179ـ نحو أسرة مسلمة : أسباب تعين على علو همة المرأة

 

نحو أسرة مسلمة

179ـ أسباب تعين على علو همة المرأة

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَا دُمْنَا مَسْؤُولِينَ عَنْ نِسَائِنَا وَبَنَاتِنَا يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُرَبِّيَهُنَّ عَلَى عُلُوِّ الهِمَّةِ، وَأَنْ يَكُنَّ في دِينِ اللهِ تعالى سَابِقَاتٍ لا مُتَأَخِراتٍ، وَأَنْ يَسْمِونَ إلى مَعَالِي الأُمُورِ، وَيَتْرُكْنَ سَفَاسِفَهَا، لِأَنَّ العَبْدَ يَطِيرُ إلى اللهِ تعالى بِعُلُوِّ الهِمَّةِ، فَمَنْ عَلَتْ هِمَّتُهُ، وَخَشَعَتْ نَفْسُهُ، اتَّصَلَ بِكُلِّ جَمِيلٍ، وَتَحَلَّى بِكُلِّ خُلُقٍ كَرِيمٍ، وَمَنْ دَنَتْ هِمَّتُهُ، وَطَغَتْ نَفْسُهُ اتَّصَفَ بِكُلِّ خُلُقٍ رَذِيلٍ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُرَبِّيَ نِسَاءَنَا عَلَى عُلُوِّ الهِمَّةِ، لِأَنَّهَا سِرُّ النَّجَاحِ، وَعَلَى قَدْرِ هِمَّتِهَا يَكُونُ قَدْرُهَا، وَلَنْ تَكُونَ المَرْأَةُ عَالِيَةَ الهِمَّةِ إِلَّا بِصِدْقِ إِيمَانِهَا وَكَمَالِهِ، إِلَّا بِصِدْقِ مَحَبَّتِهَا للهِ تعالى وَلِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا بِمَحَبَّةِ العِبَادَةِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ، إِلَّا بِتَنَافُسِهَا مَعَ الصَّالِحَاتِ اللَّوَاتِي اكْتَسَبْنَ الفَضَائِلَ وَالمَحَامِدَ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عَلَيْنَا أَنْ نُرَبِّيَ نِسَاءَنَا تَرْبِيَةَ النُّفُوسِ الـشَّرِيفَةِ التي لَا تَرْضَى إِلَّا بِمَعَالِي الأُمُورِ وَأَفْضَلِهَا، وَأَحْمَدِهَا عَاقِبَةً، أَنْ نُرَبِّيَهُنَّ عَلَى عَدَمِ الرِّضَا بِالهِمَمِ الدَّنِيَّةِ، والأَعْمَالِ الرَّذِيلَةِ.

الإِيمَانُ سَبَبٌ لِكَسْبِ الهِمَمِ العَالِيَةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَنْ تَكْسِبَ المَرْأَةُ الهِمَّةَ العَالِيَةَ إِلَّا بِالإِيمَانِ بِاللهِ تعالى، فَهُوَ أَقْوَى الأَسْبَابِ عَلَى بَعْثِ الهِمَّةِ العَالِيَةِ، فَهُوَ يُقَوِّي الإِدْرَاكَ، وَكُلَّمَا قَوِيَ الإِيمَانُ عَلَتْ الهِمَّةُ، وَكُلُّمَا ضَعُفَ الإِيمَانُ ضَعُفَتِ الإِرَادَةُ، وَوَهَنَتِ الهِمَّةُ في السَّعْيِ إلى مَعَالِي الأُمُورِ، وَاسْتَوْلَى الهَمُّ وَالحُزْنُ.

رَاحَةُ القَلْبُ وَسُرُورُهُ وَزَوَالُ هُمُومِهِ وَغُمُومِهِ، لَا يَكُونُ إِلَّا بِالإِيمَانِ بِاللهِ تعالى وَبِاليَوْمِ الآخِرِ، وَبِتَسْلِيمِ الأُمُورِ للحَيِّ القَيُّومِ.

كُنْ عَنْ هُمُومِكَ مُعْرِضَاً   ***   وَكِلِ الأُمُورَ إلى القَضَـا

وَابْـشِـرْ بِــخَـيْرٍ عَاجِلٍ   ***   تَـنْـسَى بِه مَا قَدْ مَضَـى

فَـلَرُبَّ أَمْـــرٍ مُـسْـخِطٍ   ***   لَكَ في عَوَاقِبِهِ رِضَـــا

فَـلَـرُبَّمَا اتَّـسَـعَ المَضِـيقُ    ***   وَلَرُبَّمَا ضَاقَ الفَضَـــا

اللهُ يَـفْـعَـلُ مَـــا يَـشَـاءُ   ***   فَلَا تَكُنْ مُعْتَرِضَــــا

اللهُ عَـوَّدَكَ الــجَـمِـيـلَ   ***   فَقِسْ عَلَى مَـا قَدْ مَضَى

يَقُولُ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى:

