10ـ من وصايا الصالحين: وصية الحسن الزعفراني من أصحاب الشافعي رحمهما الله تعالى

 

الحمد لله منزل الكتاب، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عن الحسن بن محمد الصباح الزعفراني (من أصحاب الشافعي) رضي الله عنهما قال:

الزموا كتاب الله، وتتبَّعوا ما فيه من الأمثال، وكونوا فيه من أهل البصر. ثم قال:

رحم الله عبداً عرض نفسه وعمله على كتاب الله عز وجل، فإن وافق كتاب الله حمد الله وسأله الزيادة، وإن خالف كتاب الله أعتب نفسه ورجع من قريب.

أحبتي في الله تعالى: السعيد حقاً من لزم كتاب الله تعالى بعدما أن أكرمه الله تعالى بالإيمان، لأن لزوم القرآن العظيم بعد الإيمان يزيد في الإيمان، ومن زاد إيمانه زاد تدقيقه على نفسه ومحاسبته لها، فمن حاسب نفسه في الدنيا سَلِمَ يوم القيامة بإذن الله تعالى، ورضي الله عن أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كان يقول بعضهم: كنا غِلماناً خَزَاوِرَةً ـ قاربوا سن البلوغ ـ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتعلَّمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلَّمْنا القرآن فازددنا به إيماناً.

فالقرآن يزيد في الإيمان، ومن زاد إيمانه دقَّق على نفسه وعرض نفسه وعمله على كتاب الله عز وجل، فما أجمل العبد حين يعرض نفسه على كتاب الله عز وجل صباحاً ومساءً، لأن النفس أمّارة بالسوء تميل إلى الطبيعة البدنية وتأمر باللذات والشهوات الحسّيّة، وتجذب القلب إلى الجهة السفلية، فهي مأوى الشرور ومنبع الأخلاق الذميمة.

ويقول الإمام الماوردي في محاسبة النفس: أن يتصفَّح الإنسان في ليله ما صدر من أفعال نهاره، فإن كان محموداً أمضاه وأتبعه بما شاكله وضاهاه، وإن كان مذموماً استدركه إن أمكن، وانتهى عن مثله في المستقبل. اهـ. لذلك يقول مولانا عز وجل: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}.

فحتمٌ على ذي حزم آمن بالله واليوم الآخر أن لا يغفل عن محاسبة نفسه والتضييق عليها في حركاتها وسكناتها وخطراتها وخُطواتها، فإن كل نَفَس من أنفاس العمر جوهرة نفيسة لا عوض لها، يُمكن أن يُشترى بها كنز من الكنوز لا يتناهى نعيمه أبد الآباد.

ورحم الله القائل:

أشد الغم عندي في سرور *** تيقّن عنه صاحبه انتقالا

فسرور الدنيا لا يدوم، ونعيمها لا يدوم، وحياتك في الدنيا لا تدوم، فأنت سائر إلى الموت لا محالة، وبعد الموت تُبعث للعرض والحساب على الله تعالى، وبعد العرض والحساب إما جنّة لا موت فيها، وإما نار لا موت فيها.

فرحم الله من عرض نفسه وعمله على كتاب الله عز وجل، فالسعيد من وجد توفيق الله محالفاً له، والشقيّ من حُرِم التوفيق، ومن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه.

أسألك ربي أن توفِّقنا لتلاوة القرآن العظيم آناء الليل وأطراف النهار، وأن نعرض أنفسنا عليه، وأن يكون خُلُقنا القرآن، وما ذلك على الله بعزيز. وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أخوكم أحمد النعسان

يرجوكم دعوة صالحة

** ** **