقُوا عَلَى بُيُوتِكُمْ عِنْدَمَا تَدْخُلُونَهَا، الزَّوْجَةُ آخِذَةٌ الجِهَازَ، الزَّوْجُ كَذَلِكَ، البِنْتُ كَذَلِكَ، الوَلَدُ كَذَلِكَ، حَتَّى وَاللهِ الأَطْفَالُ الصِّغَارُ كَذَلِكَ.

مَنْ مِنَّا يَدْخُلُ إلى بَيْتِهِ فَيَرَى زَوْجَتَهُ آخِذَةً بِكِتَابِ اللهِ تعالى، وَيَرَى وَلَدَهُ أَوِ ابْنَتَهُ آخِذَةً بِكِتَابِ اللهِ تعالى؟ مُنْذُ كَمْ مَا فَتَحْتَ القُرْآنَ يَا أَيُّهَا الزَّوْجُ في بَيْتِكَ؟ وَأَنْتِ يَا أَيَّتُهَا الزَّوْجَةُ؟

إِذَا كَانَ هَذَا حَالُ الأَزْوَاجِ، فَلَا غَرَابَةَ مِنْ ضَيَاعِ الأَبْنَاءِ وَالبَنَاتِ، وَلَا غَرَابَةَ عِنْدَمَا تَرَى الأَوْلَادَ سَلَكُوا مَسَالِكَ غَيْرَ مَرْضِيَّةٍ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَغَيْرَ مَرْضِيَّةٍ عِنْدَ الزَّوْجِ وَعِنْدَ الزَّوْجَةِ.

مَنِ السَّبَبُ في ذَلِكَ؟ نَحْنُ وَاللهِ الذي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَتْ بُيُوتُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَامِرَةً بِطَاعَةِ اللهِ تعالى، وَخَاصَّةً بِتِلَاوَةِ القُرْآنِ العَظِيمِ، روى الشيخان عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَتَّكِئُ فِي حِجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ، فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عِنْدَمَا هَجَرَ النَّاسُ تِلَاوَةَ القُرْآنِ الكَرِيمِ في بُيُوتِهِمْ حَلَّتِ الطَّامَّةُ، حَلَّتْ حَيَاةُ الشَّقَاءِ وَالضَّنْكِ، ضَاقَتِ الصُّدُورُ، وَسَاءَتِ الأَخْلَاقُ، وَأَصْبَحَ كُلُّ وَاحِدٍ للآخَرِ بِالمِرْصَادِ، وَقَسَتِ القُلُوبُ، وَغَرِقُوا في مَعْصِيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كُلُّنَا بِفَضْلِ اللهِ تعالى عَلَيْنَا آَمَنَّا بِاللهِ وَبِاليَوْمِ الآخِرِ، وَكُلُّنَا حَرِيصٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ القُرآنُ شَفِيعاً يَوْمَ القِيَامَةِ، فَمَنْ صَدَقَ مِنَّا في ذَلِكَ، فَعَلَيْهِ بِتِلَاوَةِ القُرْآنِ العَظِيمِ، وَخَاصَّةً في بَيْتِهِ.

فَالقُرْآنُ العَظِيمُ لِمَنْ تَلَاهُ وَوَعَاهُ وَعَمِلَ بِهِ يَكُونُ شَفِيعَاً لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَقَائِدَاً لَهُ إلى الجَنَّةِ، وَحُجَّةً لَهُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تعالى، وَمُخَاصِمَاً عَنْ صَاحِبِهِ.

روى الحاكم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: رَبِّ إِنِّي مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ؛فَيُشَفَّعَانِ».

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ أَهْلِ القُرْآنِ، وَاجْعَلْ بُيُوتَنَا عَامِرَةً بِتِلَاوَةِ القُرْآنِ العَظِيمِ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 22/ شوال /1438هـ، الموافق: 16/ تموز / 2017م