سَـهِـرَتْ أَعْـيُـنٌ وَنَـامَـتْ عُـيُونُ   ***   في أُمُورٍ تَكُونُ أَو لَا تَكُونُ

فَادْرَأِ الهَمَّ مَا اسْتَطَعْتَ عَنِ النَّفْسِ   ***   فَـحِمْلَانُـكَ الهُمُومَ جُنُونُ

إِنَّ رَبَّاً كَـفَـاكَ بِـالأَمْـسِ مَـا كَـانَ   ***   سَيَكْفِيكَ في غَدٍ مَا يَـكُونُ

تِلَاوَةُ القُرْآنِ سَبَبٌ لِكَسْبِ الهِمَّةِ العَالِيَةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَنْ تَكْسِبَ المَرْأَةُ الهِمَّةَ العَالِيَةَ إِلَّا بِتِلَاوَةِ القُرْآنِ الكَرِيمِ بِتَدَبُّرٍ، لِأَنَّ فِيهِ مِنَ القَصَصِ وَالأَحْكَامِ مَا فِيهِ حَيَاةٌ لِنَفْسِ المَرْأَةِ، وَفِيهِ هِدَايَةٌ للِقُلُوبِ، وَشَحْذٌ للهِمَمِ وَالعَزَائِمِ، قَالَ تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورَاً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ﴾.

الدُّعَاءُ سَبَبٌ لِكَسْبِ الهِمَّةِ العَالِيَةِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَنْ تَكْسِبَ المَرْأَةُ الهِمَّةَ العَالِيَةَ إِلَّا بِالدُّعَاءِ، لِأَنَّهُ بِالدُّعَاءِ تَقْوَى الهِمَمُ وَالعَزَائِمُ، وَتَدْفَعُ الهَمَّ وَالحَزَنَ، وَيَبْعَثُ في النَّفْسِ الاسْتِعَانَةَ بِاللهِ تعالى وَحُسْنَ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، روى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ وَحَزَنٌ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدَاً مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي؛ إِلَّا أَذْهَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحَاً».

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ؟

قَالَ: «أَجَلْ، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا أَرَدْنَا سَعَادَةً في حَيَاتِنَا الزَّوْجِيَّةِ، وَإِذَا أَرَدْنَا تَنْشِئَةَ جِيلٍ كَرِيمٍ، فَعَلَيْنَا بِعُلُوِّ الهِمَّةِ بِحُسْنِ الإِقْبَالِ عَلَى اللهِ تعالى، وَبِتَرْبِيَةِ نِسَائِنَا عَلَى ذَلِكَ، وَلَنْ يَكُونَ إِلَّا:

أولاً: بِتَقْوِيَةِ الإِيمَانِ في القُلُوبِ، وَلَنْ يَقْوَى الإِيمَانُ إِلَّا بِالطَّاعَاتِ وَبِتَرْكِ المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ.

ثانياً: بِكَثْرَةِ تِلَاوَةِ القُرْآنِ العَظِيمِ بِتَدَبُّرٍ، فَإِنَّهُ الغِذَاءُ لِقُلُوبِنَا وَسَبَبٌ في تَقْوِيَةِ إِيمَانِنَا، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانَاً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسَاً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ﴾.

ثالثاً: بِكَثْرَةِ الدُّعَاءِ للهِ تعالى، وَخَاصَّةً الدُّعَاءَ الذي ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ قَلِيلٍ.

في الخِتَامِ أَقُولُ: يَا أُخْتَاهُ، إِذَا أَرَدْتِ عُلُوَّ الهِمَّةِ فَاقْرَئِي مَا قَالَهُ تعالى عَنِ السَّيِّدَةِ مَرْيَمَ البَتُولِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا في القُرْآنِ العَظِيمِ، التي كَانَتْ رَمْزَاً للتَّجَرُّدِ للهِ تعالى، وَكَمَالِ عِبَادَتِهِ، قَالَ تعالى: ﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقَاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.

فَإِنْ كُنْتِ عَالِيَةَ الهِمَّةِ في الطَّاعَاتِ وَالعِبَادَاتِ، وَتَرْكِ سَفَاسِفِ الأُمُورِ فَلَنْ يُضَيِّعَكِ اللهُ تعالى أَبَدَاً.

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا هِمَّةً عَالِيَةً حَتَّى نُقْبِلَ عَلَيْكَ رِجَالَاً وَنِسَاءً. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**        **     **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 14/ ذو القعدة /1438هـ، الموافق: 6/ آب / 2017م